كاتم أسرار جديد للسيسي.. كواليس سحب ملف الإعلام من المخابرات المصرية، ولماذا عاد لرجال الأعمال مجددا

في الخميس ٢٨ - نوفمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

بعد سنوات من التحكم في كل شاردة وواردة  خسر جهاز المخابرات العامة المصرية ملف الإعلام، أحد أكثر الملفات جدلاً وإخفاقاً في مصر، حتى بشهادة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الأمر الذي أثار تساؤلاً حول كواليس سحب ملف الإعلام من المخابرات المصرية وهل ينجح البديل في إرضاء الرئيس. 

قال مصدر مطلع لـ «عربي بوست»: «انتهت أيام سيطرة جهاز المخابرات على ملف الإعلام في مصر، بعد شهور من التوتر والشد والجذب داخل الجهاز من جهة، والرئاسة من جهة أخرى».

جهة واحدة كانت تعترض على أداء المخابرات الإعلامي.. الرجل الذي أقنع السيسي

الجهة الوحيدة التي كانت تعترض على إدارة الملف، أو القادرة على الاعتراض والانتقاد هي بالطبع «مكتب الرئيس السيسي» ، حسب المصدر.

وأشار إلى أن «هناك دوائر لا دائرة واحدة حول الرئيس، ولعل أقواها دائرة المخابرات العامة، وعلى رأسها اللواء عباس كامل، ثم دائرة مكتب الرئيس، وعلى رأسها اللواء القوي محسن عبدالنبي».

اللواء عبدالنبي هو مدير مكتب رئيس الجمهورية الحالي، والمدير الأسبق لإدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة المصرية، ويتمتع بخبرة إعلامية تجعله غير راض عن إدارة الملف.

اللواء عباس كامل مدير المخابرات يوصف بالرجل الثاني/رويترز

ولقد عين عبدالنبي نائباً لمدير إدارة الشؤون المعنوية، اعتباراً من يناير/كانون الثاني 2012، ثم مديراً لإدارة الشؤون المعنوية اعتباراً من يناير/كانون الثاني 2014.

وفي 2 يوليو/تموز 2018، قرر السيسي تعيين اللواء عبدالنبي مديراً لمكتب رئيس الجمهورية، خلفاً للواء عباس كامل، الذي تم تعيينه رئيساً لجهاز المخابرات العامة.

وكشف المصدر الخاص لـ «عربي بوست»، «أن المقدم أحمد شعبان، مدير مكتب اللواء عباس كامل، ومعه زميله محمد فايز، كانت له الكلمة الأولى والأخيرة في ملف الإعلام بالتشاور مع عباس، ومحمود نجل الرئيس السيسي، والمتحكم الفعلي فيه»، بالإضافة إلى اللواء عبدالنبي.

هل تصبح الصحافة حرة؟ 

لكن هل يعني ذلك أن الإعلام أصبح حراً؟

يقول المصدر: «بالطبع لا، في ظل التجاذبات السابقة والحالية، سيبقى الملف سياسياً من الدرجة الأولى، والتعامل معه سيكون أمنياً بنفس الدرجة، ولن يخرج عن قبضة الأجهزة السيادية بأي حال من الأحوال».

وبشأن كواليس التطورات الأخيرة، وأسباب سحب ملف الإعلام من مدير مكتب جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل، رغم أنه كاتم أسرار السيسي، والرجل الثاني في منظومة الحكم، وهي المكانة التي ينافسه عليه لواءات كثر، يعلق المصدر قائلاً إن قرار سحب ملف الإعلام من المخابرات المصرية يمثل نهاية «منطقية»، حسب تعبيره.

فقد كان الأمر أكبر من أن يتم التغاضي عنه.

القشّة التي قصمت ظهر البعير.. كواليس سحب ملف الإعلام من المخابرات المصرية 

«إخفاق الجهاز في أمرين كبيرين كان القشة التي قصمت ظهر البعير» ، حسب المصدر.

«أولهما: نزع ملكيات القنوات الفضائية من رجال الأعمال دون رؤية لكيفية تطويرها أو إداراتها، وإسنادها إلى مندوبين أمنيين يتحركون بأوامر المكتب، كلف الدولة مبالغ طائلة، وبدد الكثير منها دون طائل، وثانيهما، إهدار الأموال.

وفي الوقت ذاته تراجع أداء الإعلام والإعلاميين رغم وجود الإمكانات».

أما العامل الثاني فهو طريقة معالجة هذا الهدر.

