ضوء في آخر النفق.. هل اقتربت نهاية ملوك الطوائف بلبنان؟

في الإثنين ٢٨ - أكتوبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

بالنسبة إلى الشعب اللبناني الذي يكافح في مواجهة أزمة اقتصادية طاحنة تُهدِّد استقراره الاجتماعي، وفساد سياسي متوطِّن، ونظام للمحسوبية السياسية قائم على الولاء الطائفي، كان العام الحالي 2019 عاما قاسيا وملحميا في الوقت نفسه، ولعل أكثر لحظاته قسوة كانت تلك التي أشعل فيها المواطن اللبناني "جورج زريق" النار في نفسه في ساحة مدرسة ابنته الصغيرة بسبب عدم قدرته على تحمُّل نفقات دراستها في فبراير/شباط الماضي، في واقعة هزَّت اللبنانيين حتى النخاع، لكنها لم تترك الأثر نفسه في قلوب وعقول أولئك الذين يحكمونهم على ما يبدو.

 

لفترة طويلة، كان اللبنانيون مضطرين لكتم غضبهم في مواجهة نخب غير مبالية، غضب سرعان ما تفاقم مع قيام السلطات بإقرار مشروع موازنة العام في يوليو/تموز الماضي، متأخرا عن موعده بستة أشهر كاملة، ومتضمِّنا العديد من الإجراءات الاقتصادية القاسية التي شملت خفض الرواتب وزيادة الضرائب، ما أدّى إلى نشوب احتجاجات محدودة بين صفوف طلاب الجامعات والأكاديميين وحتى العسكريين المتقاعدين الذين تظاهروا احتجاجا على تخفيض معاشاتهم، احتجاجات نجح النظام في احتوائها في النهاية عبر الاستخدام الناجح لسياسة العصا والجزرة. 

 

لكنّ صبر اللبنانيين بلغ نهايته خلال الأيام الماضية، حين اشتعلت سلسلة من الحرائق الكبيرة في عدة بلديات لبنانية من الجنوب إلى الشمال في 14 أكتوبر/تشرين الأول الحالي مُلتَهِمة العديد من المحميات الطبيعية في البلاد، وبفعل الرياح الشديدة توسَّعت رقعة الحرائق وازداد عددها وصولا إلى أكثر من مئة حريق في مختلف الأراضي اللبنانية، حرائق بدت الدولة عاجزة عن إخمادها أو تحجيمها ما أظهرها بمظهر غير مسؤول وعاجز، سواء في الدفاع عن المساحات الخضراء في البلاد، أو حتى في إنقاذ حياة المواطنين المتضررين.

   

  

فضلا عن ذلك فإن الحكومة اللبنانية، وفي اعتراف صريح بعجزها عن التعامل مع الحرائق، قامت بطلب تدخُّل طائرات إطفاء من اليونان وقبرص لإخماد النيران، رغم قيام لبنان في وقت سابق بشراء ثلاث طائرات "سيكورسكي" مُخصَّصة لإطفاء الحرائق بقيمة 14 مليون دولار، لكن هذه الطائرات وقفت مُعطَّلة في مطار بيروت إبان الأزمة الأخيرة بسبب عدم خضوعها للصيانة منذ فترة طويلة، وبسبب عدم وجود طيارين مدنيين أكفاء لاستخدامها، بخلاف عيوب التصنيع المرتبطة بارتدادات الهواء القوية التي تُخلِّفها مراوح الطائرة، مما قد يؤدّي في حال قُربها من رقعة الحرائق إلى زيادتها.

  

لم يكد لهيب الحرائق ينطفئ ويعود اللبنانيون بسلام إلى منازلهم التي تركوها خوفا من النيران، حتى قررت الحكومة إشعال نيرانها الخاصة في شوارع لبنان مجددا إثر قرارها المعلن يوم 17 من أكتوبر/تشرين الأول الحالي بفرض ضريبة جديدة على المكالمات الهاتفية عبر تطبيق "واتساب" للاتصالات بقيمة 6 دولارات شهريا، ضمن حزمة جديدة من الضرائب المقترح إقرارها في موازنة العام المالي 2020 شملت فرض ضرائب على السجائر المستوردة والمحلية الصنع، وزيادة في ضريبة القيمة المضافة، جنبا إلى جنب مع إجراءات تقشفية مثل خفض الدعم على الكهرباء بمقدار 663 مليون دولار، في ظل أزمة مرتقبة في أسعار صرف الليرة بفعل تهاوي الاحتياطي النقدي الأجنبي الذي أدّى إلى فرض قيود على توفير الدولارات وتسبَّب في انتعاش السوق السوداء للعملة الأجنبية.

