الفصل الخامس الأعداء من يهود
الفصل الخامس الأعداء من يهود

محمود علي مراد في الأحد ١٢ - أغسطس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

الفصل الخامس

الأعداء من يهود

أ - النص

نصبت أحبار يهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم العداوة، بغياً وحسداً وضغناً، لما خص الله تعالى به العرب من أخذه رسوله منهم، وانضاف إليهم رجال من الأوس والخزرج، ممن كان عسى (أي بقي) على جاهليته فكانوا أهل نفاق وعلى دين آبائهم من الشرك والتكذيب بالبعث، إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره واجتماع قومهم عليه، فظهروا بالإسلام، واتخذوه جُنَّة من القتل ونافقوا في السر، وكان هواهم مع يهود، لتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم، وجحودهم الإسلام.  وكانت أحبار يهود هم الذين يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعنَّتونه (أي يشقُّون عليه)، ويأتونه باللَبس، ليلبسوا الحق بالباطل، فكان القرآن ينـزل فيهم فيما يسألون عنه، إلا قليلاً من المسائل في الحلال والحرام كان المسلمون يسألون عنها.

وسرد النص أسماء أربعة وستين يهودياً، وأضاف: فهؤلاء أحبار اليهود، أهل الشرور والعداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأصحاب المسألة، والنصب لأمر الإسلام الشرور ليطفئوه، إلا ما كان من عبد الله بن سلام ومخيريق.(1)   

إسلام عبد الله بن سلام(2)

كان عبد الله بن سلام حبراً عالماً، وقد حكى قصة إسلامه فقال: لما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت صفته واسمه وزمانه الذي كنا نتوكف (أي نترقَّب ونتوقع) له، فكنت مسرَّا ً لذلك، صامتاً عليه، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فلما نـزل بقباء، في بني عمرو بن عوف، أقبل رجل حتى أخبر بقدومه، وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها، وعمتي خالدة بنت الحارث تحتي جالسة، فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم كبَّرت؛ فقالت لي عمتي، حين سمعت تكبيري: خيبك الله، والله لو كنت سمعت بموسى بن عمران قادماً ما زدت، فقلت لها: أي عمَّة، هو والله أخو موسى بن عمران، وعلى دينه، بُعث بما بُعث به. فقالت: أي ابن أخي، أهو النبي الذي كنا نُخبر أنه يبعث مع نفس الساعة؟ فقلت لها: نعم. فقالت: فذاك إذاً. ثم خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمت، ثم رجعت إلى أهل بيتي، فأمرتهم فأسلموا.

وكتمت إسلامي من يهود، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: يا رسول الله، إن يهود قوم بهت (أي باطل)، وإني أحب أن تدخلني في بعض بيوتك، وتغيبني عنهم، ثم تسألهم عني، حتى يخبروك كيف أنا فيهم، قبل أن يعلموا بإسلامي، فإنهم إن علموا به بهتوني وعابوني. فأدخلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض بيوته، ودخلوا عليه، وكلموه وساءلوه، ثم قال لهم: أي رجل الحصين بن سلام فيكم؟ قالوا: سيدنا وابن سيدنا، وحبرنا وعالمنا. فلما فرغوا من قولهم خرجت عليهم، فقلت لهم: يا معشر يهود، اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به، فوالله إنكم تعلمون إنه لرسول الله، تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة باسمه وصفته، فإني أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأومن به وأصدقه وأعرفه، فقالوا: كذبت ثم وقعوا بي، فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم أخبرك يا رسول الله أنهم قوم بُهت، أهل غدر وكذب وفجور! فأظهرت إسلامي وإسلام أهل بيتي، وأسلمت عمتي خالدة بنت الحارث، فحسُن إسلامها.     

حديث مخيريق(3)

كان مخيريق حبراً عالماً، وكان رجلاً غنياً كثير الأموال من النخل، وكان يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته، وما يجد في علمه، وغلب عليه إلف دينه، فلم يزل على ذلك، حتى إذا كان يوم أُحد، وكان يوم أُحد يوم السبت، قال: يا معشر يهود، والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق. قالوا: إن اليوم يوم السبت، قال: لا سبت لكم. ثم أخذ سلاحه، فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد، وعهد إلى من ورائه من قومه: إن قتلت هذا اليوم، فأموالي لمحمد يصنع فيها ما أراه الله. فلما اقتتل الناس قاتل حتى قُتل. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مخيرين خير يهود. وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أمواله، فعامة صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة منها.

شهادة عن صفية(4)

عن صفية بنت حيي بن أخطب أنها قالت: كنت أحَبَّ ولد أبي إليه، وإلي عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ونـزل قباء، غدا عليه أبي، حيي بن أخطب، وعمي أبو ياسر بن أخطب، مُغَلِّسين. فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس. فأتيا كالَّيْن كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى. فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما التفت إليَّ واحد منهما، مع ما بهما من الغمِّ. وسمعت عمي أبا ياسر، وهو يقول لأبي حيي بن أخطب: أهو هو؟ قال: نعم والله، قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم، قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت.

من أسلم من أحبار يهود نفاقاً(5)

وكان ممن تعوَّذ بالإسلام، ودخل فيه مع المسلمين وأظهره وهو منافق، من أحبار اليهود، من بني قينقاع: سعد بن حنيف، وزيد بن اللصيت، ونعمان بن أوفى. وزيد بن اللصيت، الذي قاتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسوق بني قينقاع، وهو الذي قال، حين ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم: يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءه الخبر بما قال عدو الله في رحله، ودلَّ الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم على ناقته: "إن قائلاً قال: يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء، ولا يدري أين ناقته؟ وإني والله ما أعلم إلا ما علمني الله، وقد دلني عليها، فهي في هذا الشعب، قد حبستها شجرة بزمامها"، فذهب رجال من المسلمين، فوجدوها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما وصف. ورافع بن حريملة، وهو الذي قال الرسول صلى الله عليه وسلم حين مات: قد مات اليوم عظيمٌ من عظماء المنافقين؛ ورفاعة بن زيد التابوت، وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هبت عليه الريح، وهو قافل من غزوة بني المصطلق، فاشتدت عليه حتى أشفق المسلمون منها، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تخافوا، فإنما هبَّت لموت عظيم من عظماء الكفار. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد رفاعة بن زيد التابوت مات ذلك اليوم الذي هبت فيه الريح، وسلسلة بن برهام، وكنانة بن صوريا.

ب - التحليل

1– قال أبو الهيثم بن التيهان في اجتماع العقبة الذي انتهى بعقد بيعة الحرب قبل الهجرة: "يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال حبالاً، وإنا قاطعوها - يعني اليهود - فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟" والحاصل أن ما ورد في "السيرة" عن السنة الأولى التي تلت عودة الحجاج الذين اشتركوا في هذه البيعة إلى المدينة ليس فيه أي ذكر لإجراءٍ ما اتخذه مسلمو هذه البلدة أو قبيلة أبي الهيثم لقطع علاقاتهم مع اليهود. وهذا دليل إضافي على أن البيعة المذكورة لم يكن لها وجود. وما يمكن إضافته هنا هو أن المؤلف حين اختلق قول أبي الهيثم إنما أراد أن يستخدم اليهود ليضيف إلى أفضال أهل المدينة. فبعد أن قدَّم حجاج المدينة الثلاثة والسبعين، ومن ورائهم مسلمو المدينة، على أنهم حُماة الرسول ضد قريش بجعل متكلميهم في الاجتماع يتحدثون عن الحرب والسلاح، نراه، فيما يبدو لنا، يستغل عداء اليهود للرسول صلى الله عليه وسلم خلال الفترة المدنية ليقول إن "الأنصار" كانوا، من فرط حبهم للرسول صلى الله عليه وسلم، على استعداد للتضحية بالمصالح التي كان يحققها لهم تحالفهم معهم.

2– كان استغلال المؤلف لعداء اليهود للرسول صلى الله عليه وسلم خلال السنة المدنية الأولى يهدف، فيما يبدو، إلى بلوغ غرض آخر خفي: فإن النص حين يضخِّم هذا العداء ويصوره على أنه أهم سمات هذه الفترة، وحين يقول إن "الأنصار" المنافقين هم أولئك الذين يحبون اليهود أو الذين نجح اليهود في التأثير عليهم، يبرز اليهود باعتبارهم أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم الرئيسيين. وهو يخفي القطب الآخر للعداء له صلوات الله وسلامه عليه، وهو القطب المتمثل في مشركي المدينة. هؤلاء المشركون الذين صمدت وثنيتهم أمام اليهودية والذين كان تمسُّكُهُم بمعتقداتهم لا يقل قوة عن تمسُّك كفار قريش وقبائل الجزيرة الأخرى بها. لقد كان هؤلاء المشركون قطعاً، كما أوضحنا بصدد تحليل عناصر النص المتعلقة بإسلام أهل المدينة، أكبر عدداً بكثير من الأسر الثلاث أو الأربع من عشيرة أوس الله التي ذكرها المؤلف. كذلك أخفى المؤلف عداء النصارى للإسلام لأن المدينة، في رأيه، لم يكن فيها نصارى.

3– النص لا يعطي أي فكرة عن أوجه النشاط الاقتصادي في المدينة، ولا عن الدور الذي كان يقوم به فيه الأوس والخزرج من ناحية، واليهود من ناحية أخرى. ونحن لا نعرف ما إذا كان هؤلاء وهؤلاء يمارسون جميع الأنشطة، كالزراعة واستغلال بساتين النخيل، مثلاً، وما إذا لم يكن يهود المدينة يمارسون بالإضافة إلى ذلك، أنشطة تجارية ومالية وعقارية ويدوية، وما إذا لم يكن لهم في هذه المجالات الأربعة مركز احتكاري أو مهيمن. والمؤلف يتحدث عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم خلال الفترة المدنية، كما فعل خلال الفترة المكية، دون أن يتناول الجوانب الاجتماعية- الاقتصادية للبيئة التي كانت تتردد فيها أصداء الدعوة إلى الدين الجديد. يؤكد ذلك أن قائمة أسماء أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود لا تتضمن إلا أسماء أحبارهم. إن العناصر التي يزودنا بها النص، في حالة مكة، التي يستفاد منها أن هذه البلدة كانت مركزاً دينياً لبلاد العرب كلها، وأن أهلها كان معظمهم يمارسون مهنة التجارة، وأن هذه القبيلة أو تلك من قبائلها كانت تتمتع بامتيازات ذات طابع اقتصادي وديني، وأن الحكومة فيها كانت تتولاها هيئة يُمثَّل فيها رؤساء القبائل المختلفة - نقول إن هذه العناصر تسمح للمرء بتفهُّم الأسباب "فوق الدينية" التي كانت تحفز جانباً من مجتمع قريش إلى قبول الإسلام وتحفز جانباً آخر إلى معارضته. أما في حالة المدينة، فإن المهمة أصعب، لافتقارنا إلى معلومات عن الوسط الذي كان يدور فيه عمل الرسول صلى الله عليه وسلم وعمل المسلمين. نحن نعرف مثلاً أن بني قينقاع كان لهم سوق، ولكننا لا نعرف ما إذا كان أصحابه يبيعون فيه سلعاً من إنتاجهم وحدهم أم سلعاً مما استوردوه من الخارج أو مما اشتروه في مكة أو في الجزيرة العربية؛ وما إذا كانت القبائل اليهودية الأخرى تملك هي الأخرى أسواقاً تجارية؛ وما إذا كان عرب المدينة يبيعون بضاعتهم في سوق أو أسواق اليهود أم أنهم كانت لهم أسواق خاصة بهم وأن التجاءهم إلى أسواق اليهود كان فقط للشراء؛ وما إذا كان اليهود يمارسون في المدينة نشاطاً مالياً يقرضون فيه الأموال بفائدة، إلى جانب نشاطهم التجاري. ونحن لا نعرف شيئاً عن العلاقات الاقتصادية التي كانت قائمة بين القبائل اليهودية وقبائل العرب في المدينة؛ ونجهل ما إذا كانت هناك مشروعات مختلطة يشترك فيها أفراد من الجماعتين بأموالهم وأشخاصهم، وما إذا كانت في المدينة قوافل تخرج للتجارة الخارجية أو للتجارة الداخلية في أنحاء الجزيرة، من نوع قوافل مكة، وما إذا كان اليهود يوظفون في أعمالهم التجارية أو الزراعية أفراداً من قبيلتي الأوس والخزرج، وبأي نسبة.

4– النص يخبرنا أن بعض عشائر المدينة العربية كان فيها أعضاء من اليهود، ولكننا نجهل كيف تم تحوُّلهم إلى اليهودية، وهل حدث هذا التحول بالزواج أو عن طريق آخر؛ ونحن نعرف أنه كانت هناك أحلاف بين القبائل اليهودية والقبائل العربية في المدينة، ولكننا نعرف أيضاً أن اليهود كانوا يعيشون في آطام خارج حدود المدينة. ونحن نعرف أن بعض القبائل اليهودية كانت تحالف الأوس، وأن بعضها الآخر كانت تحالف الخزرج، ولكننا نجهل ما إذا كانت هذه الأحلاف عسكرية فقط أو ما إذا كانت لها أيضاً جوانب مدنية واجتماعية.

5– أياً كان الأمر، فإن من المسموح به أن نتصور أن اليهود، بحكم ثقافتهم الأعلى، وحنكتهم التي ورثوها من أسلافهم، والعلاقات التي كانت ولابد تربطهم بإخوانهم في الدين خارج الجزيرة، كانوا يحتلون مركز الصدارة في الأنشطة التجارية والمالية وفي الصناعات اليدوية في المدينة.

ولابد أن وصول الرسول صلى الله عليه وسلم ومهاجري مكة الذين نشأوا في مجتمع ذي تقاليد تجارية ومالية، والتطورات العميقة التي أحدثها وجودهم وتقاطر الزائرين "الأجانب" في المدينة، قد ولدت لدى المجتمع اليهودي بها مخاوف وعداء لا يشق فهمها. لقد كان المسلمون، بدينهم الذي يتجه إلى العرب بكتاب منـزل في لغتهم، ثم بنوع النشاط الذي تمرسوا عليه، يشكلون بالنسبة لليهود خطراً حقيقياً. وقد نجم عن اتساع رقعة الإسلام في مدينتهم خسارة في حصصهم من السوق، إذ أن زبائنهم الذين أسلموا كانوا يفضلون التعامل مع تجار من دينهم بدلاً من التجار اليهود. لذلك كانت مناهضة الإسلام، ومنعه من الانتشار، بالنسبة لهم، بغض النظر عن الاعتبارات الدينية، مسألة وضعٍ اجتماعي وسياسي ومسألة مصير.

إن في الإمكان تقسيم اليهود الذين يتحدث عنهم النص إلى أربع فئات: اليهود المنتمون إلى بطون مدنية غير يهودية، والذين اعتنقوا اليهودية أو اعتنقها أسلافهم؛ واليهود الذين اعتنقوا الإسلام عن إيمان، واليهود الذين أسلموا نفاقاً؛ واليهود الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم. وسنتحدث عن هذه الفئة الأخيرة تحت عنوان "الاقتباسات القرآنية". وفيما يلي بعض الملحوظات عن الفئات الثلاث الأخرى:

 أ ) اليهود من أعضاء البطون المدنية: اهتمام "الصحيفة" بهذه الفئة دليل على أن عددهم ومكانتهم في بطونهم كانا كبيرين. ونظراً إلى أن العمل على نشر الدين ليس من تقاليد اليهود، فإن حالة هذه الفئة - إذا كانت قد وجدت أصلاً - جديرة بالاهتمام. كم كان عددهم؟ هل كان في البطون المدنية الأخرى يهود مثلهم؟ ماذا كان أثر دينهم على علاقاتهم بإخوانهم في الدين بين القبائل اليهودية، وبأعضاء بطونهم؟ النص لا يرد على هذه الأسئلة ولا يعطي أي مثل حيّ لأي من هؤلاء اليهود، كما أنه لا يروي أية حادثة تتعلق بهم. والمكان الوحيد الذي نجد فيه أثراً لهم هو قائمة "الأعداء من يهود" التي تتضمن اسمي رجلين ينتميان إلى عشيرة عمرو بن عوف والنجار اللتين جاء ذكرهما في "الصحيفة".

ب) اليهود الذين أسلموا: يتحدث النص بشيء من الإفاضة عن حالة عبد الله بن سلام وذويه، وكذلك، في فقرة من عشرة أسطر، عن مخيريق. وقد أسلم الأول، كما رأينا، بعد التقائه بالرسول صلى الله عليه وسلم. أما الثاني، فإن المعلومة الخاصة به لا تتحدث إلا عن ذهابه إلى أحُد للانضمام إلى صفوف المسلمين، وعن ماله الذي أوصى به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد ذكرت أسماء ثلاثة يهود آخرين أسلموا، في تقديم إحدى الاقتباسات القرآنية التي سنعرض لها فيما بعد.

ج ) الأحبار الذين أسلموا نفاقاً: يلاحظ ما يأتي على ما جاء بشأنهم في النص: خُصصت صفحة واحدة لحالات النفاق العشر الخاصة بهؤلاء الأحبار؛ وفي سبع من هذه الحالات، كل ما نعرفه هو أسماء الأحبار المعنيين؛ والنفاق في الحالة الثامنة ناتج من جملة نطق بها الحَبر؛ وبالنسبة للحالتين الأخيرتين لم يذكر شيء ذو دلالة كشرح للنفاق المنسوب للحبرين.

د ) النص، الذي لا يتحدث عن أي اتصال جرى بين مشركي المدينة ومشركي مكة، لا يتحدث أيضاً عن أي اتصالات جرت بين اليهود وبين مشركي مكة. وتخبرنا "السيرة" أن قريشاً اتصلت بيهود المدينة في بداية الفترة المكية بشأن محمد صلى الله عليه وسلم. ولابد أن مثل هذا الاتصال تكرر خلال الفترة المكية، وأن يهود المدينة زودوا قريشاً، لأغراض حملاتهم الدعائية ضد محمد، بحجج مؤداها أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لم تكن رسالة أصيلة وأن كل ما فعله النبي العربي هو نقل ما ورد في كتب اليهود والنصارى.

الاقتباسات القرآنية

يقول ابن إسحاق: ففي هؤلاء من أحبار اليهود، والمنافقين من الأوس والخزرج، نـزل صدر سورة البقرة إلى المائة منها. والاقتباسات القرآنية الواردة في النص، تحت عنوان: "ما نـزل من البقرة في المنافقين ويهود"، هي أطول الاقتباسات التي نجدها في "السيرة" كلها. وسنقوم فيما يلي بتحليل تعليقات النص بشأن هذه الاقتباسات. وتوخياً للسهولة ولكي لا تبتعد ملحوظاتنا كثيراً عن الآيات القرآنية موضوع التعليق، راعينا أن تأتي هذه الملحوظات بعد الآيات المقتبسة وتعليقات النص عليها، وقد صنَّفنا هذه الآيات حسب موضوعاتها ورقَّمناها. 