ففي محاولة لتدارك هذا الإنفاق الكبير، والذي يصل لنحو 6 مليارات جنيه خسائر، أُغلقت مجموعة إعلام المصريين التابعة للجهاز، والتي كانت تملك غالبية القنوات الجديدة بعد الاستحواذ عليها من مالكيها، والعديد من القنوات الخاصة، وشردت آلاف العاملين»، وفقاً للمصدر.

وأشار إلى إغلاق قناة «أون لايف» على الهواء مباشرة، في 28 يونيو/حزيران 2018 ، حيث قررت شركة «إعلام المصريين» التابعة للمخابرات، بشكل مفاجئ، وقف قناة «أون لايف» عن البث، فجراً، بعد سنوات من التغطية المباشرة منذ أحداث ثورة 25 يناير 2011″.

فوضى إغلاق القنوات تؤدي لتشريد الآلاف وتئد «جزيرة السيسي» قبل انطلاقها

وأوضح المصدر «أن العديد من القنوات أغلقت بهذا الشكل الفوضوي، كقناة الناس، وقناة دي إم سي الرياضية، وقناة دي إم سي نيوز، وتم تشريد آلاف المحررين والإعلاميين والمعدين والصحفيين والفنيين والعاملين والإداريين».

ولفت إلى «أن مجموعة قنوات «دي إم سي» التي كان كانت تابعة لمجموعة دي ميديا التي كان يملكها رجل الأعمال المخابرتي السابق طارق إسماعيل، والذي أقيل من منصبه في أكتوبر/تشرين الأول 2018، كان من المفترض أن تكون بديلاً لمجموعة قنوات رجال الأعمال الآخرين».

واستدرك بالقول: «لكنها فشلت، فأغلقت قناة دي إم سي الرياضية، ودي إم سي نيوز، التي كان يعول عليها الرئيس كأقوى قناة إخبارية بعد ثلاث سنوات من الإعداد لها، إلى أن تم تسريح 90% من العاملين بها في أغسطس/آب 2019، وكذلك قناة دي إم سي كيدز، ودي إم سي مسرح… إلخ».

وقال إن «قناة دي سي نيوز كبدت الدولة خسائر بمئات ملايين الجنيهات، لأنها أسست استوديو كبيراً (استديو 19) بأجهزة مستوردة، وخبرات أجنبية، ولكن من خلال نظام إخباري وصفه الموظفون بالفاشل (Octopus)، وتم استقدام أفضل المحررين ورؤساء التحرير، والكثير من المذيعين، بالمحسوبية، للقناة، وفشلت في الانطلاق».

وكان لهذه القناة التي لم تخرج للنور أهمية خاصة للرئيس.

ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أعلن السيسي عن إطلاق قناة إخبارية مصرية عالمية، في إشارة إلى قناة دي إم سي نيوز، تخاطب العالم، وروجت لها وقتها الصحف والمواقع بأنها قناة سوف تنافس «أكاذيب وأضاليل قناة الجزيرة وقنوات الإخوان»، ولكنها لم تنطلق حتى الآن، ولن تنطلق بعد إغلاقها.

تقلبات سوق الإعلام تحولت إلى متاهة أضرّت بصورة الرئيس

ومرت ملكية القنوات المصرية الخاصة بالعديد من المالكين الوهميين، عبر بيانات مقتضبة من شركات إعلامية ظهرت فجأة للعيان، يتبع بعضها لرجال أعمال ومسؤولين في الدولة، ما جعل من الصعب تحديد المالك الحقيقي.

فنُقلت ملكية بعض القنوات الفضائية الشهيرة من رجال أعمال إلى شركة «إعلام المصريين» التي كان يملكها رجل الأعمال أحمد أبوهشيمة، ثم إلى شركة «إيجل كابيتال للاستثمارات المالية»، التي ترأسها داليا خورشيد، وزيرة الاستثمار السابقة وزوجة محافظ البنك المركزي الحالي طارق عامر.

وكشف المصدر لـ «عربي بوست» أن «أداء جهاز المخابرات في ملف الإعلام سبّب انتكاسة كبيرة لصورة الرئيس، وشجع المواطنين على التوجه لوسائل بديلة، مثل السوشيال ميديا، والقنوات المحسوبة على الإخوان والمعارضة بالخارج، وأفقدت السلطة زهوة الإعلام».

ولفت إلى أن «الرئيس السيسي نفسه لم يكن راضياً عن أداء الإعلام والإعلاميين، وهو يعلم تماماً أن اللواء عباس ومكتبه هم مَن يديرون الملف، بالإضافة إلى نجله محمود بالطبع، وكانت له رسائل غير مباشرة لهم، ولكن ظل الملف ينتقل من حفرة إلى دحديرة«، حسب المثل المصري الشعبي.

