.
العقل الشعبي : بقر البطن والقفز من حالق - المقال الثاني

نبيل هلال في الإثنين ١٠ - سبتمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

لا يقتصر أثر البيئة على إجبار العقل على مهادنة الأفكار غير المعقولة وقبولها دونما رفض , بل المدهش حقا أنه يتعدى ذلك إلى التأثير فى العقل ذاته من حيث إمكان تغيير نسبة ذكائه . ولقد تكونت مفردات المجتمع الإسلامي الأول من العرب والفرس والروم والمصريين واليهود والنصارى ,منهم من بقي على ديانته , ومنهم من دخل في الإسلام . ولكل من هذه الأعراق لغته وثقافته وتراثه , وكان لهذا المزيج المتباين أثره البالغ في تشكيل العقلية "الشعبية" التي يمكن أن تتقبل الشيء وضده , وتتسع لتحتوي الحق والباطل معا , وتتسامح مع الخطأ وتتشدد مع الصواب . وبقيت الأباطيل الصوفية والشيعية مؤثرة في ضمير المسلم لأنها وُضعت خارج دائرة العقل , وأصبحت مقدسة , فباتت فوق التمحيص والانتقاد .
وزهَّدوا الناس في استخدام عقولهم لفهم النص قائلين إنه لا عقل متى ثبت النص عن الشارع , أجل النص مقدس وثابت فهو من عند الله , ولكن ما الداعي إلى تعطيل العقل أمام النص , وكيف يُفهم النص بلا عقل يكون هو الأداة لهذا الفهم وللعقل حدود لا يتجاوزها , وهذه الحدود هو أيضا - أي العقل - هو الذي يحددها. فالفقه " وهو بمعنى الفهم " يتفاوت بحسب العقل الفاهم والمعطيات المتاحة , والنص نفسه ثابت لا يتغير . والأمر يشبه السماء العالية يحاول كل من الطير والإنس والجن بلوغها , ولكل وسيلته , وهي عالية يسعى إليها من يسعى. والقول بتعطيل العقل على أي نحو من الأنحاء إنما هي دعوة إلى الضلال والإضلال . فبالعقل يعلم الإنسان حدوده التي لا ينبغي تجاوزها , وبالعقل يعرف الإنسان أن الإيمان بالغيب من شروط الإيمان ولا جدوى من محاولة إعمال العقل في الغيبيات إذ تقع خارج نطاق قدرته . ونرى أن الدعوة إلى تعطيل العقل حتى أمام النصوص هو إفساح الطريق أمام التفسيرات الباطنية التي أخذت بها كثير من الفرق المغالية , فالعقل هو آلة فهم النص إذ يدور بتواضع في فلك النص الإلهي يستنبط منه المعاني والأحكام . ولا يقولن منصف بتحييد العقل فهو أداة الإنسان الذي يعرف أين ومتى يُعمل عقله لاستخلاص المعاني والأفكار والعبر , كما يعرف متى يقف معترفا بعجزه عن تجاوز حدوده . والحذر الحذر ممن يدَّعون امتلاكهم سلطات روحية ، فهم يفعلون بالناس الأفاعيل زعما أنهم مقدسون , فالقداسة ابتداء تنفى المساواة , إذ تضع الشيخ الصوفي والولى والأئمة والآيات الشيعية على طرفى نقيض في مواجهة البسطاء والعوام ، فتجرد أحدهما من حقه ، وتثبت للآخر ما ليس له من الحقوق .
وكان فدائيو فرقة الإسماعيلية الشيعية يُؤمرون بطعن أنفسهم بالخناجر فلا يترددون لحظة فى بقر بطونهم أو نحر أنفسهم فتلك إرادة أربابهم الشيوخ , ويُطلب منهم إلقاء أنفسهم من حالق , فيقفزون عن طيب خاطر. وكان المشركون يقدسون أصنام أجدادهم ويتبعون معتقدات آبائهم الأولين وينافحون عنها بأرواحهم , وقد ندد القرآن الكريم بهذا الاتباع الأعمى والقدسية الباطلة . ويجب تمحيص الأفكار لمعرفة ما إذا كانت تحمل داخلها حقائق يقرها المنطق أم هى مجرد موروثات ألِفناها بمرور الوقت وصدقناها مع الزمن , أو استمالنا أحد الى تصديقها , أو أجبرنا أحد على اعتناقها. (يُتبع)

 

اجمالي القراءات 7146