الكل يعرف القاتل لكن لا أحد يجرؤ على كشفه».. بالتعذيب والاغتيال، هكذا تتم تصفية المعارضين العراقيين

في السبت ٣٠ - نوفمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

بعد أن داهم مسلحون بيت حسين عادل المدني وزوجته سارة طالب، العام الماضي، قضى الناشطان العراقيان شهوراً في منفى اختياري في تركيا، ثم غيرا عنوان إقامتهما عندما عادا إلى الوطن، وامتنعا عن المشاركة في الاحتجاجات، هذا ما رواه اثنان من أصدقاء الزوجين لوكالة رويترز.

غير أن الصديقين ومصدرين أمنيين مطلعين قالوا إن مسلحين مجهولين يعتقد أنهم من يعملون لحساب ميليشيا تدعمها إيران، قتلوا الزوجين رمياً بالرصاص في بيتهما بمدينة البصرة الجنوبية، بعد يوم واحد من تفجر المظاهرات المناهضة للحكومة في بغداد، في أكتوبر/تشرين الأول. وكانت سارة حاملاً مضى على حملها عدة أشهر.

«لا يهم من أنت»

قال أحد الصديقين متخذاً اسماً مستعاراً «هو عباس» خوفاً من انتقام الجماعات المسلحة منه: «كانت رسالة. لا يهم من أنت أو إلى أي مدى تعترض سلمياً… فإذا خرجت وشاركت في المظاهرات ستلقى التهديد أو الحبس أو القتل».

ترسم مقابلات أجرتها رويترز مع 5 مسؤولين وأكثر من 6 من الناشطين الحقوقيين العراقيين صورةً لنمط من الاعتقالات الجماعية والترهيب والتعذيب، بل والاغتيال في بعض الحالات للمحتجين العراقيين.

ويوم الجمعة، أعلن عادل عبدالمهدي، رئيس الوزراء العراقي، استقالته في أعقاب أسابيع من الاحتجاجات المطالبة برحيل الحكومة، التي يعتبرها المحتجون فاسدة، وكذلك الفصائل شبه العسكرية الداعمة لها، التي تدعمها إيران. ويقول العراقيون إن الاستقالة وحدها لن تحدّ من نفوذ المسؤولين الفاسدين أو الفصائل المسلحة.

وقال ناشطون ومسؤول حكومي إن ستة ناشطين على الأقل قُتلوا بالرصاص في بيوتهم أو بالقرب منها، خلال العام الأخير، فيما يبدو أنها اغتيالات محددة الأهداف.

قوى مدعومة من إيران وراء الاغتيالات

وقال المسؤول والناشطون إنهم يعتقدون أن فصيلاً مدعوماً من إيران وراء حوادث القتل، لأن القتلى وجَّهوا انتقادات صريحةً للفصائل، وتلقّوا أيضاً تهديدات استناداً إلى نشاطهم المناهض للحكومة والمعادي لإيران.

ولم يسبق نشر شيء عن عدد القتلى أو تفاصيل أساليب الترهيب المستخدمة في تلك الحملة. ويقول عدد من الناشطين إنها ترقى إلى ما يعتبرونه حملة الهدف منها هو إسكات المعارضين، تدفعهم إما إلى التخلي عن المشاركة في الاحتجاجات أو التفكير في الهرب إلى الخارج.

من جانبه، قال مسؤول إيراني تحدث مشترطاً عدم الكشف عن هويته لرويترز، إن اتهامات ارتكاب فصائل تحظى بدعم إيران لعمليات قتل وتهديد «لا أساس لها».

ولم يتسن الاتصال بأحمد الأسدي، المتحدث باسم هيئة الحشد الشعبي التي تضم أكبر الفصائل المدعومة من إيران للتعليق. وسبق أن نفت الهيئة ضلوعها بأي شكل من الأشكال في قتل المحتجين والناشطين. كما امتنع المتحدث باسم الحكومة سعد الحديثي عن التعليق على اغتيال الناشطين.

في السجون يتعرّضون لأصناف شتى من التعذيب

في السياق، تقول السلطات العراقية إنها اعتقلت حوالي 2500 محتج، وأطلقت سراحهم، وإن هناك 240 آخرين محتجزون في تهم جنائية. وسقط أكثر من 400 قتيل منذ، أكتوبر/تشرين الأول، خلال أكبر تحدٍّ للطبقة السياسية التي يهيمن عليها الشيعة، والمدعومة من إيران، والتي ظهرت على مسرح الأحداث بعد الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003، والإطاحة بحكم صدام حسين.