لماذا تقرر استدعاء رجال الأعمال لحمل «الشيلة»؟

وأكد المصدر «أنه منذ مطلع الشهر الجاري تم استدعاء رجال الأعمال مرة أخرى لسوق الإعلام، لحمل «الشيلة» بعد أن ثقلت، وزادت الخسائر المعنوية والمالية، وتراجعت شعبية الرئيس، وزاد تأثير قوة الإعلام المعارض على المصريين».

 كان عام 2001 بمثابة كتابة نهاية امتلاك العديد من رجال الأعمال للقنوات رغم قربهم للنظام.

فقد انسحب من السوق رجل الأعمال نجيب ساويرس مبكراً، تبعه السيد البدوي، ثم محمد الأمين، وأخيراً أحمد أبوهشيمة، الذي أسس أكبر إمبراطورية إعلامية في مصر، وانسحب نهائياً في 19 ديسمبر/كانون الأول 2017.

 وقال المصدر لـ «عربي بوست» إن «السوق شهد عودة رجل الأعمال أحمد أبوهشيمة بشراء قناة «أون سبورت»، و «تايم سبورت»، ورجل الأعمال طلعت مصطفى بشراء مجموعة قنوات الحياة، ورجل الأعمال محمد الأمين بشراء قنواته السابقة في مجموعة «سي بي سي» ما عدا الإخبارية».

ولكن ستظل العقلية الأمنية هي المسيطرة

 وتعليقاً على تلك التطورات في ساحة سوق الإعلام المصري، قال المدير العام لقناة مكملين، المعارضة من الخارج، الدكتور أحمد لشناف، لـ «عربي بوست»: «أتوقع أن الأمر أشبه بتحويل المسؤولية المباشرة عند طرف جديد، حتى يتمكنوا من معاقبته ولومه كلما كان هناك خطأ، وفق وجهة نظر فريق إدارة الملف الذي تحكمه العقلية الأمنية لا الإعلامية والمهنية».

ورأى أن «تصرف نظام السيسي نتيجة طبيعية، نظراً لحالة الفشل في ملفات عديدة إعلامية وسياسية، وإذا تتبعنا المشهد منذ 3 يوليو/تموز 2013 حتى الآن، سنجد أن نمط التخلص من الرفقاء أو إبعادهم إما لفشلهم في الملفات أو خشية ظهورهم كرموز أو علاقاتهم وصلاتهم هو الأوضح. وتساءل: أين كل من حضر مشهد الإعلان عن الانقلاب في 3 يوليو/تموز؟ حسب تعبيره.

وأضاف: «لا أرى أن تغيير الملكية أو الإدارة في القنوات المصرية هو الحل لمشاكلهم؛ لأنها أعمق من ذلك، فأساسها هو عدم وجود مناخ من الحريات في مصر يسمح للإعلاميين بالعمل الصحفي من دون خوف على حياتهم أو أنفسهم ، فبطش النظام وأذرعه الأمنية لم يترك أحداً إلا وتعرض له، وآخرهم صحفيو مدى مصر وغيرهم»، حسب قوله.

لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟

توافق « عربي بوست » أحياناً على عدم التعريف بأسماء مصادر تقدم معلومات حساسة لقرائنا. وبموجب إرشادات الموقع، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر وذات مصداقية، وأننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.

ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، وبعضهم يتساءلون ما إذا كانت هذه المصادر موجودة أصلاً. لكن لدينا قواعد وإجراءات لمحاولة معالجة هذه المخاوف.

فبالإضافة إلى المراسل، يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر. ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم أو من ينوب عنه قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. وعندما تكون القصة مبنية على معلومة مركزية من مصدر مجهول، فيجب الموافقة عليها بشكل عام من قبل رئيس التحرير.

نحن نتفهم حذر القراء، ولكن لا يمكن أبداً الحصول على المعلومات حول العديد من القصص المهمة في مجالات حساسة، مثل السياسة والأمن القومي والأعمال، إذا استبعدنا المصادر غير المعرّفة. فالمصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية. حتى في بعض الأحيان من أجل سلامتها.

يعتقد بعض القراء أن المصادر تكون أكثر صدقاً إذا تم نشر أسمائها، ومن غير المرجح أن يكذبوا إذا تم الكشف عن هويتهم. إلا أن المراسلين في العديد من المناطق يعرفون أن العكس هو الصحيح. فالمصادر في المناصب الحساسة غالباً ما سيتحدثون ببساطة بحسب التوجهات الرسمية. وسيكونون صريحين فقط إذا كانوا يعرفون أن أسماءهم لن يتم الكشف عنها.

اجمالي القراءات 1196