قطع أذرع إعلامية للسيسي.. صراع قوى أم عقاب للخروج عن النص؟

في الأربعاء ٠٧ - أكتوبر - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

مقالات عن الإصلاح يُطاح بأصحابها المقربين من أجهزة أمنية أو جهات سيادية، أو تُحذف مقالاتهم بعد نشرها، ومذيعون مقربون من السلطة ينطقون بما لا تهواه هذه الجهة السيادية أو تلك، فيجدون أنفسهم فجأة بعيدا عن الشاشات، ثم يعودون إليها فجأة أيضا، في سلسلة ظواهر باتت محل تساؤلات من المراقبين بمصر حول ما يجري داخل أروقة هذه السلطة.

فهل هناك جهة ما تدعم الإصلاح حتى لا تغرق سفينة نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، في مقابل جهة أخرى تريد إخراس كل الأصوات كيلا تترك ثغرة تتسع فتتكرر الثورة؟ أم أن الأمر محض صراع على مساحات نفوذ في إعلام بات بلا تأثير؟

يعزز من أهمية هذه التساؤلات أنه بات من شبه المسلم في مصر أن ما يقال في الفضائيات وما يكتب في الصحف لا يمكن أن يصدر عن قناعة لكاتب أو مذيع، بل هناك توجيه من جهة ما أو شخص ما في هذه الجهة أو تلك، حسب تسريبات ووقائع أكدت ما كان يقال همسا بين أروقة المؤسسات الصحفية والإعلامية.

ياسر رزق

قبل أيام، تداول صحفيون مقالا ممنوعا من النشر لرئيس مجلس إدارة أخبار اليوم المُقال مؤخرا ياسر رزق، والذي كان ينظر إليه على أنه الكاتب الصحفي الأقرب للرئيس عبد الفتاح السيسي.

وتردد في أروقة المؤسسة -التي تعد ثاني أكبر المؤسسات الصحفية في مصر- أن السبب هو مقال له ينتقد فيه جهاز الأمن الوطني، ومنع نشره رئيس تحرير الأخبار الصحفي خالد ميري.

لكن صحفيين قالوا إن هذا ما يروجه ميري تقربا للجهاز، في حين تداول صحفيون صورة لصفحة غير منشورة تحتوي على مقال لرزق تضمن المطالبة بإصلاح سياسي، وانتقد طريقة اختيار قوائم مجلس الشيوخ -التي اختارتها أجهزة الأمن- على طريقة الحزب الوطني المنحل.

وقال رزق في مقاله "إن عجلة السياسة لا تسير بنفس وتيرة عجلات الاقتصاد والتنمية"، وإن على السيسي أن يحرث التربة السياسية، مطالبا بأن "يتموضع الأمن في نطاقه ومجال اختصاصه، وأن يتقدم دور السياسة في الحياة الديمقراطية".وقال مراقبون للشأن الصحفي إن مقال رئيس أخبار اليوم السابق اصطدم برغبة أجهزة أمنية مهيمنة على المشهد السياسي والصحفي، ولها اليد الطولى في تقرير مصائر قيادات مختلف المؤسسات بالدولة، فتنزع السلطة عمن تشاء وتمنحها لمن تشاء.

وتوجد بمصر عدة أجهزة أمنية ورقابية لها نفوذ كبير في كافة المجالات، وتدير المشهد من وراء الستار عبر رجالها المتنفذين والمتحكمين في عدد من المؤسسات، حسب مراقبين.

المتحدث العسكري

ولم ينج مقال المتحدث العسكري السابق العميد محمد سمير من مصير مقال ياسر رزق، إذ فوجئ الصحفيون العاملون في جريدة "فيتو" بإزالة المقال، لكنه أتيح لاحقا بعد ما انتشر خبر إزالته على عدد من المنصات المعارضة، وجرى تداوله بكثافة، وهو يتضمن نفس ما قاله رزق.

وانتقد سمير -الذي كان متحدثا باسم الجيش المصري- في مقال بعنوان "لا تغتالوا الأمل" طريقةَ إعداد انتخابات مجلس النواب المقبلة بنفس طريقة مجلس الشيوخ التي أفرزت "عددا غير قليل من الأفراد الذين يفتقدون الحد الأدنى من مقومات الكفاءة المهنية التي يجب أن يتمتع بها كل من ينتمي لهذا الكيان".

