العبودية المعاصرة تهدد البشر.. لا تعد جريمة في نصف دول العالم حتى الآن

في الأحد ١٦ - فبراير - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

أُلغيت العبودية بالفعل في جميع البلدان على مدى القرنين الماضيين، ولكن العديد من البلدان لا تَعتبر العبودية جريمة قانونية، وتفتقد نصف دول العالم تقريبا -حتى الآن- لوجود قانون جنائي يعاقب على ممارسة العبودية أو التجارة بالعبيد.

وفي تقريرهما الذي نشره موقع "كونفرزيشن" الأسترالي، قال الكاتبان كاتارينا شوارز وجين آلين إن بحثهما حول الموضوع يوفر فرصة لإعادة تركيز الجهود العالمية للقضاء على العبودية الحديثة بحلول عام 2030، بما في ذلك مطالبة الدول بتجريم العبودية تماما وغيرها من الممارسات الاستغلالية باستخدام القوة أو الاحتيال أو الإكراه.

علاوة على ذلك، ينبثق هذا البحث من قاعدة بيانات مخصصة لمكافحة العبودية، تنظر في التشريعات المحلية لكل بلد والالتزامات الملزمة التي قطعتها على نفسها من خلال الاتفاقات الدولية لحظر أشكال الاستغلال البشري، مثل العمل القسري والاتجار بالبشر والممارسات الشبيهة بالعبودية.

وأضاف الكاتبان أنه على الرغم من أن 96% من هذه الدول لديها بعض أشكال التشريعات المحلية لمكافحة الاتجار بالبشر، فإن العديد منها فشل في حظر أنواع أخرى من الاستغلال البشري في قوانينها المحلية على غرار العبودية والعمل القسري. وباختصار: لا يمكن اعتبار أن العبودية تُعد غير قانونية في جميع أنحاء العالم.

تاريخ قصير
وأوضح الكاتبان أن المشكلة بدأت من الحركة البريطانية العظيمة لإلغاء العبودية التي تمحورت حول إلغاء القوانين التي تسمح بتجارة العبيد باعتبارها تجارة مشروعة. وخلال القرن التاسع عشر، لم يُطلب من الدول إصدار تشريع بتجريم تجارة العبيد، بل طُلب منها إلغاء أي قانون يسمح بهذا العمل.

ومنذ عام 1948، دُعيت الدول إلى حظر العبودية بدلا من إلغاء الأحكام التي تسمح بها أو تنظمها، ولكن مع اتفاق جميع الدول -في الفترة الممتدة بين عامي 1926 و2016- على أن من غير المحتمل أن تحدث حوادث عبودية لأنها ألغت جميع القوانين التي تشرعها، لم تكن هناك حاجة أو سبب لإنشاء قوانين تُجرم العبودية.

قصص العبودية
وأورد الكاتبان أنه على الرغم من إلغاء العبودية، فإن الكثير من الأشخاص يولدون في بيئة من العبودية أو يُرغمون على الخضوع لها في سن مبكرة.

ونقل الكاتبان ما جاء على لسان مندي ناظر التي قُبض عليها عام 1994، وهي طفلة نُقلت في النهاية إلى عائلة دبلوماسي في المملكة المتحدة، ثم هربت عام 2002، إذ أفادت قائلة: "يقول الناس إنني عوملت كحيوان، لكنني أخبرهم بأنني لم أكن كذلك، لأن الحيوان -مثل القطة أو الكلب- يحصل على الحب والاهتمام، وهو ما لم أحصل عليه".

وذكر الكاتبان أنه على الرغم من أن معظم الدول فيها تشريعات لمكافحة الاتجار بالبشر، فإنها لا تحظر أشكالا أخرى متعددة للاستغلال البشري، بما فيها العبودية نفسها. كما أن الاتجار بالبشر مُعرّف في القانون الدولي على أنه يتألف من ثلاثة عناصر أساسية، هي: الفعل، واستخدام الإكراه لتسهيل هذا الفعل، ووجود النية لاستغلال هذا الشخص.

وفي الواقع، تتطلب مقاضاة الاستغلال نفسه تشريعا محليا محدّدا يتجاوز الأحكام التي تتناول الاتجار بالبشر.

