سؤال شغل بال الكثيرين.. لماذا تبدو روسيا وكأن لديها عدداً قليلاً للغاية من الإصابات بكورونا؟

في الخميس ١٩ - مارس - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

منذ تفشّي جائحة كوفيد-19 في ووهان الصينية خلال شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2019، شهدنا انتشار الفيروس في أكثر من 160 دولة. وشهدت العديد من الدول تفشّي المرض على نطاقٍ واسع، مثل الصين وكوريا الجنوبية وإيطاليا وإيران وإسبانيا وفرنسا، مع تزايدٍ سريع في أعداد الحالات بالمملكة المتحدة والولايات المتحدة. لكن غالبية دول العالم كروسيا أبلغت عن عدد قليل للغاية من حالات كوفيد-19، أو أبلغت عن عدم وجود حالات من الأساس، مما أثار الكثير من الشكوك والتكهنات في الغرب حولها.

تقول مجلة Newsweek الأمريكية: رغم أنّه من المحتمل أنّ الفيروس لم يصل إلى كل البلدان ويبدأ تنقُّله داخلياً، لكن الكثير من تلك الدول لها علاقات سفر وهجرة وتجارة قوية مع الصين مثل روسيا. مما يُثير التساؤلات التالية: هل يأتي انخفاض أعداد الحالات نتيجة عدم وصول الفيروس أو إصابة أحدٍ بالعدوى؟ أم نتيجة الرقابة الفعّالة على الحدود؟ أم أنّه يعكس قلة عمليات الفحص والإبلاغ؟ 

عمليّة معقدة

تقول المجلة الأمريكية، إن انتشار المرض المُعدي من بلده الأصلي يُعَدُّ عمليةً مُعقّدة تتضمّن العديد من العوامل، ولكنّها ترتبط في جوهرها بحركة الناس.

وهناك العديد من المعايير التي يُمكن استخدامها لتقدير الحركة بدقة: السفر (للداخل وللخارج)، والهجرة، والتجارة، والتقارب. وبالنظر إلى أعداد حالات كوفيد-19 في سياق ترتيب تدفّق الأشخاص والبضائع بين الصين والدول الأخرى، توصّلنا إلى النتائج التالية حتى الـ15 من مارس/آذار: وفي حين يُعتبر هذا الجدول تحليلاً مُبسّطاً للغاية لحركة السكان، لكنّه من الصادم أنّ نجد 63 حالة مُبلغ عنها فقط في كافة أنحاء روسيا. 

لاحقاً، أعلنت السلطات الروسية، الخميس 19 مارس/آذار عن أول حالة وفاة بفيروس كورونا المستجد لأمرأة مُسنة، فيما أكد رئيس الوزراء تاتيانا غوليكوفا أنه لا داعي “للهلع”، مضيفاً أن مجموع حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد، 114 حالة في عموم روسيا.

ونظراً لأنّ روسيا تتمتّع بعلاقات سفر ونزوح وهجرة قوية للغاية مع الصين، فإنّ أعداد الحالات المُنخفضة بشدة تُثير التساؤلات، وخاصةً في ظل أنّ الدول الأخرى التي تتمتّع بعلاقات وثيقة مع الصين -مثل اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة- تشهد مستويات مرتفعة من انتقال العدوى محلياً.

كما أنّه من المثير للاهتمام أنّ الـ15 دولة التي تتشارك حدوداً برية أو بحرية مع الصين أبلغت عن وجود 310 حالات فقط. والهند هي الدولة الوحيدة من بين تلك الدول التي أبلغت عن وجود أكثر من 100 حالة، في حين أبلغت 10 دول عن أعداد حالات تتراوح بين الصفر والخمس حالات. وانخفاض أعداد الحالات هو أمرٌ صادم؛ نظراً لأنّ العديد من تلك البلدان تتمتّع بعلاقات تجارة وسفر قوية مع الصين.

ما زلنا في المراحل المُبكّرة لجائحة كورونا

وغير روسيا، هناك مناطق في العالم لم تُبلِغ عن أيّ حالات إصابة بكوفيد-19، أو أبلغت عن عدد قليل. ومن الجدير بالذكر أنّ الدولة الوحيدة التي أبلغت عن وجود أكثر من 100 حالة في إفريقيا هي مصر، في حين أبلغت غالبية دول القارة عن أعداد حالات تتراوح بين الصفر والخمس حالات.

