كيف تغسل شركات العلاقات العامة سمعة الحكومات؟ مصر والسودان نموذجًا

في الأربعاء ١١ - سبتمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

قبل أسابيع انتشر خبر تعاقد المجلس العسكري السوداني مع شركة علاقة عامة كندية، مالكها ضابط موساد إسرائيلي سابق، تُدعى ديكينز آند مادسون، التي تتخذ من مونتريال مقرًا لها، بهدف تحسين صورة قادته من جنرالات الجيش، وتقديمهم للمجتمع الدولي. لم ترد تفاصيل حول ماهية الشركة أو آلياتها التي تعتمدها في عملية الترويج وتحسين صورة الحكومة، وما هي وسائلها الفاعلة لمحو السجل السيئ لجنرالاتها المُتهمين في عمليات قتل وحروب أهلية كحال حميدتي قائد قوات الدعم السريع.

في التقرير التالي نحاول التعرف على وسائل الشركة الكندية في تحسين الصورة، وآليات تفعيل مهمتها، في ضوء تواصل مع مصادر على اتصال بقادة الجيش، وكذلك بعد فحص عدد من مهام هذه الشركات التي تُلزمها وزارة العدل الأمريكية بنشر تفاصيل أنشطتها وتسجيل عقودها على موقعها الرسمي، باعتبارها شركة تتعامل مع السلطات الأمريكية.

على عكس المعارضة.. كيف ينظم عسكر السودان صفوفهم ضد الثورة؟

النظام المصري «زبون» عند شركات العلاقات العامة الأمريكية

انتشرت أخبار تعاقد الحكومات العربية وأجهزتها الأمنية والعسكرية مع شركات علاقات عامة على مدار السنوات الماضية، بهدف تحسين صورتها عند الغرب، وبالأخص توثيق علاقتها عند دوائر الحكم في واشنطن. فالتعريف بالحُكام الجدد لدوائر الإعلام والحُكم في واشنطن هو الهدف الأسمى لهذه الشركات التي تكشف الوثائق المنشورة على موقع وزارة العدل الأمريكية طبيعة هذه المهام والأدوار.

كانت نوعية الأنشطة التي قدمتها شركة «جلوفر بارك» للحكومة المصرية كاشفة عن طبيعة هذه الأدوار في مرحلة سياسية مفصلية لنظام الحُكم الجديد بعد 30 يونيو (حزيران) 2013، والإطاحة بنظام الحُكم المدني المنتخب، بهدف تعريفه لدوائر صناعة القرار في واشنطن والغرب، ومحو بعض وقائع الانتهاكات، وتحديدًا واقعتي فض اعتصامي رابعة والنهضة.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال حضوره اجتماع سابق

في حالة مصر كان اختيار خلفية المسؤولين المنتمين للتيار المحافظ هدفًا للشركة بهدف الترويج لللنظام الجديد كحال جوي دراكر نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون مجلس النواب، حيث جاء اسمه في ثلاث مخاطبات على مدار ثلاثة أيام متتالية، كما يرد اسمه في مخاطبات بينه وبين الشركة في الأشهر المقبلة، والتي كررت التواصل معه بشأن تأكيد الجلسة المخصصة لمصر في الكونجرس.

وفي 22 نوفمبر (تشرين الثاني) خاطبت الشركة عددًا من وسائل الإعلام الأمريكية، وعددًا من الصحف الأمريكية لمطالبتهم بالاهتمام بالظهور الإعلامي للمسؤولين المصريين الذين يشاركون في زيارة رسمية لأمريكا.

وتبرز الوثائق كذلك اسم «الواشنطن تايمز» كإحدى المنصات الإعلامية التي عُوّل عليها في الترويج لزيارات الوفود المصرية من خلال مخاطبتها أكثر من مرة، وهي الصحيفة التي اختارها الرئيس عبد الفتاح السيسي لتنشر له مقاله الأول على صفحات الإعلام الأمريكي، خلال زيارته لنيويورك أثناء حضوره اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما نشر وزير الخارجية الأسبق نبيل فهمي مقالًا على صفحاتها يوم 22 يوليو (تموز) 2013، تحدث فيه عن «فرصة مصر الثانية لتأسيس ديمقراطية حقيقية».

بعيدًا عن التصريحات المعلنة.. كيف تفكر أمريكا في أزمة السودان؟

كيف سعى المجلس العسكري السوداني إلى تلميع صورته في الخارج؟

بدأت الشركة الكندية التي تدعى ديكي ومادسون مهامها، وسط ظروف شديدة السوء وانطباعات دولية متبرمة من حُكم المجلس العسكري، في ضوء صورة جنرالاته كمُجرمي حرب، وتحديدًا حميدتي الذي وقع العقد نيابة عن المجلس العسكري السودني، وذلك في مايو (أيار) العام الجاري.