  

كانت ضريبة "واتساب" هي القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للكثير من اللبنانيين، ودفعت مئات الآلاف للتدفق إلى الشوارع من طرابلس معقل السُّنة في الشمال إلى المناطق الشيعية في الجنوب مرورا بالعاصمة بيروت، تظاهرات لم تخلُ من عنف من قِبل المحتجين الغاضبين، لكن ما ميَّزها بشكل واضح عن جميع الاحتجاجات التي شهدها لبنان خلال الأعوام الماضية هو الغياب التام للأعلام الحزبية المميزة للطوائف المختلفة، وهيمنة لون واحد فقط هو لون العلم اللبناني الأبيض والأحمر مع شجرة الأرز المميزة في المنتصف، رفقة مطلب واحد صريح هو إسقاط النظام القائم بجميع طوائفه ورموزه بلا استثناء، وهو ما عبَّر عنه المتظاهرون اللبنانيون بشعارهم الأثير "كلن يعني كلن".

   

  

كان الغضب هذه المرة أكبر من أن يتم احتواؤه من قِبل زعماء الطوائف المختلفة الذين أصبحوا (1) أنفسهم أهدافا للمحتجين من أتباعهم، بداية من رئيس الوزراء سعد الحريري الذي تم إحراق صوره في معقل دعمه الرئيس في طرابلس، مرورا بقادة الشيعة اللبنانيين وفي مقدمتهم رئيس البرلمان نبيه بري زعيم حركة أمل، وحسن نصر الله زعيم حزب الله اللذان تم إحراق صورهما من قِبل المتظاهرين الشيعة الغاضبين في مدينة صور وغيرها من المدن الجنوبية، وفي العاصمة بيروت نفسها لم تسلم صور وزير الخارجية جبران باسيل زعيم التيار الوطني الحر (المسيحي) وصور صهره الرئيس اللبناني ميشال عون من الحرق والوطء بالأقدام، كما غيرهما من سائر زعماء الطوائف في لبنان.

  

من وجهة نظر الكثيرين، ومنهم الصحافي اللبناني "أمين قمورية" الذي تحدَّث في تصريحات خاصة لـ "ميدان"، فإن الاحتجاجات التي شهدها لبنان خلال الأيام الماضية تُمثِّل "حدثا غير مسبوق، وهي أكبر تظاهرة تشهدها الجمهورية اللبنانية منذ تأسيسها في أربعينيات القرن الماضي، وهي أكبر حتى من التظاهرات التي نشبت عام 2005 بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وقسمت السياسية اللبنانية إلى تيارين كبيرين هما 8 آذار، 14 آذار"، كما يقول "قمورية"، وهي أيضا أول تظاهرة ضخمة عابرة لجميع الطوائف والمناطق والفئات الاجتماعية والتوجهات السياسية بحسب الكثير من المراقبين.

   

  

ورغم أن الأحوال الاقتصادية المتردية والفشل الحكومي في التعامل مع الأزمات المتتالية كانت هي العوامل التي دفعت المتظاهرين للنزول إلى الشوارع في المقام الأول كما يبدو، فإن ثورة أكتوبر/تشرين الأول، أو انتفاضة "واتساب" كما يُطلِق عليها الكثيرون، سرعان ما تحوَّلت إلى صيحة غضب ورفض ضد النظام السياسي اللبناني المتردي والمُثقَل بالطائفية والمحسوبية والفساد، حيث يحتل (2) لبنان المرتبة رقم 138 من بين 180 في مؤشر مدركات الفساد الأحدث الصادر عن الأمم المتحدة العام الماضي 2018، مع دين عام يبلغ 86 مليار دولار وتبلغ نسبته 152% من الناتج المحلي الإجمالي، ومعدلات نمو تدور حول 1% فقط، وعجز في الموازنة بلغ 11% في العام الماضي أيضا، وحكومة عاجزة عن تلبية الحد الأدنى من تطلُّعات شعبها.

    

  

لكن الاحتجاجات سرعان ما أظهرت أن مطالب المحتجين تتعارض بوضوح مع أجندات ومصالح السياسيين والزعماء النافذين في البلاد، الذين حاول بعضهم استغلال الاحتجاجات لتحصيل مكاسب سياسية عبر الانسحاب من الحكومة؛ وفي مقدمتهم سمير جعجع زعيم حزب القوات اللبنانية والمنافس الأكبر للرئيس عون على النفوذ داخل التيارات المسيحية والذي قام (3) بسحب وزرائه الأربعة من الحكومة، فيما اختار أغلبهم موقفا مناهضا لها وفي مقدمتهم حسن نصر الله، الشخصية السياسية الأقوى في لبنان بحكم الواقع والذي سارع لتأكيد أن الحكومة الحالية لن تسقط وأن رئاسة حليفه المسيحي ميشال عون ستستمر دون عوائق، وهدَّد الأحزاب السياسية الأخرى أنها في حال سعيها للاستفادة من الاحتجاجات فإن حزب الله سينزل إلى الشوارع لفرض النظام -وهو ما حدث بالفعل حين تدخل أنصار الحزب واعتدوا على المتظاهرين في ساحات بيروت-، موقف ربما دفع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط إلى تغيير موقفه وإعلان تجديد دعمه للحكومة بعدما كان قد ألمح إلى سحب وزيريه منها.

