صعود وسقوط حركات الإسلام السياسي.. ماذا بعد؟

في الأربعاء ١٠ - نوفمبر - ٢٠٢١ ١٢:٠٠ صباحاً

تلاشت النشوة التي أحاطت بمشاركة الأحزاب السياسية الإسلامية العربية والتركية في الانتخابات الوطنية في أوائل التسعينات. ومنذ ذلك الحين، قامت "أنظمة الرجل القوي" في مصر والأردن وتونس والسودان ودول الخليج وأماكن أخرى بتكميم أفواه هذه الأحزاب وقفزت على العملية الانتخابية وتخلت عن الديمقراطية.

وفي غضون ذلك، كان صانعو السياسة الأمريكيون متشككين بشكل عام بشأن الإسلام السياسي وعملوا في كثير من الأحيان على تقويضه.

وكان قرار جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب السياسية التابعة لها في المنطقة بدخول الانتخابات الوطنية إشارة قوية للجماهير الإسلامية بأن الإسلام ليس معاديًا للديمقراطية وأن الإصلاح والتغيير يمكن أن يحدثا تدريجيًا من الداخل دون اللجوء إلى العنف. وكانت العديد من هذه الأحزاب تقدم بالفعل خدمات اجتماعية وطبية واقتصادية وتعليمية لجمهورها في الوقت الذي لم تكن فيه الدولة قادرة أو راغبة في تقديمها.

وصوّت الناس لهذه الأحزاب بأعداد كبيرة لأنهم اعتبروهم أكثر نزاهة وأقل فسادًا من أحزاب "القصر" السياسية ووكيلاً لمؤسسات وخدمات المجتمع المدني.

وكان جمهور هذه الأحزاب ينظر إليها باعتبارها مصدر تمكين للديمقراطية وبالتالي مستقبل أكثر إشراقا. وعلى عكس "النظرة الوهابية" المتزمتة للحكم، يرى هؤلاء أنه "يمكن للمرء أن يكون ديمقراطيًا جيدًا ومسلمًا جيدًا".

على سبيل المثال، عندما سُمح للإخوان المسلمين في مصر، وحزب الرفاه التركي، وجبهة العمل الإسلامي في الأردن، وحزب النهضة التونسي، والجبهة الإسلامية الوطنية السودانية بالترشح للانتخابات، صوتت شرائح متنوعة من الناس لصالحهم. وتشير بعض الأصوات إلى "احتجاج" على قمع النظام وفساده وتقدير للخدمات الاجتماعية التي تقدمها هذه الجهات للمواطنين المحتاجين؛ فيما صوّت البعض للأحزاب الإسلامية لاعتقادهم أنها تجسد أفضل وعد للتغيير السياسي.

وعلى عكس الأحزاب التي يدعمها النظام، كانت معظم الأحزاب والحركات السياسية الإسلامية هي الأفضل تنظيماً سياسياً والأكثر تمثيلاً لجمهورها. وكانت المقارنة أكثر وضوحًا في مصر والأردن وفلسطين وتونس وأماكن أخرى.

وفي ذلك الوقت، رحب العديد من المؤيدين للإصلاح والمراقبين الغربيين في المنطقة بمشاركة الأحزاب الإسلامية الرئيسية في العملية السياسية وشجعوا عملية تغيير تدريجية وسلمية.


معارضة المشاركة السياسية الإسلامية

وكانت معارضة مشاركة الأحزاب الإسلامية في الانتخابات والديمقراطية بشكل عام هائلة ومدمرة وجاءت من 4 مصادر رئيسية.

أولاً، عارضت الأنظمة الاستبدادية عمومًا إجراء انتخابات نزيهة وحرة بسبب عدائها لأي حكومة ديمقراطية وشفافة وخاضعة للمساءلة. واعتقد الحكام أن الرصاص وليس بطاقات الاقتراع أفضل ضامن للاستقرار الداخلي. لذلك عارضوا جميع مطالب التغيير السياسي من خلال الانتخابات، بما في ذلك مطالب الأحزاب السياسية الإسلامية.

ثانيًا، عارض السلفيون الوهابيون، سواء في السعودية أو أفغانستان أو في أماكن أخرى، الدساتير الوضعية والمؤسسات الديمقراطية باعتبار أن الحكم الديني هو الشكل الشرعي الوحيد للحكومة. هذا هو السبب في أن السعودية وأفغانستان، على سبيل المثال، ليس لديهما دساتير مكتوبة ولا تسمحان بإجراء انتخابات نزيهة وحرة.