كانت الغاية الكُبرى من وراء تعاقد الشركة الكندية هو تأمين اجتماع علني مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأن تكون وسيطة للمجلس العسكري لتسويق سياسته ومحو صورته السلبية عنه، وإعادة تقديمه كباحث عن التوافق مع قوى الحرية والتغيير، فضلًا عن تأمين وصول إمدادات صفقات السلاح.

حميدتي مُمثل المجلس العسكري في التوقيع على العقد مع الشركة الكندية

إلى جانب ذلك فقد شكل الدفاع عن جنرالات المؤسسة العسكرية من فرض عقوبات مستهدفة، أو عرقلة التحقيق في جرائم الحرب في جنوب السودان أحد مهام الشركة إلى جانب تسويق قادة الجيش في روسيا بهدف ترتيب «اجتماعات خاصة مع كبار الشخصيات السياسية الروسية وغيرها» إلى جانب تأمين شحنات المساعدات من القمح والوقود وعلف الحيوانات.

وحسب تصريحات سابقة لرئيس الشركة، أري بن-ميناشي، لـ«بي بي سي»، فإن هدف التوصل إلى اتفاق مع المجلس العسكري «لمساعدتهم في تشكيل حكومة مدنية، وجلب اقتصادي مؤهل، ورئيس وزراء مؤهل لإدارة البلاد حتى إجراء انتخابات عامة، وترتيب الأوضاع الحالية».

ولعل هذا التصريح يعزز من احتمالية مسؤولية الشركة، ضمن مهامها المتنوعة، في الموافقة على ترشيح الخبير الاقتصادي الدولي، أحمد عبد الله حمدوك لمنصب رئيس الوزراء في السودان خلال المرحلة الانتقالية، والذي بدأ مهامه  التي ستستمر لمدة ثلاث سنوات.

فخلفية الرجل الاقتصادية، حيث عاش خارج السودان لسنوات طويلة، ودرس في جامعات بريطانيا، وشغل مناصب دولية رفيعة كـ«منظمة العمل الدولية»، و«اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة لهيئة الأمم المتحدة»، و«المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية (IDEA)»، كُلها سمات للمسئول الذي تبحث عنه الشركة الكندية، ويكون وسيلة تمحو بها الانطباعات السلبية.

بحسب ثلاثة مصادر في «تجمع المهنيين»، تحدثوا لـ«ساسة بوست» شريطة عدم الكشف عن هويتهم، فالشركة الكندية كان لها الدور الأهم في مواصلة الضغوط على قادة المجلس العسكري لتوقيع الاتفاق مع قوى الحرية والتغيير، وتشكيل المجلس السيادي، مقابل تنازلات ضمنتها الشركة لعدد من الدول الغربية باستمرار إمداد البلاد بصفقات السلاح، ورفع العقوبات الأمريكية على قادة المجلس وبالأخص حميدتي.

بينما يقول عبد الفتاح عرمان، وهو باحث سوداني مُقيم في العاصمة الأمريكية، أنه بحسب العقد الموقع بين الشركة الكندية والمجلس العسكري، فقد تم الاتفاق على تحسين صورة المجلس العسكري لدى الإدارة الأمريكية وترتيب لقاءات لقادة المجلس العسكري مع كبار المسؤولين الأمريكيين.

وأضاف عرمان في تصريحات لـ«ساسة بوست» أنه بعد عملية فض الاعتصام في الثالث من يونيو، تغيرت الصورة في واشنطن فيما يتعلق بسلوك المجلس العسكري الأمر الذي دفع اليوت انجل، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بكامل عضويتها من الحزبين الديمقراطي والجمهوري بمطالبة وزيري الخارجية والخزانة الأمريكيين بفرض عقوبات على محمد حمدان دقلو، نائب رئيس المجلس العسكري وقائد قوات «الدعم السريع» بصفته المسؤول عن فض الاعتصام. وقد تأخر إعلان فرض العقوبات لإعضاء فرصة للجهود الدبلوماسية لنزع فتيل الازمة بين المجلس العسكري و«قوى الحرية والتغيير»، وهو ما قد كان. لذا فمهمة الشركة الكندية شبه مستحيلة بعد كارثة فض الاعتصام.

