الرجل الغامض في الرقابة الإدارية.. دور مصطفى السيسي في استغلال قضايا محاربة الفساد لصالح والده

في الأربعاء ١٦ - أكتوبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

صعد مصطفى السيسي، الابن الأكبر للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بسرعة في جهاز الرقابة الإدارية على غرار شقيقه الأصغر محمود الذي يتولى منصب نائب مدير المخابرات العامة والقائد الفعلي لها.

وقد يكون الرجل أقل شهرة وأكثر غموضاً من أخيه، ولكن هذا لا يقلل من نفوذه أو تأثيره، إذ أصبح مصطفى المتحكم الفعلي في هيئة الرقابة الإدارية التي ازدادت نشاطاً في جهودها لمحاربة الفساد منذ تولي الرئيس السيسي السلطة.

ومصطفى عبدالفتاح السيسي: مقدم بهيئة الرقابة الإدارية، ومتزوج من السيدة رضا ابنة عمته.

وكان مصطفى عبدالفتاح السيسي ضابطاً في المخابرات الحربية  وفي 3 سبتمبر/أيلول 2014، تم نقله إلى هيئة الرقابة الإدارية، وصار اليوم برتبة مقدم، وكثيراً ما أسندت البيانات الرسمية وتقارير الهيئة دوراً لنجل السيسي في العديد من العمليات، وهو يوصف بأنه مسؤول كبير بهذا الجهاز دون معرفة منصبه تحديداً.

وتقليدياً فإن معظم من يعملون في الهيئة من ضباط الجيش.

غموض كبير يحيط بمصطفى السيسي كما أحاط ببقية العائلة، في وقت تمر به مصر باختناق سياسي واقتصادي على حد سواء، بدت تداعياته واضحة في التعاطف الشعبي مع فيديوهات المقاول المتمرد محمد علي والتظاهرات التي استجابت لدعوته ووصفت بأنها نادرة منذ تولي عبدالفتاح السيسي إدارة شؤون البلاد.

ذراعا السيسي القويتان

ولا يمكن الحديث عن مصطفى السيسي دون الحديث عن الوالد نفسه، فلدى الأخير منذ توليه حكم مصر 2014 خطة محكمة لإحكام سيطرته على البلاد، خاصة أجهزتها الأمنية الكبرى.

فمنذ أن تولى السيسي حكم مصر سعى لتنفيذ مخططه مستفيداً من أخطاء الرئيسي مبارك الذي فقد البوصلة في العشر سنوات الأخيرة من حكمه.

فنجد أن السيسي قد وضع نجله محمود السيسي في سلم القيادة بالمخابرات العامة المصرية خلال 4 سنوات فقط، وفي نفس الوقت وضع نجله مصطفى داخل أكبر جهاز لمراقبة الفساد في مصر، وهو جهاز أمني له طبيعة خاصة، فلماذا فعل السيسي مثل هذا الأمر؟ وماذا يفعل مصطفى السيسي داخل جهاز الرقابة الإدارية؟ هل هدفه مكافحة الفساد أم له فيها مآرب أخرى؟

الأولوية للرقابة الإدارية

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي صعد مؤخراً من دور الرقابة الإدارية وتنامى هذا الدور بشكل سريع، وفق ما قالته مصادر أمنية رفيعة المستوى لـ «عربي بوست».

 ولكن لماذا؟ هل بالفعل للقضاء على الفساد الذي يتجذر في جميع مؤسسات مصر؟ أم أن الهدف له بُعد ثالث لا نراه بالعين المجردة.

 وأصبح مسؤولو الرقابة الإدارية منتشرين في عدد كبير من لجان البرلمان المسؤولة عن عدد متنوع من القضايا، في إطار مسؤولية الرقابة الإدارية في تنفيذ الخطة الاستراتيجية لمكافحة الفساد، بل وهناك ممثل للرقابة الإدارية في لجنة مكافحة الحوادث الطائفية.