  

على الجهة المقابلة، اختار (4) رئيس الوزراء سعد الحريري تبني موقف أكثر مرونة حيث قام بمنح نفسه مهلة 72 ساعة لاتخاذ إجراءات لاحتواء الغضب الشعبي بعد التداول مع القوى السياسية، ليخرج الحريري بعد انتهاء المهلة مُعلِنا أن ميزانية عام 2020 ستخفض العجز المالي إلى 0.6% من الناتج الإجمالي، وستُوفِّر 160 مليون دولار كقروض مدعومة للإسكان بخلاف 16 مليون دولار أخرى في شكل مساعدة للأُسر الفقيرة، مع إدراج بند خاص لتمويل إنشاء محطات جديدة للكهرباء، والتعهّد بعدم فرض ضرائب جديدة على اللبنانيين العاديين. ولتمويل هذه الإصلاحات، تعهّد الحريري بتخفيض ميزانية الصناديق الخاصة التي ينظر إليها دوما على أنها روافد لشراء الولاء لكبار السياسيين، بجانب تخفيض مرتبات الوزراء وأعضاء البرلمان إلى النصف، وإنهاء أشكال الإنفاق غير الضروري للحكومة كافة، والأهم من ذلك، أصبح من المُفترَض أن تُسهم البنوك اللبنانية بمبلغ 3.4 مليار دولار في حل الأزمة في صورة ضرائب على أرباح البنوك وفوائدها أو إعادة هيكلة للديون الحكومية لدى البنوك المحلية.

  

ورغم هذه الإجراءات المُعلَنة، تبقى قدرة إجراءات الحريري على تهدئة غضب المحتجين موضع تساؤل كبير نظرا لوجود شكوك (5) حول مدى قدرة الحكومة على الوفاء بتعهُّداتها في المقام الأول، لذا قرَّر المتظاهرون مواصلة تظاهراتهم متجاهلين تعهُّدات الحريري وحكومته، مُتمسِّكين بمطالبهم في إسقاط الحكومة، وفاتحين الباب على مصراعيه أمام سيناريوهات مُتعدِّدة للتغيير ربما تمس لأول مرة القواعد الراسخة لنظام المحسوبية السياسية القائم منذ عقود، النظام الذي يعتبره اللبنانيون المسؤول الأول عن جميع الأزمات التي يشهدها بلدهم اليوم بلا منازع.

   

ملوك الطوائف
الرئيس اللبناني ميشيل عون - رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري - رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري - حسن نصر الله - وليد جنبلاط - سمير جعجع (رويترز, وكالة الأنباء الأوروبية)

    

يمتلك لبنان نظاما سياسيا فريدا من نوعه تعود جذوره لفترة استقلال البلاد عن الاستعمار الفرنسي عام 1943، حيث وافق قادة لبنان آنذاك على ميثاق وطني غير مكتوب تم بموجبه اقتسام السلطة السياسية بين مختلف الديانات والطوائف في البلاد، ورغم أن النظام جرى تعديله في أكثر من مناسبة على مر السنين استجابة لأعمال العنف واختلال التوازنات بين الطوائف، فإن الملامح الرئيسة للترتيب لم تشهد تغييرات جذرية، حيث ظل منصب الرئيس دوما من نصيب المسيحيين الموارنة، في حين ذهب مقعد رئيس الوزراء إلى المسلمين السُّنة، واستأثر الشيعة بموقع رئيس البرلمان، فيما تم تقسيم مقاعد البرلمان بين المسلمين والمسيحيين.

  

استمر هذا الترتيب الطائفي قائما وصامدا حتى بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية بين عامَيْ 1975 و1990، وتم تقنينه بموجب اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب، وقسَّم حدود النفوذ بين الطوائف بشكل أوضح ووزَّع كعكة السياسة اللبنانية بين أمراء الحرب المختلفين، ونتيجة لذلك نشأت حالة من الجمود السياسي طويل الأمد في السياسة اللبنانية، وتنافست الأحزاب والطوائف المختلفة مع بعضها بعضا للسيطرة على المواقع السياسية والعقود الحكومية، ونشبت الخلافات بينهم حول غنائم السلطة، حيث حاول كل طرف الحصول على أكبر قدر من المكاسب والعقود لمنحها لعائلته وأصدقائه المقربين من أجل ضمان الولاء داخل الطائفة، كما تضخَّم القطاع الحكومي بفعل المحسوبية وتم استخدام التوظيف كوسيلة لضمان الولاء، ونتيجة لذلك فإن 10% من اللبنانيين اليوم موظفون من قِبل الحكومة، بينما تلتَهِم الرواتب الحكومية ثلث موازنة البلاد، وتحصل من خلالها العديد من الهيئات الحكومية اللبنانية مثل خدمات البريد والنقل على ميزانيات ضخمة دون أن تقوم بالكثير من العمل.

