تزوّجني في إدلب وطلَّقته في السويد"… سوريات يختبرن الحرية للمرة الأولى في بلاد اللجوء

في الإثنين ٢٥ - نوفمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

أجبرت الحرب الدائرة منذ ثمان سنوات، الملايين من السوريين على الهجرة للنجاة من جحيم قتال، خلَّف منذ بدايته آلاف القتلى، وشرَّد الملايين، وتوزَّعت طرق النجاة بين دول الجوار، كلبنان والأردن وتركيا وأوروبا، ولكن لم تكن هذه الدروب، والمسالك متشابهة.

في دول الجوار ابتعد صوت الرصاص عن المهاجرين، ولكن فصول المعاناة بدأت بسبب البطالة والفقر والاستغلال.

 

أما في أوروبا فقد كان الوضع مختلفاً، خاصَّة بالنسبة للنساء اللواتي انفتحن على واقع جديد ينتصر لهنّ، ويحدّ من سلطة الرجل المُطلقة عليهنَّ، ليعدن اكتشاف أنفسهنّ من جديد.

أحدث اختلاف القوانين، والبيئة، والثقافة انشقاقات داخل العائلات السورية، فبعد أن كانت المرأة مضطرة للخضوع لسلطة الرجل المطلقة، بحكم العادات والتقاليد وحتى القوانين السارية، وجدت المرأة نفسها في مجتمع يساويها مع الرجل، ويضمن لها حقوقها فيما لو اختارت الانفصال، ويقلِّل من حدَّة المخاوف بشأن حضانة أبنائها، ويساعدها على الاعتماد على نفسها.

 "لم أشبع رغبات زوجي في أثينا"

ريمة (28 عاماً) من مدينة إدلب، تعمل في وظيفة حكومية في السويد، وهي أم لثلاثة أطفال، زوّجها أهلها، ولم تتعدّ السابعة عشر من عمرها، من أحد أقاربها الذي يكبرها بأكثر من عشر سنوات دون رغبة منها.

رغبت ريمة دائماً بالانفصال عنه منذ الأيام الأولى لزواجها، لكن الخوف من العائلة كان يمنعها، ويدفعها لتحمل المعاملة السيئة، حتى جاء اليوم الذي هاجرت فيه إلى السويد، لتجد الظروف ملائمة لتنفيذ قرارها الذي تأخر، وانفصلت عنه منطلقة في حياة جديدة، رغم ضغوط عائلتها في سوريا، وتهديداتهم المتواصلة.

تقول ريمة لرصيف22: "زوجني أهلي من قريبي رغم فارق العمر الكبير بيننا، ومنذ الليلة الأولى كان الانسجام بيننا صعباً، جنسياً ونفسياً، هذا عدا العنف الذي كنت أتعرَّض له على يديه على مدار سنوات زواجي به. لم أكن راضية عن حياتي معه وكنت أرغب بشدة في الانفصال عنه، ولكن الخوف من العائلة والمجتمع كان يمنعني، ويدفني للتحمل بل والاقتناع أن لا مفر من هذا المصير".

وتضيف ريمة: "كان للحرب كلمة أخرى، فبعد دمار مدينتنا بسبب القصف المكثف، هربنا كالكثير من السوريين، وكانت الوجهة الأولى أثينا".

وتصف ريمة مشاعرها فور وصولها إلى أثينا: "هناك في ذاك البلد، ورغم أن ظروف اللجوء لم تكن مناسبة، عادت فكرة الانفصال عن زوجي تراودني، وبدأت تسيطر على تفكيري، خاصة مع رؤيتي لمستوى الانفتاح في البلد، وفي ظل استمرار زوجي في تعنيفي، خاصة بعد امتناعي عن تلبية رغباته الجنسية، وبمجرد أن صرنا في السويد كان قراري حاسماً، ودون خوف، واجهت زوجي برغبتي في الانفصال، وهنا ثارت ثائرته وقام بضربي واتصل بأهلي، وحاول تشويه صورتي أمامهم".لم توقف تهديدات الزوج ريمة، كانت عازمة على قرارها بالانفصال، ولحماية نفسها ذهبت إلى المساعدة الاجتماعية في السويد لتفهم حقوقها، وما يمكنها فعله لحماية نفسها، فوجدت دعماً كبيراً شجعها أكثر على المضي في قرارها.