وبالنسبة لدول إفريقيا الـ54، لم نشهد سوى 253 حالة فقط من أصل 167,519 حالة مُسجّلة حول العالم. وهناك العديد من الأسباب المُحتملة لانخفاض أعداد الحالات في العديد من تلك الدول.

نحن ما نزال في المراحل المُبكّرة لجائحة كوفيد-19، لذا فمن الطبيعي ألا تشهد بعض الدول أيّ حالات أو انتقال للفيروس محلياً. ولكن فهم سبب عدم الإبلاغ عن الكثير من الحالات، لدى الدول التي يُعتبر بعضها مُتصلاً عن قرب ببلدانٍ تفشّى فيها الفيروس، هو أمرٌ بالغ الأهمية في الجهود العالمية لاحتواء انتشار الجائحة. 

ما السر بانخفاض عدد الحالات؟

هناك العديد من التفسيرات لانخفاض أعداد الحالات، منها: ضعف روابط السفر، والفحص الفعّال على الحدود، وفرض قيود السفر، وتأثيرات المناخ محلياً، وقلة الفحص أو الإبلاغ.

وحين ننظر إلى السفر، نجد أنّ الكثير من الدول المعنية لا تتبادل الكثير من خطوط السفر مع الصين. وتضاعفت تلك النقطة نتيجة قيود السفر التي فرضتها الصين خلال المراحل المُبكّرة لتفشّي المرض على أراضيها، مما أخّر على الأرجح وصول كوفيد-19 إلى العديد من البلدان الإفريقية. وفي هذا السيناريو، من المحتمل أن تتزايد أعداد الحالات كثيراً على مدار الأسبوعين المقبلين نتيجة انتقال العدوى المستمر على نطاقٍ واسع في العديد من البلدان الأوروبية التي تتمتّع بخطوط سفرٍ نشطة مع إفريقيا.

ولكن بعض الدول التي تتمتّع بعلاقات سفر وهجرة وتجارة قوية مع الصين ما تزال تمتلك أعداد حالات مُنخفضة نسبياً -إذ أبلغت اليابان وسنغافورة عن وجود أقل من ألف حالة. وبالنسبة لتلك البلدان، كانت هناك تدابير فحص ورقابة مُشدّدة ومُبكّرة، مما حافظ على انخفاض مُعدّلات انتقال العدوى محلياً. وفي حال استمرار تلك الإجراءات، فلن تشهد تلك البلدان على الأرجح سوى زيادات بطيئة في أعداد الحالات على مدار الأسابيع المُقبلة.

ومن المثير للاهتمام رؤية أنّ غالبية الحالات العالمية تقع شمالي مدار السرطان. ولا تُوجد حتى الآن سوى 2,025 حالة جنوب مدار السرطان. وتُشكّل أعداد الحالات في البلدان الواقعة داخل المناطق الاستوائية أو شتاء نصف الكرة الجنوبي حالياً نسبة 1.29% فقط من إجمالي الحالات العالمية. ويعكس هذا علاقات السفر والتجارة العالمية مع الصين، أو ربما يعكس تأثير المناخ على انتقال كوفيد-19.

ومن المحتمل كذلك أنّ النطاق الواسع للأمراض المعدية المدارية زاد صعوبة تحديد حالات كوفيد-19 الذي يظهر عادةً بأعراض خفيفة وغير مُحدّدة.

نقص الاختبارات أو نقص الإبلاغ عن الحالات

وإذا كانت روابط السفر مع الصين هي العامل الذي حدّ من تزايد الحالات، فمن المُرجّح أن تزداد الحالات على مدار الأسبوعين المُقبلين، كما ذكرنا عن إفريقيا أعلاه. وفي حال كان المناخ هو العامل المُؤثّر على انتقال الفيروس، فإنّ الحالات ربما تظل منخفضة حتى تزداد برودة الجو في نصف الكرة الجنوبي. أما إذا كانت الأمراض الأخرى تُخفي حالات كوفيد-19، فإنّ الحالات المُبلغ عنها ستظل منخفضةً على الأرجح في تلك البلدان، رغم أنّ عدد الحالات سيزداد فعلياً.

