جيل كيبل».. رحلة في عقل الرجل الذي يصنع توجهاتِ ماكرون ضد الإسلام

في الخميس ٠٨ - أكتوبر - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

الإسلام ديانةٌ تعيش اليوم أزمة في كلِّ مكانٍ في العالمِ»، تصريحاتٌ أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) 2020، يُعلن بها تدابير عدّة؛ لحماية قيم العلمانية، مما وصفه بالانعزالية (الانفصالية) والتطرف الإسلامي، الذي يسعى لإقامة نظامٍ موازٍ، يُنكر الجمهورية الفرنسية، وذلك بعد أيامٍ من تصريحات وزير الداخلية جيرالد دارمانان، بأن بلاده في حربٍ ضد «الإرهاب الإسلامي»، على إثر الهجوم الذي استهدف المقر السابق لصحيفة «شارلي إيبدو».

 

لكن تصريحات «ماكرون»، التي يهاجم فيها الإسلام، لم تكن الأولى من نوعها، بل سبقتها تصريحات أخرى، كانت خلال مقابلة مع صحيفة «لوجورنال دو ديمانش»، في العاشر من فبراير (شباط) 2018، أعلن فيها نيته إعادة هيكلة «إسلام فرنسا»، بعيدًا عن التأثير الأجنبي، وسيعاونه في ذلك الأكاديمي جيل كيبل. فمن هو «جيل كيبل»، وما هي أفكاره التي يقدمها للرئيس الفرنسي، وكيف تؤثر على موقف باريس نحو الإسلام والمسلمين؟

 «جيل كيبل».. عالم السياسة المستعرب

يُعدُّ «جيل كيبل»، عالم السياسة الفرنسي المستعرب، أحد المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط والعالم العربي والإسلامي، اهتم بدراسة اللغة العربية بعد رحلة إلى بلاد الشام في عام 1974، كما درس الفلسفة واللغة الإنجليزية، ثمَّ أكمل دراسته للغة العربية في المعهد الفرنسي بدمشق عام 1987، وحصل على شهادته في العلوم السياسية في باريس عام 1980.

وتخصص «كيبل»، في الحركات الإسلامية المعاصرة، وأمضى ثلاث سنوات في مركز الدراسات الاقتصادية والقانونية والاجتماعية والتوثيق في مصر، وبعد عودته إلى فرنسا، أصبح باحثًا في المركز القومي للبحوث العلمية، ونشر كتبًا عدّة حول تطور الإسلام في فرنسا، ومقارنة للحركات السياسية والدينية المنبثقة عن اليهودية والإسلام والمسيحية.

أفكار «كيبل» نحو الإسلام والمسلمين

تدورُ أفكار «جيل كيبل»، منذ صدور كتابه الأول «النبي والفرعون»، عام 1984، مرورًا بكتابه «الخروج من الفوضى»، حول التأثير العقائدي في الحركات الجهادية بالمنطقة العربية ودول أوروبا، وسرد الأبعاد السياسية والأيديولوجية والاجتماعية لتلك الحركات، وربطها بأعمال العنف، وإظهار أن الحركات الجهادية، ذات الأصول الدينية، تستقطب تابعين لها يعانون مشكلات نفسية حادة، وذكاء منخفض؛ لتنفيذ العمليات.

يرى خلال الأفعالٍ المتطرفة «كيبل» في كتابه الخروج من الفوضى، نتاج مشكلة فكرية، وثقافية لها جذورها الدينية، والاجتماعية، والتاريخية، بالإضافة إلى أنَّ السياسة والاقتصاد لعبا دورًا مهمًّا في تحفيز وتفجير الفكر الجهادي.

وبالتالي يعزو «كيبل» ما حدث من صراعاتٍ في العقود الماضية؛ لما أسماه «الإسلام السياسي»، والصراع على النفط، ويعتقد أن الحلول اللازمة للوضع الراهن يجب أن تأخذهما بعين الاعتبار في ظل المتغيرات على الساحة الدولية.