"ومع استمرار زوجي في تعنيفي، هددته بأن أشتكيه للشرطة، عندها شعر بالخوف، خاصة أن الأمر يمكن أن يكلفه الترحيل، وكف عن تعنيفي، ولكنه استمر في تأليب عائلتي التي هددتني بالقصاص، وحاولت والدتي الضغط علي بعدم رضاها عني إذا ما أقدمت على القرار، كما حاول ابتزازي بحرماني من أبنائي، لكن تصميمي كان أكبر، فأخبرت والدتي بالتوقف عن ممارسة ذات الظلم الذي مورس عليها، وأكدت لزوجي أن هذا التهديد لن يجدي".

انفصلت ريمة عن زوجها، ولجأت في البداية إلى ملجأ النساء المعنفات، واستأنفت دراستها الجامعية، وبسرعة تمكنت من لغة البلد الجديد، واستطاعت ايجاد عمل جيد أيضاً، وشعرت أنها بدأت تمسك بخيط المستقبل الذي تريده.

 
 

وحسب تقارير المنظمات الدولية، لجأت أعداد كبيرة من السوريين إلى أوروبا، وفي تقرير للعفو الدولية فإن ما بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول عام 2016، كانت نسبة السوريين الذين يعبرون البحر المتوسط للوصول إلى أوروبا الأعلى مقارنة بالجنسيات الأخرى وقد بلغت 26.2%.

تلقت ألمانيا والسويد مجتمعتين 64% من طلبات اللجوء المقدمة في أوروبا ما بين نيسان/ أبريل 2011 وتشرين الأول/ أكتوبر 2016.

وفي الربع الثاني من عام 2017، سجلت ألمانيا أكبر عدد من طالبي اللجوء المتقدمين لأول مرة، والتي بلغت نسبة 28% من جميع الطلبات المقدمة في الاتحاد الأوروبي.

"الحرب السورية قربتنا أكثر"

منار (39 عاماً) سورية مسلمة من دمشق، تعمل في مجال التدريس، بدأت قصتها قبل الحرب عندما جمعتها علاقة عاطفية مع طوني، الشاب السوري المسيحي، وكان "حلم زواجهما مستحيلاً" في ظل تشدُّد عائلته، ورفضها القطعي ارتباطه بغير مسيحية، حتى أجبرتهما الحرب على الهجرة، وهناك قاما بكسر تلك القيود، وأسسا العائلة الصغيرة التي كانا يريدانها.

تحكي منار لرصيف22: "كان طوني مهندساً يعمل بوظيفة حكومية، يلتمس خطواته المهنية الأولى، بينما كنت أواصل تعليمي الجامعي عندما تعارفنا، وانطلقنا في علاقة عاطفية قوية، لكنها محفوفة بالمخاطر".

"انطلقنا أنا وصديقي المسيحي في علاقة عاطفية قوية، لكنها محفوفة بالمخاطر".

ففيما كان أهلي أكثر تقبلاً لفكرة ارتباطي بشاب مسيحي رغم أنني مسلمة أنتمي للطائفة العلوية، كانت عائلته التي تنتمي لقرية من قرى حماة المسيحية المحافظة جداً ولا تستوعب فكرة زواج ابنهم الأكبر (فرحتهم الأولى) من فتاة خارج دينهم. ولهذا لم يجرؤ على مجرد طرح فكرة زواجنا رغم شكوكهم بوجود علاقة بيننا كان يقول لي إنه يخشى أن يصيبهم بسكتة قلبية فيما لو طرح الأمر عليهم".

ومارست العائلة ضغوطاً كثيرة على طوني من أجل الارتباط بفتاة أخرى، باءت كلها بالفشل، حتى اندلاع الحرب السورية التي كانت بمثابة مفتاح الحل للحبيبين، إذ قرر الأخير السفر الى السويد بعد أن سبقه عدة أصدقاء إلى هناك، وبعد عامين استطاعت منار اللحاق به واستعادا علاقتهما، وتزوجا دون علم عائلته.

تتحدث منار عما حدث لها قائلة: "نحن اليوم زوجان منذ عامين ونصف، لم يكن القرار سهلا أبداً، لم يجد طوني الجرأة لإخبار أهله في البداية، ثم أخبرهم بعد فترة لينزل الخبر عليهم كالصاعقة، وبكثير من العتب واللوم والبكاء، حاولوا أن يشعروه بفداحة ما ارتكب، لكنه لم ينصت، فقاموا بمقاطعته لستة أشهر، ثم كسرتها والدته وشيئاً فشيئاً عاد أخوته ووالده للتواصل معه، لكن رغم ذلك ظل زواج ابنهم الأكبر من فتاة مسلمة بمثابة وصمة عار ستلاحق العائلة كلها، ولهذا يرفضون حتى الآن الحديث معي، عدا اخته الصغرى التي كانت تعلم تفاصيل علاقتنا في سوريا".

