فوربن أفيرز: العالم سيتجه لتقليد النموذج السويدي في مواجهة كورونا

في الأربعاء ١٣ - مايو - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

وضعت الصين 50 مليون شخص تحت الحجر الصحي في مقاطعة ووهان في يناير/ كانون الثاني، ومنذ ذلك الحين، اتخذت العديد من البلاد الديمقراطية الليبرالية تدابير استبدادية عدوانية خاصة بها لمحاربة فيروس "كورونا" المستجد.

وبحلول منتصف مارس/ آذار، كانت جميع دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقريبًا قد نفذت مزيجًا من إغلاق المدارس والجامعات وأماكن العمل ووسائل النقل العام؛ وفرضت قيودًا على الفعاليات العامة؛ وحدّت السفر المحلي والدولي.

ومع ذلك، تبرز دولة واحدة كاستثناء في الغرب.

  • نموذج استثنائي

بدلاً من الإعلان عن الإغلاق أو حالة الطوارئ؛ طلبت السويد من مواطنيها ممارسة التباعد الاجتماعي بشكل تطوعي.

فرضت السلطات السويدية بعض القيود من أجل تسطيح المنحنى؛ فلا تجمعات عامة لأكثر من 50 شخصًا، ولا خدمة في الحانات، وأصبح التعلم عن بُعد في المدارس الثانوية والجامعات، وما إلى ذلك، لكنهم تجنبوا الضوابط الصارمة.

غير السويديون سلوكهم، ولكن ليس بشكل عميق مثل مواطني البلاد الديمقراطية الغربية الأخرى، ظلت العديد من المطاعم مفتوحة، على الرغم من قلة عدد زوارها، وظل الأطفال الصغار يذهبون للمدرسة، وعلى النقيض من النرويج المجاورة (وبعض الدول الآسيوية)، لم تفرض السويد تقنيات أو تطبيقات تتبع الموقع، وبالتالي تجنبت تهديد الخصوصية والاستقلالية الشخصية.

  • هدف مناعة القطيع

لم تعلن السلطات السويدية رسمياً عن هدف الوصول إلى مناعة القطيع، التي يعتقد معظم العلماء أنها تتحقق عندما يصاب أكثر من 60% من السكان بالفيروس.

لكن تعزيز الحصانة بلا شك جزء من الاستراتيجية الأوسع للحكومة، أو على الأقل نتيجة محتملة لإبقاء المدارس والمطاعم ومعظم الشركات مفتوحة.

توقع "أندرس تيجنيل"، كبير علماء الأوبئة في وكالة الصحة العامة السويدية، أن تتمكن مدينة ستوكهولم من الوصول إلى مناعة القطيع في وقت مبكر من هذا الشهر.

واستنادًا إلى الافتراضات السلوكية المحدثة (تُغير معايير التباعد الاجتماعي كيفية تصرف السويدييين)؛ رأى عالم الرياضيات في جامعة ستوكهولم "توم بريتون" أن 40% من المناعة في العاصمة قد تكون كافية لوقف انتشار الفيروس هناك وأن هذا يمكن أن يحدث بحلول منتصف يونيو/ حزيران.

أشادت بعض الأوساط بالسويد لحفاظها على بعض مظاهر الحياة الاقتصادية على الأقل والحفاظ على معدل وفيات أقل من بلجيكا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وإسبانيا والمملكة المتحدة.

لكنها تعرضت لانتقادات في أوساط أخرى لتجاوزها معدلات وفيات دول الشمال الأوروبي الأخرى، ولفشلها في حماية السكان المسنين والمهاجرين على وجه الخصوص.

  • أوجه القصور والنجاح

يمثل الأشخاص الذين يتلقون خدمات التمريض ورعاية المسنين ما يصل إلى 50% من وفيات "كوفيد-19" في السويد. ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن العديد من المرافق أبطأت بشكل كبير في تنفيذ تدابير الحماية الأساسية مثل ارتداء الكمامات.

عانى المهاجرون أيضًا بشكل غير متناسب، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى أنهم أفقر في المتوسط ​​ويميلون إلى العمل في قطاع الخدمات، حيث يكون العمل عن بعد مستحيلًا عادة.

لكن السلطات السويدية جادلت بأن ارتفاع معدل الوفيات في البلاد سيبدو أقل نسبيًا في وقت لاحق.

إن محاولات احتواء الفيروس محكوم عليها بالفشل في العديد من البلدان، وسوف تصاب نسبة كبيرة من الناس في النهاية، وعندما يمر جزء كبير من العالم بموجة ثانية مميتة؛ ستكون السويد قد تجاوزت أسوأ ما في الجائحة.

لم تكن استجابة السويد مثالية، لكنها نجحت في تعزيز الحصانة بين الشباب والأصحاء، كما تم تسطيح المنحنى.

لم تتعرض وحدات العناية المركزة في البلاد لضغط غير محتمل، ولم يضطر العاملون في المستشفيات -على الرغم من الضغط عليهم- على الأقل إلى القيام بمسؤوليات إضافية (مثل رعاية أطفالهم) لأن دور الرعاية النهارية والمدارس استمرت في العمل.

 

  • تقليد النموذج السويدي

سواء تبنت الدول الأخرى علانية النهج السويدي أم لا، فإن العديد منها الآن تحاول الآن محاكاة جوانب منه.

أعادت كل من الدنمارك وفنلندا فتح المدارس، وسمحت ألمانيا بإعادة فتح المحلات التجارية الصغيرة. ستقوم إيطاليا بإعادة فتح الحدائق قريبًا، ولدى فرنسا خطة للسماح بإعادة فتح بعض الأنشطة التجارية غير الأساسية، بما في ذلك أسواق المزارعين والمتاحف الصغيرة، وكذلك المدارس ومراكز الرعاية النهارية.