وحين نطالع أفكار «كيبل» برويّة، نجد أنَّه دائمًا ما يُحذّر من خطرٍ يتمثل في انعدام الثقة في الدين الإسلامي، ليس فقط لدى الإسلاميين المتشددين أو الجهاديين – الذين لجأوا إلى أعمال العنف – ولكن لدى مجتمعاتٍ انتشرت فيها تلك الحالة؛ ما سيزيد من تفاقم جرائم العنف، التي يعتقد أنها لها علاقة مباشرة بالإسلام، حتى أنه استشهد بقضية سيدة اعتنقت الإسلام حديثًا، واتُّهمت بطعن ضابط شرطة بسكين، في أثناء محاولته اعتقالها.

وبالتالي؛ تلك الرؤية هي نفسُها التي يصرح بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاباته بين حينٍ وآخر، تتمثل في تنفيذ أطروحة «هيكلة الإسلام»، تحت قيادته، وبمساعدة مجتمع فرنسي يقظ؛ لمواجهة «الوحش الإسلامي»، الذي يرتكب أعمال عنف، ويعاني أزمة في دول العالم.

سياسات «كيبل» لمواجهة الإسلام والمسلمين في فرنسا

من النقاط المحورية في تحليل «كيبل» لتطور الحوادث الإرهابية في فرنسا، ودول أوروبا خصوصًا ألمانيا وبريطانيا، ما يراه من تسامح تلك الدول مع مؤسسات المجتمع المدني (تضم فيما بينها إسلاميين بحسبه)؛ لإدارة سكّانِها المسلمين – الذين هاجروا إلى تلك البلدان، أو ولدوا فيها – وعدم إحكام الرقابة الأمنية عليهم.

ذلك التحليل، الذي يراه الأكاديمي الفرنسي، يعدُّه أحد الأخطاء التي ارتكبتها لندن وبرلين، وجلبت عليهم وابًلا من الهجمات الإرهابية، بعد اعتمادهم على الإسلاميين؛ لضمان السلم الاجتماعي، وسماحهم لهم بإدارة جالياتهم، لا سيَّما أنهم كانوا يأملون بعدم مواجهة تلك الحركات الجهادية، التي كانوا يرون أنها تتنامى في فرنسا، بسبب الإدارة العلمانية، التي اتُّهمت بقمع الحريات الدينية والثقافية.

وعلى الرغم من الإدارة العلمانية للمجتمع الفرنسي، إِلَّا أنها لم تمنع – حسبما يرى «كيبل» – آلافًا من الشباب المسلم، الذي يتطلع للمشاركة في النظام السياسي، حتى أنهم لعبوا دورًا رئيسًا في انتخاب المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند رئيسًا للبلاد في 2012؛ ما سبَّب له مخاوف من تغيير شكل النظام السياسي لاحقًا على يد هؤلاء الشباب، الذي تحول إلى السلفية الجهادية، بعد معاناته من البطالة والفقر، ما مثّل إرهابًا من نوعٍ جديدٍ، حسب كيبل.

هذا الإرهاب الجديد، بحسب رؤية «كيبل»، يعتاش على الانشقاقات العميقة داخل المجتمعات الأوروبية، ويميل إلى جعل المواطنين يواجهون بعضهم البعض؛ لخلق مناخٍ من الحربِ الأهليةِ، بين الجماعاتِ من أبناءِ المهاجرين من أصولٍ مسلمةٍ من جهة، وبقية السكانِ من جهةٍ أخرى.

ومن المفارقات، أن «كيبل» لم يتهم أنظمة الدول الأوروبية – لا سيّما فرنسا – بتسببها في زيادة أعمال العنف، نتيجة التمييز العنصري وارتفاع معدل البطالة والفقر، بل وجه المشكلة كلها عند الحركات الجهادية ذات الأصول الدينية، كما يرى أن مظاهرات السترات الصفراء التي شهدتها فرنسا مؤخرًا كانت بسبب تدفق المهاجرين إلى بلاده، وانضمام الشباب المسلم من الطبقة العاملة والضواحي.

وبذلك نرى أن سياسة «كيبل»، في تلك الأطروحات السابقة، هي الدعوة إلى فصل المسلمين ونزعهم عن باقي فئات المجتمعات الأوروبية، مع إحكام القبضة الأمنية عليهم؛ لحظر تحكم الإسلاميين في النظام السياسي لدول أوروبا، لا سيَّما فرنسا، ومنع الأعمال الإرهابية تجاه بقية السكان الآخرين.

