بعد 25 عاما.. كيف ساهمت محاولة اغتيال مبارك في أزمة سد النهضة؟

في الجمعة ٢٦ - يونيو - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

في مثل هذا اليوم قبل 25 عاما، وقف الرئيس الراحل محمد حسني مبارك وسط حشد من الوزراء ورجال الدولة، يحكي عن تعرضه لمحاولة اغتيال في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

عندما تحدث في 26 يوليو/تموز 1995، بدا مبارك هادئا واعتبر أن من حاولوا اغتياله مجموعة من "الرعاع"، ولم تفته الإشارة إلى أنهم اختبؤوا في بيت استأجره أفراد يحملون الجنسية السودانية.

ورغم إصرار الرئيس المخلوع على التقليل من أثر محاولة اغتياله في أكثر من مناسبة، فإن كثيرا من المراقبين للشأن الأفريقي أجمعوا على أن تلك الحادثة غيَّرت من بوصلة القاهرة وصار مؤشرها بعيدا تماما عن القارة السمراء، وهو ما كان من بين العوامل التي مهَّدت طريق إثيوبيا إلى بناء سد النهضة الذي تشكو مصر منه الآن.

ما قبل مبارك

لإدراك الطريق الذي سار عليه مبارك في تعامله مع أفريقيا، علينا العودة إلى جذور العلاقات المصرية الأفريقية التي أسسها من سبقه في جمهورية الضباط التي تأسست بعد الانقلاب على الملك فاروق في 23 يوليو/تموز 1952، وهما الرئيسان جمال عبد الناصر وأنور السادات.

خلال الحقبة الناصرية اتبعت مصر إستراتيجية التمدد الثوري مع دول القارة التي كان معظمها آنذاك يعاني من عقود الاستعمار ويتشوق للحرية، فدعمت القاهرة معنويا وماديا حركات التحرر الأفريقية، حتى أنها باتت ملاذا آمنا للزعماء والثوار في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.

وفتح عبد الناصر آفاق التبادل التجاري مع دول عدة بالقارة، وأرسل بعثات دينية وتعليمية إليها، بل خصص محطات إذاعية تبث بلغات دول أفريقية مختلفة.

تلك السياسة جعلت بناء السد العالي عام 1960 يسيرا، ولم تستطع إثيوبيا -التي كانت تعارضه- أن تتمادى في اعتراضها أمام التأييد الأفريقي لمصر.

أما السادات فكما فعل مع كثير من القضايا، انتهج سياسة مغايرة لما أسسه عبد الناصر، فاعتبر التوجه إلى المعسكر الغربي ضمانة للحفاظ على حكمه وأرضه، لتبدأ فصول التجاهل للقارة السمراء.

وحتى عندما أراد السادات أن يكون له صوت في أفريقيا، أقدم على دعم الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا في مساعيها للانفصال عن إثيوبيا، وهو ما سبب غصة في حلق الإثيوبيين.

بين الانفتاح والانغلاق

وجاء مبارك إلى الحكم عام 1981، محملا بإرث ساداتي يتجاهل أفريقيا ويعاني من مقاطعة عربية عقب توقيعه اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979.

ويبدو أن الرجل قرر الانفتاح على الصعيدين العربي والأفريقي، فعاد الأول إلى سابق عهده، بينما تقدم الثاني خطوات قبل أن يتجمد بعد محاولة الاغتيال.

فخلال سنوات حكمه الأولى، زار الرئيس المخلوع عدة دول أفريقية ونال أوسمة كبرى من النيجر ومالي وأفريقيا الوسطى في عامي 1983 و1984، ثم حصل في 1989 على وسام الشرف العظيم من السودان.

تلك الخطوات مهدت لانتخاب مصر مرتين لرئاسة منظمة الوحدة الأفريقية التي أصبحت فيما بعد الاتحاد الأفريقي، وذلك عامي 1989 و1993.

وبذلك كانت الأمور تسير في اتجاه هادئ بلا زعامة ناصرية أو تجاهل ساداتي، غير أن محاولة الاغتيال التي وقعت في أديس أبابا عام 1995 جعلت مبارك يُدخِل مصر في نفق الفتور مع دول القارة.

تجاهل أفريقيا

غابت القاهرة عن التمثيل الرئاسي في القمم الأفريقية وتجاهلت بلدان القارة كسوق للتصدير أو الاستيراد، لدرجة أن التبادل التجاري بين الطرفين لم يتجاوز 1% عام 2010، من إجمالي العلاقات التجارية بين مصر والعالم الخارجي.

في الوقت نفسه، كانت إسرائيل تنسج خيوط التعاون والترابط مع دول القارة -خاصة إثيوبيا القوة المهمة في شرق أفريقيا- على صعيدي السياسة والاقتصاد، وهو ما يمكن لمس أثره في أي تصويت أممي، إذ نجد كثيرا من الأصوات الأفريقية تذهب لصالح تل أبيب.

تلك الرحلة من التجاهل انتهت إلى توقيع الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل، المعروفة بـ "اتفاقية عنتيبي" الموقع إطارها التأسيسي عام 2010 بين إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا، وهي من دول منابع النيل التي تجمعت لديها الكثير من الأسباب التي تدفعها بعيدا عن مصر.