أما في الولايات المتحدة، التي لديها حتى الآن أكبر عدد من حالات وفاة "كورونا"، فإن العديد من الولايات تعمل على تخفيف القيود بناء على حث الرئيس "دونالد ترامب"، الذي على الرغم من انتقاده النموذج السويدي بشدة؛ يدفع البلاد نحو شيء مشابه جدًا.

هناك أسباب وجيهة كي تبدأ البلدان في تخفيف قيودها. سيستغرق الأمر عدة سنوات لإحصاء العدد الإجمالي للوفيات والإفلاس وحالات التسريح من العمل والانتحار ومشاكل الصحة العقلية والخسائر في الناتج المحلي الإجمالي والاستثمارات والتكاليف الأخرى التي لا تعزى فقط إلى الفيروس ولكن إلى التدابير المستخدمة لمكافحته.

 

  • فشل النماذج الأخرى

من الواضح أن التكاليف الاقتصادية والاجتماعية لعمليات الإغلاق باهظة؛ تشير تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن كل شهر من القيود المتعلقة بالوباء سيقلص اقتصادات الدول المتقدمة بنسبة 2%.

ووفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ستشهد فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة انكماش اقتصادي بأكثر من 25% في غضون عام. ترتفع البطالة إلى مستويات لم يسمع بها منذ الثلاثينيات من القرن الماضي، مما أدى إلى تأجيج ردود الفعل السياسية وتعميق الانقسامات الاجتماعية.

لن تكون عمليات الإغلاق ببساطة مستدامة للمدة التي سيستغرقها تطوير لقاح على الأرجح، وذلك بسبب الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

قد يسمح ذلك أيضًا للسكان ببناء مناعة تخلص في النهاية لأن تكون الطريقة الأقل سوءًا لمحاربة "كوفيد-19" على المدى الطويل.

لا يزال الكثير من جوانب المرض غير مفهومة جيدًا، لكن الدول التي تفرض الإغلاق يمكن أن تواجه حالات تفشي جديدة وأكثر شدة مستقبلًا.

إذا اتبعت هذه البلدان المسار السويدي إلى مناعة القطيع، فسوف تنخفض التكلفة الإجمالية للوباء، ومن المرجح أن ينتهي في وقت أبكر.

 

  • صعوبات المحاكاة

يعكس نهج السويد تجاه "كوفيد-19" الثقافة المميزة للبلد، وقد لا يكون من السهل تكرار جوانب منها في مكان آخر.

فمثلًا؛ ربما لا يمكن الاعتماد على التوصيات الرسمية والمسؤولية الفردية خارج الدول الاسكندنافية، والسويد بلد ذات وضع خاص يتميز بمستويات عالية من الثقة؛ ليس فقط بين الناس ولكن بين الناس والمؤسسات الحكومية.

كان السويديون مهيئين لأخذ التوصيات على محمل الجد بطريقة قد لا يكررها مواطنو الدول الأخرى.

يعد السويديون عمومًا أكثر صحة من مواطني العديد من البلدان الأخرى، لذلك قد تكون الاحتياطات الإضافية ضرورية لحماية الضعاف في أجزاء أخرى من العالم.

يجب على الدول التي ترفع القيود أن تتعلم أيضًا من أخطاء السويد عندما يتعلق الأمر بالمسنين والمهاجرين؛ حيث يجب توفير الكمامات ومعدات الحماية الأخرى على الفور في دور رعاية المسنين، كما يجب التركيز بشكل أكبر على حماية العاملين في قطاع الخدمات الذين هم في خطر أكبر بسبب العمر أو الهشاشة.

ولكن يجب أن يكون التركيز على مساعدة الأشخاص المعرضين للخطر على البقاء آمنين وبعيدين عن الأذى، وليس إغلاق المجتمعات بأكملها.

 

  • الخيار الواقعي

فيما يتعلم العلماء المزيد عن الفيروس وتطور السلطات طرقًا جديدة وأفضل للتغلب على العدوى فإن مبررات عمليات الإغلاق العامة تصبح أضعف وأضعف.

حتى في أماكن مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث تعد الشريحة المعرضة للخطر أكبر بكثير، فإن تكلفة حماية هؤلاء الأشخاص أقل بكثير من إجبار الجميع على البقاء في المنزل.

إن إدارة الطريق إلى مناعة القطيع تعني - قبل كل شيء - حماية الضعفاء، وقد تعلمت السويد ذلك بالطريقة الصعبة، ولكن الوضع هناك تحت السيطرة الآن.

مع تزايد عدم التحمل لتكلفة عمليات الإغلاق وإدراك البلاد أن إدارة أزمة الوباء بدلاً من هزيمته هو الخيار الواقعي الوحيد، سيبدأ المزيد والمزيد من الانفتاح.

يمكن أن يساعد التباعد الاجتماعي على منع انهيار أنظمة الرعاية الصحية مع تحسين العلاجات للمصابين وتحسين الحماية للفئات المعرضة للخطر وبالتالي تقليل الخسائر البشرية.

ولكن في نهاية المطاف، قد تكون الحصانة المتزايدة المؤدية لمناعة القطيع هي الدفاع الوحيد القابل للتطبيق ضد المرض، طالما يتم حماية المجموعات الهشة على طول الطريق.

بغض النظر عن درجة تقييم السويد في إدارة هذا الوباء، فقد بدأت دول أخرى ترى أنها متقدمة في هذا، ويجب اتباع نموذجها.

اجمالي القراءات 498