تعويض اللاجئين اليهود».. خطة جديدة لـ«نهب» خزائن دول عربية وإيران

في السبت ٠٨ - فبراير - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

حين يتعهَّد رئيسٌ ذو خلفيةٍ تجارية مثل دونالد ترامب بتوفير 50 مليار دولار من الاستثمارات الدولية للفسطينيين، بموجب خطته للسلام، المعروفة باسم «صفقة القرن»، ثم يحتفي رئيس الوزراء الإسرائيليّ بهذه «المنحة السخيّة»، ويصفها بأنها «فرصة القرن»، متسائلًا باستهجان: «من يمكنه رفض هذه المليارات؟»؛ لا يجد عقلاء الفلسطينيين وجيرانهم العرب من المحيط إلى الخليج بُدًا سوى استحضار دروس التاريخ، وطرح وقائع الحاضر على طاولة التشريح، بل وتحسُّس جيوبهم ومراجعة خزائنهم، بحثًا عن الفخّ المتخفِّي في ثوب منحةٍ منزوعة الدسم كالمعتاد.

والخدعة لا تقتصر على تقطيع هذا المبلغ -الذي يتفاخر به الأمريكيون والإسرائيليون- إلى أشلاء؛ من خلال تخصيصِ 27 مليارًا فقط للفلسطينيين، ونثر البقية على رؤوس الأردنيين والمصريين واللبنانيين بشروط، ثم قطف ثمرة الاستثمارات الموعودة باسترداد نصف هذا المبلغ على الأقل، أي 25 مليار دولار، باعتبارها قروضًا واجبة السداد، ناهيك عن الشروط والقيود التي لا تزال مجهولة حتى الآن، واختزال ما تبقى من منح مُقَدّمة إلى الدول الأربعة من 50 إلى 13 مليارًا فقط.

إنما الفخٌّ الماليّ الأعمق الذي تنطوي عليه الخطة، ورغم ذلك لم يأخذ حظه الكافي من الأضواء؛ هو مطالبة الدول العربية والإسلامية بدفع تعويضاتٍ مزدوجة، ليس فقط لـ«اللاجئين اليهود» الذين كانوا يقيمون في الدول العربية والإسلامية قبل خروجهم منها، بل وأيضًا تعويض إسرائيل عن الفترة التي استقبلت فيها هؤلاء «اللاجئين اليهود»؛ ما يعني مليارات الدولارات التي تفوق ما يوعد به الفلسطينيون والعرب بموجب الصفقة بأضعاف مضاعفة.

ترسيخ مطلب «تعويض اللاجئين اليهود» في العقل الجمعي الإقليمي والدولي

إدراج هذه التعويضات في «صفقة القرن» كافٍ في الوقت الحالي، ولا حاجة -الآن على الأقل- إلى تكرار ما فتئ الأمريكيون والإسرائيليون يحفرونه في الذاكرة الجمعيّة الإقليمية والدولية لسنوات، ولم يتوقف الأكاديميون اليهود عن التنظير له فلسفيًا وحقوقيًا من فوق منابر مراكز الأبحاث الإسرائيلية، مثلما يفعل د. إيدي كوهين بنشاط خلال السنوات الأخيرة عبر مركز «بيجن-سادات للدراسات الاستراتيجية».

في ورقة بحثية منشورة بتاريخ 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، كرر كوهين مطالبته للمجتمع الدولي ب‍تعويض حوالي 900 ألف يهودي طُرِدوا من الدول العربية بعد حرب 1948 عن «معاناتهم وممتلكاتهم المسروقة»، وإدراج هذه التعويضات، باعتبارها جزءًا لا يتجزأ، في أي اتفاق سلامٍ مع الفلسطينيين والعرب -وهو ما يحدث الآن بالفعل- وقال بوضوح: «لا يمكن التوصل إلى حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين ما دامت الدول العربية لم تحقق العدالة للاجئين اليهود».

