في سابقة تاريخية.. الجزائريون لا يستطيعون التكهن برئيسهم التاسع؟

في الثلاثاء ٠٣ - ديسمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

تعاقب على حكم الجزائر منذ الاستقلال ثمانية رؤساء، تباينت ظروف وصولهم إلى السلطة بين الاستفتاء الأحادي والاقتراع التنافسي المفتوح وحتّى التعيين والانقلاب.

وفي كل تلك المحطات كان الرئيس معروفا لدى عموم الجزائريين حتى قبل تقلّده المسؤولية رسميا، حيث جرى التصويت بنعم أو لا على ثلاثة منهم، هم أحمد بن بلة الذي تسلم السلطة يوم 15 سبتمبر/أيلول 1963 بنسبة 99.6% من الأصوات، قبل أن يطيح به رفيقه وزير الدفاع هوري بومدين يوم 19 يونيو/حزيران 1965.

وعرض الأخير نفسه لاستفتاء شعبي يوم 10 ديسمبر/كانون الأول 1976، نال فيه 99.5%. ثم خلفه الشاذلي بن جديد الذي انتُخب ثلاث مرات متوالية بين عامي 1980 و1988 في سباق أحادي قبل التعددية الحزبية التي أقرها دستور 23 فبراير/شباط 1989.

وعقب استقالته "الغامضة" في يناير/كانون الثاني 1992، كلف المجلس الأعلى للأمن المجاهد محمد بوضياف برئاسة المجلس الأعلى للدولة، قبل اغتياله وتعويضه بعلي كافي إلى غاية يناير/كانون الثاني 1994.

وفي نفس التاريخ، اختارت "ندوة الوفاق الوطني" وزير الدفاع الجنرال ليامين زروال رئيسا انتقاليا للدولة، قبل انتخابه رئيسا للجمهورية يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1995 بنسبة 61%، في مواجهة ثلاثة مرشحين عن المعارضة.

لم يكمل زروال عهدته الأولى، ليخلفه عبد العزيز بوتفليقة في ربيع العام 1999، إثر انسحاب سبعة مرشحين من سباق كسب فيه بنسبة 73.79% من الأصوات، ونجح بعدها في ثلاثة استحقاقات رئاسية، آخرها في أبريل/نيسان 2014.

وقدّم الوالي السابق بشير فريك شهادات حيّة عن تلك الفترة في كتابه "التجربة الديمقراطية في الجزائر.. الثمن الباهظ والمآل الغامض"، كشف من خلالها أن نتائج الانتخابات كلها كانت تُرتب بتعليمات من وزارة الداخلية ومصالح الأمن للمسؤولين في مختلف المستويات.


قصر المرادية في العاصمة.. من سيدخله؟ (الجزيرة نت)
قصر المرادية في العاصمة.. من سيدخله؟ (الجزيرة نت)

في علم الغيب
اليوم، يستعد الجزائريون لاستحقاق جديد في سياق مغاير تمامًا شهد انطلاق حراك شعبي تاريخي، جعل المراقبين والسياسيين -ناهيك عن عموم المواطنين- عاجزين لأول مرة عن التنبؤ بهوية الرئيس المقبل للبلاد، في منافسة تبدو حتى الآن مفتوحة على كل الاحتمالات وبحظوظ متكافئة بين الجميع. وعلى ضوء ذلك، يتوقع الكثيرون حتميّة المرور نحو دور ثان لحسم الاستحقاق.

ورصدت الجزيرة نت تكهنات جزائريين من فئات مختلفة حول اسم الرئيس التاسع لبلادهم، فكشفت ردودهم كلها أنه لا يزال في "علم الغيب".

وقال الأستاذ الجامعي سعد صدارة إن الرئاسيات ستكون على الأرجح مفتوحة، ودليله هو التزام قيادة الجيش بالنزاهة، في وجود سلطة مستقلة للانتخابات كاملة الصلاحيات، تعمل وفق نظام إلكتروني مانع للتزوير، وأدرج عدم دعم أحزاب السلطة البارزة لأي مرشح ضمن مؤشرات التكافؤ.

وشاطره الرأي الصحفي جمال صغير بالقول إنّ الحظوظ متقاربة والرئيس القادم مجهول "لاستحالة التزوير إداريا، وعدم بروز مرشح واضح للجيش إعلاميّا، وكل ما هو متداول من إشاعات تبقى في مواقع التواصل فقط".