الاتجار بالبشر
وكانت وحدة تحقيقات الجزيرة قد كشفت في وثائقي عام 2016 عن مدى تغلغل العبودية الحديثة في ضواحي بريطانيا، بما في ذلك أحوال صادمة في إحدى مغاسل السيارات تستفيد منها وكالات شركات سيارات كبيرة وقطاع العمالة غير الماهرة، وشرح الوثائقي كيف يتم تقييد العمال المستعبدين بسلاسل نفسية كالخوف والفقر والبؤس، فيخافون من الهرب لئلا يضطروا لإنفاق كل ما ادخروه.

ويسلط التحقيق الاستقصائي في جزئه الثاني الضوء على العبودية الحديثة التي تمارس على الذين يعملون في مجال زراعة القنب في بريطانيا، وبحسب ما كشف التحقيق فإن الآلاف من الفيتناميين -بمن فيهم الأطفال الذين يعملون في مزارع القنب داخل المملكة المتحدة- يُهرَّبون إلى المملكة المتحدة حيث يتم استغلالهم.

وكشف التحقيق عن إجبار آلاف الفتيات من بلدان مثل رومانيا على العبودية الجنسية بعد أن يتم تهريبهن بطريقة غير قانونية إلى بريطانيا، وكيف يقع كثير منهن ضحية الخديعة، إذ يوهمن بأنهن سيعملن في وظائف لائقة ويحصلن على المال المناسب، ثم يفاجأن بعد ذلك بإجبارهن بالقوة على العمل في الدعارة.

نتائج البحث
واستنتج الكاتبان أنه لا يمكن في 94 دولة مقاضاة شخص لاستعباده إنسانا آخر، ويعني ذلك أن حوالي نصف بلدان العالم قد تكون ارتكبت انتهاكات محتملة للالتزام الدولي بحظر العبودية.

علاوة على ذلك، يبدو أن 12 دولة فقط حددت بوضوح تعريفا رسميا للعبودية يعكس المفهوم الدولي. وفي معظم الحالات، يُترك الأمر للمحاكم لتفسير معنى العبودية. ويعني ذلك أنه حتى في البلدان التي حُظرت فيها العبودية في القانون الجنائي، لم تكن سوى بعض حالات العبودية غير قانونية، بينما بقيت العديد من الممارسات الاستغلالية الأخرى غير مجرّمة.

ويبدو أن هناك 112 دولة لا تفرض عقوبات جزائية لوضع حد للعمل القسري، وهي ممارسة واسعة النطاق تضم 25 مليون إنسان. وفي الحقيقة، لا يدرك العديد من الذين أُجبروا على العمل في البلدان المتقدمة أنهم خارجون عن القانون. بالإضافة إلى ذلك، غالبا ما يُجبر هؤلاء على العمل في الزراعة والمصانع والمطاعم مقابل أجر ضئيل أو دون أجر لساعات طويلة فيما يشبه نظام السخرة.

وأورد الكاتبان أن قاعدة بيانات هذا البحث تكشف أيضا عن ثغرات واسعة النطاق في حظر الممارسات الأخرى المتعلقة بالرق. وعلى الرغم من أن معظم البلدان تعهدت بالتزامات من خلال المعاهدات الدولية، فإن عددا قليلا منها جرّم العبودية وتجارة الرقيق والعمل القسري.

مستقبل أفضل
وتتراوح أشكال العبودية الحديثة بين العمل القسري (ويشار لكوريا الشمالية كأحد أمثلة هذا النوع)، والعمل الإجباري في السجون (كما يقال عن معسكرات العمل القسري في شينجيانغ بالصين)، وحتى الاستعباد نتيجة ابتزاز المهاجرين غير المسجلين دون إقامة قانونية بعد وصولهم لبلدان اللجوء.

وأكد الكاتبان أنه ينبغي على الدول العمل من أجل مستقبل تصبح فيه العبودية غير قانونية بالفعل. وفي حين أن التشريعات ليست سوى خطوة أولى للقضاء على هذه الجريمة، فإن من الضروري منع الإفلات من العقاب على مثل هذه الانتهاكات، كما أن من المهم أن يحصل الضحايا على الدعم والإنصاف.

اجمالي القراءات 1634