الاقتباس رقم 1(6)

الم ﴿1﴾ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴿2﴾الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴿3﴾والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنـزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنـزلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴿4﴾أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿5﴾

ملحوظة

لا حديث هنا، لا عن اليهود ولا عن المنافقين. والنص يكتفي بشرح هذه الآيات.

الاقتباس رقم 2(7)

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴿6﴾خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ ﴿7﴾

النص

فهذا في الأحبار من يهود، فيما كذَّبوا به من الحق بعد معرفته.

ملحوظتان

 أ ) ليس في عبارة الآيتين، ولا في ما سبقهما من آيات، أي إشارة إلى الأحبار.

ب) "الذين كفروا"، بإطلاق، تعبير، في السور المكية، يعني المشركين؛ وليس من سبب يعطيه معنى مختلفاً في الفترة المدنية. 

الاقتباس رقم 3(8)

وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ﴿8﴾يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿9﴾فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴿10﴾وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴿11﴾أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ ﴿12﴾وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ ﴿13﴾وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ ﴿14﴾اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴿15﴾أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ﴿16﴾مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ ﴿17﴾صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴿18﴾أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ ﴿19﴾يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿20﴾

النص

– الآية (8): يعني المنافقين من الأوس والخزرج، ومن كان على أمرهم.

– الآية (11): "إنما نحن مصلحون" أي إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب.

– الآية (14): "وإذا خلوا إلى شياطينهم" من يهود، الذين يأمرونهم بالتكذيب بالحق، وخلاف ما جاء به الرسول.

ملحوظة

ليس من المعروف إلى أي أساس استند النص في هذا التأويل. إن معنى الاقتباس واضح، والآيات تتحدث عن الأشخاص الذين يدعون أنهم مؤمنون والذين هم، دون أن يشعروا، غير مؤمنين. هذا تحذير عام يعني أنه لا يكفي أن يقول المرء إنه مؤمن ليكون مؤمناً حقاً. وادعاء أن الآية (8) تشير إلى منافقي الأوس والخزرج ادعاءٌ باطل. وادعاء أن هؤلاء المنافقين، من جهة أخرى، حاولوا الإصلاح بين المؤمنين وأهل الكتاب، ادعاءٌ لا يمكن حمله على محمل الجد، خاصةً وأن شيئاً في النص لا يذكر مثل هذا المسعى. وأخيراً، فإن تعريف الشياطين بأنهم اليهود رأيٌ شخصي في معنى الآية (14) لا يستند إلى شيء في القرآن الكريم. ثم إن الآية (19) من الاقتباس ذاته توحي بأن الأشخاص الذين يقولون "آمنا بالله وباليوم الآخر" الذين ذكرتهم الآية (8) هم في واقع الأمر الكفار الذين يحيط بهم الله سبحانه وتعالى. وهذا ينطبق على كل من وصفتهم هذه الآية والآيات التالية، أياً كان دينهم، سواءً ادعوا أنهم مسلمون أو أنهم من اليهود. والحكم الوارد بهذه الآية، بالنسبة للمسلمين، لا يختلف عن ذلك الذي نصَّت عليه الآيتان:

"قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿14﴾إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴿15﴾" [الحجرات].   

الاقتباس رقم 4(9)

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿21﴾الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنـزلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿22﴾وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نـزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿23﴾فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴿24﴾ 

النص

الآية (21): "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ "، للفريقين جميعاً، من الكفار والمنافقين.

ملحوظة

في هذه الآيات الكريمة دعوة إلى الإيمان ونهيٌ عن الشرك وتحدٍ للكفار بأن يأتوا بسورة مثل سُوَر القرآن. وهذه المعاني كثيرة في القرآن الكريم.

الاقتباس رقم 5

وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿25﴾إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ ﴿26﴾الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿27﴾كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿28﴾هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿29﴾وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴿30﴾وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿31﴾قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿32﴾قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ﴿33﴾وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴿34﴾وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ ﴿35﴾فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴿36﴾فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿37﴾قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿38﴾وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿39﴾

النص

هذه الآيات غير واردة في النص، الذي يكتفي في شأنها بقوله: ثم رغَّبهم وحذرهم نقض الميثاق الذي أخذ عليهم لنبيه صلى الله عليه وسلم إذا جاءهم، وذكر لهم بدء خلقهم حين خلقهم، وشأن أبيهم آدم عليه السلام وأمره، وكيف صُنع به حين خالف عن طاعته.

ملحوظة

تأويل النص المختصر لكل هذه الآيات تأويلٌ تعسفي. والميثاق الذي تتحدث عنه الآية (27) هو التزام كل مؤمن قِبل ربه باحترام مبادئ دينه وأوامره ونواهيه.

الاقتباس رقم 6(10)

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴿40﴾وَآمِنُواْ بِمَا أَنـزلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ﴿41﴾وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿42﴾وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴿43﴾أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴿44﴾ 

النص

الآية (40): "يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ " للأحبار من يهود "اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ" أي بلائي عندكم وعند آبائكم، لما كان نجاهم به من فرعون وقومه؛ "وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي" الذي أخذت في أعناقكم لنبيي أحمد إذا جاءكم، "أُوفِ بِعَهْدِكُمْ" أنجز لكم ما وعدتكم على تصديقه وإتباعه بوضع ما كان عليكم من الأصفاد والأغلال التي كانت في أعناقكم بذنوبكم التي كانت من إحداثكم؛ "وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ"، أي أن أنـزل بكم ما أنـزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات التي عرفتم، من المسخ وغيره؛ الآية (41): "وَآمِنُواْ بِمَا أَنـزلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِوَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ" وعندكم من العلم فيه ما ليس عند غيركم؛ الآية (42): "وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ"، أي لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وبما جاء به، وأنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم؛ الآية (44): "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ"، أي أتنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوة والعهد من التوراة وتتركون أنفسكم، أي وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي، وتنقضون ميثاقي، وتجحدون ما تعلمون من كتابي.

ملحوظة

المآخذ التي يأخذها القرآن الكريم على بني إسرائيل - لا على أحبارهم - في هذه الآيات كانت تنسحب ولا شك على عدد كبير من الوقائع التاريخية. وكان المنتظر من النص أن يصورها بأمثلة ملموسة. هل باع اليهود للمشركين آيات قرآنية زوَّروها بمعرفتهم لكي يروجوها كتنـزيل قرآني صحيح؟ هل قدموا لهم نصوصاً ادعوا أنها وردت في التوراة تقول إن دجَّالاً اسمه محمد سيدَّعي النبوة وأنه يتلقى وحياً إلهياً؟ هل تأكدوا أن نصوصاً قرآنية هي نُسخ طبق الأصل من كتاباتهم؟ ماذا كانت تلك النصوص بالضبط؟ أي بلبلة أحدثتها لدى المشركين والمسلمين، وماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ليثبت تزويرها؟ إن مؤلفنا، بدلاً من القيام بعمله كمؤرخ، اكتفى بشرح الآيات، مع أن معناها واضح ليس فيه أدنى غموض.

الاقتباس رقم 7

وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴿45﴾الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴿46﴾يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿47﴾وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ﴿48﴾وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴿49﴾وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ﴿50﴾وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ ﴿51﴾ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿52﴾وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴿53﴾وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿54﴾وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نرى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ﴿55﴾ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿56﴾وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنـزلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴿57﴾وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنـزيدُ الْمُحْسِنِينَ ﴿58﴾فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنـزلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ﴿59﴾وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴿60﴾وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ﴿61﴾إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿62﴾وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  ﴿63﴾ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ ﴿64﴾وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴿65﴾فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ﴿66﴾وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴿67﴾قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ ﴿68﴾قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﴿69﴾قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ﴿70﴾قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ ﴿71﴾وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ﴿72﴾فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿73﴾

ملحوظات

 أ ) من هذه الآيات الثلاثين، التي تكاد تمثل ثلث الآيات المائة الأولى من سورة البقرة التي يدعي ابن إسحاق أنها نـزلت في أحبار اليهود وفي منافقي الأوس والخزرج، لا ينقل النص إلا مقتطفات لا يزيد طولها على ثلاثة أو أربعة سطور. ثم هو يلخص باقيها في كلمات مع شروح لا تشرح في الواقع شيئاً كثيراً.

ب) ولا يبين لنا النص، في هذا الاقتباس كما في الاقتباس السابق، لماذا يدَّعي أن القول الإلهي موجه إلى أحبار اليهود على وجه التخصيص، مع أن عبارته تتجه إلى بني إسرائيل عامة بصورة قاطعة.

ج ) وهو لا يشرح بعض الأحداث التي ورد ذكرها في آيات القرآن الكريم عن تاريخ اليهود والتي يحتاج قارئها إلى مزيد من المعلومات بشأنها مثل من طلبوا رؤية الله تعالى جهرة فأخذتهم الصاعقة ثم بعثهم الله بعد موتهم، والأنبياء الذين قتلهم اليهود فضرب الله تعالى عليهم الذلة والمسكنة؛ واعتداؤهم في السبت، وأخيراً قصة البقرة التي ذبحوها مع أن الله تعالى حرَّم عليهم ذبحها، والنفس التي قتلوها والتي أحياها الله حين ضربوها ببعض البقرة المذبوحة.  

د ) الخطاب الإلهي في هذا الاقتباس، فيما عدا الأحداث التي وردت فيه، لا يختلف في شيء عن ذلك الذي ورد في القرآن الكريم منذ بداية التنـزيل:

– تذكير بنعم الخالق على العباد؛

– ذكر بعض صفاته سبحانه وتعالى: فهو التواب الرحيم؛

– مسئولية كل إنسان عن أعماله؛

– الله تعالى آتي موسى الكتاب والفرقان؛

– مسموح لليهود أن يأكلوا ويشربوا من طيبات ما رزقهم الله بشرط ألا يعثوا في الأرض مفسدين؛

– علي اليهود أن يأخذوا ما آتاهم الله بقوة وأن يذكروا ما فيه؛

– عليهم أن يستعينوا بالصبر والصلاة وأن يعرفوا أنهم ملاقو ربهم وأن يذكروا نعمته عليهم.

– إن قالوا حطة غفر الله لهم خطاياهم وزادهم من فضله؛

– إن لم يتبعوا ما أنـزل الله فما ظلموه ولكن كانوا أنفسهم يظلمون. 

ه ) الآيات المقتبسة تسجل على يهود العصور السالفة أنهم تولوا عما آتاهم الله من كتاب ولكنها تذكِّر بأن الله عفا عنهم وأن رحمته تداركتهم لئلا يكونوا من الخاسرين، وهو ما يعني - خلافاً لما يبدو من النص - أن من الخطأ مساواتهم، هم وأحبارهم، بالكفرة والشياطين دون تمييز.

و ) والآية الكريمة (62) تؤيد هذا، فهي تقرر مبدأ المساواة بينهم وبين المسلمين في استحقاق رحمة ربهم إذا آمنوا بالله واليوم الآخر وعملوا صالحاً.

ز ) هذا الخطاب الإلهي الموجه بصورة مباشرة إلى بني إسرائيل، بالإضافة إلى ما سبق أن أبلغهم به أنبياؤهم والسيد المسيح، موجه أيضاً إلى المسلمين بالإضافة إلى ما سبق نـزوله من القرآن الكريم عن موسى واليهود، لكي يتعظوا، وفقاً للآية (66)، بما لحق اليهود من نكال لأنهم أعرضوا عن تعاليم كتبهم.

ح ) وأخيراً فإن هذا الخطاب يشبه ذلك الذي أبلغه جميع الأنبياء السابقين إلى أقوامهم؛ وهو تعبير، في نظر القرآن الكريم، عن فضل الله على اليهود، والقرآن الكريم يخاطب النصارى بمثل خطابه لليهود، ولكنه لا يخاطب المشركين أبداً بمثله.

الاقتباس رقم 8(11)

ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴿74﴾أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿75﴾وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴿76﴾أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴿77﴾وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ﴿78﴾

النص

قالوا لموسى: يا موسى، قد حيل بيننا وبين رؤية الله، فاسمعنا كلامه حين يكلمك، فطلب ذلك موسى عليه السلام من ربه، فقال له: نعم، مُرْهم فليطَّهروا، أو ليُطهِّروا ثيابهم، وليصوموا ففعلوا. ثم خرج بهم حتى أتي بهم الطور، فلما غشيهم الغمام أمرهم موسى فوقعوا سُجَّداً، وكلمه ربه، فسمعوا كلامه تبارك وتعالى، يأمرهم وينهاهم، حتى عقلوا منه ما سمعوا، ثم انصرف بهم إلى بني إسرائيل، فلما جاءهم حرَّف فريق منهم ما أمرهم به، وقالوا، حين قال موسى لبني إسرائيل: إن الله قد أمركم بكذا وكذا، قال ذلك الفريق الذي ذكر الله عزَّ وجلَّ: إنما قال كذا وكذا، خلافاً لما قال الله لهم، فهم الذين عنى الله عزَّ وجلَّ لرسوله صلى الله عليه وسلم.

ملحوظة

القرآن الكريم يوضح هنا المأخذ الذي أُخذ على اليهود في الاقتباس رقم (6)، مأخذ كتمان الحق. وهو إذ يتجه هذه المرة إلى المسلمين، يخبرهم أن اليهود، في أحاديثهم معهم، ليسوا حسني النية وأنهم يخفون بعض الحقائق (الواردة في كتبهم) خشية أن يحتج بها المسلمون ضدهم. ويضيف القرآن الكريم هنا مآخذ أخرى ضد اليهود: إن قلوبهم قاسية؛ وبعضهم يحرِّفون كلام الله من بعد ما عقلوه؛ وهم منافقون، وهم يستهينون بتهديد القرآن؛ وبعضهم يتحدثون على اعتبار أنهم يهود ولكنهم لا يعرفون ما هي اليهودية.

وكل هذه المآخذ بُنيت بالتأكيد على وقائع محسوسة وفعلية. وهي تدل أولاً  على أن محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه اتصلوا باليهود ليحدثوهم عن دينهم وأن اليهود لم يقتنعوا بما قالوا. وهي تدل ثانياً على أن بعض اليهود حرفوا كلام الله. والذي حدث هو أن نص ابن إسحاق، بدلاً من تصوير الاتصالات والمحادثات التي تمت بين المسلمين واليهود ومن توضيح ما إذا كان كلام الله الذي حرفوه هو القرآن الكريم أم كتاباتهم نفسها، ومم كانت تتكون عملية التحريف التي قاموا بها، يتخلص من الصعوبة بادعاء أن عملية التحريف التي تحدَّث عنها القرآن الكريم لم تحدُث خلال الفترة المدنية ولكن في الأيام الخوالي، أيام موسى عليه السلام، ثم يخترع حكاية عن بعض اليهود - من غير الأحبار - الذين أتيح لهم شرف ادخره القرآن الكريم لموسى من بين جميع الأنبياء، هو شرف الاستماع إلى كلام الله بصورة مباشرة ودون وساطة، والذين كذبوا على قومهم. 

الاقتباس رقم 9(12)

وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴿80﴾بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿81﴾وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿82﴾وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ ﴿83﴾وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ﴿84﴾ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴿85﴾أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ﴿86﴾

النص

الآية (80): قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، واليهود تقول: إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما يعذب الله الناس في النار بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوماً واحداً في النار من أيام الآخرة، وإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب، فأنـزل الله الآية في ذلك من قولهم.

الآيات من (84) إلى (86): كان اليهود فريقين، منهم بنو قينقاع ولفَّهم ( أي من عُدَّ فيهم)، حلفاء الخزرج؛ والنضير وقريظة ولفَّهم، حلفاء الأوس. فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب، خرجت بنو قينقاع مع الخزرج وخرجت النضير وقريظة مع الأوس يظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه، حتى يتسافكوا دماءهم بينهم، وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم، والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان: لا يعرفون جنة ولا ناراً، ولا بعثاً ولا قيامة، ولا كتاباً، ولا حلالاً ولا حراماً، فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أسراهم، تصديقاً لما في التوراة، وأخذ به بعضهم من بعض، يفتدي بنو قينقاع مَن كان من أسراهم في أيدي الأوس وتفتدي النضير وقريظة ما في أيدي الخزرج منهم، ويطلّون (أي يبطلون) ما أصابوا من الدماء، وقتلى من قتلوا منهم فيما بينهم، مظاهرة لأهل الشرك عليهم.

ملحوظات

 أ ) سياق الآية (80) يوحي بأن القرآن الكريم يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرد لا، كما يبدو من النص، على دعوى عامة كانت منتشرة حين وصل إلى المدينة، وإنما على قول قاله اليهود (أو المشركون) خلال مناقشة كانت لهم معه بشأن آيات قرآنية تعِد الكفار بنار جهنم الأبدية.

ب) شرح النص للآيتين (84) و (85) الذي مؤداه أنهما تشيران إلى حروب سابقة بين الأوس والخزرج قتل اليهود بمناسبتها بعضهم البعض، وأخرجوا فريقاً منهم من ديارهم، ثم فدى كل منهم أسراه، يبدو غير مقنع. ذلك أن عبارة "ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء" في بداية الآية (85) تشير إلى الحاضر، وقت نـزول هذه الآية، لا إلى الماضي.

ج ) الحروب التي يحيل إليها النص، هل نشبت فعلاً؟ ربما. ولكن من غير المستبعد أن تكون خدعة من الخدع التي يلجأ إليها المؤلف من وقت إلى آخر لشرح أشياء ليس لديه بشأنها معلومات حقيقية أو لدعم تلفيقات أخرى مصطنعة. والمؤلف لا يعطي عنها أبداً أي تفاصيل. وهو، كما فعل بصدد يوم بعاث، لا يتحدث عنها إلا في معرض الحديث عن أمر آخر.

د ) مهما يكن من أمر، فإن شيئاً في الآية (85)، لا يدل على أن الأمور التي سجلها القرآن الكريم على اليهود حدثت خلال نـزاع لم يقوموا فيه إلا بدور الحليف. وعلى الرغم من أن "السيرة" لا تتحدث أبداً عن حروب كان طرفاها من اليهود، فمن الجائز أن مثل هذه الحروب قامت في الجزيرة العربية، على غرار الحروب بين أتباع الدين الواحد التي عرفها التاريخ المسيحي والتاريخ الإسلامي.

