كيف تربي أطفالًا غير عنصريين؟

في الأحد ٢٨ - يونيو - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

في الآونة الأخيرة، اندلعت احتجاجات شديدة إثر مقتل رجل أمريكي من أصل أفريقي على يد ضابط شرطة أبيض في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا الأمريكية، وامتدت الاحتجاجات لعدد من الولايات الأخرى، وإلى دول مختلفة حول العالم أيضًا. وفي ظل هذه الأجواء المشحونة، من المرجح أن يسمع الأطفال محادثات حول العرق والاختلافات العرقية والعنصرية، ويطرحون أسئلة حول الموضوع.

ويقول الخبراء إن كيفية إجابة الآباء عن أسئلة أطفالهم، يمكن أن تُشكل مشاعرهم وأفكارهم حول العرق لسنوات قادمة. فكيف يمكن أن تتحدث مع طفلك حول اختلاف الأعراق؟ ومتى يدرك الأطفال هذه الاختلافات؟ وكيف تربي طفلك على نبذ العنصرية وتقبل الآخر؟

الأطفال يميزون الاختلافات العرقية من عمر 3 سنوات

الاحتلال الإسرائيلي

منذ 9 شهور
«أنت عربي إذًا أنت مضطهد».. أبرز مظاهر العنصرية ضد العرب في التعليم الإسرائيلي

يولد أي طفل خالي الذهن من المفاهيم والمعاني المختلفة. لكن العلماء يقولون إن الأطفال يتفاعلون تفاعلًا مختلفًا مع الاختلافات العرقية، حتى قبل عمر ستة أشهر. فتقول راشيل برمان، مديرة برنامج دراسات الطفولة المبكرة في كلية ريرسون في تورنتو، والباحثة في مشروع «هل يمكننا التحدث عن العرق؟»: «الفكرة القائلة بعدم التحدث بصراحة مع الأطفال حول العرق والعنصرية؛ لأنهم صغار وأبرياء جدًّا، أو أن ذلك يمكن أن يساعد على نشأة العنصرية، فكرة لا أساس لها من الصحة». وبالرغم مما قد تسببه هذه المحادثات من قلق بالنسبة لبعض الآباء؛ فإنه يجب على المعلمين أن يحثوا الآباء على عدم تجاهلها أو الابتعاد عنها، حتى لو كان الأطفال صغارًا.

تقول كارين بارك، الأستاذة بجامعة أنطاكية في سياتل، والتي تتركز أبحاثها على فهم الأطفال للعِرق والأصول العرقية: «يدرك الأطفال منذ عمر ثلاث سنوات العرق ولون البشرة، ولا يخشون طرح الأسئلة. إن هويَّاتهم تهمهم حقًّا، والهوية العرقية جزء مهم من هويتهم الكلية. ويفهمون أيضًا قوة الحديث عن العرق والعنصرية، وعندما يثيرون هذه الموضوعات، يمكنهم جذب انتباه الكبار والأطفال الآخرين».

كذلك، تقول راشيل برمان: «إنهم ليسوا صغارًا أبدًا، وإن الحوار المستمر حول العرق والعنصرية فكرة جيدة». موضحة أن الأطفال بحاجة إلى الكبار لمساعدتهم على احترام الآخرين وتقبلهم، وأن عدم الحديث عن العرق والعنصرية يبعث برسالة إلى الأطفال – بغض النظر عن عمرهم – مفادها أنه يحرم التحدث عن هذا الموضوع. ونوهت إلى أنه من الممكن أن يكون الأطفال المعرضون للعنصرية بحاجة إلى المساعدة في التعبير عن مشاعرهم، ومعرفة كيفية التغلب على ما يواجهونه.

هل تريد منع أطفالك من التحول إلى عنصريين؟ حدثهم عن العِرق

عند انتشار أنباء عن إحدى حوادث التمييز العنصري، قد يرغب الآباء في تغيير المحطة التي تبث النبأ، أو إيقاف تشغيل التلفزيون، أو حتى التزام الصمت. لكن ذلك لن يمنع الأطفال من الحصول على معلوماتهم من أماكن أخرى. ما يجعل لإجراء هذه المحادثات مع الأطفال أهمية أكبر؛ حتى لا يحصلوا على رسائل خارجية مختلفة عما يريد الآباء إيصاله لهم، وفقًا لكاندرا فلاناجان، مديرة التدريس والتعلم بالمتحف الوطني للتاريخ والثقافة الأمريكية الأفريقية.

وبينما يُعد الحديث عن العِرق أول خطوة لمنع أطفالنا من التحول لأفراد عنصريين، تقول كارين إنه من الخطأ التقليل من قدرة الأطفال على فهم القضايا المتعلقة بالعرق، والظلم. ويضيف إبراهام كيندي، المدير التنفيذي لمركز البحوث والسياسات المناهضة للعنصرية بالجامعة الأمريكية في واشنطن: «يجب علينا كآباء تربية الأطفال بحيث يمكنهم التعبير عن مفاهيم المساواة العرقية، ورؤية التفاوتات العرقية مشكلة، ويصبح بإمكانهم القيام بدورهم الصغير في تحدي هذه المشكلة العنصرية الكبيرة». وهذا يعني التعرف إلى الأفكار العنصرية، التي قد يكون الأطفال قد استوعبوها – سواء عن قصد أم غير قصد – وتوجيههم نحو السلوك المناهض للعنصرية.

