تحقيق خاص.. من يسرق الذهب في السودان؟

في الأربعاء ٠٩ - أكتوبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

يُسلّط هذا التحقيق الضوء على إحدى أكبر ثروات السودان الحيوية "الذهب"، حيث يُعتَبر البلد الشمال أفريقي أحد أهم مُنتجي المعدن النفيس في القارة، ويحاول توضيح بعض أوجه الهدر والسرقة التي تطول عملية إنتاج الذهب بالكامل، بدءا من استخراجه من المناجم عن طريق الأفراد أو الشركات، وحتى وصوله لأيدي المستثمرين الخارجيين والداخليين، مرورا بفقد كميات كبيرة تُهرّب وتُسرق لصالح كيانات ودول أخرى، وهي معلومات تأتي عن طريق عدد من التقارير الحكومية المطوّلة، وعدد من المصادر الحية الخاصة بـ"ميدان"، مصادرٌ شغل بعضها مناصب حكومية عالية المستوى مما أعطاهم منفذا لتأكيد بعض الأقاويل المتناثرة بين السودانيين حول إحدى أهم ثرواتهم المنهوبة.

ومن المهم التنويه، أننا سنُفرد في "ميدان" تقريرا خاصا آخر -سيُنشر قريبا- لقوات الدعم السريع وقائدها محمد حمدان دقلو، الشهير بحميدتي، والذي سيكشف بالوثائق والمقابلات الحصرية عن عملية نهب كبيرة أخرى لا تقل أهمية عمّا سنفرده في تقريرنا هذا، وهي عملية النهب للذهب في جبل عامر بدارفور، والذي أصبح من الحيازات غير المعلنة لقوات حميدتي عقب السيطرة عليه، وتتم حراسته عبر قوات قوامها 3300 جندي -تقريبا- محاطين بعربات التاتشر المحمّلة بأسلحة الدوشكا والراجمات التي تجوب الجبل بكثافة، بالإضافة لعشرات الدبابات

نص التقرير

يرفض المواطن السوداني "عبد الله الأمير" البالغ من العمر 45 عاما، وأحد المعدنين التقليديين العاملين في البلد الشمال أفريقي؛ تسجيل كل الكمية التي أنتجها من الذهب بسجلات الحكومة السودانية الموجودة بمطاحن صخور الذهب، وهي الكمية التي تُساوي كيلوجرام واحد فقط أنتجها خلال خمسة أشهر بمنطقة العبيدية بولاية نهر النيل شمال الخرطوم، واحدة من أهم مناطق التنقيب عن المعدن النفيس، مضيفا لـ "ميدان" أثناء محاورته: "أنا لم أترك أطفالي وأسرتي في غرب السودان لتأخذ الحكومة مجهودي لشهور وأنا أحفر الآبار وأتعرّض لخطر تهدّمها ودفني حيًّا تحت أنقاضها، وخطر استخدام الزئبق في التنقيب عن الذهب، ماذا قدّمت لي الحكومة في المقابل لأكون ملتزما بقراراتها؟".

  

يُعَدُّ "الأمير" واحدا من ثلاثة ملايين سوداني يعملون في مجال التعدين الأهلي، إحدى أهم مساحات العمل السودانية، منهم مليون مواطن يعملون في التنقيب عن الذهب، ومليونا شخص يعملون في المهن المصاحبة للتعدين مثل تكسير حجارة الذهب يدويًّا، وجلب المياه وإعداد الطعام وغسل الملابس وغيرها وفقا لأحدث وآخر تقارير وزارة المعادن الصادر في عام 2017، وقد التقى "ميدان" بالأمير بسوق الذهب وسط العاصمة الخرطوم وهو يعقد صفقة لبيع إنتاجه من المعدن الأصفر بعيدا عن أعين السلطات الأمنية المنتشرة بكثافة بالسوق الرئيسى    

 وزارة المعادن السودانية (الجزيرة)

  

يقول الأمير إنه إذا ما اضطر لتسجيل كمية الذهب التي أنتجها فإنه يُسجّل ما بين 2% إلى 10% فقط من الكمية ويُخفي باقي إنتاجه، مُحمِّلا البنك المركزيّ السودانيّ مسؤولية الفاقد التعديني (الفرق بين المنتج من الذهب وبين المُصدَّر إلى خارج السودان) بإصداره لقرارات يُلزم بها المعدنين التقليديين ببيع كل إنتاجهم من الذهب له بأسعار غير مجزية وأقل من سعر السوق، حيث يشتري البنك كيلو الذهب بـ 2,152 مليار جنيه سوداني، أي ما يُعادل 84 ألف دولار تقريبا، وهو السعر الذي حدّدته آلية تحديد تابعة للبنك المركزي بداية مايو/أيار المنصرم صعودا وهبوطا، وكان السعر قبلا هو 40 ألف دولار للكيلو الواحد.

وبينما يحصل البنك المركزي السوداني في نظر "الأمير" على الذهب من المعدنين بأسعار غير عادلة، فإنه يمنح شركات حكومية امتيازات وتسهيلات في صادرتها من الذهب، حتى إن حصيلة صادرات الذهب لا تدخل خزينة الدولة، بل تُودع في حسابات بنكية خارج البلاد. بينما يعرض تجار الذهب مبلغا يزيد على سعر البنك بنحو ألفي دولار للكيلو الواحد ويزيد وفقا للعيار، مضيفا: "مؤخرا اكتشفنا أننا نبيع بطريق غير مباشر لشركات التعدين الكبيرة عبر وسطاء"، وهو أمر يؤكّده لـ "ميدان" وزير التجارة والصناعة السوداني السابق "موسى كرامة"، موضحا أن أغلب شركات التعدين لا تُنقّب عن الذهب وإنما تعتمد على شرائه من المعدنين التقليديين.

 
 
اجمالي القراءات 1963