مكافحة الفساد ليست الهدف الوحيد بل فلول مبارك

وفق المصادر، فإن «هدف السيسي من ذلك ليس مجرد تصعيد أبنائه، ولكن من أجل صنع دوائر مؤسسية حاكمة خاضعة له، غير تلك التي صنعها سلفه الرئيس الأسبق حسني مبارك، واعتمد عليها طوال 30 سنة من مدة حكمه، وفي نفس الوقت نرى  تحجيماً لدور الأجهزة الرقابية الأخرى مثل الجهاز المركزي للمحاسبات، الذي تمت إقالة رئيسه هشام جنينة، وشن حملة إعلامية موسعة عليه، لحديثه عن وصول تكلفة الفساد في مؤسسات الدولة إلى 600 مليار جنيه، مما أدى في النهاية إلى سجنه بتهمة نشر أخبار كاذبة، بالإضافة إلى حملات الإقالة المستمرة وإحالة العديد من وكلاء جهاز المخابرات العامة إلى المعاش.

منذ أن صعد مصطفى السيسي إلى عمله في الرقابة الإدارية، وضع الأخير خطة محكمة للقضاء على فلول نظام مبارك داخل أجهزة الدولة، لأنه يعتقد جازماً أن مثل هؤلاء قد يسببون لوالده  قلاقل ويعيقون مسيرته في السيطرة على مقاليد النظام، خاصة أنه يدرك طبيعة دور هؤلاء في معظم المصالح والوزارات الحكومية، وتحديداً قيادات الصف الثاني والثالث منهم في هذه الوزارات.

مصطفى السيسي صاحب فكرة إبعاد 1.8 مليون شخص من البطاقات التموينية الذي تراجع عنه والده

 تولى مصطفى السيسي ملفات هامة داخل هيئة الرقابة الإدارية تصب في نهايتها في تثبيت أقدام نظام السيسي، فنجد مثلاً أنه تولى ملف المنظمات غير الحكومية الأجنبية، والعمل على مراقبة مصادر تمويلها، وكذا مجلس مكافحة الإرهاب والتطرف، والمجلس الأعلى للسياحة، والاستثمار، وعلى مستوى مجلس الوزراء، وكذا المسؤول عن تقنين الكنائس غير المرخصة.

كما أنه يتولى ملف «السلع التموينية»، وهو صاحب فكرة تنقية  بطاقات الدعم وأسس لذلك نظاماً إلكترونياً خاصاً، وأصبح استخراج البطاقات التموينية أو الحذف منها خاضعاً لهذا النظام الإلكتروني الذي يرتبط بشبكة واسعة من المعلومات عن أصحاب البطاقات بهيئة الرقابة الإدارية .

عائلة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي

وأثيرت مؤخراً أزمة حذف  مليون و800 ألف مواطن من بطاقات الدعم،  وتم إرجاع المحذوفين من هذه البطاقات عقب تظاهرات  خرج فيها آلاف المصريين احتجاجاً على سوء أوضاعهم الاقتصادية والمطالبة برحيل السيسي يوم 20 سبتمبر/أيلول 2019.

لقد أصبحت وزارة التموين خاضعة بالكامل تحت سيطرة مصطفى السيسي، فنجد مثلاً تعاقدات الوزارة على شراء السلع أو استيرادها لا يتم إلا عبر مصطفى السيسي وشبكته داخل الرقابة الإدارية.

وألقى القبض على وزير بعد توليه منصبه بشهر

وفجرت الرقابة الإدارية العديد من القضايا مؤخراً،  أبرزها إلقاء القبض على وزير الزراعة الأسبق صلاح هلال، بعد اختياره وزيراً بشهر واحد.

وكذلك القبض على الأمين العام المساعد لمجلس الدولة المستشار وائل شلبي، قبل وفاته في مقر احتجازه داخل الهيئة منتحراً، بحسب الرواية الرسمية، وهي الرواية التي ترفضها أسرته وتشكك فيها، وأيضاً القبض على أمين عام المجلس الأعلى للإعلام، والذي كان السكرتير الخاص لوزير إعلام مبارك  صفوت الشريف في قضية رشوة قدرت بـ200 ألف جنيه مصري.

عشرات الضربات القوية لرؤوس الفساد داخل أروقة الهيئات والمؤسسات الحكومية والمحافظات المختلفة، بطلها هو جهاز الرقابة الإدارية الذي يعد مصطفى عبدالفتاح السيسي، نجل قائد الانقلاب، أحد قياداته.

