تعرَّف على «المجاهدين» الذين طالبهم مقتدى الصدر بالجاهزية الكاملة بعد اغتيال سليماني

في الجمعة ٠٣ - يناير - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

اشتعلت الأحداث بعد إعلان اغتيال القيادي العسكري الإيراني الأبرز «قاسم سليماني»، وسيترك اغتياله أثراً في عدّة ملفّات في المنطقة. ففي أول ردود الأفعال على اغتياله، خرج الزعيم الشيعي العراقي الأبرز «مقتدى الصدر» بنعيه لسليماني، مطالباً «المجاهدين» بالجاهزيّة الكاملة، قائلاً:

«إنني كمسؤول عن المقاومة العراقية الوطنية، أعطي أمراً بجهوزية المجاهدين، لاسيما جيش الإمام المهدي، ولواء اليوم الموعود، ومن يأتمر بأمرنا من الفصائل الوطنية المنضبطة، لنكون على استعداد تام لحماية العراق». فما هي هذه الألوية والميليشيات التابعة له، والتي يطالبها بالجهوزية الكاملة.

ميليشيا جيش المهدي.. القوّة الضاربة للصدر التي أرغم على تجميد نشاطاتها

يعتقد الشيعة أنَّ الإمام الثاني عشر الذي اختفى وعمره 5 سنوات سيعود في يومٍ من الأيّام ليسير بالعدل بين الناس وينشر الحقّ، ومن هنا استوحى مقتدى الصدر هذه الفرضيّة الشيعيّة ليؤسس جيشه الذي قال في إحدى خطبه عنه أنّه سيكون أحد مكوّنات جيش الإمام المهدي حين يعود من غيبته الطويلة.

مقتدى الصدر - ميليشيا جيش المهدي
قوات تابعة للصدر

تأسّس جيش المهدي عام 2003، بعد شهورٍ قليلة من دخول القوات الأمريكية وقوات التحالف بغداد، وقد اعتبر الحاكم الأمريكي للعراق وقتها بول بريمر مقتدى الصدر خارجاً عن القانون.

في عام 2004، وبعدما قُتل 8 جنود أمريكيين و22 مسلحاً عراقياً في اشتباكاتٍ عنيفة ببغداد والنجف، بدأت معارك ميليشيا جيش المهدي ضد الوجود الأمريكي تزداد شراسة، وأيضاً ازدادت ضدّ السنّة فيما عُرف بـ «الحرب الأهلية العراقية بين عامي 2006-2008.

تسبَّبت هذه المعارك لاحقاً في تجميد نشاطات الميليشيا. وقد اندلعت الاشتباكات بين الميليشيا وبين القوات الأمريكية، بعدما أغلقت القوات الأمريكية في العراق جريدة «الحوزة» التابعة للصدر، والتي كانت تنشر محتوى مناهضاً للوجود الأمريكي في العراق. وفي خطبة الجمعة اللاحقة لأحداث 2004، خرج الصدر ودعا أتباعه لحمل السلاح ومحاربة الوجود الأمريكي في العراق. 

استمرَّ صراع ميليشيا جيش المهدي مع الفرقاء السياسيين والعسكريين في العراق، كما وجِّهت له اتهاماتٌ عديدة منها ممارسة التطهير الطائفيّ ضد سنة العراق، حتّى وقع ما لم يكن في الحسبان عام 2008، عندما شنّت القوات العراقيّة بدعمٍ من قوات التحالف الدولي عمليةً سمّيت «صولة الفرسان»، في الأجزاء الجنوبية من العراق، استهدفت جيش المهدي بالأساس، بالإضافة إلى بعض الميليشيات الأخرى.

كان الغرض الأساسي من هذه العملية هو استهداف قيادات ومعاقل جيش المهدي التابعة للصدر. وجد الصدر نفسَه وحيداً أمام القوات العراقية والأمريكية، ومرغماً أيضاً على حلِّ ميليشيا جيش المهدي وإلا دخل في صراعٍ مفتوح مع القوات العراقية النظامية، وهو ما سيؤثر على شعبيته وشعبية ميليشيته كذلك، فاختار أن يجمّد نشاطات الميليشيا حتّى إشعارٍ آخر، وطلب من أتباعه استقبال القوات العراقية بالورود والمصاحف. وقد سلّمت ميليشيا جيش المهدي الكثير من عتادها وسلاحها، واعتزل الصدر العملية السياسية مرتحلاً إلى الحوزة العلمية في «قمّ» بإيران كمنفى اختياري.

ميليشيا لواء اليوم الموعود.. هل تخلّص مقتدى الصدر حقاً من ميليشيا جيش المهدي؟!