   

ووفقا لبيانات البنك الدولي، تُكلِّف (6) فاتورة المحسوبية التي ولَّدها النظام الطائفي الدولة اللبنانية 9% من ناتجها المحلي الإجمالي كل عام، غير أن الفساد المستشري لم يُؤثِّر على الوضع المالي للدولة أو يُسهم في تعميق أزمتها الاقتصادية فحسب، لكنه جعل هذه المؤسسات أقل كفاءة واحترافية، حيث لا يُنظر لها من قِبل السياسيين كهيئات تُقدِّم خدمات للمواطنين بقدر ما يتم التعامل معها كمصادر للحصول على الدخل وتمويل الأحزاب السياسية وشراء الولاءات الطائفية وخدمة المصالح الحزبية. فعلى سبيل المثال، حرص (7) حزب الله -الذي حصل تحالفه على الأغلبية البرلمانية خلال الانتخابات التي عُقدت العام الماضي- على التمسُّك بوزارتي الصحة والشؤون البرلمانية على وجه الخصوص، فبالنسبة لوزارة الصحة، كان الحزب راغبا في الاستفادة من الميزانية الكبيرة للوزارة (نحو 340 مليون دولار) لتعزيز الولاء بين السكان الشيعة وتوفير العلاج لجرحاه من الحرب في سوريا، أما وزارة الشؤون البرلمانية فإنها تمنح الحزب سيطرة كبيرة على كيفية توزيع موازنة الدولة بين مختلف هيئات ومؤسسات الدولة اللبنانية.

    

  

كانت النتيجة النهائية لهذا الفساد المستشري هي أن الهيئات والشركات المملوكة للدولة، والمنوط بها بشكل رئيس تقديم الخدمات العامة؛ نادرا (8) ما أدَّت وظائفها بأي كفاءة، وبدلا من ذلك كانت تلك الكيانات تلتهم موازنة الدولة وتدفعها بشكل أعمق في غياهب الديون، وتُعَدُّ شركة الكهرباء المملوكة للدولة أحد أبرز الأمثلة على هذا الفساد، حيث تتلقى الشركة سنويا قرابة ملياري دولار من الدعم المالي من قِبل الحكومة، ورغم ذلك فإن قطاع الكهرباء في البلاد لم يستعد قدرته على توفير الخدمة بشكل فعال منذ الحرب الأهلية اللبنانية، ونتيجة لذلك، شرع العديد من رجال الأعمال المرتبطين بالطبقة السياسية في تشغيل مولدات كهرباء خاصة تعمل بالديزل لتوفير الطاقة للأحياء والقرى، وبالتالي يضطر المواطنون اللبنانيون اليوم لدفع رسوم الكهرباء مرتين، مرة إلى الخدمة الحكومية التي تقوم بتوفير الكهرباء لمدة تتراوح بين 3-12 ساعة يوميا حسب المنطقة وأهميتها، ومرة إلى الموردين الخاصين الذين يتقاضون رسوما أكبر مقابل تقديم الخدمة، وتحظى أنشطتهم بدعم النخبة السياسية بما في ذلك بعض الوزراء وأعضاء البرلمان المعروفين.

  

وفي حين تُعَدُّ الكهرباء أبرز الأمثلة على الفساد والاستغلال المحمي من قِبل الطبقة السياسية، حيث تعوق "مافيا المولدات" وداعموها أي جهود لإصلاح شبكة الكهرباء في البلاد من أجل الحفاظ على تدفقاتها المالية، فإن الأمر لا يقف (9) عند حدود الكهرباء فقط، فحتى التخلُّص من القمامة لم يفلت من عواقب الفساد السياسي واستغلال أمراء الحرب، وقد ظهرت ملامح هذه الأزمة بوضوح عام 2015 حين تجاوز مكب النفايات الرئيس في بيروت قدرته على استيعاب القمامة، وعلى الرغم من سنوات من التحذيرات، لم تقم الحكومة أو شركة "سوكلين" المتعاقدة معها والمُقرَّبة من عائلة رئيس الوزراء سعد الحريري بتطوير موقع بديل، وفي الوقت الذي انتهى فيه عقد سوكلين بدأ السياسيون في التحارب بينهم حول مَن سيحصل على العقد التالي وقيمته، تاركين أكوام القمامة تتراكم في الشوارع والأحياء وتُلقى في الأنهار والبحر أو تُحرق في الشوارع من قِبل المتظاهرين الغاضبين الذين خرجوا وقتها في لحظة غضب نادرة عابرة للطائفية يمكن اعتبارها مُقدِّمة للتظاهرات التي تشهدها البلاد اليوم.