 "أبدأ حياة أسطرها بنفسي"

يثير تمرد السوريات على أزواجهن وعائلاتهن لدى وصولهن إلى أوروبا استنكار البعض ويصفونه بنعوت كثيرة تحكمها عادة الضوابط الأخلاقية السائدة في المجتمعات الشرقية، والتي تنتظر في الغالب للرجل، فيما الحقيقة أن النساء يقدمن على الانفصال أو يعلن عدم خضوعهن للتقاليد، لأن زيجاتهن هشة منذ البداية وغير مبنية على الحب أو التفاهم، وإذا كان بقاء المرأة مع زوجها في السابق محكوماً بضغوط الأهل وعدم سماحهم بطلاقها الذي يعد "عاراً"، فهي الآن باتت في دول تسمح لها بتقرير مصيرها، دون الخوف من عيون المجتمع ولا تهديدات الرجل، سواء كان الزوج أو الأخ أو الأب وغيرهم.

وهذا الأمر ينطبق على سارة الشابة سورية من القامشلي في العشرينات من العمر، وتعمل في التمريض، التي تم تزويجها في عمر مبكر من ابن عمها، والذي لم تكن تحبه ولم تجمعها به أي علاقة قبل الزواج؛ ولهذا لم تمنعها أمومتها لثلاثة أطفال من اتخاذ قرار الانفصال عنه بمجرد أن أصبحت في ألمانيا، والعبور لحياة جديدة تضع لمساتها عليها.

وتقول سارة لرصيف22: "وصلت أنا وزوجي إلى ألمانيا، ولكن تم رفض الإقامة للعائلة لأن زوجي لديه "بصمة" في بلد آخر(تسجيل)، عندها اتفقنا على الطلاق مؤقتاً لأحصل على الإقامة، وأقوم فيما بعد بلم شمل لهما وهو ما تم فعلاً".

"شعرت أن هناك حياة أخرى أسطرها بنفسي".

حصلت سارة على الإقامة ولكن مع قرار أن لا عودة لزوجها، تقول: "لا تجمعني به الكثير من التفاصيل، وهو ابن عمي الذي زوّجوني به بطريقة تقليدية لا روح فيها ولا معنى، وشعرت أن هناك حياة أخرى ستبدأ، وسأسطرها بنفسي دون أن يمليها أحد علي".

تحكي سارة عن التغيرات التي طرأت عليها في ألمانيا: "ساعدني الوضع في ألمانيا على حسم قراري، فالقوانين المنصفة لي كامرأة كانت صمام أمان، والمساعدات المالية التي تمنح لي شهرياً منحتني الشعور بعدم الحاجة لأحد، ودفعتني للتفكير في تطوير نفسي وتعلم لغة البلد أولاً، ثم طرق سوق الشغل، فالفرص هنا مفتوحة للمرأة والرجل على حد السواء وهو ما أقوم به بمنتهى العزم".

وفتحت سارة قلبها للحياة هناك، وتعرَّفت على شاب في ألمانيا، اختارته بنفسها، دون ضوابط اجتماعية، تقول: "دون خوف من عيون تترصدني، دون أن نسأل بعضنا: ما لونك وما طائفتك وما مقدار قرابتك مني؟ ونعيش مع بعض علاقة حب جميلة منذ مدة، أنستني سنوات من الزواج الخالي من كل عاطفة".

إن قصص السوريات اللاتي التقيناهم تؤكد أنّ حوادث الطلاق والتمرد لا ترتبط بالهجرة بقدر ارتباطها بما يحدث منذ البداية، في عادات، وثقافات اختارت دائما ألا تنتصر للمرأة، وتضعها دائماً في خانة التابع للرجل، وجعلت حلم التحرر هاجساً قائماً لديها، ينتظر فقط الفرصة الملائمة. وما يحدث أن دول المهجر الأوروبية ساعدت المرأة على اتخاذ قرارها المعد سلفاً، ودعمها من أجل تحمّل التبعات والعقبات اللاحقة. ولهذا عوضاً عن إدانة السوريات على تمردهنّ، يجدر بالمجتمعات العربية مراجعة قوانينها، ونظرتها المقيدة والمجحفة للمرأة وحريتها في الاختيار.

اجمالي القراءات 776