الاقتباس رقم 10(13)

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ﴿87﴾وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ ﴿88﴾وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ ﴿89﴾بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنـزلَ اللّهُ بَغْياً أَن يُنـزلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴿90﴾

النص

قال أشياخ من قوم عاصم بن عمر بن قتادة: فينا والله وفيهم نـزلت هذه القصة. كنا قد علوناهم ظَهراً في الجاهلية ونحن أهل شرك وهم أهل كتاب، فكانوا يقولون لنا: إنْ نبياً يبعث الآن نتبعه قد أظلَّ زمانه، نقتلكم معه قتل عادٍ وإرم. فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم من قريش فاتبعناه كفروا به.

ملحوظة

الصورة المعطاة هنا عن العلاقات بين اليهود وأهل المدينة تختلف عن تلك التي أعطاها النص بصدد شرح الآية (85). إن أهل المدينة واليهود هنا معسكران في حرب، أما هناك، فإنهم يظهرون وبعضهم يحارب البعض، كل في صف حليفه من أهل المدينة. 

الاقتباس رقم 11(14)

قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿94﴾وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ ﴿95﴾وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴿96﴾قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نـزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿97﴾مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ ﴿98﴾

النص

– الآية (95): "وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ"، أي بعلمهم بما عندهم من العلم بك، والكفر بذلك، فيقال: لو تمنوه يوم قال ذلك لهم ما بقي على وجه الأرض يهودي إلا مات.

– الآية (97): جاء نفر من أحبار اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا عن أربع نسألك عنهن، فإن فعلت ذلك اتبعناك وصدَّقناك وآمنا بك. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه لئن أنا أخبرتكم بذلك لتصدُقنِّني؛ قالوا: نعم؛ قال: فاسألوا عما بدا لكم؛ قالوا: فأخبرنا كيف يشبه الولد أمه، وإنما النطفة من الرجل؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل، هل تعلمون أن نطفة الرجل بيضاء غليظة، ونطفة المرأة صفراء رقيقة، فأيهما علت صاحبتها كان لها الشَّبه؟ قالوا: اللهم نعم؛ قالوا: فأخبرنا كيف نومك؟ فقال: أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل، هل تعلمون أن نوم الذي تزعمون أني لست به تنام عينه وقلبه يقظان؟ فقالوا: نعم؛ قال: فكذلك نومي، تنام عيني وقلبي يقظان؛ قالوا: فأخبرنا عما حرَّم إسرائيل على نفسه؟ قال: أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل، هل تعلمون أنه كان أحب الطعام والشراب إليه ألبان الإبل ولحومها، وأنه اشتكى شكوى، فعافاه الله منها، فحرم على نفسه أحب الطعام والشراب إليه شكراً لله، فحرَّم على نفسه لحوم الإبل وألبانها؟ قالوا: اللهم نعم؛ قالوا: فأخبرنا عن الروح؟ قال: أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل، هل تعلمونه جبريل، وهو الذي يأتيني؟ قالوا: اللهم نعم، ولكنه يا محمد لنا عدو، وهو مَلَك، إنما يأتي بالشدَّة وبسفك الدماء، ولولا ذلك لاتبعناك، فأنـزل الله عزَّ وجلَّ الآية فيهم.

ملحوظات

 أ ) ادعاء أن عبارة "ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم" تعني الكفر بما يعلمونه عن الرسول صلى الله عليه وسلم يثير مشكلة. والمقصود على الأرجح هو الخطايا التي تشير إليها مختلف الآيات المقتبسة.

ب) أما تعليق النص على الآية (95)، فإنه يزايد على القرآن الكريم وينحو إلى القول بأن جميع اليهود، دون استثناء، مُدانون. الأمر الذي لم يقله القرآن الكريم ولا الرسول صلى الله عليه وسلم. ويلاحظ في هذا الصدد - وهو أمر كبير الدلالة - أن النص لم يُدْل بمثل هذا التعليق بالنسبة للمشركين الذين ورد ذكرهم في السياق ذاته في الآية التالية، الآية (96). وفي هذا إشارة أخرى إلى أن المؤلف يحجم عن إدانة أهل الشرك (من سكان المدينة) حين يضطر للاعتراف على استحياء بوجودهم. 

ج ) لا يملك المرء حين يقرأ شرح الآية (97)، إلا أن يفكر في الأسئلة التعجيزية التي تقول "السيرة" في حديث الفترة المكية إن اليهود طلبوا من مبعوثي قريش إليهم طرحها على الرسول صلى الله عليه وسلم. وأحد هذه الأسئلة، وهو السؤال المتعلق بالروح، من الأسئلة التي طُرحت في المناسبتين، ولكن إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة تختلف عن إجابة هنا. وكانت الإجابة الأولى مستمدة من القرآن الكريم في قوله تعالى: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً"﴿85﴾ [الإسراء]. ثم إن الملحوظة الأخيرة التي أبداها أحبار يهود في شرح الآية (97) غير مفهومة، ومن الواضح أن المؤلف اصطنعها استناداً إلى الآية الكريمة المذكورة.

د ) وأخيراً فمن الغريب، بصدد الطعام الذي حرمه إسرائيل على نفسه، أن النص يقول (في صفحة 544) إن "الذي حرَّم إسرائيل على نفسه زائدتا الكبد والكليتان والشحم، إلا ما كان على الظهر، فإن ذلك كان يقرَّب للقربان، فتأكله النار".

الاقتباس رقم 12(15)

وَلَقَدْ أَنـزلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ ﴿99﴾أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴿100﴾وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴿101﴾وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنـزلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ﴿102﴾

النص

لما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم سليمان بن داود في المرسلين، قال بعض أحبارهم: ألا تعجبون من محمد، يزعم أن سليمان بن داود كان نبياً، والله ما كان إلا ساحراً، فأنـزل الله في ذلك من قولهم الآية (102).

ملحوظات

 أ ) شرح هذه الآية ليس شرحاً؛ إنه لا يضيف شيئاً إلى معناها.

ب) كلمتا "فريق" في الآيتين (100) و (101)، وكلمة "أكثرهم" في الآية (100) تكذبان التعميم الذي أورده النص في شرح الآية (95).

ج ) عبارة "فريق من الذين أوتوا الكتاب" في الآية (101)، في رأينا، لا تشير فقط إلى اليهود، وإنما تشير أيضاً إلى النصارى.

د ) استناداً إلى تفسير معتسف للآية، أفسد النص معناها. 

الاقتباس رقم 13(16)

مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴿29﴾[الفتح]

النص

كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، صاحب موسى وأخيه، والمصدِّق لما جاء به موسى: ألا إن الله قد قال لكم يا معشر أهل التوراة، وإنكم لتجدون ذلك في كتابكم (الآية). وإني أنشدكم بالله، وأنشدكم بما نـزل عليكم، وأنشدكم بالذي أطعم من كان قبلكم من أسباطكم المن والسلوى، وأنشدكم بالذي أيبس البحر لآبائكم حتى أنجاكم من فرعون وعمله، إلا أخبرتموني: هل تجدون فيما أنـزل الله عليكم أن تؤمنوا بمحمد؟ فإن كنتم لا تجدون ذلك في كتابكم فلا كره عليكم. قد تبين الرشد من الغيّ، فأدعوكم إلى الله وإلى نبيه.

ملحوظتان

 أ ) نظراً إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد لاقى في إقناع يهود المدينة برسالته كل الصعوبات التي تشهد بها الاستشهادات القرآنية الكثيرة التي أوردتها "السيرة" عنهم، وإلى ما رآه من أنه لا وجوده بينهم ولا القرآن الذي أبلغهم بمقتطفات كبيرة منه نجحا في التغلب على تحفظاتهم بشأنه، وأخيراً، إلى التدهور البالغ في علاقاته صلى الله عليه وسلم مع قبائل المدينة اليهودية وإلى النـزاعات المسلحة التي نتجت عنه، فلابد أنه كان يعلم أن أي كتاب يبعث به إلى يهود خيبر يدعوهم فيه إلى الإسلام لا يمكن أن يكون له أي أثر.

ب) النص لا يذكر ماذا كان رد فعل يهود خيبر على كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم.

الاقتباس رقم 14(17)

مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴿7﴾[آل عمران]

النص

مر أبو ياسر بن أخطب (من أحبار اليهود) برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يتلو فاتحة البقرة: "الم ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ"، فأتى أخاه حُيي بن أخطب في رجال من يهود، فقال: تعلَّموا والله، لقد سمعت محمداً يتلو فيما أنـزل عليه: "الم ذلك الكتاب"؛ فقالوا: أنت سمعته؟ فقال: نعم. فمشي حيي بن أخطب في أولئك النفر من يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: يا محمد، ألم يذكر لنا أنك تتلو فيما أنـزل إليك: "الم ذلك الكتاب؟" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلى؛ قالوا: أجاءك بها جبريل من عند الله؟ فقال: نعم؛ قالوا: لقد بعث الله قبلك أنبياء، ما نعلمه بيَّن لنبي منهم ما مدة ملكه، وما أُكل أمته (أي طول مدتهم) غيرك؟ فقال حيي بن أخطب، وأقبل على من معه، فقال لهم: الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعون سنة؛ أفتدخلون في دين إنما مدة ملكه وأُكل أمته إحدى وسبعون سنة؟ ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، هل مع هذا غيره؟ قال: نعم؛ قال: ماذا؟ قال: "المص". قال: هذا والله أثقل وأطول، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد تسعون، فهذه إحدى وستون ومئة سنة، هل مع هذا يا محمد غيره؟ قال: نعم "الر". قال: هذه والله أثقل وأطول، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والراء مئتان، فهذه إحدى وثلاثون ومئتان، هل مع هذا غيره يا محمد؟ قال: نعم "المر". قال: هذه والله أثقل وأطول، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والراء مئتان، فهذه إحدى وسبعون ومئتا سنة، ثم قال: لقد لُبِّس علينا أمرك يا محمد، حتى ما ندري أقليلاً أُعطيت أم كثيراً؟ ثم قاموا عنه؛ فقال أبو ياسر لأخيه حيي بن أخطب ولمن معه من الأحبار: ما يدريكم لعله قد جمع هذا كله لمحمد، إحدى وسبعون، وإحدى وستون ومئة، وإحدى وثلاثون ومئتان، وإحدى وسبعون ومئتان، فذلك سبع مئة وأربع وثلاثون سنة؛ فقالوا: لقد تشابه علينا أمره. فيزعمون أن هؤلاء الآيات نـزلت فيهم.

وفي رواية أخرى أن هؤلاء الآيات إنما نـزلن في أهل نجران، حين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن عيسى بن مريم عليه السلام.

وفي رواية ثالثة أن هؤلاء الآيات أنـزلن في نفر من يهود.

ملحوظات

أ ) النص الكامل لهذه الآية هو:

هُوَ الَّذِيَ أَنـزلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ.

وللمرء أن يتساءل: لماذا يدخل النص، الذي يريد أن يوضح الصلة بين سورة البقرة ووقائع محددة تتعلق باليهود، آية من سورة آل عمران. 

ب) يعرض علينا النص ثلاثة آراء لشرح أسباب نـزول الآية التي اقتبسها. وأحد هذه الآراء يقول إن "الذين في قلوبهم زيغ" نصارى. والرأيان الآخران يقولان إنهم يهود. أي يهود؟ أحد الرأيين لا يعطي أي تحديد، أما الرأي الثاني فيذكر أسماء وينقل حسابات كل حرف فيها يقابل رقماً، ومن الصعب فهمها على القارئ المسلم. وكل ذلك لنصل في التحليل الأخير إلى نتيجة مؤداها أن أمر محمد تشابه على اليهود، وهي نتيجة لا تتمشى بحال مع جملة: "فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتَّبعون ما تشابه منه". 

ج ) من غير المتصور أن يتبع النصارى أو اليهود جزءاً من القرآن حتى وإن تشابه. هذه الآية تتحدث في الواقع عن بعض المسلمين.

 د ) وفي رأينا أن النص أختلق وقائع تاريخية سابقة على نـزول الآية المقتبسة مستنداً في ذلك إلى تفسير خاطئ للآية نفسها.

الاقتباس رقم 15(18)

وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ ﴿89﴾[البقرة]

النص

كان يهود يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، فلما بعثه الله من العرب كفروا به، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه. فقال لهم معاذ بن جبل، وبشر بن البراء بن معرور: يا معشر يهود، اتقوا الله وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك، وتخبروننا أنه مبعوث وتصفونه لنا بصفته، فقال سلام بن مشكم، أحد بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه، وما هو بالذي كنا نذكره لكم، فأنـزل الله الآية في ذلك من قولهم.  

ملحوظات

 أ ) الإشارة هنا لا تقتصر على اليهود بل تنسحب أيضاً على النصارى باعتبارهم من أهل الكتاب.

ب) كُفر أولئك الذين تشير إليهم الآية اتخذ ولا شك أشكالاً مختلفة. وحصره في حديث دار بين مسلمين ويهودي هو تضييق هائل لنطاق الآية المذكورة.

ج ) عديدة هي، في القرآن المدني، الآيات التي تلوم أهل الكتاب على عدم الاعتراف برسالة محمد صلى الله عليه وسلم التي جاء ذكرها في كتبهم، وقد رأينا أكثر من آية منها في هذا المبحث.

 د ) استناداً إلى تفسير خاطئ للقرآن الكريم، اصطنع النص واقعة تاريخية سابقة على نـزول الآية المذكورة، وأضاف إليها أسماء أعلام لجعلها مقبولة.

الاقتباس رقم 16(19)

أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴿100﴾[البقرة]

النص

قال مالك بن الصيف، حين بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر لهم ما أُخذ له عليهم من الميثاق، وما عَهِد الله إليهم فيه: والله ما عُهد إلينا في محمد عهد، وما أخذ له علينا من ميثاق. فأنـزل الله الآية فيه.

ملحوظتان

 أ ) المسألة هنا ليست مسألة الميثاق الذي يبدو أن النص يشير إليه، أي ذلك الذي تتحدث عنه الآية (81) من سورة آل عمران التي تقول: وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ﴿81﴾وإنما مسألة ميثاق تم مع الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن من شئون هذه الدنيا.

ب) إحالة المؤلف إلى هذا الميثاق، الذي كثيراً ما يشير إليه النص، والذي جاء ذكره للمرة الأولى تحت عنوان: "مبعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً"(20)، إنما هي في رأينا وسيلة اتخذها لإخفاء جهله بالوقائع التاريخية التي تحيل إليها الآية. 

الاقتباس رقم 17 (21)

وَلَقَدْ أَنـزلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ ﴿99﴾[البقرة]

النص

قال أبو صلوبا الفيطوني لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد، ما جئتنا بشيء نعرفه، وما أنـزل الله عليك من آية فنتبعك لها، فأنـزل الله في ذلك من قوله.

ملحوظتان

 أ ) نحن هنا إزاء آية معناها وارد في عشرات من آيات التنـزيل القرآني منذ بداية الدعوة.

ب) النص يستخدم الآية لاصطناع واقعة تاريخية سابقة مع إضافة اسم يهودي.

الاقتباس رقم 18(22)

النص

وقال رافع بن حريملة، ووهب بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد، ائتنا بكتاب تنـزله من السماء ونقرأه، وفجر لنا أنهاراً نتبعك ونصدقك. فأنـزل الله تعالى في ذلك من قولهما:

أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَن يَّتَبَدَّلِ الكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴿108﴾[البقرة]

ملحوظتان

 أ ) من المستحيل أن تكون الآية المقتبسة إشارة إلى اليهوديين اللذين سماهما النص أو إلى يهوديٍ ما. إن كلمة "رسولكم" لا يمكن أن تنصرف إلا إلى محمد صلى الله عليه وسلم، والذين تخاطبهم الآية الكريمة هم إذاً المسلمون.

ب) استناداً إلى تفسير خاطئ للقرآن الكريم، اصطنع النص واقعة تاريخية سابقة قرنها باسمي يهوديين لكي تبدو حقيقية.

الاقتباس رقم 19

وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿109﴾

النص

كان حُيي بن أخطب وأخوه أبو ياسر بن أخطب من أشد يهود للعرب حسداً، إذ خصهم الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم، وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام ما استطاعا، فأنـزل الله الآية فيهما.

ملحوظات

 أ ) العنصر التاريخي هنا كان يتمثل في وصف ما فعله هذان اليهوديان ضد الإسلام بالأمثلة. ولكن المؤلف لا يستشهد بشيء من ذلك.

ب) النص يرى أن أهل الكتاب الذين تعنيهم هذه الآية كانوا من اليهود ومنهم وحدهم؛ وذلك لأنه لم يكن في المدينة في نظره نصارى. ولكن القرآن الكريم، كما رأينا، يقرر وجودهم في هذه البلدة بصورة لا تقبل الشك.

ج ) عدم وجود أسماء نصارى إلى جانب أسماء اليهود في تعليق النص على هذه الآية يقوّي قرينة الخطأ.

د ) استناداً إلى تفسير بغير أساس للقرآن الكريم، اصطنع النص واقعة تاريخية سابقة على نـزول الآية وعزّزها باسمي يهوديين.

الاقتباس رقم 20(23)

وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴿113﴾

النص

لما قدم أهل نجران من النصارى على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتتهم أحبار يهود، فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رافع بن حريملة: ما أنتم على شيء، وكفر بعيسى والإنجيل، فقال رجل من أهل نجران من النصارى لليهود: ما أنتم على شيء، وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة، فأنـزل الله تعالى في ذلك الآية من قولهم.

ملحوظتان

 أ ) "السيناريو" الذي تصوره المؤلف شرحاً لهذه الآية غير قابل للتصديق في نقطة على الأقل. فإنه إذا كان من الطبيعي أن يتنازع اليهود والنصارى بشأن عيسى عليه السلام، الذي لا يعترف به اليهود، فمن غير المتصور أن يرفض النصارى الاعتراف بموسى وبالتوراة في مناقشاتهم مع اليهود. كذلك فإن رغبة المؤلف في تجسيد هذه الآية بواقعة ذات طابع تاريخي كانت، فيما يبدو، من القوة بحيث جعلته يضع الجدل بين اليهود والنصارى في إطار يجمع الطرفين لدى الرسول صلى الله عليه وسلم، على الرغم من أن ما ذكرته "السيرة" عن زيارة وفد نجران لا تشير إلى أي اجتماع من هذا القبيل. 

ب) النص، كما في الحالة السابقة، استند إلى تفسير لا أساس له للقرآن الكريم، واصطنع واقعة تاريخية سابقة على نـزول الآية، وشفعها باسم علم ليجعلها قابلة للتصديق.