في ذلك العام، وبمناسبة مرور 40 عامًا على حرب يونيو (حزيران) 1967، أصدر الأرشيف الإسرائيلي في القدس عشرات الملفات المُصَنَّفة المتعلقة بهذا الحدث التاريخي، تناول معظمها وقائع الحرب والأحداث التي أدت إلى نشوبها، بيدَ أن بعضها الآخر تناول ما وصفه الباحث الإسرائيلي بـ«المأزق الذي كانت تعيشه المجتمعات اليهودية في الدول العربية أثناء الحرب وبعدها».

ولكي تؤتي تهمة المذابح والاضطهاد وسوء المعاملة، التي ألصقتها الوثائق الإسرائيلية بالحكومات العربية، ثمارها؛ كان لا بد وأن يُعَمِّم كوهين الاتهامات على «كل الأقطار العربية تقريبًا»، على اختلاف مستوى العنف الذي يُلقِمه لكل دولة، فيقول: «إن السلطات في تونس والمغرب ولبنان، على سبيل المثال، قامت بحماية اليهود من الغوغاء الهائجين، بينما في سوريا واليمن كانت هناك هجمات فردية على اليهود، فيما وقعت أقسى حالات الاضطهاد في ليبيا ومصر والعراق».

من الخفاء إلى العلن.. جهود إسرائيل لدعم تعويضات «الطابور الخامس»

في العلن، امتنعت إسرائيل عن اتخاذ أي إجراء مباشر لصالح اليهود في ذلك الوقت المبكر من تأسيسها؛ في محاولةٍ منها لعدم إثبات التهمة التي لاحقت المجتمعات اليهودية باعتبارها «طابورًا خامسًا يخدم مصالح الدولة اليهودية». لكن في الخفاء، كثَّفت وزارة الخارجية الإسرائيلية جهودها نيابة عن هذه المجتمعات اليهودية- بحسب كوهين- من خلال سفاراتها في واشنطن ولندن وباريس وروما وجنيف وبروكسل وأنقرة ولشبونة. وجُنِّدَ المؤتمر اليهودي الأمريكي (The American Jewish Congress) واللجنة اليهودية الأمريكية (American Jewish Committee) والمجتمعات اليهودية في الغرب، لحشد التجمعات الاحتجاجية وبث الدعاية الإعلامية حول المأزق اليهودي في الدول العربية.

وخلال سبعينيات القرن الماضي، تزعَّم عضو الكنيست السابق موردخاي بن بورات وغيره من النواب الإسرائيليين إثارة قضية اللاجئين اليهود في الشرق الأوسط، وتُوِّجَت جهودهم بتدشين أول منظمة تدافع عن هذه القضية، هي: «المنظمة العالمية لليهود المنحدرين من البلدان العربية (WOJAC)». ثم في مرحلة لاحقة تأسست منظمة «العدالة من أجل اليهود المنحدرين من البلدان العربية (JJAC)» بحسب الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الإسرائيلية.

بناء على هذه الجهود التي استمرت لعقودٍ، بهدف ترسيخ فكرة «التعويض»، أصبح بإمكان كوهين وأمثاله اليوم أن يقولوا بملء أفواههم إن إسرائيل «بوصفها دولة للشعب اليهودي، يقع على عاتقها واجب أخلاقي أسمى، ناهيك عن الحق الراسخ في القانون الدولي، بمطالبة الدول العربية ب‍تعويض مواطنيها اليهود السابقين عن الأصول والأراضي التي استولت عليها بطريقة غير قانونية على نحوٍ غير مبرر».

هكذا تعزف الجوقة الإسرائيلية «لطميَّة المظلومية اليهودية»

هذا المطلب ليس تغريدًا فرديًا خارج السرب، بل هو عزفٌ منضبط ضمن جوقةٍ إسرائيلية ترتل أهازيج «المظلومية اليهودية»؛ فما كتبه كوهين في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، سبق وأن كرره قبلها بأشهر قلائل، في 15 مايو (أيار) 2017 في أروقة مركز «بيجن-السادات» ذاته، قائلًا: «لا يمكن التوصل إلى حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين ما دامت الدول العربية لم تحقق العدالة للاجئين اليهود».