غير أن أيوب مشنن (من شباب الحراك) يعتقد أن "الرئيس القادم محسوم داخل دواليب السلطة، حتى لو لم تظهر ملامحه في المشهد الفلكلوري".

ويعتبر أيوب أن "مسار الشخصيات الخمس المترشحة وعدم مغامرة السلطة بإقحام وجوه جديدة للتنافس، أكبر دليل على هذه الحقيقة".


عبد المجيد مناصرة: السلطة تتحكم في قواعد المنافسة ولن تُباغَت برئيس لم تحدده مسبقا (الجزيرة نت)
عبد المجيد مناصرة: السلطة تتحكم في قواعد المنافسة ولن تُباغَت برئيس لم تحدده مسبقا (الجزيرة نت)

تكافؤ الفرص
بدوره، قال البرلماني السابق فاتح قرد إنّ مجريات الحملة الانتخابية تؤكد تكافؤ الفرص بين المترشحين، سواء في تعامل الإعلام، أو في حرص السلطة المستقلة على إلزامهم هم ووسائل الإعلام بميثاق للأخلاقيات، ناهيك عن مراقبة مصادر التمويل.

واعتبر فاتح في تصريح للجزيرة نت أن حبس رجل أعمال مؤخرا على خلفية تورطه في قضايا فساد، وهو مقرب من متسابق يشاع أنه مرشح النظام، نسف كل الادعاءات، وزاد من فتح العملية الانتخابية ومآلاتها على كل السيناريوهات الممكنة، بما فيها الذهاب إلى جولة ثانية غير مسبوقة في انتخابات الرئاسة بالجزائر.

ويعتقد البرلماني السابق أنه كلما كانت المشاركة قوية زاد احتمال المرور إلى جولة ثانية، وإذا حدث ذلك فإن الثقة ستزيد في العملية الانتخابية، مما يجعل الكثير من أطراف الحراك أو حتى بعض الأحزاب السياسية المترددة تُراجع موقفها وتلقي بثقلها للتأثير في النتيجة النهائية، وهو ما سيفتح الاستحقاق ويجعله أكثر مصداقية، على حد تعبيره.


فاتح قرد: مجريات الحملة الانتخابية تؤكد تكافؤ الفرص بين المترشحين (الجزيرة نت) 
فاتح قرد: مجريات الحملة الانتخابية تؤكد تكافؤ الفرص بين المترشحين (الجزيرة نت) 

صفر مخاطر
من جهة أخرى أقرّ رئيس المشروع الجزائري للأبحاث وتحليل السياسات عبد المجيد مناصرة بصعوبة التحديد المسبق للرئيس المقبل، لأن مجال المفاجأة يكاد يكون منعدما بالنظر إلى قائمة المرشحين.

غير أنه عقب بالقول إن "هذا الوضع يجعل السلطة مرتاحة، لأنها تتحكم في قواعد المنافسة، ولن تُباغَت برئيس لم تحدده مسبقا، مهما كان الفائز".

واعتبر مناصرة أن "مجال التزوير بالآليات والأساليب السابقة قد لا يتكرر، مما يجعلها واقعيًّا انتخابات بلا مخاطر"، مشدّدا على أن "الأمور ستتضح أكثر قبيل الموعد بأيام قليلة، وسيكون لذلك أيضا تأثير على نسبة المشاركة".وأوضح في حديث للجزيرة نت أن للنظام الجزائري "قواعد ثابتة هي نفسها من ستحدد الرئيس الممكن، وليس كل المرشحين الخمسة تنطبق عليهم هذه القواعد والثوابت".

وأضاف مناصرة أن التغيير لحد الآن يمس فقط الأشكال والآليات والمظاهر، ولكي يصل إلى الجوهر والعمق يجب أن "يتجه إلى تأسيس نموذج دولة جديد يقوم على الشرعية الشعبية الدستورية"، وهذا يحتاج -بحسبه- "إلى أن تكون العهدة القادمة انتقالية بأتم معنى الكلمة، وتأسيسية بأبلغ معانيها، وتوافقية بأوسع مدلولاتها، في كنف الشرعية الممكنة الآن، وفقا للمخرج الدستوري الانتخابي".

اجمالي القراءات 462