واختتم سمير مقاله بمناشدة أولي الأمر قائلا "يا سادة لا تغتالوا الأمل في نفوس أصحاب الكفاءة الحقيقيين بهذه الممارسات المنبوذة التي تتعارض مع الصالح العام، لأن من حق مصر العظيمة أن تتمتع بمجلس نواب يليق بشموخها ومكانتها، ويكون قادرا حقا على الوفاء بتطلعات وآمال حاضر ومستقبل هذا الشعب العظيم".

وفسر مراقبون للشأن الصحفي بمصر الأمر على أن المؤسسة العسكرية -التي كان يمثلها محمد سمير، ويتواصل معها ياسر رزق كمندوب سابق لمؤسسته- تريد عبر رسائل إعلامية يحملها رجالها ألا تنزلق البلاد لسيناريو يمهد لثورة مثل ثورة يناير 2011، التي أعقبت انتخابات برلمانية مثيرة للجدل في العام السابق عليها، في حين يظل للأجهزة الأمنية رأي آخر، خاصة أنها المسيطرة على حركة النشر وما ينبغي أن يذاع من عدمه.

وقالت تقارير صحفية إن المحامي المعروف بتقديم بلاغات ضد معارضي النظام سمير صبري تقدم ببلاغ ضد العميد محمد سمير لنشره هذا المقال، ومن قبل شنت الأذرع الإعلامية للأجهزة الأمنية هجوما على سمير لآراء سابقة لم تعجب الأجهزة.

لكن سمير نفي على صفحته بموقع فيسبوك أن يكون المقال قد حُذف، مؤكدا استمراره في تقديم النصح للقيادة السياسية.

معركة صفرية

ورأى أمين المجلس الأعلى للإعلام سابقا قطب العربي أن هذه الآراء الإصلاحية تعبر عن وجهة نظر البعض داخل النخبة الحاكمة وحلفائها، والهدف من هذه المقالات هو "إطالة أمد النظام وعدم تركه يهوي إلى الهاوية فيهوي معه جميع هؤلاء الحلفاء".

واعتبر العربي أن البعض ممن كتبوا هذه المقالات تصوروا أنهم يقدمون بذلك خدمة كبيرة للنظام بكتاباتهم، ولكن الفريق الرافض للتغيير -وعلى رأسه السيسي شخصيا- لا يقبل الآن مثل هذه النصائح، في وقت يتعاملون فيه على أنهم في معركة مصيرية وصفرية مع القوى غير العسكرية عموما، وفي مقدمتها الإخوان وحلفاؤهم وحتى القوى الليبرالية الأخرى المعارضة.

صراع نفوذ

غير أن صحفيا يعمل بإحدى المؤسسات الصحفية الكبرى تحدث للجزيرة نت عن سيناريو آخر يمكن ملاحظته بسهولة داخل المؤسسات الصحفية القومية، وهو صراع النفوذ بين القوى النافذة وأجهزة الدولة الأمنية، حيث تتوزع ولاءات قيادات هذه المؤسسات بين أكثر من جهاز، وبعضهم يحاول إرضاءها جميعا، غير أنه في لحظة فارقة يتوجب عليه الاختيار، وحينها يبقى أو يقال حسب نفوذ الجهاز المهيمن على هذه المؤسسة.

ونفى الصحفي -الذي رفض ذكر اسمه- أن تكون للأمر علاقة بالإصلاح من عدمه، إنما هي لافتة ترتدي ثوب الحق لكنها تخفي وراءها الرغبة في مزيد من الهيمنة وتعزيز النفوذ في مؤسسات لم يعد لها تأثير، بفعل تراجع التوزيع ونسب المشاهدة، حيث تشهد على ذلك أرقام لا تكذب.

وضرب المتحدث مثالا على ذلك بالتغييرات الصحفية الأخيرة، التي صعدت برجال أجهزة ما على حساب رجال أجهزة أخرى، فاشتعل صراع بين هؤلاء وأولئك على مسائل لا علاقة لها بالمهنية، ستكون نتيجته المباشرة مزيدا من التدهور في أداء المؤسسات، لافتا إلى ظاهرة الإطاحة بمذيعين واستبدالهم بآخرين، ثم عودة المستبعدين على حساب الجدد، وهكذا… في ظاهرة شديدة الوضوح للعيان، حسب تعبيره.

اجمالي القراءات 596