الاقتباس رقم 21(24)

وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴿118﴾

النص

قال رافع بن حريملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد، إن كنت رسولاً من الله كما تقول، فقل لله فليكلمنا حتى نسمع كلامه.

ملحوظات

 أ ) هذه الآية تتحدث عن عدة أشخاص لا عن شخص واحد.

ب) مثل هذا القول يمكن أن يصدر عن مشركين أو يهود غير مؤمنين. ولكن من الصعب تصور أن يصدر عن أحد الأحبار. وقد طلب المشركون مثل هذا الطلب خلال الفترة المكية فردَّ القرآن الكريم عليهم.

ج ) هنا أيضاً، اختلق النص واقعة تاريخية سابقة على نـزول الآية، بالاستناد إلى تفسير لا أساس له للقرآن الكريم، وأضاف اسم عَلَم ليجعل الواقعة مقبولة.

الاقتباس رقم 22(25)

وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿135﴾

النص

قال عبد الله بن صوريا الأعور الفيطوني لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الهدى إلا ما نحن عليه، فاتبعنا يا محمد تهتد، وقالت النصارى مثل ذلك. فأنـزل الله تعالى الآية في ذلك من قول عبد الله بن صوريا وما قالت النصارى.

ملحوظتان

 أ ) تحدثنا عن هذه الآية تحت الحرف (ع) بصدد التدليل على وجود نصارى في المدينة. وحين يقول النص في تعليقه: "وقالت النصارى مثل ذلك"، فإنه لا يوضح أي النصارى يعني. وهو لا يذكر اسم أي منهم في الوقت الذي يذكر فيه اسم يهودي (مع أن الآية جاءت بصيغة الجمع).

ب) من الواضح أن النص قد ابتدع واقعة تاريخية سابقة على نـزول الآية، مستنداً في ذلك إلى تفسير لا أساس له للقرآن الكريم.

الاقتباس رقم 23(26)

سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿142﴾وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴿143﴾قَدْ نرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴿144﴾وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ﴿145﴾الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿146﴾الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴿147﴾

النص

لما صُرفت القِبلة عن الشام إلى الكعبة، وصُرفت في رجب على رأس سبعة عشر شهراً من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفاعة بن قيس، وقردم بن عمرو، وكعب بن الأشرف، ورافع بن أبي رافع، والحجاج بن عمرو، حليف كعب بن الأشرف، والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، فقالوا: يا محمد، ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتَّبعك ونصدقك، وإنما يريدون بذلك فتنته عن دينه، فأنـزل الله تعالى فيهم الآيات.

ملحوظات

 أ ) لابد أن تحويل القبلة من بيت المقدس إلى مكة كان حدثاً هاماً من أحداث الفترة المدنية. ولابد أنه قوبل بالفرح والابتهاج من جانب مسلمي مكة والمدينة وباقي أنحاء الجزيرة العربية الذين كانوا في البداية من أهل الشرك. ولكن من المرجح أيضاً أنه خيَّب ظن اليهود والنصارى الذين دخلوا في الإسلام. وقد وجد أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم، سواءً من المشركين أو من أهل الكتاب في المدينة والجزيرة في هذا الحدث حجة لمحاربة الإسلام، ولابد أنه أثار خلافات كثيرة في المدينة. ومع ذلك فإن "السيرة" لا تقول عنه شيئاً، وهي لا تذكره إلا بمناسبة هذه الآيات القرآنية. وبدلاً من إعطاء وصف تفصيلي وموضوعي للجدل الذي أثاره هذا الحدث الهام ولحالات الارتداد عن الإسلام التي تكون قد نتجت عنه في وقته، فإنه لا يقدم لنا سوى بعض أسماء ليهود وجملة تلفيقها ظاهر للعيان. 

ب) "الذين أوتوا الكتاب" في الآية (145)، و "الذين آتيناهم الكتاب" في الآية (146) هم عند ابن إسحاق اليهود السبعة الذين ذكر أسماءهم. وقراءة آيات الاقتباس لا تسمح بمثل هذا التحديد. ولا شك أن "السفهاء من الناس" كانوا أكثر عدداً من ذلك بكثير. ومن جهة أخرى، فإن الأمر إذا كان يتعلق باليهود وحدهم لأوضح القرآن الكريم ذلك. وعبارة: "وما بعضهم بتابع قبلة بعض" في الآية (145) تحدثنا، فضلاً عن ذلك، عن مجموعتين على الأقل من الناس هما في الغالب اليهود والنصارى، وإن كان من المتصور أيضاً أن يكون أهل الشرك قد استخدموا بدورهم هذه الحجة ضد المسلمين.

ج ) من البديهي أن النص، استناداً إلى تأويل لا أساس له للقرآن الكريم، قد اصطنع هنا واقعة تاريخية سابقة على الآيات التي اقتبستها واستخدم سبعة أسماء ليهود ليضفي على تعليقه مظهر الصدق.

الاقتباس رقم 24(27)

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنـزلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ ﴿159﴾

النص

سأل معاذ بن جبل، أخو بني سلمة، وسعد بن معاذ، أخو بني عبد الأشهل، وخارجة بن زيد، أخو بلحارث بن الخزرج، نفراً من أحبار اليهود عن بعض ما في التوراة، فكتموهم إياه، وأبوا أن يخبروهم عنه. فأنـزل الله الآية فيهم.

ملحوظات

 أ ) الشيء الوحيد المحدد في التعليق هو أسماء الأنصار الثلاثة. أما الأسئلة المطروحة والأحبار الذين وجهت إليهم، فإن النص لا يقول عنها وعنهم شيئاً.  

ب) ليس في عبارة الآية ما يُفهم منه أنها نـزلت في مناسبة معينة. وصياغتها صياغة عامة. ومَن تشير إليهم قد يكونوا مسلمين أو نصارى كما قد يكونوا يهوداً، فإن الكتاب الذي تذكره ليس التوراة وحدها.

ج ) في القرآن الكريم آيات تقول الشيء ذاته بالعبارة ذاتها أو بعبارات مختلفة. ومثل ذلك الآية (174) من السورة نفسها.

الاقتباس رقم 25(28)

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنـزلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ ﴿170﴾

النص

دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود من أهل الكتاب إلى الإسلام ورغَّبَهم فيه، وحذَّرهم من عذاب الله ونقمته، فقال له رافع بن خارجة، ومالك بن عوف: بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا، فهم كانوا أعلم وخيراً منا. فأنـزل الله عزَّ وجلَّ الآية في ذلك من قولهما.

ملحوظات

 أ ) النص يعترف هنا بأن اليهود وأهل الكتاب ليسا مترادفين.

ب) ليس في الآية ما يُفهم منه أنها تعني اليهود بوجه خاص.

ج ) الآية الكريمة، وترجمة بلاشير توضح ذلك، تشير إلى الكفار، والآية التالية لها - الآية (171) - تشير إليهم صراحةً، والقرآن الكريم لا يخلط بين هؤلاء وبين اليهود أو النصارى. وهو حين يتحدث عن الذين كفروا من أهل الكتاب يقول ذلك بما لا يترك مجالاً للبس، مثل قوله تعالى في سورة البقرة ذاتها: "مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنـزلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ" ﴿105﴾.

د ) الكفار المقصودون في هذه الآية هم كفار المدينة. والقرآن المكي يتضمن كثيراً من الآيات المشابهة مثل قوله تعالى: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنـزلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ" ﴿21﴾[لقمان]

ه ) المؤلف الذي يدَّعي، بدافع من تحيزه لأهل المدينة، أن إسلام أهل المدينة تم بصورة شبه كاملة بعد الهجرة بسنة، يحمّل اليهود بوزر ينعيه القرآن الكريم على بعض مواطنيه من أهل الشرك.

 و ) استناداً إلى تأويل لا أساس له للقرآن الكريم، اصطنع النص هنا واقعة تاريخية سابقة على نـزول الآية، واستخدم اسمين ليهوديين ليضفي مصداقية على تلفيقه.

وينتقل النص بعد هذا الاقتباس، دون شرح، إلى اقتباسات مقتطفة من سورة آل عمران.

الاقتباس رقم 26(29)

قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴿12﴾قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ ﴿13﴾

النص

لما أصاب الله عزَّ وجلَّ قريشاً يوم بدر جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود في سوق بني قينقاع، حين قدم المدينة، فقال: يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم الله بمثل ما أصاب به قريشاً، فقالوا له: يا محمد، لا يغرنَّك من نفسك أنك قتلت نفراً من قريش، كانوا أغمارا لا يعرفون القتال، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنَّا نحن الناس، وأنك لم تلق مثلنا، فأنـزل الله الآيتين في ذلك من قولهم.

ملحوظات

 أ ) المؤلف، كما فعل أكثر من مرة، يطابق هنا بين اليهود والكفار. وقد سبق أن أوضحنا أن مثل هذه المطابقة لا أساس لها من الصحة. ذلك أن القرآن يحرص دائماً على التفريق بين اليهود وبين الذين كفروا. وهو يسمي اليهود ببني إسرائيل، كما في الآية: "يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ" ﴿47﴾ [البقرة]

ويسميهم أيضاً بالذين هادوا، كما في الآية: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴿69﴾[المائدة]

ويسميهم كذلك بالهود، كما في الآية: أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى ﴿140﴾ [البقرة]

واليهود والنصارى هنا معاً يسمون بأهل الكتاب، وليس في القرآن الكريم أي موضع قيل فيه أن اليهود كلهم أو أن أحبارهم كلهم كفار.

ب) ليس من الثابت أن الآية (13) تشير بصفة خاصة إلى غزوة بدر.

ج ) الكلام المنسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في التقديم لهذه الآيات معناه: "أسلموا وإلا قاتلناكم!" أي أن هذه هي نهاية التوجيه القرآني الذي أُعطي للرسول صلى الله عليه وسلم في الآية: "ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" ﴿125﴾ [النحل] والآية: "وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" ﴿109﴾ [البقرة] اللتين سبق أن رأيناهما، والآية (256) من السورة ذاتها، التي تقرر: "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ".

ومما هو جدير بالذكر في هذا الصدد أن الالتجاء إلى الحرب، طبقاً للقرآن الكريم (البقرة: 190 - 194)، غير جائز إلا إذا توافرت خمسة شروط هي:

- قضية عادلة: "في سبيل الله"؛ "وأخرجوهم من حيث أخرجوكم"؛ "حتى لا تكون فتنة"؛

- دفاعية: "وقاتلوا … الذين يقاتلونكم"؛ "فإن قاتلوكم فاقتلوهم"؛

- "ولا تعتدوا"؛

- "ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام"؛

- وجوب إيقاف القتال إذا أوقفه العدو: "فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين".

ولم تكن هذه الشروط متوافرة في الحالة التي نحن بصددها، والمؤلف لم يذكر، حتى هذه النقطة، أن آيات قرآنية نـزلت تجيز الحرب لإكراه الناس عموماً، وأهل الكتاب، بوجه خاص، على الدخول في الإسلام. وفي رأينا أن من غير المتصور أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم، من تلقاء نفسه، قد هدد اليهود بالحرب مالم يؤمنوا، خلافاً لتوجيهات القرآن الكريم الملزمة. ولو أنه فعل ذلك لما فات اليهود أن يذكِّروه بأنه يخرق مبادئ دينه ذاته.

 د ) أياً كانت ثقة اليهود في قدرتهم العسكرية، فالاحتمال ضعيف في أن يكونوا قد وجهوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم التحدي الوارد في النص بعد هزيمة جيش مكة، سيَّما وأن حلفاءهم من الأوس والخزرج كانوا، وفقاً للنص، قد أسلموا جميعاً.

ه ) لو أن اليهود كانوا واثقين من أنفسهم إلى هذه الدرجة حيال محمد صلى الله عليه وسلم لما قبلوا استدعاءه الجماعي لهم بالحضور في سوقهم لاجتماع يجهلون موضوعه. والتكليف بالحضور في مثل هذا الاجتماع، علاوة على ذلك، أمر لا سابقة له في "السيرة"، إذ أن الاتصالات كانت تتم عن طريق رؤساء القبائل.

 و ) المؤلف لا يذكر ما إذا كان يهود بني النضير، وبني قينقاع، وبين قريظة دُعوا لحضور هذا الاجتماع، ولا مَن الذي حضره ومن الذي امتنع عن حضوره.

ز ) من الغريب أن موضوع هذا الاجتماع كان دعوة، تحت التهديد، للإسلام، موجهة لليهود - وهي خطوة، كما رأينا، تخالف توجيهات القرآن - لا تقريعاً لليهود مثلاً لممالأتهم مكة أو لموقفهم العدائي من الإسلام أو من نبيه.

ح ) لو أن ما يدَّعيه المؤلف من كلام يقول إنه جاء على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم كان صحيحاً لكان الاجتماع المذكور في سوق بني قينقاع حدثاً ضخماً يتعين على أي مؤرخ أن يخصص لتسجيل وقائعه عدة صفحات لا ثلاثة أو أربعة سطور على هامش أحد الاقتباسات القرآنية. ولكان على المؤرخ أن يبيِّن: لماذا غيَّر الرسول صلى الله عليه وسلم سياسته حيال اليهود؟ وما إذا كان رؤساء الأوس والخزرج و"موقِّعو" بيعة الحرب حاضرين في هذا الاجتماع الكبير، وماذا كان موقفهم؟ وماذا كانت نتائج هذا الاجتماع بالنسبة للمسلمين - مهاجرين و"أنصاراً" - ؟ وماذا كانت  نتائجه بالنسبة لليهود، في حياتهم اليومية بالمدينة وفي العلاقات من كل نوع بين الفريقين؟ وما إذا كانت القبائل اليهودية، التي كانت نهباً للانقسامات فيما بينها، لم تعقد، إزاء تهديد النبي صلى الله عليه وسلم لها، اجتماعات للتشاور ولانتهاج مسلك موحد في مواجهة الخطر الذي كان يتهددها: بتقوية آطامهم، وتكثيف الاتصالات بحلفائهم القدامى لمحاربة المسلمين، أو، على العكس، بتغيير سلوكهم والعدول عن معارضتهم للإسلام.

وفي رأينا أن مثل الاجتماع الذي يتحدث عنه النص لم يُعقد، وأن المؤلف، خشية أن يتصور القارئ أن المقصود بالذين كفروا، في الآية (12)، هم مشركو المدينة، قد اخترعه لتحويل وجهة الخطاب القرآني من المشركين إلى اليهود.

ط ) استناداً إلى تفسير لا أساس له للقرآن الكريم، اخترع النص واقعة تاريخية سابقة على نـزول الآيات المذكورة.

الاقتباس رقم 27(30)

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ ﴿23﴾ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴿24﴾

النص

دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدراس على جماعة من يهود، فدعاهم إلى الله؛ فقال له النعمان بن عمرو، والحارث بن زيد: على أي دينٍ أنت يا محمد؟ قال: على ملة إبراهيم ودينه؛ قالا: فإن إبراهيم كان يهودياً، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلم إلى التوراة، فهي بيننا وبينكم، فأبيا عليه، فأنـزل الله الآيتين فيهما.

ملحوظات

 أ ) من الواضح أن "كتاب الله" الذي تتحدث عنه الآية (23) هو القرآن الكريم، لا التوراة.

ب) ليس في الآيتين أي ذكر لإبراهيم عليه السلام.

ج ) طرفا النـزاع المطلوب تسويته، وفقاً للتعليق، هما محمد صلى الله عليه وسلم واليهود. والحاصل أن الآية (23) تدعو إلى الظن بأن طرفي هذا النـزاع كليهما من أهل الكتاب.

د ) النص لا يوضح الصلة بين موضوع النـزاع والجملة في الآية (24) التي أراد فيها الفريق الذي تولَّى أن يهوِّن من فظاعة جهنم.

ه ) يتضح من الآية (23) أن فريقاً من الذين أوتوا نصيباً من الكتاب لم يتولوا حين دُعوا إلى كتاب الله ليحكم بينهم؛ والنص لا يعطي أي معلومات في هذا الخصوص.

و ) من الواضح أن النص، استناداً إلى تأويل لا أساس له للآيات القرآنية، اصطنع واقعة تاريخية سابقة على نـزول الآية المذكورة، وأضاف إليها اسمي يهوديين ليجعل الواقعة مقبولة.

الاقتباس رقم 28(31)

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنـزلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴿65﴾هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴿66﴾مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿67﴾إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴿68﴾

النص

قال أحبار يهود ونصارى نجران، حين اجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهودياً، وقالت النصارى من أهل نجران: ما كان إبراهيم إلا نصرانياً، فأنـزل الله عزَّ وجلَّ الآيات فيهم.

ملحوظات

 أ ) لم يرد في حديث زيارة وفد نجران إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يهوداً حضروا اللقاء ولا أن الحديث تناول أمر إبراهيم عليه السلام.

ب) أوضحنا أن هذه الزيارة لم تحدث.

ج ) استناداً إلى تأويل لا أساس له للقرآن الكريم، اصطنع النص وقائع تاريخية سابقة على نـزول الآيات المذكورة.

الاقتباس رقم 29(32)

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿71﴾وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنـزلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿72﴾وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿73﴾

النص

قال عبد الله بن صيف، وعدي بن زيد، والحارث بن عوف، بعضهم لبعض: تعالوا نؤمن بما أنـزل الله على محمد وأصحابه غدوة، ونكفر به عشية، حتى نلبس عليهم دينهم لعلهم يصنعون كما نصنع، ويرجعون عن دينه، فأنـزل الله الآيات فيهم.

ملحوظات

 أ ) لم يقل المؤلف كيف تأتَّى له أن يعلم بهذا الحديث الذي دار في الخفاء بين اليهود الثلاثة الذين أسماهم.

ب) كل ما فعله هو نقل بعض الكلام الوارد في الآيات المقتبسة.

ج ) هو يسوي بصورة تعسفية بين أهل الكتاب واليهود وحدهم.

د) هو لا يقول ما إذا كان هؤلاء الثلاثة قد نفَّذوا ما اتفقوا عليه أو ما إذا كان التنـزيل القرآني قد أفسد مشروعهم.

ه) هو لا يشرح ماذا كان موقف المسلمين إزاءهم وقد عرفوا نواياهم التي تحدَّث عنها مؤلف "السيرة" بعد أكثر من قرن من الزمان.

و) من الواضح أن النص قد اصطنع هنا واقعة تاريخية سابقة على نـزول الآيات، مستنداً في ذلك إلى تأويل للقرآن الكريم ليس له من أساس.

