ثورة التبغ.. 4 مواد لن تصدق أنها أشعلت حروبًا وثورات طاحنة

في السبت ٠٧ - سبتمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

نعيش اليوم في عالم تنتشر فيه الحروب على الموارد الطبيعيّة النفيسة، مثل النفط والغاز والمياه والمعادن، ورغم أنّ الحروب في العالم قديمة قِدم الانسان نفسه، إلاّ أن دوافعها والأسباب المحرّكة لها تختلف من عصر إلى آخر.

في هذا التقرير، نعود بآلة الزمن إلى الوراء قليلاً لنتطرّق إلى أربع سلع متوفّرة غالبًا في مطبخك اليوم بكميّات معتبرة ويمكن شراؤها بكلّ سهولة من أقرب بقالة، لكنها كانت سببًا في اندلاع  العديد من الحروب والثورات في الماضي.

1- الشاي.. مشروبك المفضّل كان سببًا في استقلال أمريكا!

يعرف عن البريطانيّين ولعهم الشديد بشُرب الشاي، إذ يصل حجم استهلاك الفرد البريطاني لهذا المشروب إلى 800 فنجان في السنة. لكن، هل يصل ولعُك بمشروبك المفضّل إلى درجة إشعال حرب طاحنة من دول أخرى من أجله؟

 

 

بعد حرب السنوات السبع بين فرنسا وبريطانيا، خرجت الأخيرة في النهاية منتصرة سنة 1763، لكن ذلك لم يكن دون تكلفة حربيّة فادحة، فمع نهاية الحرب كانت المملكة البريطانيّة مُفلسة تمامًا، وهو ما عنى أنّ عليها الحصول على موارد جديدة وفرض ضرائب على المستعمرات، وقد كان الهدف الأسهل لهذه الضرائب هو السلعة الأكثر رواجًا حينها في بريطانيا وأمريكا على حدّ سواء؛ الشاي.

ولذلك قامت بريطانيا بإصدار قانون جديد يمنح «شركة الهند الشرقية»، وهي أكبر الشركات البريطانية وذراعها الاستعماري في العالم حينها، يمنحها حقّ احتكار المتاجرة بمادّة الشاي في أمريكا، وهو ما يعني منع التجّار الأمريكيين من استيراده بأنفسهم.  

استفزّ هذا القرار الأمريكيين الذين رأوا فيه وسيلة لإخضاعهم وتكريس الهيمنة البريطانيّة على حياتهم، ورأوا أنّ أفضل ردّ على «قانون الشاي» هو التعرّض للسُفُن البريطانية التي تأتي محمّلة بالشاي وإجبارها على المغادرة، وهو ما جرى فعلاً في كل من نيويورك وفيلاديلفيا وبوسطن، إذ اقتحم الأمريكيون سُفُن الشاي وقاموا بإلقاء حمولتها في البحر، وهو ما شكّل فتيل الحرب بين البريطانيين والأمريكيين.

يرى المؤرّخون أن هذه الحادثة -بالإضافة إلى تفاصيل تاريخيّة أخرى- كانت هي المحرّك الرئيسي للثورة الأمريكية على البريطانيين، والتي انتهت باستقلال أمريكا. وبالتالي فإن المشروب المفضّل للكثيرين اليوم قد لعب دورًا تاريخيًّا مهمًّا في قصّة استقلال أمريكا عن بريطانيا.

تاريخ الملح والتوابل التي لا يخلو منها منزل.. كانت أثمن من الذهب في الماضي!

لكن الثورة الأمريكيّة ليست الحرب الوحيدة التي خاضتها بريطانيا بسبب الشاي، ففي القرن التاسع عشر، بدأ النزاع بين بريطانيا والصين -التي كانت المصدر الرئيسي للشاي- بسبب رغبة بريطانيا في السيطرة على المبادلات التجاريّة مع الصين بالقوّة وتأمين مصدرها الرئيسي من الشاي، فيما رأت الصين أنّ الميزان التجاري بين البلدين يميل بدرجة مُجحفة تجاه بريطانيا في الوقت الذي تحقّق فيه الصين الاكتفاء الذاتي ولا ترغب في فتح أسواقها للبريطانيين.

وقد تطوّرت هذه الخلافات لتندلع ما تسمّى بـ«حرب الأفيون الأولى» بين الصين وبريطانيا، إثر احتجاز الصين لحمولة من الأفيون كانت بحوزة السفن البريطانيّة، وقد انتهت الحرب بخسارة مذلّة للصين، جعلتها توقّع حينها معاهدة تحمل اسم «الاتفاقيّة المُجحفة» (the unfair treaty)، تعهّدت الصين فيها بفتح خمسة موانئ للتجارة مع بريطانيا، وتعويض حمولة الأفيون المحتجزة، وتسليم هونج كونج لبريطانيا.

2-حرب السكّر.. صراع الإمبراطوريّات على «الذهب الأبيض»

عندما تشتري السكّر من محلّ البقالة بثمن زهيد وترى العُلب موزّعة في الرفّوف على مدّ البصر، أو عندما تضع قِطعة منه في فنجان القهوة أو الشاي، قد لا يخطر ببالك بأنّ هذه المادّة قد كانت السبب في إشعال حروب وثورات طاحنة قبل عشرات السنين، لكن هذا بالضبط ما حدث في البرازيل خلال القرن السادس عشر، فقد كانت هذه المادّة التي تضعها في فنجان قهوتك لتخفّف نوعًا ما من مرارتها، السببَ في انتعاش تجارة العبيد الأفارقة.