ولم يكن هذا التكرار مصادفة، بل نشر الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الإسرائيلية مقالات متعددة قبل هذا التاريخ وبعده، يذهب فيها السفير السابق تسفي جباي -وغيره من الإسرائيليين- إلى الزعم بأن «حجم الكارثة الإنسانية ليهود الدول العربية كانت أكبر من حجم الكارثة الفلسطينية»، ويصف ما حدث لليهود في الدول العربية بأنه «تطهير عرقي»؛ وهو ما يتطلب برأيه ليس فقط تعويض اليهود، بل يستلزم أيضًا «توطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن سكناهم الحالية، مثلما جرى توطين اليهود القادمين من الدول العربية في إسرائيل».

كتب

منذ سنة واحدة
«هذه البلاد التي تشبهك».. مصر عام 48 كما يصوّرها كاتب يهودي في روايته
2149
إيثار جمال

وهذه المطالبات كلها ليست سوى صدى لاختيار الكنيست الإسرائيلي يوم 30 من نوفمبر (تشرين الثاني) سنويًا لإحياء ذكرى «مغادرة وطرد اليهود من الدول العربية»، وإلحاح أعضاء الكنيست منذ سنوات لإدراج هذه ال‍تعويضات على طاولة محادثات السلام، ومطالبة عضو الكنيست أمنون كوهين الوزير أورى أورباخ بإعداد تقرير حول قيمة الممتلكات اليهودية محل النزاع لاستخدامه فى المحادثات، وجمع المعلومات التي حصلت عليها وزارتي العدل والخارجية حول هذه المسألة.

تُوِّجت هذه الجهود في 10 فبراير (شباط) عام 2010 بإصدار الكنيست الإسرائيلي «قانون الحفاظ على حق تعويض اللاجئين اليهود من الدول العربية وإيران»، الذي يُلزِم قادة إسرائيل بضمان شمول أي مفاوضات سلمية في الشرق الأوسط لمسألة تعويض اللاجئين اليهود أيضًا. بموازاة ذلك، أنشأت إسرائيل «الصندوق القومي لتعويض اليهود» ضمن أنشطة وزارة شؤون المتقاعدين، التي أنيطت بها مهمة تقديم المشورة للحكومة ولرئيس الوزراء في قضية التعويض.

هكذا رسخت أمريكا وضع «اللاجئين اليهود» ضد «اللاجئين الفلسطينيين»

هذا التصوُّر كان يدعمه الأمريكيون حتى قبل أن يفكر ترامب في الترشح لانتخابات الرئاسة، إذ سبق وأن أعلن الرئيس كلينتون خلال محادثات السلام في كامب ديفيد عام 2000 أنه في حال التوصل إلى اتفاق، سيتم إنشاء صندوق دولي لتعويض اللاجئين العرب واللاجئين اليهود من الدول العربية على حد سواء.

وتبنى مجلس النواب الأمريكي اقتراح كلينتون في أبريل (نيسان) من عام 2008، ضمن قرار يقضي بوجوب الاعتراف باللاجئين اليهود بوصفهم لاجئين بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي وجوب إنشاء صندوق دولي لتعويض اللاجئين اليهود والفلسطينيين عن فقدان ممتلكاتهم. وقضى هذا القرار الأمريكي، الذي عرف بـ«قرار مجلس النواب رقم 185» بعدم حل قضية لاجئين واحدة دون حل مشكلة اللاجئين الثانية في الوقت نفسه.

وصرح المبعوث الأمريكى الخاص للمفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، السفير مارتن إنديك، في عام 2014، بأحقية اليهود في الحصول على تعويضات، وضمَّن وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري بندًا يدعو لتعويض اليهود الذين هاجروا من الدول العربية في مشروعه للتسوية مع الفلسطينيين، وهي الخطوة التي اعتبرها تسفي جباي «عادلة»، وطالب بتبني المقترح الذي قدمه الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون بإقامة صندوق دولي لتعويض اللاجئين الفلسطينيين واليهود، مع إبقائهم في المناطق التي يتواجدون فيها حاليًّا.