    

  

لكن على الرغم من أن الكثير من اللبنانيين يرغبون منذ فترة طويلة في إلغاء نظام المحاصصة الطائفي وتقويض حكم ملوك الطوائف، فإن القليل منهم أبدوا استعدادا للذهاب في هذا الاتجاه قبل اللحظة الراهنة بسبب ذكريات الحرب الأهلية والمخاوف الكامنة بين مختلف الفصائل الدينية، والخوف من احتلال التوازن القائم بين مختلف الطوائف واحتمالية فقدان بعضها للسلطة الممنوحة لها بموجب النظام السياسي القائم. فعلى سبيل المثال، وكما تشير (10) مجلة إيكونوميست، فإن المسيحيين ربما يفقدون بعض السلطة إذا تم إلغاء النظام القائم الذي يمنحهم نصف مقاعد البرلمان بناء على حصتهم المُقدَّرة من عدد السكان وفق آخر إحصاء وطني تم إجراؤه عام 1932، حيث خشيت الحكومات المتلاحقة من أن إجراء إحصاء جديد يمكن أن يؤجِّج التوترات الطائفية، لكنّ قوائم الناخبين الصادرة عام 2016 تشير إلى أن المسيحيين يُمثِّلون فقط 37% من الناخبين اللبنانيين، وهو رقم من المُرجَّح أن يكون قد تقلَّص أكثر على مرِّ ثلاث السنوات الماضية لأن المسلمين اللبنانيين يمتلكون متوسطات أعمار أقل ويتكاثرون بسرعة أكبر.

  

يمكن لانهيار النظام الطائفي اللبناني أن يُخِلَّ أيضا بالتوازن بين السُّنة والشيعة خاصة مع تآكل نفوذ السُّنة هناك بفعل انهيار الدعم السعودي وتنامي القوة العسكرية لحزب الله، ولكن وجود أكثر من مليون لاجئ سوري يُشكِّلون نحو ربع سكان البلاد، ومعظمهم من السُّنة، هو عامل يلعب في الاتجاه المعاكس. وحتى مع تجاهل هذه الهواجس الطائفية، فمن الواضح أن المرشحين غير الطائفين قد فشلوا حتى اليوم في إقناع الناخبين بقدرتهم على توفير المزايا التي يُقدِّمها شاغلو المقاعد الحاليون، فضلا عن وجود العديد من الناخبين الأكبر سِنًّا والحاملين لذكريات الحرب الأهلية، وهؤلاء يُشكِّكون دوما في الحكمة من إلغاء نظام سياسي حافظ على سلام نسبي بين الجماعات الدينية، ويخشون أن إلغاءه ربما يؤدّي إلى نشوب صراع طائفي جديد على السلطة.

  

على شفا الانهيار

من وجهة نظر هؤلاء، فإن النظام الطائفي القائم، ورغم الفساد المستشري الذي صاحبه؛ قد نجح في بناء عقد اجتماعي تم بموجبه تقسيم ثروة لبنان بين مختلف الفصائل، وأنشأ شبكة أمان اجتماعي منعت البلد المتنوِّع مذهبيا وسياسيا من الانزلاق مجددا إلى الحرب بفضل (11) حفاظ الحكومة على تمويل نظام ريعي مستقر على الرغم من افتقار البلاد إلى موارد ريعية واضحة مثل النفط أو الغاز، وكانت الحكومة اللبنانية قادرة على فعل ذلك فقط بفضل احتياطي البلاد المستقر من العملات الأجنبية الذي ضمنته التحويلات الضخمة من المهاجرين اللبنانيين في الشتات، والاستثمارات في قطاع العقارات خاصة من قِبل دول الخليج وتركيا، بالإضافة إلى عائدات السياحة المرتفعة نسبيا خاصة من بيروت كونها وجهة مُفضَّلة للسائحين العرب على وجه الخصوص.

    

  

وبفضل هذه التدفقات، اكتسب (12) لبنان نظاما مصرفيا نشطا إلى حدٍّ كبير وفَّر رافدا ثابتا للحكومة لتوسيع إنفاقها عبر تمويل مشترياتها من الديون السيادية، ومع استمرار الحكومة في تحقيق عجز في الموازنة وإصدار ديون جديدة، كانت البنوك قادرة دوما على تلبية احتياجات الحكومة وفي الوقت نفسه تحقيق أرباح ضخمة دون مجهود كبير، ونتيجة لذلك، حافظ الناتج المحلي الإجمالي للبلاد على نمو يصل إلى نحو 9% بين عامَيْ 2006 و2010 خلال فترة الركود العالمي الكبير بفضل الإنفاق الكبير للحكومة التي استفادت أيضا من المساعدات الخارجية الضخمة التي تلقّتها من المانحين الخليجيين والأوروبيين.