ويمثل المحتجون، وكثيرون منهم دون سن الثلاثين، شريحة من مختلف قطاعات المجتمع، تطالب بإصلاح النظام السياسي الذي ظهر بعد 2003، ويقولون إنه أدى إلى نهب موارد الدولة، ودفع بالناس العاديين إلى صفوف الفقراء. وقد تزايدت انتقادات هذه الشريحة للدور المهيمن الذي تلعبه إيران في البلاد.

ويقول مسؤولان أمنيان عراقيان إنه ليس من الغريب أن يتعرض المعتقلون للضرب والصدمات الكهربائية والإجبار على توقيع تعهدات بعدم التظاهر أو التحدث مع وسائل الإعلام.

وقال مسؤول‭‭ ‬‬أمني عراقي لرويترز إنَّ رؤساء الأجهزة الأمنية العراقية منحوا قواتهم الضوءَ الأخضر لاحتجاز «أي شخص يشتبهون أنه يشكل تهديداً أمنياً أو يشارك في التحريض على الاضطرابات».

نفي تام

ونفى الحديثي المتحدث باسم الحكومة العراقية تعرّض المحتجين للتعذيب أو العنف. وأضاف «هنالك جهات قضائية تتولى التحقيق مع المعتقلين، لا يمكن التجاوز أو القيام بأي شكل من الأشكال بالعنف ضد المعتقلين، هنالك إشراف من قبل وزارة العدل ومجلس القضاء على عمليات التحقيق التي تجري مع المعتقلين. الحديث عن تعذيب أو عنف ضد المعتقلين لا يوجد».

من جانبه، قال اللواء عبدالكريم خلف، المتحدث الرسمي باسم الجيش «إذا اكو (يوجد) عمل من هذا النوع هذا عمل غير قانوني. لم نتأكد من هذا وإذا اكو أدلة قدموها الناشطين نحن على استعداد لتبنيها».

وتقول السلطات العراقية إن بعض المحتجين حاولوا التحريض على العنف بعد إحراق ممتلكات في بغداد ومقار عدد من الأحزاب التي تسير على نهج إيران في المدن الجنوبية. وتضيف السلطات أن أكثر من عشرة أفراد من قوات الأمن قتلوا وأصيب العشرات بجروح في الاضطرابات.

وأضرم متظاهرون النار يوم الخميس في القنصلية الإيرانية في مدينة النجف الجنوبية، في أقوى تعبير حتى الآن عن المشاعر المناهضة لإيران بين المحتجين العراقيين، مع اتساع الهوة بين النخبة الحاكمة المتحالفة في أغلبها مع إيران وبين أغلبية عراقية يتزايد شعورها باليأس، لا تتاح لها فرص تذكر، ولا تحظى بدعم يذكر من الدولة.

«فصيل قوي»

كان حسين عادل المدني (25 عاماً)، وزوجته (24 عاماً) من بين المحتجين الذين عارضوا صراحةً نفوذ الفصائل المدعومة من إيران، التي تم إدراجها رسمياً تحت لواء القوات المسلحة بعد أن ساعدت الحكومة في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في 2017.

وقال عباس، صديق المدني المقرب وجاره السابق، إنَّ الزوجين كانا من أوائل من شاركوا في الاحتجاجات التي شهدتها مدينة البصرة في العام الماضي. وكانت سارة من أوائل النساء اللائي خرجن إلى الشوارع.

وأضاف: «لكنهما اضطرا إلى التوقف. داهم مسلحون بيتهما في ساعة متأخرة في 2018، وطلبوا منهما كتابة أسماء محتجين آخرين». وأضاف أن الزوجين اتهما بالمساعدة في إحراق القنصلية الإيرانية في البصرة وتدميرها. وقال عباس: «هنا قررا السفر إلى تركيا إلى أن تهدأ الأمور».

وقال المصدران الأمنيان المطلعان إن الزوجين عادا إلى البصرة قبل أيام من بدء موجة الاحتجاجات الأخيرة، في الأول من أكتوبر/تشرين الأول. وأضافا أن مسلحين اقتحموا بيتهما في اليوم التالي، وأطلقوا ثلاث رصاصات قاتلة على مدني، اثنتان في الصدر، والثالثة في الرأس، كما أطلقوا رصاصة واحدة على رأس الزوجة.