كيف يخطط الأمريكيون والإسرائيليون لـ«نهب» التعويضات من العرب؟

تصل التقديرات الإسرائيلية لقيمة الممتلكات اليهودية التي يُتَّهَم العرب بـ«نهبها» في عام 1948 إلى نحو 400 مليار دولار، بحسب كوهين، وإن كانت الحكومة الإسرائيلية نفسها تتحدث عن 250 أو حتى 150 مليار دولار فقط. وحتى يصبح بالإمكان «حلب» هذا المبلغ من خزائن العرب، كان لا بد من توثيق «المظلومية اليهودية» تارة بلغة الأرقام وأخرى بلغة العواطف، على النحو السالف ذكره، وبالتفصيل الآتي بيانه.

الدول التي تضعها وزيرة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية، جيلا جمليئيل، في بؤرة الاستهداف هي: ليبيا وتونس والمغرب والعراق وسوريا ومصر واليمن وإيران. بل إن منظمة «العدالة لليهود من الدول العربية» Justice for Jews from Arab) (Countries تزيد عدد الدول المستهدفة إلى 10، وأبرز هذه الدول هي:

1. تونس

المبلغ التي تطمح إسرائيل إلى استنزافه من خزائن تونس يصل إلى 35 مليار دولار، بحسب تقرير نشرته صحيفة «جيروزاليم بوست» في الخامس من يناير (كانون الثاني) 2019.

2. إيران

تحظى إيران بمرتبة متقدمة في قائمة الدول التي تطالبها إسرائيل بدفع تعويضات لليهود، بقيمة 31.3 مليار دولار، وهو مبلغ يقارب الميزانية السنوية للجمهورية الإسلامية. وتقول صحيفة «جيروزاليم بوست» إن إيران كانت موطنًا لأكثر من 100 ألف يهودي قبل عام 1948، ولكن في عام 2018 لم يعد يوجد منهم سوى أقل من 10 آلاف.

3. ليبيا
تحل ليبيا في المرتبة الثالثة بتعويضات قيمتها 15 مليار دولار (ميزانية 2020 تقل عن 34 مليار دولار). وإذا كان هناك حوالي 4 آلاف يهودي في ليبيا وقت الحرب، فلماذا لا ينالهم من التعويضات جانب؟ والأرشيف الإسرائيلي جاهز بالوثائق التي تنص على أنه «في يونيو (حزيران) 1967، نُظمت مظاهرات عنيفة معادية لليهود في طرابلس وبنغازي، مما أسفر عن مقتل 18 شخصًا إلى جانب عشرات الجرحى. ونُهبت المتاجر اليهودية وحُرقت، وطال التدمير المعابد والمساكن اليهودية. والتزمت العديد من الأسر منازلها حتى بدأ طعامها ينفد».

كذلك تشير ملفات الأرشيف الإسرائيلي إلى أن «المذابح نُفِّذت بناءً على أوامر من الحكومة التي أرادت وضع حد للوجود اليهودي في ليبيا، بعد اتهامه بالخيانة ودعم الكيان الصهيوني». بالإضافة إلى «تعرض العديد من اليهود للتهديد عبر الهاتف، ووضع حوالي 100 يهودي في معسكرات الاعتقال، بحجة ضمان سلامتهم، قبل أن تتدخل الحكومة الإيطالية للمساعدة في إنقاذهم، ولم يجد الناجون ملجأ سوى الفرار إلى إيطاليا جوًا بحقيبة سفر وقدر ضئيل من المال. وعلى الرغم من وعدها السري للسلطات الليبية، طلبت الحكومة الإيطالية من إسرائيل المساعدة في استيعاب هؤلاء اللاجئين».

وهكذا جاء الكثير منهم للعيش في إسرائيل. وفي النهاية لم يتبق سوى 100 يهودي في ليبيا، هاجروا في السنوات اللاحقة. وصودرت جميع الممتلكات اليهودية في ليبيا، ولم تعد منذ ذلك الحين إلى أصحابها الشرعيين، على حد وصف الإسرائيليين.