  

تسبَّب هذا النموذج الاقتصادي المختل في تضخُّم حجم النظام المصرفي في البلاد مقارنة بالاقتصاد الكلي حيث بلغ حجمه 425% من الناتج المحلي الإجمالي، وبدأت التداعيات السلبية لذلك في الظهور خلال السنوات اللاحقة حين ضربت الأزمات الاقتصادية منطقة الخليج وأثّرت على وضع المهاجرين اللبنانيين الذين وجدوا أنفسهم غير قادرين على إرسال القدر نفسه من الأموال إلى بلادهم، وبالنظر إلى كون تحويلات المغتربين في الخليج شكَّلت ربع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد تقريبا، كان تأثير انهيار حجم تحويلاتهم أكبر بكثير مما توقَّع الجميع.

اعلان

 

  

أصبحت الأمور أكثر سوءا مع اشتداد الحرب الأهلية السورية على خلفية ثورتها، والأزمة السياسية التي أثارتها تلك الحرب في لبنان بسبب مشاركة حزب الله بجنوده دعما لنظام بشار الأسد وميليشياته، والضغوط التي مارسها الحزب على السياسة اللبنانية للانحياز إلى النظام السوري ورفض تعليق عضوية دمشق في الجامعة العربية، وهو ما أثار دول الخليج وفي مقدمتها السعودية التي قرَّرت إلغاء جميع حزم المساعدات المالية المقررة إلى لبنان منذ عام 2014، بالإضافة إلى الضغوط المُكثَّفة التي مارستها الحكومات الخليجية على المغتربين اللبنانيين، حيث تم إلغاء عقود العمل لآلاف اللبنانيين وترحيل المئات منهم إلى بلادهم خاصة بعدما قام حزب الله بتصعيد حربه الكلامية ضد السعودية والإمارات على وجه الخصوص.

    

  

تزامنا مع ذلك، انهارت عائدات السياحة اللبنانية بسبب نقص الزوّار من قِبل دول مجلس التعاون الخليجي الذين شكّلوا مجتمعين أكثر من 60% من الإنفاق السياحي في لبنان، وفي الوقت نفسه تقلَّصت صادرات لبنان إلى دول الخليج وانهارت الاستثمارات الخليجية في لبنان من ذروة بلغت 76% من حجم الاستثمارات المباشرة في البلاد، تاركة الحكومة في بيروت بدون مصادر مستقرة للدخل للمرة الأولى منذ نهاية الحرب الأهلية.

  

أثار انخفاض التحويلات المالية من الخارج أسئلة جوهرية حول مدى استدامة النموذج الاقتصادي اللبناني، وزاد ذلك من الضغوط المالية على البلاد خاصة مع تدفُّق قرابة مليون لاجئ سوري إلى الأراضي اللبنانية، وانهيار الصادرات اللبنانية إلى دمشق، شريكها التجاري الرئيس السابق، بفعل الحرب من نسبة 35.79% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2011 إلى نسبة 23.39% عام 2017، ما جعل الحكومة مضطرة لأول مرة لتقليص إنفاقها المتوسع وفرض تدابير تقشفية لمعالجة الإنفاق الحكومي في موازنة العام الحالي، مع علمها أن فرض مثل هذه التدابير من شأنه أن يُعطِّل شبكة الأمان الاجتماعي في البلاد، وقد يُتلف الروابط السياسية بين المواطنين ورعاتهم السياسيين، ويزيد من مخاطر نشوب اضطرابات شعبية في مواجهة حكومة ضعيفة.

   

بالنسبة للحكومة، تكمن (13) المشكلة العاجلة في الحاجة الملحة إلى خفض الإنفاق الحكومي من أجل تخفيف الضغط على العلاقة بين الليرة اللبنانية والدولار الأميركي، حيث تدعم بيروت ربط عملتها عند 1500 ليرة لكل دولار، لكن الأزمة تكمن في أن الربط القائم منذ عام 1997 يستنفد احتياطي العملات الأجنبية بشكل سريع، كما أن سعر العملة في السوق السوداء يرتفع بسرعة بما يتجاوز السعر الرسمي مما يزيد من احتمال تخفيض قيمة العملة أو الإلغاء الكامل لربط الليرة.

    

الليرة اللبنانية (رويترز)

   

غير أن إلغاء ربط العملة يمكن أن يتسبَّب بسرعة في تهاوي قيمتها، وبالتالي تآكل القوة الشرائية للمستهلكين اللبنانيين مما قد يُعرِّض العقد الاجتماعي في البلاد خلال فترة ما بعد الحرب للخطر، فضلا عن كون المضاربات على استقرار ربط الدولار يمكن أن تؤدّي إلى هروب المزيد من الاستثمارات من البلاد وقيام المُوْدِعين بتحويل أموالهم إلى الخارج، ومع الاختلال الكبير (14) في توزيع الدخل في البلد الذي تسيطر فئة الملياديرات فيه على 20% من الدخل القومي، مع حصول أغنى 1% من اللبنانيين على 25% من الدخل فيما يحصل الـ 50% الأفقر من السكان على 10% فقط من الدخل، ومع اختلالٍ كذلك فإن هروب أموال الأثرياء يمكن أن يُعرِّض البلاد لأزمة شديدة.

