مقتدى الصدر.. إصلاحي أم متصالح مع هيمنة طهران على العراق؟

في الأربعاء ١٣ - نوفمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

قدم رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر نفسه خلال السنوات الماضية على أنه رجل الإصلاح ضد الفساد، والوطني الذي يعارض التدخل الأجنبي في العراق أيا كان مصدره، لكن الاحتجاجات الأخيرة كشفت وجها آخر للرجل.

فبوصلة مواقف الصدر، منذ بدء الحراك الشعبي في العراق، تغيرت ومالت كثيرا إلى جانب طهران، وبات موقفه بعيدا بعض الشيء عن مطالب المحتجين، وفقا لمراقبين.

كما أن دعواته لمحاربة الفساد والمفسدين اصطدمت بحقيقة أنه شارك في تشكيل معظم الحكومات العراقية منذ عام 2006 ولغاية حكومة عبد المهدي، في بلد يحتل المرتبة 12 في لائحة الدول الأكثر فسادا في العالم.

ومع انطلاق الاحتجاجات في الأول من أكتوبر، دعا الصدر إلى استقالة حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، لكنه اليوم تراجع عن ذلك بعد سلسلة من اللقاءات التي رعاها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني مع قادة دينيين وسياسيين عراقيين بينهم الصدر، ونتج عنها اتفاق على بقاء الحكومة الحالية، حسب ما ذكرت رويترز وفرانس برس.

يقول المحلل السياسي أحمد الأبيض "من الواضح أن الصدر ما عاد يتصرف بحرية كما كان سابقا، وهناك أنباء كثيرة تتحدث عن ضغط إيراني مباشر عليه، كما أن طهران بدأت تمرر المواقف التي تتبناها من خلاله".

ويضيف الأبيض في حديث لموقع الحرة أن "موقف الصدر من إيران بات واضحا فهو من ألغى شعار (إيران بره بره) وحوله إلى (يا فاسد إطلع بره)".

ويتابع الأبيض "بشكل أو بآخر يمكن أن نقول ان موقف الصدر إذا لم يكن يحسب مع إيران فهو على الأقل يحاول الإمساك بالعصى من الوسط في تعامله مع الاحتجاجات".

وكان الصدر طلب في تغريدة الأربعاء من المتظاهرين عدم التعرض للبعثات الدبلوماسية وسفارات الدول "غير المحتلة ولو بالهتافات" في إشارة إلى إيران.

وتركز غضب المتظاهرين الذين يطالبون بـ"إسقاط النظام" خلال الأيام الماضية، على إيران صاحبة النفوذ الواسع والدور الكبير في العراق، وهو ما ظهر واضحا في الشعارات التي رفعت في معظم ساحات الاحتجاجات مثل شعار "ايران بره بره، بغداد تبقى حره".

وأقدم محتجون أيضا على إحراق القنصلية الإيرانية في كربلاء، فيما تم إحراق صور لخامنئي وسليماني وخميني في بغداد والديوانية ومدن أخرى.

وما أجج غضب المحتجين هو الزيارات المتكررة لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني للعراق، وتصريحات المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي عن وجود "مخططات من الأعداء لإثارة الفوضى وتقويض الأمن في بعض دول المنطقة".

"إيران ورجالاتها وسليماني بشكل مباشر هم من يتحكمون بالقرار السياسي في العراق"، حسب الأبيض، الذي يشدد على أن "المشكلة تتمثل في أن السياسيين العراقيين يخفون ذلك، بينما الإيرانيون لا يستحون من الإعلان عن هذا الموقف".

ويشير إلى أن الساسة العراقيين يستحون من هذه الحقيقة، ويحاولون التغطية عليها بينما في الواقع هم يتلقون الأوامر من طهران".

إلى جانب، ذلك يطرح الصدر (46 عاما) نفسه راعيا للإصلاح ومحاربا للفساد، إذ حشد أنصاره في أكثر مناسبة لتنظيم احتجاجات جماهيرية ضد الحكومات السابقة كان آخرها في عامي 2015 و2016.

لكن رغم ذلك يعد التيار الصدري جزء لا يتجزأ من الطبقة السياسية، ولم يغب ممثلوه عن المناصب الوزارية والعامة الرفيعة المستوى منذ عام 2006 ولغاية اليوم.

وخلال الانتخابات العامة التي جرت في مايو 2018، جاءت كتلة "سائرون" التي يتزعمها الصدر في المرتبة الأولى بعد أن نال 54 مقعدا في البرلمان.

ويعد الصدر وزعيم ائتلاف الفتح المقرب من إيران هادي العامري عرابي تشكيل الحكومة الحالية التي يرأسها عادل عبد المهدي، ولدى الصدر فيها خمس وزارت وعشرات المناصب الرفيعة في الدولة العراقية.

يقول المحلل السياسي أحمد الأبيض إن "الصدر شريك أساسي في العملية السياسية وله وجود واضح في البرلمان والحكومة".

ويضيف "بعد تظاهرات 2015 حصل نوع من الازدواجية بين دعوات الإصلاح من جهة ودعم الحكومة من جهة ثانية، لذلك ظل نهج المحاصصة قائما ولم يتغير شيء، وهذا أفقد الصدر جزءا كبيرا من الثقة لدى الناس وحتى من داخل أوساط مؤيديه".

ويؤكد الأبيض أن "تظاهرات أكتوبر اسقطت المقدس، وشمل ذلك كل عناوين المقدس السياسية منها والاجتماعية، وبالتالي أعداد كبيرة من مؤيدي الصدر موجودون حاليا في ساحات التظاهر بشكل شخصي وليس نتيجة لدعوات قائدهم (الصدر)".

ويلمح الأبيض إلى أن الصدر بدأ يخسر جزءا كبيرا من جمهوره الذي كان ينصاع في السابق لإشارة من زعيمه، لكن صوته اليوم يعلو أكثر فأكثر، وبدأ أتباعه يتحدثون عن الفساد حتى داخل التيار الصدري نفسه".

اجمالي القراءات 1284