الاقتباس رقم 30(33)

مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ﴿79﴾وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴿80﴾وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ﴿81﴾

النص

قال أبو رافع القرظي حين اجتمعت الأحبار من يهود، والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعاهم إلى الإسلام: أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مريم؟ وقال رجل من أهل نجران نصراني، يقال له الريس: أو ذاك تريد منا يا محمد وإليه تدعونا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: معاذ الله أن أعبد غير الله أو آمر بعبادة غيره، فما بذلك بعثني الله، ولا أمرني. فأنـزل الله تعالى الآيات في ذلك من قولهما.

ملحوظة

إلى الشكوك التي أبديناها بشأن الاجتماع الذي ضم يهوداً إلى نصارى نجران لدى الرسول صلى الله عليه وسلم، يمكن أن نضيف أنه كان من شبه المستحيل أن يطرح اليهود والنصارى على محمد صلى الله عليه وسلم السؤال الذي يضعه النص على ألسنتهم، بعد ثلاثة أو أربعة عشر عاماً من الدعوة وتنـزيل ما يزيد على خمسة آلاف آية من القرآن تقول وتعيد أن محمداً ليس إلا عبد الله، وتنعي على النصارى قولهم إن المسيح هو الله. ومن الواضح أن النص ألَّف حكاية مصطنعة، بالاستناد إلى فهم خاطئ للآية التي تشير بصورة لا خفاء فيها إلى المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، لا إلى محمد صلى الله عليه وسلم.

الاقتباس رقم 31(34)

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ ﴿98﴾قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴿99﴾يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴿100﴾وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿101﴾يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴿102﴾وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴿103﴾وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿104﴾وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿105﴾

النص

مرَّ شاس بن قيس، وكان شيخاً قد عسا (أي أسنَّ وتولى)، عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم، على نفرٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج، في مجلس قد جمعهم، يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم، وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية. فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار. فأمر فتى شاباً من يهود كان معهم، فقال: اعمد إليهم، فاجلس معهم، ثم اذكر يوم بعاث وما كان قبله وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار.

وكان يوم بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه يومئذ للأوس على الخزرج، وكان على الأوس يومئذ حُضَير بن سماك الأشهلي، أبو أسيد بن حضير؛ وعلى الخزرج عمرو بن النعمان البياضي، فقتلا جميعاً.

فتكلم القوم عند ذلك وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الرُّكب، أوس بن قيظي، أحد بني حارثة بن الحارث، من الأوس، وجبَّار بن صخر، أحد بني سلمة من الخزرج، فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم رددناها الآن جذعَة (أي رددناها الآخر إلى أوله)، فغضب الفريقان جميعاً، وقالوا: قد فعلنا، موعدكم الظاهرة - والظاهرة: الحرّة - السلاح السلاح. فخرجوا إليها. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتى جاءهم، فقال: يا معشر المسلمين، الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألَّف بين قلوبكم، فعرف القوم أنها نـزغة من الشيطان، وكيدٌ من عدوهم، فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضاً، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد انطفأ عنهم كيد عدو الله شاس بن قيس. فأنـزل الله تعالى في شأن قيس وما صنع الآيتين (98) و (99).

وأنـزل الله في أوس بن قيظي وجبار بن صخر ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا عما أدخل عليهم شاس من أمر الجاهلية الآيات (100) - (105).

ملحوظات

الواقعة التي يرويها النص لا يمكن، في رأينا، أن تكون سبب نـزول الآيات الكريمة المقتبسة، وذلك للأسباب الآتية:

 أ ) النص يعزو نـزول الآيتين (98) و (99) إلى ما فعله شاس بن قيس، مع أن في هاتين الآيتين تكليف لمحمد بالتحدُّث إلى أهل الكتاب. والسؤال الذي تطلب الآية (99) من الرسول صلى الله عليه وسلم أن تطرحه على هؤلاء يتعلق بموقف عام لابد أنه ترجم إلى عدد كبير من الأعمال المعادية للإسلام بدأت في وقت مبكر. والواقعة التي أوردها النص والتي تفيد أن يهود المدينة قالوا لقريش منذ بداية الدعوة إن دينهم، أي الشرك، أفضل من دين محمد، وكذلك عداء اليهود للإسلام، الذي سجله القرآن الكريم في بعض آياته مثل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ" ﴿34﴾[التوبة]

تندرج في هذا السياق. ولو كانت القصة التي يحكيها ابن إسحاق تفسيراً للاقتباس الحالي صحيحة، لما كانت، على أي حال، سوى جزء بسيط من المجال الذي تنسحب عليه الآية (99).

ومن الملاحظ، في هذا الصدد، أن اليهود ليسوا الوحيدين الذين تتهمهم الآيات المدنية بصد المؤمنين عن سبيل الله، فقد وجه هذا الاتهام بالكثرة ذاتها ضد الكفار، ولكن شرح المؤلف يغفلهم تماماً.

ب) الصلة بين ما فعله شاس بين قيس ومنطوق الآيتين المذكورتين غير واضحة، وهي أبعد ما تكون عن الوضوح.

ج ) الآية (100) تدعو الذين آمنوا إلى عدم طاعة فريق من الذين أوتوا الكتاب. ولا أحد يستطيع أن يدعي أن مجموعتي الأوس والخزرج حين تنابذتا فيما بينهما لدى ذكر يوم بعاث قد أطاعا الشاب اليهودي الذي كلفه شاس بن قيس بتذكيرهم بما كان بينهم من خصومات في الجاهلية. وهذا الشاب لا يمكن، على أي حال، أن يمثل فريق الذين أوتوا الكتاب الذي تتحدث عنه الآية.

د ) الذي نراه هو أن النص، استناداً إلى تأويل بغير أساس للقرآن الكريم، اصطنع واقعة تاريخية سابقة على نـزول الآيات المذكورة، وأنه غلفها بعدد من أسماء الأعلام وبسيناريو صغير ليضفي مصداقية على ما يقول.

الاقتباس رقم 32(35)

لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴿113﴾يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿114﴾

النص

لما أسلم عبد الله بن سلام، وثعلبة بن سَعيه، وأسيد بن سعيه، وأسد بن عبيد، ومن أسلم من يهود معهم، فآمنوا وصدَّقوا ورغبوا في الإسلام، ورسخوا فيه، قالت أحبار يهود، أهل الكفر منهم: ما آمن بمحمد ولا اتبعه إلا شرارنا، ولو كانوا من أخيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره. فأنـزل الله تعالى في ذلك الآيتين من قولهم.

ملحوظات

 أ ) ليس في عبارة هاتين الآيتين ما يدعو إلى الظن بأنهما تتحدثان عن يهود أسلموا.  والواقع أنهما تقيمان بين أهل الكتاب تفرقة أقامها القرآن في عدة مواضع بين المسلمين، وهي التفرقة بين المؤمنين الحقيقيين وغيرهم. وهذه هي، على سبيل المثال، الحالة في الآية: " قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ" ﴿14﴾[الحجرات]

وحين تقرر الآية (113) أن أهل الكتاب "ليسوا سواء" فإن غرضها بالتأكيد هو منع الخلط والتعميمات التي يقع فيها الناس أحياناً بشأن خصومهم (والتي وقع فيها المؤلف في تعليقاته التي رأيناها على اقتباساته القرآنية).

ب) لدى قراءة هاتين الآيتين، ينتظر المرء أن يزوده نص ابن إسحاق بتفاصيل عن هؤلاء القوم من أهل الكتاب الذين يزكيهم القرآن الكريم، ولكن هذا النص لا يقدِّم عنهم معلومات تُذْكر على الرغم مما لإسلامهم من أهمية في حديث الفترة المدنية، ويقدِّم على العكس أقوالاً لفريقهم الذي ينكر الإسلام لا تتصل بالآيات المقتبسة بأي صلة.

ج ) ما الذي يقوله ابن إسحاق عن اليهود الأربعة الذين ذكر أسماءهم في تعليقه؟ فيما يتعلق بعبد الله بن سلام، نحن نعلم من القصة التي ذكرناها في أول هذا الفصل أنه أسلم لأنه كان يعرف صفة الرسول صلى الله عليه وسلم واسمه وزمانه الذي كانوا يتوكفون له وأنه، مع ذلك، كان مسراً لذلك، صامتاً عليه. لماذا أخفى عبد الله هذا الأمر, وكيف جهل الأحبار الآخرون الذين كانوا يقرأون ما يقرأ من الكتب هذه السمات؟ نصنا لا يقول شيئاً في هذا الشأن. أما اليهود الثلاثة الآخرون، أي ثعلبة بن سعيه، وأسيد بن سعيه، وأسد بن عبيد، فإن قصة إسلامهم واردة تحت عنون: "إنذار يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم" (36)، وهذا ما تقوله:

عن شيخ من بني قريظة أنه قال: إن رجلاً من يهود من أهل الشام، يقال له ابن الهيَّبان، قدم علينا قبيل الإسلام بسنين، فحل بين أظهرنا، لا والله ما رأينا رجلاً قط لا يصلي الخمس أفضل منه، فأقام عندنا، فكنا إذا قحط عندنا المطر قلنا له: اخرج يا بن الهيبان فاستسق لنا؛ فيقول: لا والله حتى تقدموا بين يدي مخرجكم صدقة؛ فنقول له: كم؟ فيقول: صاعان تمر: أو مُدَّين من شعير. فنخرجها ثم يخرج بنا إلى ظاهر حرّتنا فيستسقي الله لنا. فوالله ما يبرح مجلسه حتى يمر السحاب ونُسقَى، قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث. ثم حضرته الوفاة عندنا. فلما عرف أنه ميت، قال: يا معشر يهود، ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع؟ قلنا: إنك أعلم؛ قال: فإني إنما قدمت هذه البلدة أتوكَّف (أي أنتظر) خروج نبي قد أظلَّ (أي أشرف وقرب) زمانه، فلا تُسْبَقُنَّ إليه يا معشر يهود، فإنه يُبعث بسفك الدماء، وسبي الذراري والنساء ممن خالفه، فلا يمنعكم ذلك منه. فلما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاصر بني قريظة، قال هؤلاء الفتية، وكانوا شباباً أحداثاً: يا بني قريظة، والله إنه لَلنبي الذي كان عَهِد إليكم فيه ابن الهيبان، قالوا: ليس به؛ قالوا: بلى والله، إنه لهو بصفته، فنـزلوا وأسلموا، وأحرزوا دماءهم وأموالهم وأهليهم.

ما الرأي في هذه القصة؟

أول ما يتبادر إلى الذهن عند قراءتها هو بعض الشبه بين قصة ابن الهيبان اليهودي وبين آخر رجال الدين النصارى الذين تحدَّث عنهم سلمان الفارسي: فكلاهما كان رجلاً صالحاً، وكلاهما كان يعرف أن نبياً قد أظل زمانه، وأن هذا النبي يُبعث في بلاد العرب وأنه سيهاجر إلى المدينة. وكلاهما أخفى ذلك ولم يبح به لأحد، وكلاهما احتفظ بالسر إلى أن حضرته الوفاة. وقد يخطر على البال أنهما استندا في نبوءتهما إلى معلومات استقياها من المصدر ذاته ومن الكتب ذاتها. ليس بالضبط، إذ أن علامات النبي المرتقب لم تكن واحدة عندهما. فاليهودي الصالح لم يكن يعلم أن النبي الذي كان يتوكف خروجه كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وأنه كان يحمل خاتم النبوة في ظهره. أما النصراني الصالح فإنه لم يكن يعلم أن النبي المرتقب سيبعث بسفك الدماء، وسبي الذراري والنساء.

وإسلام هؤلاء اليهود الثلاثة يثير الملحوظات التالية:

- هنا، كما في قصة سلمان، لا يشرح النص لماذا، ما دام الأمر يتعلق ببعث رسول مرتقب، احتفظ ابن الهيبان بالسر لنفسه ولم يعلنه إلا وهو في الرمق الأخير.

- المفروض أن هذا الرجل الصالح علم بالأمر من أحد كتب اليهود: أي كتاب؟

- من الغريب أن التفسير الوحيد لإسلام اليهود الثلاثة، وإسلام عبد الله بن سلام أيضاً، هو وجود نبوءة ببعث محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه لا القرآن الكريم ولا مبادئ الإسلام ولا شخص الرسول كان لها أي دور في إسلامهم.

- للمرء أن يتساءل: لماذا كان ثعلبة وأسيد وأسد اليهود الثلاثة، من بين من استمعوا إلى ابن الهيبان، الذين دخلوا في الإسلام ولماذا انتظروا خمس سنوات بعد الهجرة لكي يُسلموا.

- قصة ابن الهيبان، هذا الرجل الآتي من بعيد، الذي كان الوحيد بين اليهود الذي يعلم متى وأين يتلقى الرسول صلى الله عليه وسلم رسالته، لا تتمشى تماماً مع معلومة جاءت في النص مؤداها أن يهود المدينة كانوا على علم ببعث محمد صلى الله عليه وسلم وأنهم كانوا يتحدثون في ذلك مع جيرانهم وحلفائهم، مشركي الأوس والخزرج. وهذه القصة موجودة في ثلاثة مواضع مختلفة من "السيرة":

¨في قصة الفترة المكية الثانية، بعد فترة الاستخفاء مباشرة.(37)

¨في قصة لقاء الرسول صلى الله عليه وسلم مع الخزرج الستة في مكة(38)، كشرح لظاهرة مبادرة أهل المدينة إلى الدخول في الإسلام.

¨بصدد الاقتباس رقم (10) أعلاه بشأن الآية (البقرة: 89).

ومما يستلفت النظر في هذا الخصوص أنه ليس في هذه المواضع، كما في حديث ابن الهيبان، إشارة إلى نبي يبعث بسفك الدماء وسبي الذراري والنساء، بل إن اليهود هم الذين كانوا يهددون الأوس والخزرج بقتلهم كقتل عاد وإرم بعد دخولهم هم في الإسلام.

لذلك فإن مصداقية إسلام هؤلاء اليهود الثلاثة موضع شك.

د ) قصة اليهود الذين أسلموا لا تقل أهمية في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم عن قصة من عارضوه أو حاربوه، أو مَن أسلموا نفاقاً، أو من نـزلت فيهم آيات من القرآن الكريم. ولكننا إذا كنا نعرف أسماء اليهود من هذه الفئات الثلاث الأخيرة فإن تعليق النص على هذا الاقتباس القرآني الحالي لا يذكر إلا أسماء الأربعة الذين رأيناهم. وكل ما نعرفه عمن عداهم هو عبارة "ومن أسلم من يهود معهم" دون أي بيان آخر. من هم هؤلاء اليهود؟ كم كان عددهم؟ ماذا كانت ملابسات إسلامهم؟ ما من أحد يعرف.

ه ) النص لا يتحدث في تعليقه إلا عن اليهود مع أن تعبير "أهل الكتاب" في الآية ينصرف أيضاً إلى النصارى.

و ) النص في رأينا ابتدع واقعة تاريخية سابقة على نـزول الآيتين المذكورتين، استناداً إلى تفسير لا أساس له من الصحة للقرآن الكريم.

الاقتباس رقم 33(39)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴿118﴾هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴿119﴾ 

النص

كان رجال من المسلمين يواصلون رجالاً من اليهود، لما كان بينهم من الجوار والحلف، فأنـزل الله الآيتين فيهم ينهاهم عن مباطنتهم.

ملحوظتان

 أ ) تعليق النص هو مجرد شرح لمعنى الآيتين.

ب) ليس في الآية (119) شيءٌ يُفهَم منه أن المقصود هم اليهود وحدهم. ومن المحتمل جداً أن تنصرف الآية إلى النصارى كذلك.

الاقتباس رقم 34(40)

لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴿181﴾…وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ﴿186﴾وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴿187﴾لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿188﴾

النص

دخل أبو بكر الصديق بيت المدراس على يهود، فوجد منهم ناساً كثيراً قد اجتمعوا إلى رجل منهم، يقال له فنحاص، وكان من علمائهم وأحبارهم، ومعه حَبر من أحبارهم، يقال له أشيع؛ فقال أبو بكر لفنحاص: ويحك يا فنحاص؛ اتق الله وأسلم، فوالله إنك لتعلم أن محمداً لرسول الله، قد جاءكم بالحق من عنده، تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل؛ فقال فنحاص لأبي بكر: والله يا أبا بكر، ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير، وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه لأغنياء، وما هو عنا بغنيّ، ولو كان غنياً ما استقرضنا أموالنا، كما يزعم صاحبكم، ينهاكم عن الربا ويعطيناه ولو كان عنا غنياً ما أعطانا الربا. فغضب أبو بكر، فضرب وجه فنحاص ضرباً شديداً، وقال: والذي نفسي بيده، لولا العهد الذي بيننا وبينكم، لضربت رأسك، أي عدو الله. فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، أنظر ما صنع بي صاحبك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: ما حملك على ما صنعت؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن عدو الله قال قولاً عظيماً، إنه زعم أن الله فقير وأنهم أغنياء، فلما قال ذلك غضبتُ لله مما قال، وضربت وجهه. فجحد ذلك فنحاص، وقال: ما قلت ذلك. فأنـزل الله تعالى الآية (181) فيما قال فنحاص رداً عليه، وتصديقاً لأبي بكر، ونـزل في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وما بلغه في ذلك من الغضب الآية (186). ثم قال فيما قال فنحاص والأحبار معه من يهود الآيتين (187) و (188).  

ملحوظات

 أ ) من الصعب تصور أن تصدر من أحد الأحبار عبارات ذم في الله الذي يوقره اليهود ويسمونه "الأعلى" والذي تحضهم أوامره على الإحسان للفقراء. والكلام الذي نـزلت بشأنه الآية (181) صدر ولابد عن يهود لا يؤمنون لا بالله ولا بكتب دينهم ويجدون متعة في الاستهزاء بكل ما هو مقدس.

ب) كلمة "الذين" الواردة في الآيتين (181) و (186) تشير إلى مجموعة من الأشخاص الأمر الذي لا يتفق مع الواقعة الفردية التي حدثت بين أبي بكر وفنحاص.

ج )  الإشارة  إلى الإنجيل في كلام أبي بكر غير مفهومة، والمفروض أن أبا بكر كان يعرف - فقد علمه القرآن الكريم ذلك - أن اليهود لا يعترفون بعيسى ولا بالإنجيل.

د ) من المستغرب:

- أن المكان الذي اختاره أبو بكر لدعوة اليهود إلى الإسلام ليس الشارع، ولا السوق، ولا مكاناً عاماً، ولا منـزلاً، وإنما المعبد أو المدراس اليهودي؛

- أن أبا بكر، الذي سمع ولابد، خلال الفترة المكية كلها، دون أن يغضب، كل صنوف الكفر وسب الدين بل وإنكار وجود الله سبحانه وتعالى، فقد السيطرة على أعصابه وغضب لِما قاله فنحاص من عيب في الذات الإلهية؛

- أن أبا بكر ذهب إلى معبد اليهود وحده دون أن يصطحب مثلاً شخصاً من أهل المدينة يعرفه اليهود.