  

في هذا السياق المعقَّد، تُضيف العقوبات الأميركية ضد إيران طبقة جديدة من التعقيد للوضع الاقتصادي المتأزِّم بالفعل، حيث تصيب العقوبات على الكيانات المرتبطة بإيران، وفي مقدمتها حزب الله، نشاط المصارف اللبنانية في مقتل، مثل مصرف جمال ترست الذي اضطر لتصفية نفسه في سبتمبر/أيلول المنصرم بسبب العقوبات الأميركية ضده بفعل علاقته مع حزب الله ومؤسسة الشهداء الإيرانية، ويمكن أن نجد المزيد من البنوك اللبنانية نفسها متقاطعة مع شبكة العقوبات الأميركية ضد إيران في المدى القريب. وفي الواقع، يُعاني المُقرِضون اللبنانيون اليوم من أزمة مزدوجة، فمن جانب تُهدِّد الولايات المتحدة بمعاقبتهم بسبب صِلاتهم بإيران أو سوريا، ومن ناحية أخرى يُطالب البنك المركزي اللبناني بأن يشاركوا في جهود الإصلاح من خلال شراء سندات خزانة منخفضة الفائدة للمساعدة في سداد فاتورة خدمة الدين في البلاد.

  

لكنّ البنوك التي يرتبط معظمها بالسياسيين النافذين (18 بنكا ضمن أكبر 20 بنكا لبنانيا مملوكا لكبار السياسيين وأُسرهم) لن تكون قادرة على إنقاذ الحكومة حتى لو أرادت ذلك، خاصة مع كون اللبنانيين العاديين ليسوا في وضع يسمح لهم بتكديس الأموال لتغطية نفقات السياسيين المهدرين، وهو ما يعني أن الألعاب البهلوانية المالية المعقّدة التي اعتاد لبنان على ممارستها للحفاظ على تحالف المصالح بين البنوك ورؤوس أموال الشتات وخزينة البلاد قد بلغت نهايتها، وأن الوضع المالي للحكومة بات بحاجة إلى تدخل عاجل لإنقاذ الاقتصاد والسياسة اللبنانية من الانهيار.

  

الأواني المستطرقة
مع إدراك الحكومة اللبنانية لهذه الحقيقة، شرعت في لعب لعبة أخرى تُجيدها وهي ابتزاز الأموال من المانحين، حيث عرض المجتمع الدولي، بقيادة فرنسا المستعمر السابق للبنان، حزمة من المساعدات بقيمة 11 مليار دولار خلال مؤتمر "سيدر 2" في أبريل/نيسان 2018، لكن الدول المانحة ربطت حصول لبنان على هذه المساعدات بتطبيق إجراءات لتقليل الفساد المالي وفرض ميزانية تقشفية، غير أن هذه الشروط تضع البلاد في موقف صعب، ففي حين أنها تحتاج إلى الأموال الأجنبية لمنع حدوث أزمة مالية، فإن القليل من الفصائل تبدو على استعداد لتنفير مؤيديها عبر تطبيق ميزانية تقشفية أو التنازل عن مكتسباتها عن طريق قبول إجراءات صارمة لتقليل الفساد.

  

ونتيجة لذلك، فإن بيروت ليس لديها الحوافز الكافية للقيام بالإجراءات اللازمة لتحصيل هذه المعونات المشروطة لتفادي زعزعة استقرار نظامها السياسي، ويراهن سياسيو لبنان على ما يبدو على أن بإمكانهم في نهاية المطاف الاعتماد على أن العالم الخارجي المُهتم بتجنُّب عدم الاستقرار الإقليمي سيتدخَّل من أجل إنقاذهم بشكل غير مشروط كما فعل من قبل، وكا حدث مع الأردن الذي حصل على خطة إنقاذ خليجية في العام الماضي، وقبله مع البحرين.

  

بعبارة أخرى، يراهن النظام في لبنان على الأرجح على أن القوى المعادية للثورات في المنطقة، وفي مقدمتها السعودية والإمارات، لن تكون راضية عن مشهد احتشاد الشباب في ساحات بيروت للمطالبة بتغيير سياسي كبير، نظرا لاعتقاد هذه الدول أن ثورة ناجحة في لبنان -أو في أي بلد آخر في الشرق الأوسط خاصة الجيران- يمكن أن تُشكِّل سابقة جديدة في المنطقة وتُلهم الشباب الغاضبين في منطقة الخليج لاتباع خُطى لبنان، ورغم أنه لا يوجد ما يمنع أن ينجح رهان الحريري ورفاقه على المساعدات مرة أخرى، فإن هناك الكثير من العوامل التي تُشير إلى أن ذلك الرهان ربما يصبح اليوم بعيد المنال.

