شاهد التصميم العظيم: غوغل تصدر أعقد خريطة دماغية حتى اليوم

في السبت ٠٨ - فبراير - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

لا تزال الإحاطة بتركيب الأدمغة وآليات عملها وتشريحها الدقيق بعيدة جدا عن منال العلم، ولهذا نرى في هذا المجال على وجه الخصوص مبادرات تعاون غير مسبوقة من مؤسسات بحثية ضخمة.

وأحدث مثال على ذلك تضافر جهود شركة غوغل ومركز جانيليا للبحث العلمي في ولاية فرجينيا الأميركية، لإخراج أكبر خارطة ثلاثية الأبعاد عالية الدقة معروفة حتى الآن لدماغ كائن حي، تتتبع المسارات الكاملة لعشرين مليون تشابك عصبي تصل بين 25 ألف خلية عصبية في دماغ ذبابة الفاكهة!

وتعد هذه الخارطة الدماغية -والتي يطلق عليها مصطلح كونكتوم (connectome)- ذروة سنام مجال الكونكتوميكس (connectomics) الذي يستخدم تقنيات تصوير شديدة التطور والتعقيد لإنتاج خرائط مجسمة تفصيلية للأدمغة بخلاياها العصبية والتشابكات التي بينها، رغم أنها لا تغطي في الواقع أكثر من ثلث دماغ ذبابة الفاكهة.

أما النوع الوحيد الذي نجح الباحثون في إخراج خارطة لكامل دماغه، فهو دودة الربداء الرشيقة (C. elegans) من شعبة الديدان الأسطوانية.

كيف تمت الدراسة؟
كانت الخطوة الأولى في رحلة إنتاج تلك الخارطة هي تقطيع دماغ الذبابة الضئيل إلى شرائح دقيقة للغاية، بسُمك 20 ميكرومترا فقط للشريحة الواحدة (قد يبلغ سمك الشعرة البشرية 180 ميكرومترا).

أما عن اختيار ذبابة الفاكهة، فيعود إلى قدراتها الدماغية المتطورة (مثل قيامها برقصات الغزل) بالمقارنة بامتلاكها أدمغة بسيطة وضئيلة نسبيا.

ثم تأتي مرحلة قصف هذه الشرائح الدقيقة بوابل من الإلكترونات باستخدام مجهر إلكتروني ماسح، ثم تجميع القدر الهائل الناتج من البيانات في حدود 50 تريليون فوكسل (بكسل المجسم الثلاثي الأبعاد)، لتخضع لمعالجة خوارزميات خاصة تتتبع مسار وتشابكات كل خلية عصبية.

ورغم الدقة الكبيرة التي عملت بها خوارزميات غوغل، فإن الأمر احتاج إلى جهود بشرية هائلة لمراقبة ومراجعة ما رسمته هذه الخوارزميات، إذ يقول الباحثون في مركز جانيليا للبحث العلمي إن عملية المراجعة البشرية استغرقت منهم قرابة عامين ومئات الآلاف من ساعات العمل، للتأكد من صحة رسم مسالك عشرين مليون تشابك عصبي، باستخدام أجهزة الواقع الافتراضي وبرامج الرسم الثلاثي الأبعاد.

ماذا بعد؟
وبينما يعقد الكثير من العلماء آمالا كبيرة على أمثال تلك الخرائط في فهم العلاقات الشديدة التعقيد بين أجزاء الدماغ ووظائفه، يتساءل البعض الآخر عما إذا كانت كل تلك المساعي الجبارة ستنتج في النهاية ما يبررها ويبرر توجيه الإنفاق العلمي إليها على حساب غيرها من مجالات البحث الأخرى في العلوم العصبية.

وفي دعوة مفتوحة للاستفادة من هذه الخارطة والتقنيات المستخدمة فيها، ولاستقطاب المزيد من مشاركات الباحثين، أعلنت غوغل وجانيليا عن طرح الخارطة النهائية على الإنترنت، مع كامل بياناتها وأكوادها كمواد مفتوحة المصدر.

لكن حتى مع اجتماع كل هذه الجهود البشرية المذهلة مع أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي المتاحة، لم يكن في الإمكان إخراج خارطة لكامل دماغ ذبابة الفاكهة التي تحتوي على 100 ألف خلية عصبية تقريبا، إذ تضمنت الخارطة 25 ألف خلية فقط.

وبالمقارنة مع الدماغ البشري الذي يحتوي على حوالي 86 مليار خلية عصبية، يمكننا أن نتكهن بما سيتطلبه إنتاج خارطة مماثلة لأدمغة البشر، إذا أمكننا ذلك يوما. وحتى إن لم يختلف أحد حول جدوى بلوغ هذا المطلوب، فلا شك في أننا يجب أن نتواضع الآن قليلا ونعترف أمام أنفسنا بمدى ضعف الطالب.

اجمالي القراءات 600