الرئيس ونجله ينقذان الجهاز من مشكلة كبيرة 

 إلا أنه رغم ذلك نجد أن هذه الهيئة بكامل ضباطها ولواءاتها قد تورطت في فضيحة فساد كبرى بطلها «مصطفى السيسي»، وهي فضيحة أراضي الحزام الأخضر، والتي انفرد بنشر تفاصيلها موقع «عربي 21» وكشف فيها عن قيام السيسي بإصدار قرار جمهوري بتحويل أراض زراعية تبلغ مساحتها نحو 80 ألف فدان إلى أراض سكنية لتقنين وإخفاء عملية حصول أعضاء الرقابة الإدارية على هذه الأراضي التي تشوبها شبهات كثيرة.

وحسب التقرير، فإن هذه الأراضي حصل عليها أحد النافذين في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك لصالحه وصالح أحد كبار رجال الدولة عبر جمعية تعاونيه لاستصلاح الأراضي الزراعية، ولكي يضمن عدم مساءلته وزع جزءاً من الأراضي على ضباط الرقابة الإدارية، ولقد قام الرئيس السيسي بتقنين هذه الأراضي بدلاً من فتح هذا الملف الشائك.

ملفات الأمن الوطني تنتقل إلى مصطفى السيسي

استطاع مصطفى السيسي سحب الكثير من الوظائف والمهام الأمنية من جهاز «الأمن الوطني» ، «أمن الدولة سابقاً»، مثل اختيار قيادات الوظائف العليا، حيث تقوم هيئة الرقابة الإدارية  بفحص ملفاتهم للتأكد من نزاهتهم وتوافق رؤيتهم مع رؤى النظام، وهي المهمة التي كان يتولاها سابقاً جهاز الأمن الوطني، وأيضاً تعيين القضاة ووكلاء النيابة.

ومنذ تعيين مصطفى السيسي بالرقابة الإدارية، وحتى اليوم، تم ضبط عشرات قضايا الفساد لمسؤولين كبار ونواب محافظين، ووكلاء عدة وزارات، معظمهم ينتمون إلى القاعدة العريضة للحزب الوطني المنحل. 

وأعلنت الهيئة عن ضبطها 12 قضية فساد منذ بداية عام 2018، وألقت خلالها القبض على عدد من المسؤولين الحكوميين المتورطين في مخالفة القانون وقبول وطلب الرشوة.

كشف قضايا الفساد لمغازلة منظمات التمويل الأجنبية.. وعقل مصر يراقب كل المصريين

يسعى مصطفى السيسي كما قالت المصادر لـ «عربي بوست» إلى تلميع وجه أبيه ونظامه في الخارج من خلال سلسلة عمليات ضبط قضايا فساد، للحصول على التمويل اللازم في مشروعاته، وكان له دور كبير في تسريع إجراءات حصول مصر على قرض صندوق النقد الدولي وقدره 12 مليار دولار.

وضعت الرقابة الإدارية  بإشراف مصطفى السيسي قاعدة بيانات جديدة لجميع المصريين، وهو المشروع الذي أعلن عنه السيسي في وقت سابق تحت عنوان «عقل مصر»،  كمسؤول عن إنشاء سجل وطني موحد.

وهو بحسب تصريحات سابقة للسيسي عبارة عن تجميع لكافة بيانات الدولة المصرية سيوضع في مكان  ما مؤمن بشكل جيد، بالعاصمة الإدارية الجديدة، بالتزامن مع خطوات نقل الجهاز الإداري للدولة هناك، وهو مشروع يتكلف نحو 25 مليار جنيه، تشمل تكاليف إعداد قواعد البيانات المتكاملة عن مختلف أنحاء مصر والمصريين.

ولفت الرئيس خلال مشاركته في جلسة عن التحول الرقمي، بالمؤتمر الوطني السابع للشباب، إلى أن العقل الجديد للدولة هو عبارة عن مكان يضم جميع بيانات الجهاز الحكومي، يكون قادراً على التحليل وإخراج النتائج وطرح المقترحات.

 وهو من المفترض أن يساعد في رفاهية مصر من خلال برامج إصلاح وتوجيه الدعم الغذائي لصالح محدودي الدخل، والإصلاحات التي يتم تشجيعها من قِبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

اجمالي القراءات 5656