- أن أبا بكر، الذي يصوره حديث الفترة المكية على أنه بكَّاءٌ وضعيفٌ (والذي رأى قريشاً يسيئون معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم دون أن يدافع عنه) أصبح في المدينة امرءاً عنيفاً يكيل الضربات للشخص الذي يتحدث إليه؛

- أن اليهود الذين كانوا في المعبد لم يتحركوا إزاء منظر واحد من أحبارهم وهو يتلقى الصفعات ويُهان في مكان عبادتهم، وأن هذا الأخير، بدلاً من أن يدافع عن نفسه، ذهب يشتكي للرسول صلى الله عليه وسلم؛

- أن الأمر اقتضى نـزول آية من القرآن لوصف غضب أبي بكر.

ه ) الآية (186) لا تشير فحسب إلى الذين أوتوا الكتاب، بل تشير أيضاً بعبارة صريحة إلى الذين أشركوا، ومع ذلك فإن أهل الشرك غائبون تماماً عن الواقعة التي يحكيها النص.

و )  لو أن أبا بكر ذهب فعلاً إلى المدراس اليهودي ليدعو إلى الإسلام فمن غير المحتمل أن يكون قد فعل ذلك من تلقاء نفسه، ولابد أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي كلفه بذلك، ولكن النص لا يقول ذلك.

ز ) أبو بكر، الذي كان رجلاً حصيفاً، كان ولابد يعلم، ولابد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكَّره، أن بعض الأفعال والتصرفات تكون مستنكرة في مكان يتعبد فيه أهل الكتاب، لاسيما من جانب شخص ذهب إليه ليدعوهم لدينه.

ح ) جملة: "وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور" في آخر الآية الكريمة (186)، التي يقول النص إنها تشير إلى غضبة أبي بكر، تشبه كثيراً من التوصيات ذات الطابع العام التي يوجهها القرآن الكريم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى المسلمين.

ط ) كذلك فإن ما تقوله الآية (187) وارد في كثير من آيات التنـزيل السابقة ومن أمثلتها:

- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنـزلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ﴿159﴾[البقرة]

- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنـزلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿174﴾أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴿175﴾[البقرة]

ي ) النص يضيِّق بصورة تحكمية مجال تطبيق الآية الكريمة (188) حين يقول في تعليقه بشأنه: "يعني فنحاص، وأشيع وأشباههما من الأحبار، الذين يفرحون بما يصيبون من الدنيا على ما زينوا للناس من الضلالة، ويحبُّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا؛ أن يقول الناس: علماء، وليسوا بأهل علم، لم يحملوهم على هدى ولا حق، ويحبون أن يقول الناس: قد فعلوا."

ك ) نقطة تستحق التعمق، في تقديم النص لهذه الآية تثيرها هذه الكلمة من أبي بكر: "والذي نفسي بيده، لولا العهد الذي بيننا وبينكم، لضربت رأسك!" هل هذا العهد هو صحيفة المدينة؟ لكن هذه الصحيفة كانت أقرب إلى القرار أو المرسوم أو الإعلان الصادر من جهة عليا منه إلى العهد الإتفاقي. ومن جهة أخرى، فإن هذه الوثيقة لم يكن لها، بالنسبة لليهود، إلا نطاق محدود: لقد منحت لليهود المنتمين إلى بعض عشائر المدينة المركز ذاته الذي يتمتع به مسلمو عشائرهم، وحددت حقوق وواجبات اليهود عموماً إذا هوجمت المدينة. ولكن شيئاً في أحكام هذه الصحيفة لا يحظر على اليهود ولا على المشركين أن يجدِّفوا أو أن ينتقدوا الإسلام، أو يعطي للمسلم، إن فعل ذلك أحدهم، الحق في ضرب وجهه أو رأسه.

ل ) ليس في القرآن الكريم أو في "السيرة" ذاتها شيء يثبت وجود عهد أو اتفاق أياً كان يسمح للمسلم بضرب اليهودي في وجهه ولكن يحظر عليه أن يضرب رأسه. على العكس، هناك في القرآن الكريم آيات تهيب بالرسول صلى الله عليه وسلم، كما رأينا، أن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة وأن يجادلهم بالتي هي أحسن، وليس أبو بكر بالذي يغفل عن هذه الأوامر.

م ) واقعة أبي بكر، كسبب لنـزول الآيات المذكورة، لا تقوى على النقد؛ وقد بنيت على تأويل شخصي للآيات مقدم على أنه واقعة تاريخية سابقة.

ن ) النص، كعادته، يخفي ما يقرره القرآن الكريم من أن المشركين، لا اليهود وحدهم، كانوا يؤذون المسلمين.

الاقتباس رقم 35(41)

الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ﴿37﴾وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا ﴿38﴾وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللّهُ وَكَانَ اللّهُ بِهِم عَلِيمًا ﴿39﴾[النساء]

النص

كان كردم بن قيس، حليف كعب بن الأشرف، وأسامة بن حبيب، ونافع بن أبي نافع، وبحرى بن عمرو، وحيي بن أخطب، ورفاعة بن زيد بن التابوت، يأتون رجالاً من الأنصار وكانوا يخالطونهم، ينتصحون لهم، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون لهم: لا تنفقوا أموالكم فإننا نخشى عليكم الفقر في ذهابها، ولا تسارعوا في النفقة فإنكم لا تدرون علام يكون، فأنـزل الله الآيات فيهم.

ملحوظات

 أ ) ليس في عبارة الآيات الثلاث المذكورة ما يشير إلى اليهود أو يوحي بأن الآيات تتحدث عنهم. وعلى العكس ففي الآية (37) إشارة صريحة للكافرين.

ب) جاء ذكر أهل الكتاب في سورة النساء ولكن بعد ذلك بقليل، كما سنرى في الاقتباس التالي. والسياق الذي تندرج فيه الآيات الثلاث موضوع هذا الاقتباس، أي الآيات الكريمة التي سبقتها والتي تلتها مباشرةً، يفيد أن الخطاب القرآني موجَّه إلى الكفار وموجَّه أيضاً إلى المسلمين.

ج ) لم يكن البخل، في المدينة، لاسيما في الفترة الأولى بعد الهجرة، خطيئة صغرى. لقد جذبت الهجرة، كما رأينا، إلى هذه البلدة أعداداً غفيرة من الأشخاص الذين كان أكثرهم بلا موارد، وكان وجود هؤلاء الأشخاص يشكل ولاشك، في الفترة المذكورة، مشكلة كبيرة للبلد. وكان من الضروري أن يتوافر لهؤلاء المهاجرين قدر أدنى من الضمان في المأكل، لكي يتمكن الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكرس نفسه لدعوته ولكي يصبح المسلمون في مجموعهم قادرين على الاشتراك بصورة فعالة في نشر الإسلام. ونظراً إلى أن الزكاة لم تكن في الغالب قد فُرضت بعد، وأن الجهود المبذولة لإيجاد موارد جديدة عن طريق التجارة كانت لا تزال في بداياتها الأولى، فقد كان يتعين على الأغنياء وعلى من دونهم غنى أن يساهموا في إطعام المهاجرين المعوزين والمعدمين. ومن المحتمل أن مقتضيات هذا الوضع قد أثارت شيئاً من التحفظ في المجتمع المدني، حتى بين "الأنصار"، وأن بعض هؤلاء لم يُظهروا حماساً في الاستجابة لما كان يدعوهم إليه القرآن بصورة متكررة من بذل المال، وأن مشركي المدينة وجدوا في ذلك حجة يستخدمونها في حملاتهم ضد الإسلام. ومن المرجح أن الآيات الثلاث المذكورة كانت تعنيهم ولا تعني اليهود الستة الذين ذكرهم النص بأسمائهم.

د ) الذين "يكتمون ما آتاهم الله من فضله" كانوا، في مثل هذا السياق، الأغنياء وميسوري الحال الذين يدعون أنهم ليسوا كذلك والذين يخفون ثرواتهم. وتفسير هذه العبارة على أنها تشير إلى التوراة التي كان اليهود يكتمون ما فيها من تصديق لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، تفسير ينطوي على تحوير واضح.

ه ) ليس هناك أي رباط يربط ما جاء في تقديم النص والآية (38) التي اقتبسها والتي تتحدث عن "الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس".

 و ) الآية (39) المقتبسة لا يمكن أن تنطبق على اليهود عامة الذين يؤمنون، من حيث المبدأ، بالله والذين يأمرهم دينهم بالصدقة. وهي لا يمكن أن تنطبق إلا على أهل الشرك وعلى اليهود الذين ليسوا يهوداً في الحقيقة. ومن الواضح أن النص بنى تعليقه على الآيات الثلاث على تفسير مشوَّه لمعناها. وهنا، كما في مواضع أخرى، نسب النص إلى اليهود مآخذ موجهة إلى المشركين وإلى بعض أهل الكتاب وبعض المسلمين. وقد يكون من المفيد أن نذَكِّر هنا بسورة صغيرة من القرآن المكي تقول في جوهرها ما تقوله الآيات الثلاث المقتبسة، وهي سورة الماعون، ونصها:

أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴿1﴾فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴿2﴾وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴿3﴾فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ﴿4﴾الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ﴿5﴾الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ ﴿6﴾وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴿7﴾

إن هذه السورة تجعل من الماعون جزءاً لا يتجزأ من الدين وتقرر أن المسلم الذي لا يحض على طعام المسكين يعتبر مرائياً ومنكِراً لدينه.

ز ) من الواضح أن النص، انطلاقاً من تأويل بغير أساس للقرآن الكريم، اختلق هنا واقعة تاريخية سابقة على نـزول الآية المقتبسة، ثم شفع الواقعة ببعض أسماء يهود ليضفي عليها مصداقية.

الاقتباس رقم 36 (42)

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ ﴿44﴾وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا ﴿45﴾مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴿46﴾[النساء]

النص

كان رفاعة بن زيد التابوت من عظماء يهود، إذا كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم لوى لسانه، وقال: أرعنا سمعك يا محمد، حتى نفهمك، ثم طعن في الإسلام وعابه. فأنـزل الله الآيات فيه.

ملحوظتان

 أ ) هذه الآيات تعبر عن مآخذ خطيرة ضد أهل الكتاب في الآية (44)، وضد اليهود بوجه خاص في الآية (46). وعمل المؤرخ في مثل هذه الظروف يتحصل في الإفصاح عن مجموع الأعمال، والمواقف، والأقوال التي تتضمنها الآيات المقتبسة، وفي ذكر مرتكبيها وشرح الأسباب التي جعلت القرآن الكريم يصفهم بالأعداء. وبدلاً من أن يفعل المؤلف ذلك نجده ذكر اسم يهودي ووضع على لسانه جملة لا تعطي أدنى فكرة عن الأوضاع التي تتحدث عنها الآيات.   

ب) النص، في رأينا، فسر القرآن الكريم تفسيراً بغير أساس، واصطنع استناداً إلى تفسيره واقعة تاريخية سابقة على نـزول الآيات المقتبسة، وأضاف اسماً ليهودي ليجعلها مقبولة.

 الاقتباس رقم 37 (43)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نـزلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنردَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً [النساء: 47]

النص

كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤساء من أحبار يهود، منهم: عبد الله ابن صوريا الأعور، وكعب بن أسد، فقال لهم: يا معشر يهود، اتقوا الله وأسلموا، فوالله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به لحق؛ قالوا: ما نعرف ذلك يا محمد؛ فجحدوا ما عرفوا، وأصروا على الكفر فأنـزل الله الآية فيهم.

ملحوظات

 أ ) قراءة هذه الآية الكريمة لا تعطي قَط انطباعاً بأنها صدى لحديث سابق بين الرسول صلى الله عليه وسلم ونفر من الأحبار.

ب) الخطاب هنا خطاب مباشر موجه إلى النصارى وإلى اليهود على السواء.

ج ) النداءات الموجهة إلى أهل الكتاب للإيمان بمحمد الذي يعترف بدياناتهم ويجعلها جزءاً من رسالته والذي بشرت كتبهم ببعثه كثيرة في القرآن الكريم. وهناك عشرة منها في سورتي البقرة وآل عمران اللتين تسبقان السورة التي اقتُبِسَت منها الآية المذكورة. ولابد أن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه والمسلمين أشاروا إليها عشرات المرات في لقاءاتهم مع اليهود والنصارى، سواءً كانوا أو لم يكونوا من الأحبار والرهبان. والنص لم يقل شيئاً عن ظروف نـزولها.  

د ) واضح أن النص حوَّل التأويل هنا إلى واقعة تاريخية سابقة، مع إضافة اسمين لشخصين من اليهود.

الاقتباس رقم 38 (44)

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً ﴿51﴾أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ﴿52﴾أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا ﴿53﴾أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا ﴿54﴾

النص

وكان الذين حزَّبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبني قريظة: حيي بن أخطب، وسلام بن أبي الحقيق، أبو رافع، والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق، وأبو عمار، ووحوح بن عامر، وهوذه بن قيس. فأما وحوح ، وأبو عمار، وهوذه، فمن بني وائل، وكان سائرهم من بني النضير. فلما قدموا على قريش قالوا: هؤلاء أحبار يهود، وأهل العلم بالكتاب الأول، فسلوهم: دينكم خيرٌ أم دين محمد؟ فسألوهم، فقالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أهدى منه وممن اتبعه. فأنـزل الله الآيات فيهم. 

ملحوظات

 أ ) الآية الكريمة (51)، التي يظهر فيها "الذين أوتوا نصيباً من الكتاب" و "الذين كفروا" كمجموعتين مختلفتين، خير دليل على التفرقة التي يجريها القرآن الكريم بين أهل الكتاب والكفار، وهي التفرقة التي يصر النص على تجاهلها بتقديم اليهود أو أحبارهم ككفار.

ب) كون اليهود قالوا لقريش إن دينهم خير من دين محمد صلى الله عليه وسلم شيء ذكره النص في حديث الفترة المكية. ولكننا هنا في الفترة المدنية، أي الفترة التي يضع فيها النص الواقعة، أي قبل غزوة الخندق بقليل، وبعد الهجرة بخمس سنوات. ولم تكن مكة، بعد انتصارها في غزوة أُحد، بحاجة إلى دعم معنوي فيما يتعلق بقوة معتقداتها. وآيات هذا الاقتباس كانت تشير بالتأكيد إلى كفار المدينة الذين كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعيش بينهم.

ج ) انطلاقاً من تأويل خاطئ لهذه الآيات، اخترع النص أسباباً لنـزولها من عندياته وأضاف إليها بعض الأسماء، وعرض الأمر على أنه واقعة تاريخية سابقة.

الاقتباس رقم 39(45)

إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴿163﴾وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴿164﴾رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴿165﴾

النص

قال سكين وعديّ بن زيد: يا محمد، ما نعلم أن الله أنـزل على بشر من شيء بعد موسى. فأنـزل الله تعالى الآيات في ذلك من قولهما.

ملحوظات

 أ ) ليس في عبارة الآيات ما يوحي بأنها ترُد على ملحوظة أبداها أحد المنافقين.

ب) تأكيد أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول قد خلت من قبله الرسل موضوع من الموضوعات الكبرى التي تكرر ذكرها في القرآن الكريم منذ بدء الدعوة.

ج ) الدلائل كلها تشير إلى أن النص حوَّل تأويله الخاطئ للآيات المقتبسة إلى واقعة تاريخية سابقة، وأضاف إليها اسمين لشخصين.

الاقتباس رقم 40(46)

لَّكنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنـزلَ إِلَيْكَ أَنـزلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا﴿166﴾[النساء]

النص

دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة منهم، فقال لهم: أما والله إنكم لتعلمون أني رسول الله إليكم، قالوا: ما نعلم، وما نشهد عليه. فأنـزل الله تعالى الآية في ذلك من قولهم.

ملحوظات

 أ ) هذا الاقتباس، الذي تتبع آياته آيات الاقتباس السابق مباشرةً، ليس فيه هو الآخر أي عنصر يُفهم منه أنه يرُد على ملحوظة ما أو أنه يتجه إلى اليهود بوجه خاص. والآية التي تليه، أي الآية (167) تقول: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلاَلاً بَعِيدًا"، وهو ما يسمح باستنتاج أن الآية (166) تتجه إلى الكفار؛

ب) حقيقة أن الله شاهدٌ حقيقة متواترة في القرآن الكريم، ومن أمثلتها:

وَمَا نَقَمُوا مِنْهُم ْإلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴿8﴾الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴿9﴾[البروج]

قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴿19﴾[الأنعام]

ج ) واضح أن المؤلف استخدم هنا من الآيات المقتبسة، كلمة "يشهد" لبناء ظرف خيالي يقدمه في تعليقه على أنه واقعة تاريخية سابقة.

الاقتباس رقم 41(47)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴿11﴾[المائدة]

النص

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في دية العامريين اللذين قتل عمرو بن أمية الضمري. فلما خلا بعضهم ببعض قالوا: لن تجدوا محمداً أقرب منه الآن، فمن رجل يظهر على هذا البيت، فيطرح عليه صخرة فيريحنا منه. فقال عمرو بن جحّاش بن كعب: أنا؛ فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فانصرف عنهم. فأنـزل الله تعالى الآية فيه، وفيما أراد هو وقومه.

ملحوظات

 أ ) الواقعة التي أوردها تعليق النص على هذه الآية كانت هي، في رأي ابن إسحاق، السبب في حصار الرسول صلى الله عليه وسلم لبني النضير في السنة الرابعة من الهجرة، وهو الحصار الذي انتهى بإجلائهم. ولكن عبارة الآية المذكورة لا تتمشى مع شرح النص لسبب نـزولها. فبينما يتحدث النص عن شروع في قتل الرسول من جانب يهودي حرضه عليه بعض أبناء قومه، تذكِّر الآية الكريمة المسلمين بحقيقة كانوا يعرفونها عن حرب كادت تُشَنّ عليهم.

ب ) ليس في الآية على أي حال، ما يشير إلى أن القوم الذين همُّوا ببسط أيديهم إلى المؤمنين كانوا من بني النضير أو يهوداً آخرين. ومن الجائز جداً أنهم كانوا مشركين أو بعض المنافقين ممن أسلموا في المدينة.