ولم يقل المصدران ما هي الجهة التي يعتقدان أنها وراء مقتل الزوجين. وقال المصدران إن سلطات التحقيق تتعامل مع الأمر على أنه جريمة قتل متعمدة ارتكبتها جماعة مسلحة مجهولة. لكنهما «لم يستبعدا وجود دوافع أخرى كأن تكون الجريمة دفاعاً عن الشرف ارتكبها أفراد من الأسرة ينتمون لفصيل يعارض زواجهما»، حسب تعبيرهما.

«الكل يعرف مَن قتلهما لكن لا أحد يجرؤ على النطق به»

وقال أحد المصدرين «المحققون يعملون على أساس أنها جماعة مسلحة منظمة، لأن الضحيتين كانا من الناشطين، وتعرّضا للتهديد».

رداً على سؤال عما إذا كان رجال فصائل مدعومة من إيران قتلوا الزوجين لإسكاتهما قال المسؤول الحكومي: «فصيل قوي هددهما فهربا، وعندما عادا قتلا. الكل يعرف من قتلهما، لكنه لا يجرؤ على النطق به». ولم يذكر المسؤول اسم الفصيل.

وسقط محتجون آخرون قتلى في ظروف يقول ناشطون وبعض المسؤولين الحكوميين إنها تشير بأصبع الاتهام إلى فصائل تدعمها إيران لأن المحتجين أبدوا معارضتهم لها صراحة، لكنها لا تزال قيد التحقيق.

وقال المسؤولان الأمنيان إن مسلحين في سيارات لا تحمل علامات مميزة قتلوا اثنين من الناشطين البارزين، في نوفمبر/تشرين الثاني، باستخدام مسدسات مزودة بكاتم للصوت في حادثين منفصلين في بغداد ومدينة العمارة الجنوبية.

في الحادث الذي وقع في بغداد أطلق النار على عدنان رستم (41 عاماً)، وهو عائد من احتجاج مناهض للحكومة في الحي الذي يسكن فيه، الذي يهيمن عليه فصيل مدعوم من إيران. وسئل مصدران بالشرطة المحلية عما إذا كان الفصيل الذي تدعمه إيران هو المسؤول، فقالا إن دور رستم في الاحتجاجات هو السبب في قتله، لكنهما امتنعا عن الخوض في التفاصيل.

وقد طالبت لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان العراقي الحكومة بالتحقيق في «اغتيالات وعمليات اختطاف» لناشطين ومدونين، بما في ذلك مصرع رستم.

وذكرت رويترز في تقرير سابق أن فصائل مدعومة من إيران  نشرت قناصة على أسطح في بغداد خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة، خلال أكتوبر/تشرين الأول، وفقاً لما قاله مسؤولان أمنيان عراقيان.

الضرب والتعذيب بالكهرباء

أربعة من الناشطين الذين تحاورت رويترز معهم قالوا إنه تم القبض عليهم خلال العام الأخير، وقال اثنان منهم إنهما تعرضا للاعتقال والضرب في الأسابيع الأخيرة. وطلب الأربعة عدم نشر أسمائهم، خشية أن تستهدفهم قوات الأمن أو الفصائل.

ووصف أحدهم (26 عاماً) تعرضه للاعتقال عقب مشاركته في مظاهرة، وللضرب والتعذيب بالكهرباء خلال احتجازه عشرة أيام. وأضاف: «طلبوا مني أسماء وعناوين محتجين آخرين وهو ما فعلته».

وأردف قائلاً: «رفضت الاعتراف بالاعتداء على الشرطة وإتلاف الممتلكات، لكني وقعت على وثيقة أتعهد فيها بعدم التظاهر مرة أخرى، وألا أتحدَّث مع الصحافة. وقالوا إنهم سيقتلونني إذا فعلت ذلك». ونفى مشاركته في أي هجمات أو أعمال تخريب.

وقال الرجل إن محتجزيه أطلقوا سراحه ملفوفاً ببطانية وتركوه خارج بيته في بغداد، بعد أن سعى أقاربه لدى بعض معارفهم في قوى الأمن ولدى فصيل شبه عسكري للإفراج عنه. ولم يتسن لرويترز التحقق من صحة روايته.

من جانبه، قال حسن وهاب من جمعية الأمل الحقوقية العراقية ومقرها بغداد إن «المعتقلين الذين يفرج عنهم لا يخلى سبيلهم إلا بكفالة، ولا تسقط الاتهامات، ولذلك يواجهون الاعتقال مرة أخرى والمحاكمة». وأضاف: «كثيرون يهربون إما إلى أربيل (عاصمة إقليم الكردي المتمتع بحكم ذاتي في العراق) أو إلى الخارج».

اجمالي القراءات 707