ثالثًا، عارض العديد من "العلمانيين" العرب والأتراك المتعلمين في الغرب دخول الأحزاب السياسية الإسلامية في الصراع السياسي لأنهم لم يثقوا في التزام هذه الأحزاب بالديمقراطية. وعزز هؤلاء موقفهم بخطاب ألقاه مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى "إدوارد جورجيان" في عام 1992 أعلن فيه أن الإسلام السياسي يؤمن فقط بـ "رجل واحد، صوت واحد، مرة واحدة" من أجل الوصول إلى السلطة.

وكان موقف "جورجيان"، الذي عكس السياسة الأمريكية في ذلك الوقت، متعاطفًا في البداية مع الإسلام السياسي لكنه أصبح أكثر قلقًا من استخدام الأحزاب الإسلامية لصناديق الاقتراع من أجل الوصول إلى السلطة مرة واحدة ليبدأوا بعدها في استبدال الديمقراطية بالثيوقراطية.

وقد أدى هذا الخوف إلى اصطفاف العلمانيين في كثير من الأحيان خلف الأنظمة الاستبدادية وبالتالي قاموا عن غير قصد بإحباط الإصلاح الديمقراطي.

وغالبًا ما دعمت بعض هذه الأنظمة موقفها المناهض للديمقراطية من خلال الاستخدام الوحشي للقوة ضد جميع الجماعات المؤيدة للإصلاح بما في ذلك الإسلاميين والعلمانيين على حد سواء. ونتيجة لذلك، يقبع الآلاف من نشطاء المجتمع المدني المؤيدين للديمقراطية في سجون دول المنطقة حتى يومنا هذا.

أخيرًا، الجهات الفاعلة الأجنبية القوية، لا سيما الولايات المتحدة وإسرائيل اللتان تعاونتا مع مع الأنظمة الاستبدادية ضد الأحزاب السياسية الإسلامية. لقد كان افتراضهم الأساسي هو أنه من الأسهل التعامل مع الأنظمة الاستبدادية أكثر من الديمقراطيات لأنهم قلقون من أن أي مساهمة شعبية في صنع السياسات ستجعل الحكومات معادية لأمريكا وإسرائيل والإمبريالية.


وقد أثبتت الرؤى المتفائلة لتأسيس أنظمة سياسية إسلامية "معتدلة" قائمة على التسوية والاندماج المجتمعي أنها وهمية وعابرة. وأصبحت الرؤية القائلة بأن "الإسلاميين المعتدلين" مفتاح الإصلاح السياسي العربي، كما ورد في تقرير مؤثر لمؤسسة "كارنيجي" عام 2005، سرابًا.

نتيجة لذلك، أصبح الإسلام السياسي مكتومًا لدرجة أنه لم يعد عنصرا حيويًا في عملية الإصلاح السياسي والدعوة للديمقراطية. لقد تغير الكثير في العقدين والنصف الماضيين على الطريق الوعرة نحو الديمقراطية في العالم العربي. ولكن ليس للأفضل.

وبالرغم أنه تم الإطاحة بالعديد من الحكام المستبدين خلال الربيع العربي، فقد تم استبدالهم بديكتاتوريين آخرين. وكانت تونس استثناءً لكنها تتراجع الآن بشكل خطير في عهد الرئيس "قيس سعيد".

لقد دعمت الولايات المتحدة والقوى الإمبريالية الأوروبية السابقة وإسرائيل وروسيا والصين الديكتاتوريين العرب لخدمة مصالحهم. لكن الأنظمة العربية المدعومة من الخارج فشلت في تأمين استقرار حقيقي في بلدانهم أو في انتشال الشعوب العربية من الفقر، ناهيك عن تعزيز الحرية والحكم الديمقراطي.

ومع ذلك، فإن هذه الجهات الفاعلة، بما في ذلك الأنظمة الديكتاتورية التي دعمتها، ليست أكثر أمانًا اليوم مما كانت عليه عندما كان المجتمع المدني العربي نابضًا بالحياة وكانت الأحزاب السياسية الإسلامية منخرطة في العملية الانتخابية.

إن العديد من الدول العربية - سواء كانت تُدار من قبل مستبدين أو مليارديرات فاسدين كما هو الحال في لبنان - هشة ومن المحتمل أن تنهار من الداخل. ومن المؤكد أن الدول العربية والقوى الخارجية ستتأثر بالتداعيات. ويمكن أن تنتشر الاضطرابات الاجتماعية الداخلية بسهولة عبر المنطقة وخارجها.

وتتطلب هذه الحالة المحبطة أن تعيد الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الأخرى النظر في دعمها للديكتاتوريين العرب واستبدال إمداداتهم السخية من الرصاص بالتزام جديد بأوراق الاقتراع.

وفي نهاية المطاف، فإن هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والأمن، وربما الديمقراطية على المدى الطويل.

اجمالي القراءات 310