ج ) من غير المفهوم لماذا يتجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قبيلة يهودية ليطلب معونتها في دية شخصين قتلهما أحد المسلمين، لاسيما وأن الصحيفة أرست قواعد لمثل هذه الحالة. وطبقاً لهذه القواعد فإن قبيلة الجاني هي التي عليها أن تتحمل دية من قتله، وإن لم تفعل فإن الصحيفة تقضي بأن المؤمنين بعضهم مَوالي بعض وأنهم يتباوءوا بعضهم لبعض، كما أن الصحيفة ليس فيها بند يلزم اليهود بدفع دية مستحقة على مسلم.

د ) النص، في رأينا، استناداً إلى تأويل خاطئ للقرآن الكريم، لفَّق واقعة تاريخية سابقة، وشفعها باسم قبيلة واسم شخص ليجعلها مقبولة.

الاقتباس رقم 42(48)

وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴿18﴾[المائدة]

النص

أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أضاء، وبحرى بن عمرو، وشاس بن عدي، فكلموه وكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعاهم إلى الله وحذَّرهم نقمته، فقالوا: ما تخوفنا يا محمد، نحن والله أبناء الله وأحباؤه، كقول النصارى، فأنـزل الله تعالى الآية فيهم.

ملحوظات

 أ ) النص يشرح الإشارة إلى النصارى في الآية المقتبسة بعبارة:" كقول النصارى". أيّ النصارى يعني؟ هو لا يفصح، والأسماء الثلاثة التي يذكرها هي أسماء يهود. وهو يرى أن المدينة لم يكن فيها نصارى، وهو رأيٌ، كما رأينا، غير صحيح.

ب) الذين قالوا، من اليهود والنصارى، إنهم أبناء الله وأحفاده، لم يكونوا ولا شك ثلاثة أشخاص فقط. والنصارى، في لغتهم العادية، يسمون الله "أبانا"، الأمر الذي ترتب عليه منطقياً، بالنسبة للقرآن الكريم، اعتبار أنهم يقولون عن أنفسهم إنهم أبناء الله. ومن الطبيعي أن يقول اليهود والنصارى إنهم أحباء الله لأنهم يعتبرون أن دينهم هو الدين الصحيح الوحيد. فالنص يتحدث إذاً عن اليهود والنصارى في عمومهم.

ج ) النص، انطلاقاً من فهم لا أساس له للقرآن الكريم، اصطنع، في نظرنا، واقعة تاريخية سابقة على نـزول الآية، وشفعها بثلاثة أسماء يهودية ليجعل الواقعة المذكورة مقبولة.

الاقتباس رقم 43(49)

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿19﴾[المائدة]

النص

دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود إلى الإسلام ورغبَّهم فيه، وحذَّرهم غِيَر الله وعقوبته، فأبوا عليه، وكفروا بما جاءهم به، فقال لهم معاذ بن جبل، وسعد بن عبادة وعطية بن وهب: يا معشر يهود، اتقوا الله، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله، ولقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه، وتصفونه لنا بصفته، فقال رافع بن حريملة، ووهب بن يهوذا: ما قلنا لكم هذا قط، وما أنـزل الله من كتابٍ بعد موسى، ولا أرسل بشيراً ولا نذيراً بعده. فأنـزله الله تعالى الآية من قولهما، ثم قص عليهم خبر موسى وما لقي منهم، وانتقاضهم (أي افتراءهم) عليه، وما ردّوا عليه من أمر الله حتى تاهوا في الأرض أربعين سنة عقوبة.

ملحوظات

 أ ) النص، كالمعتاد، يعتبر أن تعبير "أهل الكتاب" يعني اليهود وحدهم، وهذا غير صحيح.

ب) هنا أيضاً يحوِّل النص خطاباً ذا نطاق عام يعلن الله تعالى فيه لأتباع الديانتين الإبراهيميتين الكبريين إعلاناً في غاية الأهمية - هو نهاية سلسلة الأنبياء - إلى رد إلهي على ملحوظة عادية أبداها اثنان من اليهود لثلاثة من المسلمين في المدنية.

ج ) تقرير أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان بشيراً ونذيراً، شأنه في ذلك شأن غيره من الرسل، لم يبدأ في الفترة المدنية المتأخرة التي نـزلت فيها سورة المائدة وآيتها التاسعة عشر، ونحن نجدها في عديد من السور المكية، ومن الأمثلة على ذلك:

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴿56﴾[الفرقان]

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ﴿28﴾ [سبأ]

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ﴿24﴾[فاطر]

والتقرير ذاته وارد في سورة مدنية سابقة بكثير على سورة المائدة. فقد ورد في سورة البقرة مثلاً، وهي أولى السور المدنية، قوله تعالى:

– إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ﴿119﴾

د) النص لا يشرح أسباب نـزول أيٍ من هذه الآيات التي تتحدث عن مشركي مكة والمدينة، وكان لابد له من آية في المعنى ذاته موجهة إلى أهل الكتاب لكي يقف عندها ويحولها إلى واقعة تاريخية سابقة يلصق بها اسمي يهوديين.

الاقتباس رقم 44(50)

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ ﴿41﴾[المائدة]

النص

اجتمع أحبار يهود في بيت المدراس، حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وقد زنى رجل منهم بعد إحصانه بامرأة من يهود قد أحصنت، فقالوا: ابعثوا بهذا الرجل وهذه المرأة إلى محمد، فسلوه كيف الحكم فيها، وولوه الحكم عليهما، فإن عمل فيهما بعملكم من التجبية - والتجبية: الجلد بحبل من ليف مطلي بقار، ثم يُسوَّد وجهاهما، ثم يحملان على حمارين، ويُجعَل وجهاهما من قبل أدبار الحمارين - فاتبعوه، فإنما هو ملك، وصدِّقوه، وإن هو حكم فيهما بالرجم فإنه نبي، فاحذروه على ما في أيديكم أن يسلبكموه. فأتوه، فقالوا: يا محمد، هذا رجل قد زنى بعد إحصانه بامرأة قد أحصنت، فاحكم فيهما، فقد وليناك الحكم فيهما. فمشي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى أحبارهم في بيت المدراس فقال: يا معشر يهود أخرجوا إليَّ علماءكم، فأُخرج له عبد الله بن صوريا.  

وقد أخرجوا إليه يومئذ ابن صوريا، وأبا ياسر بن أخطب، ووهب بن يهوذا، فقالوا: هؤلاء علماؤنا. فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى حصّل أمرهم، إلى أن قالوا لعبد الله بن صوريا: هذا أعلم من بقي بالتوراة.

فخلا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان غلاماً شاباً من أحدثهم سناً، فألظّ به (أي: ألحَّ عليه) رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة، يقول له: يا بن صوريا، أنشدك الله وأذكرك بأيامه عند بني إسرائيل، هل تعلم أن الله حكم فيمن زنى بعد إحصانه بالرجم في التوراة؟ قال: اللهم نعم، أما والله يا أبا القاسم إنهم ليعرفون أنك لنبي مرسل ولكنهم يحسدونك. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بهما فرُجِما عند باب مسجده في بني غنم بن مالك بن النجار. ولما وجد اليهودي مس الحجارة قام إلى صاحبته فجنأ عليها (أي انحنى عليه) يقيها مس الحجارة، حتى قُتلا جميعاً. ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا، وجحد نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنـزل الله تعالى الآية فيهم.

وفي رواية أخرى لما حكَّموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما، دعاهم بالتوراة، وجلس حَبر منهم يتلوها، وقد وضع يده على آية الرجم. فضرب عبد الله بن سلام يد الحَبر، ثم قال: هذه يا نبي الله آية الرجم، يأبى أن يتلوها عليك؛ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحَكم يا معشر يهود! ما دعاكم إلى ترك حكم الله وهو بأيديكم؟  فقالوا: أما والله إنه قد كان فينا يعمل به، حتى زنى رجل منا بعد إحصانه، من بيوت الملوك وأهل الشرف، فمنعه الملك من الرجم، ثم زنى رجل بعده، فأراد أن يرجمه، فقالوا: لا والله، حتى ترجم فلاناً، فلما قالوا له ذلك اجتمعوا فأصلحوا أمرهم على التجبية، وأماتوا ذكر الرجم والعمل به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنا أول من أحيا أمر الله وكتابه وعمل به، ثم أمر بهما فرُجما عند باب مسجده. قال عبد الله بن عمر: فكنت فيمن رجمهما.

ملحوظات

 أ ) من الصعب تصور أن يهود المدينة، بعد أكثر من ثلاثة عشر عاماً من مبعث محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا لا يزالون يتساءلون عما إذا كان محمد ملكاً أو نبياً. ولو صح ما يقوله النص فإنهم اقترحوا على الخضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط اللذين أوفدتهما قريش له بعد بدء الدعوة بثلاث أو أربع سنوات لسؤالهم عن رأيهم في محمد أن يوجهوا إليه أسئلة ثلاثة: عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، وعن رجل طوّاف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وعن الروح. وقالوا لهم: فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه، فإنه نبي، وإن لم يفعل، فهو رجل متقوِّل(51). وقد رد القرآن الكريم على الأسئلة المذكورة. ولابد، إن صحت القصة، أن إجاباته أُبلغت ليهود المدينة. وتوالي الأحداث بعد ذلك وآيات مختلفة نـزلت من القرآن الكريم تدل على أنهم لم يعترفوا بنبوة الرسول. وإذاً فإنهم كانوا قد استقروا على رأي في شأنه ولم تكن بهم من حاجة، عند وصوله إلى المدينة، إلى إجراء اختبار جديد له لمعرفة ما إذا كان ملكاً أو نبياً. 

ب) لو أن التوراة كانت وثيقة سرية، يحفظها الأحبار طي الكتمان ويحرصون على إخفائها، لكان للاختبار الذي أرادوا إجراءه للرسول معنى. ولكن التوراة لم تكن وثيقة سرية ومن غير  المتصوَّر في مدينة كان اليهود وغير اليهود يعيشون فيها منذ قرون، وكان فيها أفراد من القبائل العربية تهوَّدوا، أن يظل حكم التوراة الذي يقرر عقوبة الزنا مجهولاً. وفي مكة أيضاً، كان التجار الذين كانوا يسافرون في تجارتهم إلى الشام والعراق اللذين كان فيهما يهود، والذين هاجر بعضهم إلى المدينة، يعرفون عقوبة الزنا ولابد أنهم سمعوا عن حالات نُفِّذَت فيها أو لم تُنَفَّذْ.

ج ) أياً كان الأمر، فإن تصور أن تكون الحقيقة الوحيدة التي يبني عليها أحبار اليهود حكمهم في كون محمد صلى الله عليه وسلم أو عدم كونه نبياً هي معرفته أو جهله بعقوبة الزنا في التوراة شيء لا يقبله العقل.

د ) ولا بد أن هؤلاء الأحبار كانوا يعلمون أيضاً أن المدينة أو مكة كان فيها أُناس يعلمون أن عقوبة الرجم قد استبدلت بها عقوبة التجبية لأنهم رأوا في المدينة أو خارجها أشخاصاً طبقت عليهم هذه العقوبة أو سمعوا عنهم، وأن هؤلاء الناس لم يكونوا جميعاً ملوكاً.

ه ) ويزيد من غرابة هذا الاختبار:

- أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يقدم نفسه لليهود على أنه ملك؛

- أن اليهود لابد علموا - إن صح ما يقوله النص - أن محمداً صلى الله عليه وسلم رفض عرضاً من قريش بأن ينصبوه ملكاً عليهم لو قبل العدول عن دعوته؛

- أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يخلع على نفسه في صحيفة المدينة صفة الملك.

- أن القرآن الكريم، الذي لابد أن اليهود علموا به، لا يصف محمدا صلى الله عليه وسلم قط بالملك.

- أن رأي القرآن في الملوك سيئ، تشهد بذلك آية:" قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ" ﴿74﴾ [النمل] التي جرت على لسان ملكة سبأ.

و ) لو أن اليهود كانوا يعرفون مقدماً أنه حتى إذا قدَّم محمد صلى الله عليه وسلم الدليل الذي طلبوه منه فإنهم سيرفضون تصديقه، فما جدوى أن يضعوه موضع الاختبار؟ كان من الأيسر كثيراً عليهم أن يعتبروه مُتقوَّلاً وألاَّ يقوموا بمزيد من الاستقصاء.

ز ) إصرار اليهود على رفض تصديق محمد صلى الله عليه وسلم واتباعه، بعد أن أقام الدليل على أنه نبيٌ بحق، كان من شأنه أن يضعهم في وضع صعب أمام الله، الذي يأمر مَن يؤمنون به بأن يؤمنوا أيضاً بالرسل الذين يبعثهم.

ح ) رفض الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، حتى بعد إثبات أنه نبي، بذريعة أنه سيسلبهم ما في أيديهم، حجة بالغة الغرابة. ويزيد من غرابتها أن اليهود كانوا يعلمون أنه لم يحدث لا في الفترة المكية ولا في الفترة المدنية أن استولى الرسول على مال الغير. ولابد أنهم كانوا يعلمون أيضاً أنه رفض في الفترة المكية عرضاً من قريش بأن يجعلوا منه أكثرهم غنىً وثروة إذا عدل عن دينه، وأن شيئاً في القرآن الكريم لم يكن يسمح له بمصادرة أو بتملك أموال المسلمين أو أموال غير المسلمين.

ط ) لابد أن أجزاء من القرآن الكريم الذي نـزل في الفترة المكية وبعض ما نـزل منه في المدنية وصلت إلى علم يهود هذه المدينة بطرق مختلفة وعن طريق المسلمين أنفسهم، ومن فم الرسول شخصياً بعد الهجرة. وكان لدى هؤلاء اليهود وأحبارهم فسحة كافية من الوقت لدراسة هذا القرآن والحكم، على أساسه، على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، دون أن تكون بهم حاجة لاختباره بشيء آخر.

ي ) كان الاحتكام إلى محمد صلى الله عليه وسلم يكون مفهوماً لو أن أحد المتهمين كان مسلماً؛ وحتى في هذه الحالة، كان من الطبيعي أن يكون قاضي كل ديانة مختصاً بمحاكمة المتهم الذي يدخل في اختصاصه. ولكن مادام المتهمان في هذه القضية كانا يهوديين، فمن غير المتصور أن يكون القضاة اليهود قد تخلَّوا بإرادتهم عن مسئولية الحكم فيها علماً بأن الجريمة المرتكبة جريمة ذات طابع ديني صرف.

ك ) زنا الشخصين المحصنين في جميع المجتمعات عمل شائن يحرص المسئولون بقدر الإمكان على عدم إذاعته. لذلك فمن المستغرب أن تكون الطريقة الوحيدة التي أراد بها اليهود التحقق من صحة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم هي تحكيمه في قضية يحرص الناس عادة على إخفائها عن جيرانهم، لاسيما بالنظر إلى الظروف التي كانت سائدة وقتها، وهي ظروف نـزاع وتنافس بين الديانتين الكبريين.

ل ) لو صدقنا ما جاء في النص، فإن القاعدة القانونية المتعلقة بالزنا ضد اليهود قد اندثرت وحلت محلها قاعدة عرفية استبدل فيها بعقوبة الإعدام عقوبة أخف منها بكثير. وكان من حق مرتكبي هذه الجريمة إذاً أن يحاكما وفقاً لهذه القاعدة الأخيرة وأن يستفيدا من العقوبة المخففة التي تقررها. لذلك فمن غير المفهوم لماذا أحالت السلطات اليهودية إلى محمد صلى الله عليه وسلم مهمة الحكم في هذه القضية وهي تعلم أنه إذا قضى بتطبيق القانون الذي جاء به موسى أُعدما رجماً بمقتضى قانون لم يعد سارياً.

م ) سواءً كان غرض السلطات اليهودية من تسليم المتهمين لمحمد صلى الله عليه وسلم التحقق من نبوته أو محاكمتهم الفعلية، فقد كان من شأن اليهود أن ينفذوا الحكم، وليس من المفهوم لماذا أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم على عاتقه مهمة رجمهما، وذلك على باب مسجده.

ن ) النص لا يزودنا بأي معلومة عن المداولات التي لابد أنها دارت بين الأحبار بعد نجاح محمد صلى الله عليه وسلم في الاختبار الذي أجروه له.

س ) الجملة التي قالها ابن صوريا للرسول صلى الله عليه وسلم من أنهم يعرفون أنه نبي مرسل ولكنهم يحسدونه لا تتمشى مع باقي القصة، فإذا كان الأحبار يعلمون أنه نبي حقاً وصدقاً فما الذي جعلهم يضعونه موضع الاختبار.

ع ) مادام محمد صلى الله عليه وسلم، في الرواية الثانية، استطاع أن يثبت للأحبار أن التوراة تقضي برجم الزاني المُحْصَن، وأنه يعرف التوراة، فمن غير المفهوم ماذا كانت مصلحة الأحبار في تسليمه المتهمين لمحاكمتهم وتنفيذ الحكم عليهم، ولا مصلحة للرسول في ذلك.

ف) في عبارة: "الَّذِينَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ" من الآية (41) يقول النص إن المقصود هو الرجم، وهذا تأويل لا يستند إلى أساس، فإن شرح المؤلف لسبب نـزول هذه الآية لم يرد في أي مكان منه كلام عن تحريف كلام الله من بعد مواضعه فيما يتعلق بحكم الرجم أو عن إنكار الأحبار وجود نص يعاقب الزناة المحصنين بالرجم.

ص) انطلاقاً من تفسير شخصي وخاطئ للاقتباس القرآني، تصور النص هنا حدثاً يوضحه على أنه واقعة تاريخية سابقة.

ق ) من المهم أخيراً أن نلاحظ أن حزن الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي تشير إليه الآية لا يمكن أن يكون نتيجة واقعة واحدة، هي تلك التي يتحدث عنها النص، وإنما كان نتيجة حالة المسئول عنها هم اليهود وهم أيضاً "الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم." ولكن النص نسي أن يتحدث عن هؤلاء. 

الاقتباس رقم 45(52)

فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴿42﴾[المائدة]

النص

أنـزلت في الدية بين بني النضير وبين بني قريظة، وذلك أن قتلى بني النضير، وكان لهم شرف، كانوا يؤدون الدية كاملة، وأن بني قريظة كانوا يؤدون نصف الدية، فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنـزل الله ذلك فيهم، فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق في ذلك، فجعل الدية سواء.

ملحوظات

 أ ) التوجيهات التي تعطيها الآية تتعلق بالمستقبل بينما يشير شرح النص إلى الماضي.

ب) تقول الآية التي تلي الآية المقتبسة مباشرة: "وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ْ﴿43﴾". والاحتمال ضعيف في أن يكون الخلاف المتعلق بالدية التي تدفعها قبيلتان من اليهود من المسائل التي ورد بشأنها حكم في التوراة.

ج ) النص، في رأينا، اصطنع حدثاً تاريخياً سابقاً بالاستناد إلى تأويل خاطئ للقرآن الكريم.