لم يمرّ أكثر من نصف عام على تجميد نشاطات جيش المهدي، حتّى أعلن الصدر تأسيس ميليشيا أخرى هي ميليشيا لواء اليوم الموعود!

وبدا أنّ الصدر قد تعلّم الدرس جيداً، فميليشيا جيش المهدي قد دخلت في مشكلات وصراعات داخليّة ربما لم تعد عليه ولا على تياره بأيّ نفع، ولم تحقق له أهدافه، ومن هنا كانت أهداف ميليشيته الجديدة واضحة المعالم وبعيدة كل البعد عن التورُّط في قتل أو إصابة مدنيين، فهو يعمل بعيداً عن تعريض المدنيين للخطر. ومن هنا لم يدخل الصدر كثيراً في الصراعات الداخلية ولا في الصراع الصفريّ مع الوجود الأمريكي في العراق.

مقتدى الصدر - ميليشيا لواء اليوم الموعود
الصدر

في عام 2011 أعلن الصدر أنّه لن يستهدف القوات الأمريكية، باعتبار أنّها أعلنت عن نيتها في الخروج من العراق، ومن هنا انخرط الصدر أكثر وأكثر في العملية السياسية داخل العراق. وكان الصدر قد اعتزل السياسة بعدما جمّد نشاطات جيش المهدي، وعاد للسياسة في 2011، ودخلت كتلته البرلمان وساهمت في تشكيل حكومة نوري المالكي حينها. ومنذ ذلك الوقت ويعتبر الصدر هو أهم زعيم شيعي عراقي في البلاد.

ميليشيا سرايا السلام.. الميليشيا الأخيرة في يد الصدر

بعدما عاد الصدر من منفاه الاختياريّ في الحوزة العلمية بقمّ في إيران، وانخرط أكثر في السياسة العراقيّة، ظهرت مشكلةٌ عسكرية- سياسية أكبر هي: داعش، فقد تمكَّن التنظيم من بسط سيطرته الكاملة على محافظة نينوى، ومن هنا أسَّس الصدر ميليشيا أخرى هي «سرايا السلام»، التي كانت مهمّتها أكثر وضوحاً من سابقتيها: الدفاع عن المراقد والمساجد والحسينيات والكنائس، بالتنسيق مع الجهات الحكومية. رفض الصدر وفق تصريحاته حينها «خوض حرب عصابات وميليشيات قذرة، لا تُميِّز بين الإرهابي والخائف».

في عام 2014 ظهرت أنباء عن تعرُّض مرقدي الإمامين الهادي والعسكري  لقذائف هاون، فتحرّكت قوات ميليشيا سرايا السلام إلى محافظة سامراء، حيث المرقدان المقدسان لدى الشيعة، وحررتها من داعش بعد معارك طاحنة، كما حرّرت منطقة جرف الصخر منها أيضاً، ومن المواقف التي تُحسب لهذه السرايا أنّها سلّمت الأراضي المحرّرة من داعش للقوات العراقية النظامية، ما جعل الصدر يؤكد شعبياً وسياسياً صورته باعتباره الحامي للمقدسات الإسلامية الشيعية والسنية معاً، وهي الصورة التي كانت مغايرة قبل ذلك عندما ارتبطت صورته ببعض الجرائم التي ارتكبتها ميليشيا جيش المهدي في الحرب الأهلية العراقية 2006- 2008.

ومع هذه الانتصارات على داعش التي حققتها سرايا السلام، فقد أوقف الصدر نشاطاتها عام 2015 هي وميليشيا لواء اليوم الموعود، كبادرة حسن نية من ناحيته تجاه شركائه في العملية السياسية في العراق.

صباح اليوم طالب الصدر «المجاهدين، خصوصاً جيش المهدي ولواء اليوم الموعود» بالجهوزيّة الكاملة، وقد مَهر بيانه بلفظ «المجاهد: مقتدى الصدر». وتأتي رمزيّة ميليشيا جيش المهدي وميليشيا لواء اليوم الموعود باعتبارهما التنظيمين اللذين حاربا الوجود الأمريكي في العراق، وجاء هذا الاستنفار من قبل الصدر وسط تصريحاتٍ إيرانيّة بأنّ اغتيال سليماني ستكون نتيجته الخروج الأمريكي من العراق نهائياً، فهل ينضمّ الصدر للهدف الإيراني الذي يبدو أنّه بات يتشكّل واضحاً بطرد القوات الأمريكيّة من العراق؟ الأيّام كفيلة بالإجابة.

اجمالي القراءات 1803