4. اليمن

تأتي اليمن في المرتبة الرابعة، بتعويضات يطالب بها اليهود قدرها 2.6 مليار دولار، وهو مبلغ يفوق إجمالي إيرادات الدولة في عام 2018 (2.22 مليار دولار). وتدين عدن (التي كانت في وقت ما منفصلة عن بقية اليمن) لليهود بقيمته 700 مليون دولار، بزعم الحكومة الإسرائيلية.

اليهود الإمارات

5. سوريا 

أما سوريا فيطمح اليهود إلى جني 1.4 مليار دولار من خزائنها (ميزانية 2020 تبلغ 9 مليار دولار).

6. العراق

وحتى يستوجب العراق المثقل بالجراحات عقوبة «التعويضات»؛ يوجه إليه الأرشيف الإسرائيلي تهمة «نهب» ممتلكات الجالية اليهودية التي كان يبلغ عددها بحلول يونيو (حزيران) 1967 حوالي 3 آلاف شخص، معظمهم في بغداد والبصرة. ويقول: «فور اندلاع القتال، قُبض على حوالي 70 يهوديًا، ولم يطلق سراحهم إلا عقب عدة أشهر بعد أن دفعت عائلاتهم رشاوى ضخمة للسلطات وكبار المسؤولين.

وإلى جانب الاعتقالات، غرست السلطات الخوف والقلق في قلب المجتمع اليهودي؛ فمنعت اليهود من بيع ممتلكاتهم، أو العمل بالتجارة، وأوقفت هواتفهم المنزلية، وقيدت حركتهم بغداد. واختار العديد من اليهود حبس أنفسهم في منازلهم خوفًا من الهجمات العنيفة التي وقعت خلال شهر يونيو 1941، والتي ذبح فيها مئات اليهود على أيدي جيرانهم العرب الذين نهبوا ممتلكاتهم ودمروها (أحداث «الفرهود»، وتعني باللغة الدارجة: «النهب»، حسبما يذكر الباحث العراقي باقر ياسين في كتابه «تاريخ العنف الدموي في العراق»).

ويدخل الأرشيف الأمريكي على الخط، عازفًا على الوتر ذاته: «مع دخول العراق في الحرب ضد إسرائيل في عام 1948، زادت وتيرة إلقاء القبض على اليهود العراقيين واضطهادهم، في أيلول (سبتمبر) 1948، وأعدم أشهر يهودي في العراق بتهمة الخيانة. على الرغم من فقدانهم للجنسية والأصول، سارع اليهود العراقيون إلى الهجرة، مما أسفر عن فتح جسر جوي لإسرائيل عرف باسم عملية عزرا ونحميا. في عامي 1950 و1951، غادر العراق ما يقرب من 120 ألف يهودي، ولم يبق في البلاد سوى عدد قليل من اليهود ليواصلوا وجود الطائفة الذي استمر 2600 عام».

7. مصر

برغم كل ما يقال عن روح الوئام التي ترفرف على العلاقات بين البلدين، يضع مركز «بيجن-السادات» مصر على رأس الدول المستهدفة بالتعويضات المستحقة لما يقرب من 6 آلاف يهودي كانوا يعيشون هناك قبل حرب يونيو 1967.

وتقول الورقة البحثية: «في اليوم الأول من الحرب، عندما أفاق المصريون على تدمير القوات الجوية المصرية ومعظم المطارات، أمر الرئيس ناصر باعتقال 600 يهودي تتراوح أعمارهم بين 16 و70 سنة في القاهرة والإسكندرية، ومن بينهم كبير حاخامات الإسكندرية، حاييم دويك. وتعرض المعتقلون لسوء المعاملة، من الضرب بانتظام إلى الحرمان من الطعام والشراب، خاصة في الأيام الأولى من اعتقالهم. ثم أرسل المعتقلون إلى عدد من السجون، بما في ذلك سجن أبو زعبل سيئ السمعة، حيث عانوا من الإساءات المستمرة لمدة ثلاث سنوات تركت ندوبها النفسية عليهم حتى يومنا هذا».

