لأول مرة.. العلماء يتوصلون لحل لغز دوائر الجن الغريبة

في الثلاثاء ٢٩ - سبتمبر - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

تحتوي الطبيعة على العديد من الألغاز التي تدهش أذهاننا، وظاهرة غريبة مثل "دوائر الجن" الغامضة (Fairy circle) ما زالت من بين هذه الألغاز.

دوائر الجن هي حلقات دائرية جرداء -ذات قطر يمتد من 2 إلى 12 متر- توجد على مسافات متباعدة من بعضها في الأراضي العشبية في مراعي "صحراء ناميب" (Namib desert) في الجنوب الأفريقي الغربي وفي منطقة "بيلبارا" (Pilbara) غرب أستراليا، تتشكل هذه الدوائر الغريبة وتختفي دون سبب معروف، ويمتد متوسط عمرها إلى 41 عاما.

تفسيرات عديدة

عزى البعض أسباب تكون تلك الدوائر إلى تفسيرات عدة منها ما هو خيالي ومنها الطبيعي؛ إذ رأى أحد هذه التفسيرات أن تلك الدوائر الجرداء الخالية من العشب كانت بسبب نشاط النمل الأبيض تحت التربة الأفريقية، إلا أن اكتشاف مثل تلك الدوائر لاحقا في المناطق النائية في أستراليا قلل من قبول هذه الفرضية.

كما اقترح العلماء أن تلك الدوائر هي نتيجة قيام النباتات بترتيب نفسها لتحقيق أقصى استفادة من الموارد المائية المحدودة الموجودة في البيئات قاسية الظروف، وطالما كان التحقق التجريبي من سبب تكون هذه الدوائر أمرا صعبا.

إلا أن إحدى نظريات آلان تورينغ -العالم الشهير الذي وضع الأسس العلمية للحوسبة الحديثة- والتي تعرف باسم "نمط تورينغ" استدعيت من جديد لتفسير هذا المشهد.

تستطيع نظرية تورينغ تفسير الأنماط الغريبة والمتكررة في الطبيعة (شيزيك شاب وتيا مونتو – ويكيبيديا)

نموذج قديم وتفسيرات حديثة

تهتم نظرية تورينغ بتفسير الأنماط والنسق، إذ ترى أن أي خلل قد يحدث في أي نظام مستقر يمكنه أن يولد بدوره نمطا ثابتا، وضع هذا النموذج الأساس النظري لتفسير أنواع الأنماط الغريبة والمتكررة التي نراها في عالمنا اليوم.

وفي دراسة جديدة نشرت في دورية "جورنال أوف إيكولوجي" (Journal of Ecology) 21 سبتمبر/أيلول الجاري، جمع علماء من "جامعة غوتينغن" (University of Goettingen) الألمانية بيانات مفصلة لأول مرة أظهرت تمكن نموذج تورينغ من شرح ذلك النسق المذهل لدوائر الجن الأسترالية.

وبعد مرور عقود على هذه النظرية، ما زال العلماء يكتشفون أمثلة مذهلة لها في أماكن غير عادية وغريبة، والتي لم يتح لتورينغ نفسه فرصة رؤيتها، جاء أحدث تجسيد لهذه النظرية في تفسير أنماط دوائر الجن الغامضة.

مسح منطقة بيلبرا باستخدام الطائرات المسيرة المزودة بكاميرات متعددة الأطياف (يوريك ألرت)

أدلة تجريبية

فعلى الرغم من اعتياد الفيزيائيين على نمذجة أي أنماط موجودة في الطبيعة باستخدام نظرية تورينغ؛ إلا أنه نادرا ما ينتهي بهم الأمر إلى تقصي تلك النتائج ميدانيا، والتأكد من صحة استنتاجاتهم.

وهو الأمر الذي يشرحه عالم البيئة ستيفان غيتزين -المؤلف الأول للدراسة من جامعة غوتنغن- في البيان الصحفي المنشور على موقع الجامعة قائلا "هناك حالة من عدم الاتزان بين النماذج النظرية التي تفسر أنماط الغطاء النباتي وافتراضات العلماء المسبقة من ناحية، وندرة الأدلة التجريبية التي تؤكد صحة هذه النمذجة بيئيا من الناحية الأخرى".لحل تلك المشكلة، استخدم غيتزين وزملاؤه طائرات مسيرة مزودة بكاميرات متعددة الأطياف، وذلك لإجراء مسح كلي لدوائر الجن المنتشرة غرب أستراليا. وطبقا لنمط نظرية تورينغ، فإن توزيع دوائر الجن تلك سيزداد في المناطق العشبية الرطبة.

تعمل الأعشاب على هندسة بيئتها بتكوين هذه الأنماط على مسافات متباعدة (يوريك ألرت)

هندسة البيئة ذاتيا

بالتحليل المكاني للمنطقة واستخدام مستشعرات الرطوبة للتحقق من درجات الرطوبة الموجودة في تلك المناطق، وجد الفريق أن الأعشاب الأكثر حيوية ارتبط وجودها -بشكل أكبر من الأعشاب الأقل حيوية- بانتشار دوائر الجن تلك.

وبالتالي فهذه تعدّ أول أدلة تجريبية تشير إلى أن أنماط دوائر الجن يمكن تفسيرها بنظرية تورينغ القديمة؛ إلا أن المثير للاهتمام كما يقول غيتزين هو أن "الأعشاب تعمل بشكل نشط على هندسة بيئتها، وذلك بتكوين تلك الأنماط من الدوائر الجرداء على مسافات متباعدة".

ووفقا للدراسة، فإن الأعشاب تنمو معا بطريقة تعاونية، وبالتالي فهي تعدل من بيئتها بالشكل الذي يمكنها من التعامل مع الجفاف شبه الدائم للنظام البيئي الموجودة فيه، فهذه الدوائر الجرداء توفر مخزونا من المياه للأعشاب التي حولها كي تستخدمها.

يضيف غيتزين "تستفيد تلك الأعشاب من كمية المياه الإضافية التي توفرها لها دوائر الجن الكبيرة، ومن ثم فإن هذا التنظيم الذاتي للأعشاب يحافظ على نموها في ظل هذا النظام البيئي الجاف، وإلا أصبحت هذه المنطقة صحراء جرداء".

اجمالي القراءات 624