الاقتباس رقم 46(53)

وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنـزلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنـزلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴿49﴾أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴿50﴾[المائدة]

النص

قال كعب بن أسد، وابن صلوبا، وعبد الله بن صوريا، وشاس بن قيس، بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد، لعلنا نفتنه عن دينه، فإنما هو بشر، فأتوه، فقالوا له: يا محمد، إنك قد عرفت أنَّا أحبار يهود وأشرافهم وسادتهم، وأنَّا إن اتبعناك اتبعتك يهود، ولم يخالفونا، وأن بيننا وبين بعض قومنا خصومة، أفنحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم، ونؤمن بك ونصدقك، فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، فأنـزل الله الآيتين فيهم. 

ملحوظات

 أ ) من الغريب أن يكون قد أتيح لشاهد أن يعلم بما دار في اجتماع مثل ذلك الذي تآمر فيه أربعة من أشراف اليهود على محمد صلى الله عليه وسلم بهدف فتنته عن دينه. إن مثل هذا الاجتماع، إذا كان قد تم، كان ولابد سرياً كأقصى ما تكون السرية.

ب) من الصعب تصور أن يكون رؤساء الجالية اليهودية في المدينة من السذاجة بحيث يتوقعون أن يقبل محمد مسعاهم.

ج ) الآية (47) التي تسبق هذا الاقتباس مباشرة تقول: "وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنـزلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنـزلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ".

وإذاً فليس اليهود وحدهم هم الذين تشير إليهم الآيتان (49) و (50).

د ) من الواضح أن كل ما فعله النص هنا هو أنْ نقل مادة من عبارة الآيتين المذكورتين وبنى قصة من بنات أفكاره وقدمها كواقعة تاريخية سابقة.

الاقتباس رقم 47(54)

قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنـزلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنـزلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿136﴾[البقرة]

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنـزلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنـزلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ ﴿59﴾[المائدة]

النص

أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر منهم: أبو ياسر بن أخطب، ونافع بن أبي نافع، وعازر بن أبي عازر، وخالد، وزيد، وإزار بن أبي إزار، وأشيع، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم آية سورة البقرة. فلما ذكر عيسى بن مريم جحدوا نبوته وقالوا: لا نؤمن بعيسى بن مريم ولا بمن آمن به. فأنـزل الله تعالى فيهم آية سورة المائدة. 

ملحوظات

 أ ) تقول "السيرة" إن أنباء الرسول صلى الله عليه وسلم ودينه بلغت اليهود منذ السنوات الأولى لدعوته صلى الله عليه وسلم. ولابد أن أحبارهم ورؤساءهم وأشرافهم قد اهتموا بهذا الدين الجديد، لأكثر من سبب. ولابد أنهم، حتى قبل وصول الرسول وأصحابه إلى المدينة، قد علموا بالسور التي نـزلت واتخذوا ما يلزم من خطوات لتلقي ما ينـزل منها أولاً  بأول. ولهذا فإن السؤال الذي يقول النص إن نفراً من اليهود وجهوه إلى محمد صلى الله عليه وسلم بشأن من يؤمن به من الرسل يبدو غير معقول.

ب) وغير معقولة أيضاً الملحوظة التي أبدوها، والتي فحواها أنهم لا يؤمنون بعيسى بن مريم، فإن مجرد كونهم يهوداً وأنهم بالتالي لم يصبحوا نصارى، يفيد ذلك بما فيه الكفاية وأكثر.

ج ) كون اليهود لا يؤمنون بعيسى حقيقة كان يعرفها الرسول صلى الله عليه وسلم بتنـزيل سور سابقة بكثير على سورة المائدة التي هي، وفقاً لتصنيف بلاشير، آخر سور القرآن الكريم نـزولاً. من ذلك أن الآية (6) من سورة الصف تقول:

وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ.

د ) ليس هناك أي حيز مشترك بين ما قاله نفر اليهود والآية الكريمة (59)؛

ه ) حين تتحدث هذه الآية عن أهل الكتاب فهي لا تشير فحسب إلى اليهود، بل تشير أيضاً إلى النصارى. وهذا ما يتضح من مجموع الآيات التي تسبقها وتلك التي تليها.

و ) من الواضح أن النص، استناداً إلى الآية المذكورة، أنشأ واقعة يقدمها على أنها واقعة تاريخية سابقة ويغلفها بعدد من الأسماء.

الاقتباس رقم 48(55)

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنـزلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنـزلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴿68﴾[المائدة]

النص

أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن حارثة، وسلام بن مشكم، ومالك بن الصيف، ورافع بن حريملة، فقالوا: يا محمد، ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه، وتؤمن بما عندنا من التوراة، وتشهد أنها من الله حق؟ قال: بلى، ولكنكم أحدثتم وجحدتم ما فيها مما أخذ الله عليكم من الميثاق فيها، وكتمتم منها ما أُمرتم أن تبينوه للناس، فبرئتُ من إحداثكم؛ قالوا: فإنا نأخذ بما في أيدينا، فإنَّا على الهدى والحق، ولا نؤمن بك ولا نَتَّبِعَك. فأنـزل الله تعالى الآية فيهم.

ملحوظات

 أ ) تعليق النص لا يتمشى مع الآية المقتبسة؛ فبينما يقول اليهود الأربعة في النص للرسول صلى الله عليه وسلم إنهم لا يؤمنون به ولا يتبعوه، تبلغ الآية أهل الكتاب أن إيمانهم لا تكون له قيمة إلا بقدر ما يطبقون تعاليم كتبهم المنـزلة.

ب) المؤلف لا يرى في تعبير "أهل الكتاب" إلا اليهود على الرغم من أن هذا التعبير ورسالة الآية الكريمة المقتبسة ينصرفان أيضاً إلى النصارى.

ج ) من الواضح أن المؤلف أوَّل هذه الآية على هواه وحوَّل تأويله إلى واقعة تاريخية سابقة وأضاف إليها بعض أسماء يهود.

الاقتباس رقم 49(56)

قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴿19﴾الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴿20﴾[الأنعام]

النص

أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم النحَّام بن زيد، وقردم بن كعب، وبحرى بن عمرو، فقالوا له: يا محمد، أما تعلم مع الله إلهاً غيره؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله لا إله إلا هو، بذلك بُعثت، وإلى ذلك أدعو. فأنـزل الله الآيتين فيهم وفي قولهم.

ملحوظات

 أ ) عبارة الخطاب في الآية الكريمة (19) تثبت أنها تتجه إلى أهل الشرك؛ وليس في هذه العبارة ما يوحي بأن الآية جاءت نتيجة لنقاش دار بين اليهود والرسول صلى الله عليه وسلم.

ب) تعليق النص لا يرتبط بأي صلة بالآية (20).

ج ) "الذين آتيناهم الكتاب" في هذه الآية تعني النصارى كما تعني اليهود.

د ) استناداً إلى تأويل بغير أساس للقرآن الكريم، اخترع النص هنا واقعة تاريخية سابقة شفعها بثلاثة أسماء ليهود. 

الاقتباس رقم 50(57)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿57﴾وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ ﴿58﴾قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنـزلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنـزلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ ﴿59﴾قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ ﴿60﴾وَإِذَا جَآؤُوكُمْ قَالُوَاْ آمَنَّا وَقَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ ﴿61﴾[المائدة]

النص

كان رفاعة بن زيد بن التابوت، وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ونافقا فكان رجال من المسلمين يوادونهما. فأنـزل الله تعالى الآيات فيهما.

ملحوظات

 أ ) تعليق النص، من حيث موضوعه، ضعيف الصلة بالآيات المذكورة، التي تتعلق بموضوعات مختلفة.

ب) تتحدث الآية الكريمة (57) عن ثلاث فئات من الأشخاص: اليهود والنصارى (الذين أوتوا الكتاب) والكفار؛ والحديث في الآية الكريمة (59) موجه إلى اليهود والنصارى دون غيرهم. ومع هذا فإن النص لا يقدِّم في تعليقه على هذه الآيات سوى شخصين من اليهود.

ج ) استناداً إلى تأويل خاطئ، يقدم النص رأيه بشأن الآيات المقتبسة على أنه واقعة تاريخية سابقة مع إضافة اسم شخصين.

الاقتباس رقم 51 (58)

يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴿187﴾[الأعراف]

النص

قال جبل بن أبي قشير، وشمويل بن زيد، لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد، أخبرنا متى تقوم الساعة إن كنت نبياً كما تقول؟ فأنـزل الله الآية فيهما.

ملحوظات

 أ ) سورة الأعراف، التي اقتطفت منها هذه الآية مكية، وهي تندرج تحت رقم (89) في ترتيب بلاشير الزمني لسور القرآن الكريم، علماً بأن أول السور المدنية فيه تحمل رقم (93).

ب) لو أن اليهوديين اللذين سماهما النص كانا حقيقة سبب نـزول الآية المقتبسة لجاء الخطاب في الآية (187) بصورة المثنى ولاستخدمت كلمة "يسألانك" بدلاً من "يسألونك".

ج ) ليس في الآية الكريمة ما يوحي بأن السؤال عن الساعة صادر من يهود أو من يهود فقط.

د ) هذه الآية ترُد في الواقع على أصوات من أهل الشرك كانت تردد أسئلة مماثلة وجهت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة، وقد رد عليها القرآن الكريم من قبل في سورة النازعات المكية، في قوله تعالى: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴿42﴾فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا ﴿43﴾إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا ﴿44﴾إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا ﴿45﴾كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴿46﴾".

ه ) النص ينقل هنا صدر الآية (187) ويقدمه على أنه واقعة تاريخية سابقة مع إضافة اسمين ليهوديين.

الاقتباس رقم 52 (59)

وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴿30﴾[التوبة]

النص

أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاَّم بن مشكم، ونعمان ابن أوفى أبو أنس، ومحمود بن دحية، وشاس بن قيس، ومالك بن الصيف، فقالوا له: كيف نتَّبعك وقد تركت قبلتنا، وأنت لا تزعم أن عُزيراً ابن الله؟ فأنـزل الله عزَّ وجلَّ الآية في ذلك من قولهم. 

ملحوظات

 أ ) مسعى اليهود الخمسة لدى الرسول صلى الله عليه وسلم مؤداه تقريباً: "نحن على استعداد لاتباعك إذا اتبعتنا أنت"، وهو شيء يجافي المعقول.

ب) هنا مثل آخر لشرح الآيات القرآنية الذي يجعل المؤلف اليهود يشترطون فيه اشتراطات هبلاء وغير معقولة كمقابل لإسلامهم.

ج ) التعليق لا يشرح جزء الآية المتعلق بالنصارى.

د ) من الواضح أن المؤلف اصطنع الواقعة التي أوردها في تعليقه استناداً إلى الجزء الأول من الآية (30) وقدمها على أنها حدث تاريخي سابق، وأيدها ببعض أسماء يهود.

الاقتباس رقم 53(60)

قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴿88﴾[الإسراء]

النص

أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم محمود بن سبحان، ونعمان بن أضاء، وبحرى بن عمرو، وعُزير بن أبي عُزير، وسلاَّم بن مشكم، فقالوا: أحقٌ يا محمد أن هذا الذي جئت به لحق من عند الله، فإنا لا نراه متسقاً كما تتسق التوراة؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله إنكم لتعرفون أنه من عند الله، تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة، ولو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله ما جاءوا به؛ فقالوا عند ذلك، وهم جميع: فنحاص، وعبد الله بن صوريا، وابن صلوبا، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وأشيع، وكعب بن أسد، وشمويل بن زيد، وجبل بن عمرو بن سكينة: يا محمد، أما يعلِّمك هذا إنس ولا جن؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله إنكم لتعلمون أنه من عند الله، وإني لرسول الله؛ تجدون ذلك مكتوباً عندكم في التوراة؛ فقالوا: يا محمد، فإن الله يصنع لرسوله إذا بعثه ما يشاء ويقدر منه على ما أراد، فأنـزل علينا كتاباً من السماء نقرؤه ونعرفه، وإلا جئناك بمثل ما تأتي به، فأنـزل الله تعالى الآية فيهم وفيما قالوا.

ملحوظات

 أ ) يُفهم من تعليق النص على الآية الكريمة (88) أن التنـزيل القرآني جاء تأييداً لكلام قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن منطوق الآية يُفهم منه أن الرسول لم يكن قد قال ما أمره القرآن الكريم بقوله.

ب) السياق الذي تندرج فيه الآية، أي الآيات التي تسبقها وتلك التي تليها مباشرةً، ليس فيه أي ذكر لليهود. على العكس، فإن الآية الكريمة (85) تتحدث عن الكفار الذين يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الروح، والآية الكريمة (90) تتحدث عن الكفار الذين قالوا له: "لن نؤمن لك حتى تفجِّر لنا من الأرض ينبوعاً".

ج ) التعليق على الآية المقتبسة يوحي، كمسألة بديهية، بأن لقاء الرسول صلى الله عليه وسلم باليهود العديدين الذين عُينوا بأسمائهم دار في المدينة، والحاصل أن السورة التي وردت فيها الآية المذكورة سورة مكية نـزلت قبل الهجرة بقليل.

د ) من الغريب أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يطلب من مخاطبيه أن ينفذوا تهديدهم بالمجيء بمثل القرآن الذي أتى به.

ه ) من الواضح أن المؤلف نقل هنا بعض الآية المقتبسة وقدم تركيبته على أنها واقعة تاريخية سابقة وقرنها بالعديد من أسماء الأعلام اليهود.

الاقتباس رقم 54(61)

النص

قال حيي بن أخطب، وكعب بن أسد، وأبو رافع، وأشيع، وشمويل بن زيد، لعبد الله بن سلام حين أسلم: ما تكون النبوة في العرب ولكن صاحبك ملك. ثم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن ذي القرنين فقص عليهم ما جاءه من الله تعالى فيه، مما كان قص على قريش، وهم كانوا ممن أمر قريشاً أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، حين بعثوا إليهم النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط.

ملحوظات

أ ) هذه هي المرة الثانية، في النص، التي تقرن فيها صفة الملك بالرسول صلى الله عليه وسلم في تعليق المؤلف على اقتباس قرآني؛ وكانت المرة الأولى هي تلك التي عرض اليهود فيها عليه قضية الزنا. ولكنهم إذا كانوا قد ثبت لديهم في المرة الأولى أنه رسول لا ملك، إذ أنه حكم على المتهمين وفقاً لشريعة موسى، يقولون هنا لليهودي الذي أسلم أن محمداً لا يمكن أن يكون نبياً لأنه عربي، وأنه لا يمكن بالتالي أن يكون إلا ملكاً.

ب) لكي يسأل اليهود الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين، لابد أنهم كانوا يجهلون إجابة القرآن الكريم عن سؤالهم في الفترة المكية، الأمر الذي يدعو للدهشة فإن قريشاً ما كان يفوتها أن تبلغهم برد القرآن لكي يعرفوا ما إذا كان محمد صلى الله عليه وسلم نبياً أم متقولاً.

ج ) استناداً إلى تفسير على غير أساس للقرآن الكريم، اصطنع النص واقعة تاريخية سابقة شفعها بعدد من أسماء اليهود ليجعلها مقبولة.

الاقتباس رقم 55(62)

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴿1﴾اللَّهُ الصَّمَدُ ﴿2﴾لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴿3﴾وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴿4﴾[الإخلاص]

النص

أتى رهط إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: يا محمد، هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتقع (أي تغيَّر) لونه، ثم ساورهم (أي واثبهم وباطشهم) غضباً لربه. فجاءه جبريل عليه السلام فسكَّنه، فقال: خفض عليك يا محمد، وجاءه من الله بجواب ما سألوه عنه.

فلما تلاها عليهم، قالوا: فصف لنا يا محمد كيف خلقه؟ كيف ذراعه؟ كيف عضده؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد من غضبه الأول، وساورهم، فأتاه جبريل عليه السلام، فقال له مثل ما قال له أول مرة، وجاءه من الله تعالى بجواب ما سألوه. يقول الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿67﴾ [الزمر].

ملحوظات

 أ ) الاقتباس الأول والاقتباس الثاني على السواء مكيان وكلاهما يشير إلى أهل الشرك.

ب) يفصل بين الاقتباس الأول والاقتباس الثاني، في تصنيف بلاشير الزمني لسور القرآن الكريم، نحو أربعون سورة، وهو ما يجعل من الصعب تصوُّر نـزولهما في وقت متقارب كما يدعي النص.

ج ) نوع الأسئلة المطروحة على الرسول صلى الله عليه وسلم في تقديم هذين الاقتباسين لا يُعْقَل وروده على ألسنة أحبار اليهود. وهو لا يمكن أن يصدر إلا عن مشركين أو منافقين أو عن يهود ليسوا يهوداً إلا بالاسم.

د ) النص نقل هنا عبارات من الآيات المقتبسة وكسا ما نقله بما يجعله يبدو كواقعة تاريخية سابقة.



(
1) "السيرة" ص ص 513 – 516.

(2) ص ص 516 – 517.

(3) ص 518.

(4) ص ص 518 و 519.

(5) ص ص 527 – 529.

(6) "السيرة" ج 1، ص 530.

(7) ص ص  531 و 532.

(8) ص 532.

(9) ص 533.

(10) ص 534.

(11) ص ص 536 – 537.

(12) ص 538.

(13) ص 541.

(14) ص ص 542 – 544  

(15) ص 544.

(16)ص 544.

(17) ص ص 545 و 546.

(18) ص 547.

(19) ص 548.

(20) ص 233.

(21) ص 548.

(22) ص 548.

(23)ص 549.

(24) ص 549.

(25) ص ص 549 و 550.

(26) ص 550.

(27) ص 551.

(28) ص 552.

(29) ص 652.

(30) ص 553.

(31) ص 553.

(32) ص 553.

(33) ص 554.

(34) ص ص 555 – 557.

(35) ص 557.

(36) ص 213.

(37) ص 282.

(38) ص 428.

(39) ص 558.

(40) ص 559.

(41) ص 560.

(42) ص 560.

(43) ص ص 561 و 562.  

(44) ص 562.

(45) ص ص 562 و 563.

(46) ص 563.

(47) ص 563.

(48) ص 563.

(49) ص 564.  

(50) ص ص 564 – 566.

(51) ص ص 300 و 301.

(52) ص 566.

(53) ص 567.

(54) ص 567.

(55) ص ص 567 و 568.

(56) ص 568.

(57) ص ص 568 و 569.

(58) ص 569.

(59) ص 570.

(60) ص ص 570 و 571.

(61) ص 571.

(62) ص ص 571 و 572.

اجمالي القراءات 15758