وفي النهاية، فإنّ انخفاض أعداد الحالات المُبلغ عنها في العديد من الدول ربما يرجع إلى نقص الاختبارات أو نقص الإبلاغ عن الحالات. وتسعى العديد من الدول بنشاط إلى وضع سياسات تنص على اختبار من يُعانون من مرضٍ خطير أو سافروا إلى بلدان تحوي مُعدّل انتقال كبيراً للعدوى فقط -مثل المملكة المتحدة. وهذا سيُؤدي إلى نقصٍ كبير في الإبلاغ عن أعداد الحالات، مما قد يُعيق القدرة على احتواء الجائحة بحسب تصريح منظمة الصحة العالمية: “لا تستطيع مكافحة فيروس إذا كنت لا تعرف مكانه. اعثر عليه، واعزله، واختبره، وعالج كل حالة لتكسر سلاسل انتقال المرض”.

وهناك بعض الدول التي لا تمتلك ببساطة البنية التحتية والموارد اللازمة لتحمّل تكلفة إجراء الاختبارات على نطاقٍ واسع، مما يحدّ من قدرتها على التحكّم في المرض داخل أراضيها، ويخلق نقاطاً ساخنة يُمكن للفيروس أن يُواصل الانتشار منها. ومن المحتمل كذلك أنّ بعض الدول لا تُبلِغ عن الكثير من حالاتها للحفاظ على سمعتها، أو تجنُّب الصعوبات الاقتصادية التي قد تنجم عن تدابير الاحتواء – مثل قيود السفر.

في روسيا.. اللعبة خطيرة، والأيام المقبلة ستكشف الحقيقة

مما يُثير القلق على نحوٍ خاص أنّ روسيا، التي تمتلك علاقات وثيقة مع الصين وموارد وطنية واسعة النطاق، لم تُبلغ سوى عن 63 حالة فقط حتى منتصف مارس/آذار، أي بعد نحو 3 أشهر ونصف على انتشار الوباء من الصين إلى محيطها ومن ثم العالم.

ومن المُمكن أن يكون هذا العدد المنخفض ناجماً عن سيطرتهم النشطة على الحدود والفحص المُكثّف، ولكن هناك مخاوف حول أنّ ذلك الرقم يعكس قلة الفحص أو الإبلاغ. فضلاً عن الأدلة الأخيرة حول أنّ روسيا كانت المسؤولة عن العديد من حملات التضليل المُتعلّقة بكوفيد-19 مؤخراً، فإنّ ذلك يُثير العديد من المخاوف حول أنّ روسيا ربما تلعب بالصحة العالمية لعبةً خطيرة. 

ومما يثير الشكوك والريبة بالنسبة لروسيا، هو ما أفادته وثيقة للاتحاد الأوروبي اطلعت عليها رويترز، بأن وسائل الإعلام الروسية لجأت إلى “حملة تضليل كبرى” ضد الغرب للتهويل من أثر فيروس كورونا وخلق حالة من الذعر ونشر أجواء عدم الثقة.

وجاء في الوثيقة التي حملت تاريخ 16 مارس/آذار: “هناك حملة تضليل كبرى من وسائل الإعلام الروسية والجهات المؤيدة للكرملين فيما يتعلق بفيروس كوفيد-19”. وبعد يومين، نفى الكرملين هذه المزاعم، قائلا إنها لا أساس لها ومنافية للمنطق.

عموماً، هذا جائحة تتكشّف جوانبها باستمرار، وستتطلّب تضافر جهود دول العالم من أجل السيطرة عليها. وعلى حد تعبير المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس: “نحن نخوض هذا الأمر معاً”. تقول نيوزويك: لذا نأمل أن يكون الأمر في روسيا، حالة بسيطة من السيطرة الجيدة على الحدود أو قلة إجراء الاختبارات، وستكشف لنا الأيام المُقبلة الحقيقة.

اجمالي القراءات 854