نصعب على الكافر!

في الجمعة ٢٩ - يناير - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

كل الدول الاستبدادية تقول عن نفسها ديمقراطية، فمصر مثلاً التي لم تشهد انتخابات نزيهة واحدة في تاريخها الحديث تقول عن نفسها ديمقراطية، لأ وإيه، في أزهي عصور الديمقراطية كمان!، وعلي طريقة «إن عشقت اعشق قمر وإن سرقت اسرق جمل» فإن كل الأحزاب الديكتاتورية ومزورة الانتخابات ومحتكرة السلطة تسمي نفسها ديمقراطية لدرجة أن الحزب النازي في ألمانيا كان اسمه الحزب الوطني الديمقراطي، ورغم أنه لم يزور الانتخابات لكنه فعل ألعن من تزويرها فقد خانها، ثم إن الحزب الوطني بتاعنا الذي لا يملك عاقل واحد في الدنيا ممن يتهف في عقله أو في ضميره أن يعتبره ديمقراطيًا ومع ذلك فإن اسمه الحزب الوطني الديمقراطي، المهم كان عدد الدول التي يمكن اعتبارها ديمقراطية في العالم كله حتي أوائل التسعينيات لا يتجاوز 40 دولة!

ممكن طبعًا تسألني: وإزاي عرفت حضرتك إنها ديمقراطية؟

يا عزيزي المسألة مش ذرة و لا تحتاج فيلسوفًا فالدولة الديمقراطية هي التي تشهد انتخابات حرة غير مزورة وتداولاً للسلطة، فحزب يروح وحزب ييجي، والرئيس لا يستمر إلا مدتين فقط ومفيش حاجة اسمها للأبد واخترناك من قلب الشعب علي قلب الشعب، وبعد كده شوية حاجات فكة لكن هي دي معايير الديمقراطية، إذن كانت الدول التي تتوفر فيها هذه المعايير أربعين دولة فقط، ومع بداية التسعينيات وانهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك الكتلة الشرقية وصل عدد تلك الدول - حسب موقع تقرير واشنطن - إلي حوالي 76 دولة، وبحلول عام 2002 أصبح عدد تلك الدول 118 دولة بحيث صارت الديمقراطية الحكم السائد في غالبية دول العالم.

ومع ذلك يا أخي ووسط هذا كله فلا توجد دولة عربية واحدة توحد الله صارت وسط كل هذا الجرمق ديمقراطية، ولا دولة عربية واحدة، تخيل، إلي هذا الحد العالم كله تغير وتبدل وتطور ما عدا نحن في الوطن العربي مازلنا نصعب علي الكافر، نتنيل وندهول وندحدر!

ليه يا ربي؟!

انهار جدار برلين، تحول الاتحاد السوفيتي أثرا بعد عين، أطلالا بعد حصون، تحولت أوروبا الشرقية إلي ديمقراطية وحرية وتعددية سياسية حقيقية ومستمرة، تجاوزت الهند مخاطر طائفيتها وحافظت علي ديمقراطيتها بشكل مذهل، تحولت جميع دول أمريكا اللاتيية من الديكتاتورية المطلقة إلي الديمقراطية الرائعة، جددت الصين نفسها وتنازل رجال الحكم فيها عن مقاعدهم لخلفائهم تنازلاً سلميًا وهادئًا، تحولت إيران الخوميني إلي انتخابات تعددية وتداول في مقعد الرئاسة الذي يصعد له رئيس بالانتخاب وليس بالمبايعة والنفاق المزري، صارت تركيا واحدة من أعظم الديمقراطيات الإسلامية في العالم، حيث تحللت سلطة العسكر وصار حكامها زعماء الإسلام الديمقراطي، دخلت الكرة الأرضية عصرًا جديدًا وبقي هذا العالم العربي علي حاله الميئوس منها. يحدث تحول ديمقراطي في معظم بلاد العالم ليرتفع عدد الدول الديمقراطية من أربعين إلي مائة وثماني عشرة دولة ليس منها ولا فيها دولة عربية واحدة، ثمانية وسبعون دولة ديكتاتورية دخلت عالم الديمقراطية بينما في العالم العربي تمر السنون بلا حس ولا خبر ولا حركة ولا بركة.

صحيح أن المجتمعات العربية تشهد حركات مخلصة ومناضلة في سبيل الحرية والديمقراطية، لكنها بطيئة مرتبكة مشتتة مقموعة ومقهورة ومحاصرة، بينما تنتشر كالوباء كوليرا سياسية خبيثة ومدمرة ميكروباتها بشرية وشخصياتها فيروسات تمشي علي الأرض، من عينة ماسحي الجوخ والمنافقين ورجال السياسة المتلاعبين بالعقول والإعلاميين والصحفيين الانتهازيين والأفاقين والمرتشين من الحكومات والأنظمة، وقد ابتلي ربنا المجتمعات العربية كذلك بجماعات تري الديمقراطية كفرًا وضلالاً وتعتقد أن الإسلام ضد حرية الناس في إقرار واختيار حكامهم وقوانينهم، ويضع متطرفون وغلاة مصائر البشر في يد مفسري القرآن علي هواهم وتحت أمر الكذابين علي النبي - صلي الله عليه وآله وسلم - وفي حضن أحفاد يزيد بن معاوية والحجاج الثقفي، ولا تزال الملكيات المترفة مترفوها فسقوا فيها، وتستمر الأنظمة العسكرية المتنكرة بالزي المدني قابضة علي زمام السلطة ومقعد الرئاسة، وها هم ملوك يورثون عروشهم لأبناء الاستبداد والاستعباد، وها هم رؤساء العالم العربي يورثون أولاد الثورة والثروة الرئاسة!

متي نتحول كما تحول غيرنا؟!

يبدو - كما قلت دائمًا - أن التحول الوحيد المسموح به في وطننا هو التحول الجنسي، حتي صار الرجال كما نري أشباه رجال!!

اجمالي القراءات 3483