وتنص اتفاقية عنتيبي على إنهاء الحصص التاريخية لدولتي المصب مصر (55.5 مليار متر مكعب) والسودان (18.5 مليار متر مكعب)، وهي التي أعطت إثيوبيا إشارة البدء لبناء سد النهضة الذي سيؤدي لانخفاض حصة مصر، بل سيجعل أديس أبابا متحكمة منفردة بالنهر في سنوات الجفاف.

غياب الرؤية

في كتابه الصادر العام الماضي "حلمي شعراوي.. سيرة مصرية وأفريقية"، يؤكد مؤسس مركز البحوث العربية والأفريقية حلمي شعراوي، أن فترة مبارك شهدت إهمال الإدارة المصرية للقارة الأفريقية، وغياب الرؤية الإستراتيجية، مع غياب مفاهيم الوحدة ولقاء المصالح بين دول القارة.

ويوضح شعراوي أن أداء مصر تجاه أفريقيا في عهد مبارك اتسم بالضعف، مما مهد لإسرائيل أن تتسلل في صورة تقديم تدريبات للجيوش وخاصة الحرس الجمهوري، وأعمال الأمن والمخابرات، وصولا لمساعدة عدد من الدول الأفريقية في الحصول على منح وقروض من البنك والصندوق الدوليين.

ويرجع الخبير في الشؤون الأفريقية تعنت أديس أبابا في قضية سد النهضة إلى افتقاد القاهرة لعناصر القوة في القارة التي كانت تتحلى بها من قبل، وضعف دورها الدولي بشكل عام أمام ما وصفه بعجرفة القوة الإثيوبية.

هل أدرك مبارك اللعبة؟

إذن هناك دور واضح لإسرائيل في أفريقيا مقابل دور مصري يلملم أطرافه عن كل ما هو أسمر، وهنا يبرز التساؤل حول مدى إدراك مبارك لكارثية منهجه الذي أدى بالقاهرة إلى مواجهة أزمة سد النهضة وما يستتبعها من تهديد وجودي للبلاد.

تصريحات سابقة لمصطفى الفقي -الذي عمل مستشار معلومات لمبارك- بإمكانها الرد على هذا السؤال، فالرجل أرجع صراحة التعنت الإثيوبي في المفاوضات مع القاهرة إلى أن إسرائيل توفر الحماية العسكرية للسد.

وأضاف الفقي أن قضية السد بالنسبة لإثيوبيا لا تتعلق بالتنمية، معتبرا السد قضية كيدية بالدرجة الأولى، واستطرد "هناك من يوسوس في آذان الإثيوبيين بأن هذه الدولة الفرعونية الموجودة في الركن الشمالي الشرقي من أفريقيا والمزدهرة دائما عبر التاريخ، يجب أن يتم خنقها بشكل أو بآخر".

ورغم تلك الرؤية الواضحة للمستشار الرئاسي للمعلومات، لكن يبدو أن مبارك لم يلق بالا لكل ما يحدث.

وبحسب تصريحات سابقة لمحمد محمود محيي الدين، عضو اللجنة الثلاثية الدولية التي شكلت لدراسة الآثار البيئية والاجتماعية والاقتصادية لبناء السد، اقترح رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ملس زيناوي أن تشارك مصر والسودان في بناء سد النهضة بحصص مقدارها 30% و20% على التوالي من تكلفة إنشائه، مقابل المشاركة في إدارته.

وأضاف محيي الدين أن زيناوي أرسل رسالة خاصة باقتراحه لمبارك، فكان رده "ليس عندي سوى الحرب".

وتابع محيي الدين "علينا أن ندرك أن مصر التي خرجت من أفريقيا في منتصف السبعينيات بمحض إرادتها، ليست هي مصر التي ترغب في أن تعود بعد 40 سنة إلى أفريقيا والتي هي أيضا ليست أفريقيا اليوم".

انسحاب اقتصادي

من جهته، يقول الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب إن مبارك ورث من الرئيس السادات علاقات غير مستقرة مع أفريقيا، موضحا أن خصخصة شركة النصر للاستيراد والتصدير أفقد مصر واحدة من أهم عناصر القوة فى العلاقات الأفريقية، حيث تراجع حجم التبادل التجاري بين القاهرة وبلدان القارة.

والأمور في عصر مبارك لم تكن على درجة عالية من القتامة بحسب الخبير الاقتصادي، لكن ومع وقوع محاولة الاغتيال تم توجيه اتهام مباشر وعلى الهواء للسودان بتدبير هذه المحاولة، وأضاف عبد المطلب "في هذه الأثناء بدأ مبارك دعم انفصال إريتريا، ودعم انفصال جنوب السودان، ما أدى لتوتر العلاقات مع الخرطوم وأديس أبابا".

ولا يعتقد الخبير الاقتصادي أن مبارك أهمل أفريقيا سياسيا بقدر إهمالها اقتصاديا، وهو ما جعل من الصعب على الإثيوبيين البدء في بناء السد خلال عهده، ودلل على حديثه بتدمير حركة تحرير جنوب السودان -التي دعمتها مصر- الحفار العملاق الذي كان يحفر قناة جونجلي.

المصدر : الجزيرة
اجمالي القراءات 527