لكن ذلك لا يمنع – بحسب رؤية «كيبل» – اندماج المسلمين الذي ولدوا في فرنسا، أو المهاجرين، مع باقي فئات المجتمع، شريطة أن تتوافق قيمهم الإسلامية مع القيم الغربية، وبما لا يحتاج إلى تطبيق الشباب المسلم معاييره الدينية في الشؤون التجارية والثقافية والسياسية.

تلك الرؤية، التي يروَّج لها الباحث الفرنسي، وتسعى للتحلل من القيم الإسلامية، أقرَّها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في خطابه يوم الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) 2020، ضمن الإستراتيجية الجديدة ضد «الانفصالية الإسلامية»، التي تتضمن تمديدًا للحظر المفروض على ارتداء الحجاب، وتشديد الرقابة على الجمعيات الإسلامية، فضلًا عن إجراء تغييرات في نظام التعليم للطلاب المسلمين، والتدريب الإسلامي للأئمة، بما يوجب الحصول على شهادة من المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية.

وبهذا المعنى، فإن أي جمعية إسلامية تطلب دعمًا من الدولة، أو من سلطة محلية يجب أن توقّع اتفاقًا، تتعهد بموجبه احترام قيم الجمهورية الفرنسية، والمتطلبات الدنيا للحياة في المجتمع الفرنسي، لا سيَّما أن أحد محاور إستراتيجية ماكرون هو إنشاء «إسلام تنويري»، يتناغم بين المؤسسات الإسلامية والحكومة الفرنسية؛ للمساعدة في هيكلة الدين الإسلامي.

في ظل توجهات «كيبل».. ما هو موقف المجتمع الفرنسي من الإسلام والمسلمين؟

على الرغم من أطروحات «كيبل» التي ترى الإسلام سببًا رئيسًا في ظهور الحركات المتطرفة واشتعال الصراعات الدائرة في المنطقة العربية ودول أوروبا، إلا أنَّ هناك صوتًا آخر يسعى إلى تفهم الظروف الاجتماعية التي تنتج عن تفكير وسلوك المسلمين؛ إذ يستبعد المفكر الفرنسي «أوليفييه روا» المقاربة الثقافية التي تعتبر الإسلام هو القضية، ويرى أن هناك محاولة لـ«أسلمة التطرف»، وليس تطرف الإسلام.

دولي

منذ 7 شهور
«تسقط فرنسا».. لماذا تتصاعد المشاعر المعادية لباريس في أفريقيا؟

لكن يظل ذلك الصوت خافتًا، أمام رأي المجتمع الفرنسي، الذي فوقًا لعينة منه في استطلاعٍ للرأي أجرته صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» في 24 و25 أكتوبر 2019 على 1011 مواطنًا تتراوح أعمارهم بين 18 عامًا وأكثر، ظهر أن ثمانية من كل 10 فرنسيين يعدُّون العلمانية مهددة في فرنسا، ويظهرون قلقًا مشتركًا تجاهها، بغض النظر عن الانتماء السياسي. وتعتقد 80% من الآراء أن مسألة العلمانية تُطرح بشكل مختلف في فرنسا عندما يتعلق الأمر بالدين الإسلامي، بينما 20% لهم رأي مخالف.

ويرى 61% من آراء المواطنين أن الدين الإسلامي لا يتوافق مع قيم المجتمع الفرنسي، كما يؤيد 82% حظر صلاة الشوارع، ومنع ارتداء الملابس ذات الصبغة الدينية لمستخدمي الخدمات العامة، والمرافقين في الرحلات المدرسية، وموظفي القطاع الخاص، ومع ذلك يؤيد 61% قوائم طعام بديلة بدون لحم خنزير في المدارس.

ومن ذلك الطرح السابق، نرى أن أفكار الأكاديمي جيل كيبل، تُطبق على المسلمين في فرنسا، ضمن الخطة الجديدة التي أقرها «ماكرون»، وحسب رؤية وفكر الباحث الفرنسي حول الإسلام – الذي يعدُّه سببًا في ظهور الحركات المتطرفة – بما يؤشر إلى أننا على مشارف إعلان «إسلامٍ فرنسيّ جديدٍ» مثلما دعا «كيبل» إليه في كتابه «ضواحي الإسلام»، بما يُحلل أتباعه من القيم الدينية، ويُقاس بقيم الجمهورية الفرنسية.

اجمالي القراءات 822