الإيكونوميست»: هل يستطيع تبون أن يخلص الجزائر من قبضة الجنرالات؟

في الإثنين ٠٦ - يناير - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

جنرال يرحل ليحل مكانه جنرال آخر، فيما تكافح الحكومة مع نقص التمويل وغضب الشوارع.. فهل يمكن أن تأمل الجزائر في مستقبل أكثر إشراقًا؟

نشرت مجلة «الإيكونوميست» البريطانية تقريرًا حول تطورات الأوضاع في الجزائر؛ حيث تكافح الحكومة مع حالة سخط في الشوارع، وخزائن خاوية، فيما يخلف جنرال جنرالًا آخر على رأس الجيش الجزائري، دون أي رغبة من الجيش في العودة إلى ثكناته بحجة المؤامرة التي تحاك ضد استقرار البلاد.

وفي حين تسعى فيه الحكومة للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، يحذر المقال من تداعيات هذه الخطوة، نتيجة إلغاء الدعم الذي قد يفجر الاحتجاجات مرة أخرى.

يستهل التقرير بالقول إن الأمر بدا كما لو أن الجنرال المسن الذي كان يدير البلاد من وراء الكواليس خلال الأشهر الثمانية الماضية لم يمُت. فبعد أسبوع من نوبة قلبية أودت بحياة الجنرال قايد صالح في الثالث والعشرين من ديسمبر (كانون أول)، قام جنرال سبعيني آخر يرتدي زي الجيش الأخضر وقبعة مطرزة بإلقاء خطبة حماسية في قاعة مليئة بالجنرالات (الذين يرتدون ملابس متشابهة).

وقال الجنرال سعيد شنقريحة، القائد العسكري الجديد في البلاد، إن الجيش يجب أن يواجه «مؤامرة خطيرة تحاك ضد الاستقرار».

لم يشك أحد في أنه كان يشير إلى حركة الاحتجاج المعروفة باسم «الحراك» التي هزت الجزائر منذ فبراير (شباط) الماضي. ففي أبريل (نيسان)، أسقط الحراك طاغية البلاد، عبد العزيز بوتفليقة، بعد 20 عامًا في الحكم. وعلى الرغم من انتخاب عبد المجيد تبون رئيسًا مدنيًّا جديدًا في أوائل ديسمبر، فإن الجنرال الجديد الذي تولى المسؤولية قال: إن خطر الفوضى كبير للغاية بحيث يمنع الجيش من العودة إلى الثكنات.

حصلت الجزائر على بضعة أشهر من الحكم المدني بعد الاستقلال في عام 1962. لكن الجنرالات سيطروا منذ ذلك الحين، وقبضتهم على السلطة تتزايد قوة. وما بدأ احتجاجًا ضد السياسيين الفاسدين تحول إلى (غضب ضد) الجنرالات. ومئات الآلاف الذين عبروا عن ابتهاجهم عندما أزاح الجيش بوتفليقة المريض في أبريل يتظاهرون الآن كل يوم جمعة ضد أولئك الذين أطاحوه. إنهم يصرخون في كتيبة قوات مكافحة الشغب التي تواجههم ويدعون إلى مغادرة العصابة، أي كبار الضباط. وهم يهتفون بملء حناجرهم: «الجنرالات في القمامة». و«مدنية لا عسكرية».

ما مصير الحراك الجزائري بعد أن أصبح تبون رئيسًا؟

الجيش يسعى لامتصاص الغضب بسجن المسؤولين السابقين ورجال الأعمال 

يشير التقرير إلى أن الجنرالات حاولوا تهدئة المحتجين، من خلال سجن اثنين من رؤساء الوزراء السابقين، وعدد من كبار قادة الأمن، وعدد كبير من كبار رجال الأعمال. لكن قادة الحراك شجبوا تلك الإجراءات المتعجلة، بوصفها محاكمات صورية، واتهموا الجنرالات بتغيير مجموعة من المحاسيب وتنصيب مجموعة أخرى لا تختلف عنها.

 

 

في 12 ديسمبر (كانون الأول)، أشرف الجيش على انتخابات رئاسية لاختيار من يشغل موقع بوتفليقة. لكن المرشحين الخمسة كانوا جميعهم موظفين سابقين مسنين جرى اختيارهم. وكان الإقبال على التصويت في أدنى مستوياته على الإطلاق. وفي 28 ديسمبر، عين الرئيس تبون (74 عامًا) أستاذًا جامعيًّا ودبلوماسيًّا سابقًا هو: عبد العزيز جراد، رئيسًا للوزراء. والمعارضة حتى الآن موحدة على نحوٍ غير اعتيادي، إذ يسير البربر والإسلاميون والعلمانيون جميعًا في ركبٍ واحد.