ويُكمل عرمان قائلًا: «نعم، كان المجلس العسكري بحاجة لخدمات تلك الشركة لتقنين وجوده حاكما طوال الفترة الانتقالية بعد فشله في التوصل لاتفاق مع قوى الحرية في مطلع مايو، وكان نيته الحكم منفردا لعامين، وفشل مسلكه ذلك. وهناك أخبار راجت في الخرطوم عن طلب المجلس العسكري للشركة المعنية بارجاع المبلغ المتفق عليه، ورفض رئيس الشركة الكندية التعليق عليه مما يؤكد صحته».

ويستطرد عرمان أن السلطات الاميركية تسمح بعمل شركات العلاقات العامة وتطلب بتسجيل العقودات رسميًا لها وتتيحها للعامة للاطلاع عليها كما هو الحال مع الشركة المعنية.

لماذا تفشل ثورات السودانيين ضد العسكر كل مرة؟

وتساعده في الداخل أيضًا

على خلاف وسائل الشركة التي بدأت العمل عليها بهدف تحسين صورة المجلس العسكري خارجيًا، اتجهت في الداخل لآليات آخرى لرسم صورة مغايرة لجنرالات السودان عند مواطنييها. ولم يتسن لمُحرر «ساسة بوست» التأكد من أن تكون الشركة هي مصدر هذه الرسائل التي وصلت على أرقام هواتف مئات المواطنين، على مدار الأسابيع الأخيرة وإن كانت تدور الكثير من التكهنات بين المحللين والمتابعين حول ذلك.

واحدة من هذه الرسائل وصلت لعشرات الأشخاص، بعد وفض الاعتصام بأسبوعين، جاء نصها كالتالي: «هل تعلم أن هنالك مسؤولًا كبيرًا في قوات «الدعم السريع» متهم بأمر فض الاعتصام ومعه ضباط وجنود الآن داخل المعتقل والآن جاري التحقيق معهم».

بينما تضمن نص رسالة أخرى «هل تعلم أنه لولا تدخل قوات (الدعم السريع) لكان عدد الشهداء بعد سقوط البشير من الممكن أن يصل إلى 5 آلاف شهيد من قبل كتائب الظل، والكتائب الأخرى التي لم تظهر خوفًا من الدعم السريع».

إلى جانب هذه الرسائل التي تركزت مضامينها للترويج لسياسة المجلس العسكري، وجنرالاته، تأسست عشرات الصفحات على موقع «فيسبوك» التي تروج لمقالات وتنشر أخبارًا مغلوطة تهدف لتصحيح صورة المجلس العسكري.

واحدة من هذه الصفحات التي تأسست عقب الأحداث الأخيرة هي صفحة «قوات الدعم السريع – الإعلام الإلكتروني»، التي اعتادت نشر أخبار ترويجية بحق حميدتي ومقاطع فيديو لكافة جولاته في الداخل، كما فعلت في منتصف الشهر الحالي بنشر «قوات الدعم السريع.. حملة درء الكوارث ومتضرري السيول والأمطار بمناطق جنوب الخرطوم. القائد في الميدان مع المواطن في كُل مايهمه».

وحسب مصدر إعلامي مُقرب من المجلس العسكري، تحدث لـ«ساسة بوست» شريطة عدم الكشف عن هويته، فإن الشركة الكندية برزت مهامها في الداخل والتي تمثلت في دفع قادة المجلس العسكري لإيلاء أهمية أكبر بالإعلام الألكتروني سواء في التواصل مع عموم المواطنين، أو حتى التواصل مع الصحافيين».

يكشف المصدر كذلك عن تأسيس صفحة على «واتساب» لـ«إعلام القصر الجمهوري»من جانب الفريق الركن شمس الدين الكباشي رئيس اللجنة السياسية والناطق الرسمي باسم المجلس العسكري السوداني الانتقالي، تختص بها مجموعة من الصحافيين «المنتقين» لنشر أخبار البلاد، ومدهم بمعلومات حصرية، وصور خاصة بهدف الترويج لهم.

إلى جانب هذه المجموعة، فقد تأسست مئات الصفحات الإلكترونية، وعشرات الحسابات الوهمية، لمحو أي صورة «سيئة» عن المجلس، تضطلع بمهام رئيسة في نشر وقائع بعينها، أو اختلاقها ونشرها عبر إعادة إرسالها لآلاف الأشخاص وفقًا له. وكانت إدارة «فيسبوك»، قد أعلنت حذف حسابات وصفحات ومجموعات وهمية بعضها موجهة من الخارج نحو السودان.

وقالت إنها وفقا لمتابعات فقد حذفت 259 حسابًا وهميًا و102 صفحة وهمية وسبع مجموعات انطلقت منها حملات نحو دول كالسودان، وليبيا، وتركيا، وقطر بلغ متابعوها 13 مليون.

اجمالي القراءات 548