   

دول الخليج العربية ستُبدي تردُّدا كبيرا في تقديم أي مساعدات للبنان طالما تظن أن جزءا من هذه المساعدات سوف يصب في نهاية المطاف في خزائن حزب الله

وكالة الأنباء الأوروبية
  

على رأس هذه العوامل يأتي الصراع المتصاعد بين الولايات المتحدة وإيران. وفي حين أن واشنطن سعت تاريخيا إلى دق إسفين عميق بين الشيعة في لبنان وحزب الله، فإنها كانت حريصة على تجنُّب فرض عقوبات اقتصادية واسعة ربما تدفع المجتمع الشيعي اللبناني إلى أحضان إيران، وتضر وضع الاقتصاد اللبناني، لكن حسابات العاصمة الأميركية يبدو أنها تغيَّرت بالفعل، حيث تشير إستراتيجية أقصى ضغط الأميركية ضد إيران إلى أن واشنطن اليوم لا تُمانع في فرض عقوبات ضد القطاع المصرفي اللبناني في محاولة للضغط على حزب الله، ما يُهدِّد بتفاقم الوضع المالي للبلاد بسرعة.

  

بالمثل، فإن دول الخليج العربية ستُبدي تردُّدا كبيرا في تقديم أي مساعدات للبنان طالما تظن أن جزءا من هذه المساعدات سوف يصب في نهاية المطاف في خزائن حزب الله، خاصة أن المملكة لم تعد تثق فيما يبدو في سعد الحريري كوكيل لمصالحها في لبنان منذ أن احتجزه ولي العهد "محمد بن سلمان" عام 2017 وأجبره على الاستقالة في مشهد درامي قبل أن يتراجع الحريري عن استقالته في النهاية، فضلا عن احتمالية تطوُّر الصراع الأميركي الإيراني إلى مواجهة عسكرية يتورَّط فيها حزب الله في النهاية ما سيصعد من الانتقام الأميركي الخليجي من الاقتصاد اللبناني، بالإضافة إلى إمكانية تحوُّل الأراضي اللبنانية إلى ساحة للمواجهة العسكرية مع ما يحمله ذلك من تداعيات اقتصادية مُكلِّفة.

   

  

من الواضح إذن أن المانحين التقليديين للبنان لديهم ما يكفي من الأسباب للإحجام عن صب أموالهم في اقتصاد البلاد في الوقت الراهن ما يجعل اللجوء لتدابير التقشف أمرا حتميا في النهاية، وبالنظر إلى الرفض الشعبي للتقشف فإن فرض أي ضرائب جديدة من شأنه أن يراكم السخط الشعبي ويقوّي الاحتجاجات ويُثير الدعوات إلى إعادة صياغة العقد القائم بين الحُكَّام والمَحكومين، كما ستزيد تلك الإجراءات من الغضب الشعبي على رئيس الوزراء سعد الحريري والرئيس ميشال عون، وحتى القوى الطائفية القوية التي تحتفظ بقدم في الحكومة وقدم خارجها مثل حزب الله، والتي ستُعاني انخفاضا في رأس مالها السياسي مع عجزها عن مواصلة الإنفاق على قواعدها، ووفقا لتعبير الصحفي "أمين قمورية" في تصريحاته لـ "ميدان" فإن "نظرية الأواني المستطرقة تنطبق على جميع أركان النظام الطائفي اللبناني، فإذا ضعف طرف فإن الأطراف الأخرى ستضعف بالتبعية، والعكس صحيح".

  

هذا يترك السلطة والنخب مع خيار أوحد وفقا لـ "قمورية" وهو "محاولة تحجيم الاحتجاجات وحصرها في ساحات محددة على أمل الاستفادة من الوقت وزرع اليأس في نفوس المتظاهرين أو إحداث خلافات سياسية بينهم، وربما حتى إثارة النزعات الطائفية وزرع مجموعة دخيلة وسط الحراك في محاولة لإضعافه أو إفشاله على المدى الطويل"، أو حتى تدخُّل الطوائف المُسلَّحة بشكل مباشر لقمع الحراك بالقوة منعا لإسقاط الحكومة كما فعل حزب الله مؤخرا، ورغم أن كل الاحتمالات بالنسبة للحراك الحالي تبقى قائمة بما في ذلك استمرار التظاهرات رغم القمع أو حتى انطفاء جذوة الحراك بعد حين، يبقى هناك شيء واحد مؤكَّد هو أن الاحتجاجات الحالية تحمل بداية عصر جديد بالنسبة للبنان وإرهاصات نهاية طبقة سياسية أثبتت مرارا أنها ليست كفئا وفاسدة، وجرس إنذار للنظام الطائفي الذي يبدو أنه بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة.

اجمالي القراءات 838