ويتابع التقرير: المتاعب الاقتصادية تغذي غضبهم (المتظاهرين). إذ أهدر رجال بوتفليقة، الذين كان يقودهم أخوه سعيد، ثروة البلاد النفطية الهائلة. وفي السنوات الخمس الماضية، انخفضت احتياطيات النقد الأجنبي البالغة نحو 200 مليار دولار إلى 30 مليار دولار. وتولد صادرات النفط والغاز 95% من إيرادات البلاد من العملات الأجنبية، ولكنها بدأت تتراجع. وصادرات الغاز أصبحت أقل بنسبة 20% عن العام الماضي. وأقدمت الحكومة على الحد من الواردات، وخفضت الإنفاق على الأشغال العامة، بما في ذلك الإسكان، وهو قطاع مدعوم كان له دور حاسم في الحفاظ على هدوء الناس.

القرض الجديد وسحب الدعم قد يؤدي إلى غليان الشوارع مرة أخرى

أثار مسعى الجيش مؤخرًا لمكافحة الفساد غضب الكثير من رجال الأعمال. فالمطاعم الفاخرة في الجزائر مثل «لاتنترا»، حيث كان يتناول الوزراء وجباتهم مع كبار رجال الأعمال، تبدو خاوية. ولإبطاء هروب رؤوس الأموال، كثفت السلطات من عمليات تفتيش الأشخاص الذين يغادرون عن طريق المطار الرئيسي.

ويقال إن المفاوضات تجرى على قدم وساق للحصول على قرض محتمل من صندوق النقد الدولي. لكن الخفض الكبير في الإعانات والرفاهية التي من المؤكد أن الصندوق سيطلبها، قد تشعل موجة أخرى من الاضطرابات. وحول هذا الموضوع، يقول أحد الدبلوماسيين في العاصمة الجزائرية: «أتوقع مظاهرات عنيفة للغاية إذا ما تحركوا لخفض الدعم». والحكومات الأوروبية تخشى زيادة أخرى في المهاجرين غير الشرعيين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط، حسبما يلفت المقال.

وإذا أراد تبون البقاء بدون دعم الجيش له، فإنه يحتاج إلى دعم شعبي. ولتحقيق ذلك، تقترح «الإيكونوميست» أن يطلق قادة الحراك من السجن، ويطلب منهم مساعدته في تمهيد الطريق نحو ديمقراطية حقيقية. ويمكنه تحويل النظام الرئاسي إلى نظام برلماني، وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، ونقل السلطة إلى المناطق، لا سيما منطقة القبائل، حيث يغلب السكان البربر. وقد يجد تبون العديد من المتظاهرين مطيعين؛ فبعد تنظيم مسيرات لعدة أسابيع، يشعرون بالتعب والخوف من الانقسام الحاد الذي لا ينتهي.

الجيش لديه كتائب من البلطجية المأجورين

هل سيسمح له الجيش بذلك؟ تجيب المجلة: منذ الاستقلال، أحبط الجيش التحركات نحو الديمقراطية. ففي عام 1991، ألغى انتخابات حرة بعد فوز الإسلاميين في الجولة الأولى، مما أدى إلى اندلاع حرب أهلية قتل فيها نحو 200 ألف شخص. وما يزال الجيش، الذي يعد أكبر مشتر للأسلحة في أفريقيا، قويًّا للغاية، لكنه يحتاج أعداء. لذلك يتهم الحراك بتهديد الوحدة الوطنية، وهو يندد بحشد القوات الأجنبية، خاصة المصرية، في ليبيا إلى الشرق. وفي المحافظات، ينشر الجيش البلطجية المستأجرين،  المسلحين بالعصي والحجارة، لتفريق المحتجين من الساحات.

ولا غروَ، فكبار ضباط الجيش هم من تلاميذ الراحل الجنرال صالح. لكن الضباط الأصغر سنًّا ربما يكونون أقل حرصًا على ممارسة السياسة. وقاوم الجنرالات حتى الآن إغراء إطلاق النار على المحتجين. والجنرال شنقريحة هو أول قائد في الجزائر لم يكن «مجاهدًا»، أي من أولئك الذين شاركوا في حرب التحرير ضد الاستعمار. وإعادة الجيش إلى الثكنات سيكون بمثابة انتصار من نوع جديد، وهو الانتصار الذي يحتاجه الجزائريون بشدة.

اجمالي القراءات 916