 

 

وتؤكد ماجي بينكي، أستاذة التعليم المساعدة بجامعة واشنطن: «أن تطوير التعاطف والرحمة والشعور بالعدالة في سن مبكرة، يساعد الأطفال على النمو ليصبحوا بالغين يريدون المساعدة في جعل العالم مكانًا أفضل». وبالنسبة للوالدين، غالبًا ما يعني هذا أن تأخذ نفسًا عميقًا وأن تجري هذه المحادثات الصعبة حول العرق والعنصرية. غير أن ماجي تقول: «بغض النظر عن كيفية بدء المحادثة، يجب أن يرسل الآباء إشارة إلى أنه من الجيد ومن المهم التحدث عنها». فكيف تتحدث في هذا الأمر مع طفلك؟

قد يبدأ الأطفال الذين يبلغون من العمر سنتين أو ثلاثًا بالسؤال عن الاختلافات، مثل الإعاقة والجنس، أو الصفات مثل لون البشرة والشعر. لكن ما أفضل طريقة للرد على فضولهم حول هذا الموضوع؟ تذكر آنيتي هنري، الأستاذة في قسم تعليم اللغة ومحو الأمية بجامعة كولومبيا البريطانية، إعجابها برد إحدى الأمهات على تعليق ابنتها. كانت الأم في السوبر ماركت، وكانت هناك طفلة صغيرة من ذوي البشرة البيضاء تبلغ من العمر نحو ثلاث سنوات، قالت لأمها: «انظري إلى السيدة البنية». أجابت أمها: «أوه، نعم، أليست جميلة؟». تقول آنيتي: «فكرت في الأمر مليًّا، وأعتقد أنها أم ذكية واحتفلت بالفرق بدلًا من أن تقول: أليس من الرائع أننا مختلفون؟».

وتنصح كاندرا الآباء باستخدام أي أحداث راهنة أو موقف حدث لتوه نقطة بداية لمحادثة أوسع. والتحدث مع أطفالك عن تاريخهم العرقي، فإن فهم تاريخ العلاقات العرقية في البلاد، والأسباب التي خرجت من أجلها المظاهرات؛ سيجعل من السهل مناقشة هذه الموضوعات مع الأطفال. وقد أطلق المتحف الوطني للتاريخ والثقافة الأمريكية الأفريقية بوابة ويب تسمى «الحديث عن العرق» مزودة بموارد؛ لمساعدة الآباء والمعلمين في الحديث مع أطفالهم حول هذا الأمر باستخدام أدوات ملموسة.

عرِّف طفلك عن أضرار العنصرية

إذا سمعت طفلك يعبر عن فكرة عن مجموعة من الأشخاص، ولا يدرك أنها ضارة؛ تحدث معه في محادثة مناسبة لسنه حول الأمر. بالنسبة للأطفال الأصغر سنًّا، قد تتمحور المحادثة حول سبب إيذاء الكلمات التي يعبر بها، وكيف يمكن أن تجعل أحدهم يشعر. وتشجع كارين الآباء على مساعدة الأطفال في فحص نية حديثهم وتأثيره غير المقصود.

على سبيل المثال، إذا قال طفلك إن الأشخاص الملونين يمكن أن يكونوا عنصريين أيضًا، فلا بد من التحدث معه، وسؤاله عما إذا كان قد حدث شيء ما جعله يشعر بهذه الطريقة، ومعرفة ما كان يشعر به عندما أدلى بهذا التعليق، ومناقشته حول من المستفيد ومن الخاسر من مثل هذا التعليق؟ والاستماع الدائم إلى مشاعرهم المتضررة، سواء من الرفض أو الإقصاء، والتفكير في خطة للتوفيق بين هذه المشاعر.

علوم

منذ 5 شهور
كيف تؤثر العنصرية والتمييز جينيًّا في المتعرض للتنمر؟!

يمكن للأطفال منذ عمر الثالثة أن يتفوهوا بعبارات مؤذية، واستخدام معيار العرق ضمن معايير أخرى؛ لاتخاذ القرارات حول من يشاركهم اللعب، حسبما تقول راشيل. وتوضح أنهم يفعلون ذلك بفضل التحيزات التي طوروها بدون وعي، أو لأنهم يعتقدون أن الأشخاص الذين يشبهونهم يناسبونهم أكثر من غيرهم. ويحتاج الآباء إلى الاستعداد للرد على ذلك، تقول راشيل: «إذا أبدى طفل تعليقًا على طفل آخر، مثل تبدو بشرته قذرة، فلا توقفه أو تغير الموضوع. وبدلًا من ذلك، اسأل طفلك عن سبب اعتقاده ذاك، ووضح له أن البشرة الداكنة ليست كما ذكر. وخذ تعليقات طفلك وأسئلته على محمل الجد».