تضيف الورقة أن هؤلاء المعتقلين اليهود «لم يطلق سراحهم إلا بعد تدخل عدد من الدول، ولا سيما إسبانيا وإيطاليا وفرنسا، شريطة أن يغادروا مصر مباشرة بعد خروجهم من السجن، بعد تحذيرهم من أنهم إذا تحدثوا عن المعاناة التي لقوها داخل السجن، فإن أفراد أسرهم الموجودين في مصر سيعرضون للأذى».

ويستشهد كوهين بـ«عوفاديا يروشالمي، من مواليد القاهرة، الذي كان من بين المعتقلين هؤلاء اليهود، وهو الآن متقاعد يعيش في إسرائيل، ونشر مؤخرًا كتابًا (باللغة العبرية) بعنوان «خمس دقائق طويلة The Long Five Minutes)  وكشف فيه للمرة الأولى، بعد 50 عامًا من الصمت، قصة يهود مصر من 1967 إلى 1970 داخل جدران السجن وفي خضم حملة الاعتقالات وممارسات الاضطهاد».

لكن حين أثير اقتراح في مطلع العقد الفائت بضرورة ربط المعونة الأمريكية بدفع مصر تعويضات لليهود، رفضه أسامة الباز، المستشار السياسي للرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك، وأكد أن مصر لم تتلق أي طلب من أي يهودي أُرغم على الخروج من البلاد وأراد العودة، وقال: «نحن نرحب باستقبال أي من هؤلاء الأشخاص؛ لأننا لا نزال نتمتع بعلاقات قوية معهم».

بين تعويضات «المحرقة النازية» و«اللاجئين اليهود».. ماذا تريد إسرائيل بالضبط؟

على عكس المطالب اليهودية بالتعويض عن «المحرقة النازية»، فإن مطالبات إسرائيل بالتعويض عن الممتلكات التي خلفها اليهود في العالم العربي لا تهدف فقط إلى تقديم تعويضات مالية فردية؛ بل إلى إيجاد ثقل موازن في مواجهة مطالبات اللاجئين الفلسطينيين بالتعويض وحق العودة، حسبما يخلص مقال كتبه الباحث مايكل ر. فيشباخ في «مجلة الدراسات الفلسطينية».

والحال هكذا، لا يضير ترامب أن ينصَّ في صفقته على أن «اللاجئين الفلسطينيين عانوا على مدار السبعين عامًا الماضية، وعوملوا كبيادق على رقعة الشطرنج الأوسع في الشرق الأوسط، ولم تُقَدَّم لهم ولا للدول التي تستضيفهم سوى وعود فارغة»، طالما أنه سيشدد في الفقرة ذاتها على أن اللاجئين اليهود يعانون من وضع مماثل، إذ «طردوا من الأراضي العربية بعد فترة وجيزة من قيام دولة إسرائيل، وتكبدوا معاناة مشابهة»، ما يتطلب «تطبيق حلِّ عادل لهؤلاء اللاجئين اليهود؛ من خلال آلية دولية مناسبة منفصلة عن اتفاقية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية».

ما يؤكد أن المسألة تتخطى مجرد حفنة أموال يمكن لإسرائيل أن تنتزعها من جيوب العرب،  هو قانون الاحتفال بذكرى الخروج والطرد لعام 2014 الذي يوجه وزير التربية والتعليم الإسرائيلي بـ«دعم الفعاليات التربوية المتعلقة بهذه الذكرى؛ تعظيما لتراث يهود الدول العربية»، فيما يوجه وزير الخارجية بإطلاق أنشطة وفعاليات من خلال السفارات والقنصليات ومكاتب التمثيل الإسرائيلية في الخارج؛ «لزيادة المجتمع الدولي وعيًا بالموضوع»، على أن تعمل وزيرة المساواة الاجتماعية على «تكريس تراث يهود الدول العربية وإيران، خلال المناسبات التي تقام سنويًا في القدس».

اجمالي القراءات 1271