وتنصح راشيل الوالدين بأن يكونوا حذرين للغاية بشأن تمرير أي تحيزات وتعصب مسبق خاص بهم للأطفال، قبل أن يفهم الأطفال مفهوم العنصرية. ويقول كيندي إنه كلما كبر الطفل، كانت المحادثة أكثر تعقيدًا. لكن يجب ألا نخجل أبدًا من توضيح الأفكار العنصرية لأطفالنا، وتزويدهم بأفكار مناهضة للعنصرية.

علّم أطفالك أن يكونوا قارئين ناقدين ومُنظِّرين

تقول بينيك، التي تدرس الإنصاف في التعليم: «نعلم أن غالبية الكتب المصورة تتمحور حول الشخصيات البيضاء، وأن الشخصيات البشرية السوداء والبنية أقل تمثيلًا من الحيوانات والشخصيات الكرتونية الأخرى». وتوضح أنه على سبيل المثال، بعد مشاهدة أفلام ديزني التي يتصدر معظم بطولاتها الأميرات البيض، قد يقول الطفل شيئًا مثل، أنا أحب الأميرات اللواتي يشبهن إلسا (بطلة فيلم «فروزن») فقط، ولا أحب شعر ولون بشرة موانا البنية.

لذلك ينصح الخبراء الآباء بإلقاء نظرة فاحصة على الكتب، والأفلام، والبرامج التلفزيونية التي يستهلكها الأطفال، وستلاحظ على الأرجح نمطًا عن المجموعات الأكثر تمثيلًا. لذلك؛ ضع في اعتبارك تقديم عائلتك لوسائل الإعلام التي تعيد صياغة المفاهيم حول شكل البطل، أو الجار، أو الأصدقاء. وابحث عن الكتب التي تتناول الشخصيات السوداء والبنية  في المواقف العادية، وليس فقط تلك التي تركز على الاستعباد أو الظلم. واحرص على اقتناء الكتب ذات الرسوم التوضيحية والقصص، التي تحتفي بالتنوع وتعرف طفلك إلى وجهات نظر مختلفة. وإذا ما وجدت كتابًا رائعًا؛ اشترِ نسخة إضافية منه وتبرع بها لمكتبة مدرسة أطفالك.

وتضيف راشيل أنه لدى دخول الأطفال المدرسة، يصبحون أكثر عرضة للتمييز العرقي؛ مما يعني أنهم قد يحتاجون إلى إرشادات أكثر وضوحًا عن العرق والعنصرية. ويتلقى الأطفال في هذا السن بالفعل رسائل خفية، غالبًا ما تكون من التلفزيون، والأفلام، والسياسيين حول من يمتلك السلطة، ومن له شأن أعلى في مجتمعنا. لذلك؛ يجب أن نعلم الأطفال أن يكونوا قارئين ناقدين ومنظرين.

كن قدوتهم واجعل التنوع يشمل مختلف جوانب حياتكم

ترى سارة جايثر، الأستاذة المساعدة في علم النفس والأعصاب بجامعة ديوك، أن الأطفال لا يولدون عنصريين، بل «يولد الأطفال في عالم توجد فيه العنصرية النظامية، وفي ثقافة تحتضن سلوكيات وأيديولوجيات عنصرية، وتتسرب تلك الأيديولوجيات إلى كل شيء»، مشيرة إلى أنه يمكن للأطفال تعلم السلوك العنصري من الأهل، والمدارس، ووسائل الإعلام، وثقافة المجتمع.

ولمنع الأطفال من أن يصبحوا عنصريين، أوضحت سارة إمكانية حدوث ذلك في البداية عبر الحديث عن العرق؛ إذ يجب على الأهالي أن يتمتعوا بالخبرة، وأن يتدربوا على الحديث مع أطفالهم عن الأعراق المختلفة. ولا يكفي أن نعطيهم فقط تصنيفات مثل هذا أسود، أو آسيوي، أو لاتيني، بل يجب توعيتهم حول تلك المجموعات بطرق إيجابية، وإعادة صياغة السلبيات، وأن نعترف بأن اختلافنا شيء جميل.

 

 

وشددت على ضرورة أن يكون للأهل أصدقاء من أعراق مختلفة، وقالت إن التركيب العرقي لشبكة الأصدقاء الخاصة بالوالدين مؤشر على السلوكيات العرقية التي سيسلكها الطفل في المستقبل. ونبهت على أهمية انتباه الأهل لسلوكياتهم غير اللفظية، واللغة الجسدية التي يظهرونها في سياقات مختلفة دون إدراك ذلك في الغالب.

وتنصح كارين موك، المتخصصة في علم النفس التربوي، الآباء بالحرص على إنشاء بيئة تمكن الطفل من التعرف إلى الاختلافات، وأوجه التشابه بين الناس من مختلف الأعراق، والثقافات، والأديان في سن مبكر. والحرص أيضًا على أن يقرأ الآباء لأطفالهم الكتب المصورة، ويشاهدوا معهم البرامج التلفزيونية، والأفلام التي تحتفي بالأطفال من جميع الألوان والثقافات.

اجمالي القراءات 716