 

 

عمّال في مزرعة قصب السكّر

خلال القرن السادس عشر، كان العالم ساحة للحروب التجاريّة بين الإمبراطوريات والشركات الكبرى التابعة لها من أجل السيطرة على الأسواق وطرق التجارة والموارد الغنيّة والأراضي الزراعية الخصبة، بالتحديد بين كلّ من البرتغال وإسبانيا وهولندا. وفي خضمّ هذا التنافس المحموم، استطاعت البرتغال أن تُنشئ اقتصادًا مبنيًّا على السكر في مستعمرتها بالبرازيل، وسرعان ما أصبحت الأراضي البرازيلية من خلال التقنيات الزراعية التي جلبها البرتغاليّون، بالإضافة إلى العمالة المجانيّة الممثّلة في العبيد الذين جرى جلبهم من أفريقيا؛ المصدر الرئيسي للسكّر في العالم.

هذا المورد الثمين أسال لُعاب المنافس الأوروبيّ اللدود للبرتغاليين حينها، «شركة الهند الغربيّة» الهولنديّة التي كانت تسعى للسيطرة على المستعمرات البرتغاليّة في أمريكا وأفريقيا؛ وبالفعل استطاعت الشركة احتلال الشمال الشرقي للبرازيل لتسيطر بذلك على محاصيل السكّر، وتحصل على العمالة الرخيصة من خلال مستعمراتها في أفريقيا، وبذلك انتزعت من البرتغاليين تجارة السكّر في العالم.

لكن سيطرة الهولنديين لم تستمرّ لفترة طويلة، إذ نظّم فلاّحو قصب السكّر أنفسهم في ميليشيات مسلّحة، كان يجري تمويلها من خلال محاصيل قصب السكّر التي يمتلكونها، وخاضوا حرب عصابات ضد الهولنديين فيما يسمّى بـ«حرب السكّر» التي اندلعت في أواسط القرن السابع عشر، لتنتهي بخسارة الهولنديين لأراضيهم في البرازيل.

3- الملح.. لهذا يباع الخُبز في إيطاليا بدون مِلح

لعل الكثيرين عندما يضعون القليل من الملح على طعامهم أو حين يجدونه يباع بأبخس الأثمان في المحلّات، قد لا يدركون أنه كان السبب في اندلاع حروب طاحنة في التاريخ، وأنّه كان له دور أيقونيّ في التحوّلات الكبرى في عدّة بلدان على غرار الهند، منذ «مسيرة الملح» التي قادها غاندي ضد الاحتلال البريطاني للهند، حين فرض البريطانيون احتكار إنتاج الملح ومنعوا الهنود من تصنيعه، قاد غاندي مسيرةً على الأقدام بطول 240 ميلا من مدينة أحمد أباد وسط الهند إلى البحر احتجاجًا على السياسة البريطانيّة. العصيان المدني الذي قاده غاندي بطريقة سلميّة أدّى في النهاية إلى استقلال الهند وألهم العديد من التجارب في الكثير من أنحاء العالم.

 

 

«مسيرة الملح» بقيادة غاندي

عندما تزور مدينة بيروجيا الواقعة في وسط إيطاليا، فضع في حسبانك أنّهم سيقدّمون لك الخبز دون ملح، والسبب -حسب بعض الروايات- يرجع إلى ما يسمّى بـ«حرب الملح» الطاحنة التي نشبت بين هذه المدينة وبين إمارة الكنيسة في القرن السادس بعشر.

بعد عدّة محاولات للسيطرة على مدينة بيروجيا الإيطالية من طرف إمارة الكنيسة، ومع تنصيب البابا الجديد بول الثالث، أمر بإصدار ضريبة جديدة على الملح، وهو ما عدّه سكّان بيروجيا مخالفًا للاتفاق السابق الذي أقرّه البابا في بداية تنصيبه، والذي يفيد بأنّه سيحترم جميع الاتفاقيات التي وقّعها الباباوات الذين سبقوه؛ ومن هنا اندلعت انتفاضة ضد البابا بول الثالث في سنة 1540 بقيادة الثوّار االبيروجيين سُمّيت بـ«حرب الملح»، إذ قاد قوّات البابا ابنه من أجل قمع الانتفاضة الشعبيّة. وتشير بعض الروايات إلى أنّ سكّان بيروجيا، احتجاجًا على ضريبة الملح التي أقرّها البابا، امتنعوا عن وضع الملح في الخبز نهائيًّا.

4-التبغ.. حين غيّرت السجائر وجه إيران للأبد

مرّة أخرى يكون البريطانيّون طرفًا في احتكار سلعة ما، ومرّة أخرى يؤدّي هذا الاحتكار إلى نشوب حرب أو ثورة ما أو تغيير سياسيّ عميق. وقّع شاه إيران، ناصر الدين شاه، سنة 1890 اتفاقًا يمنح البريطانيين حقّ احتكار تجارة التنباك (التبغ) الإيراني لشركة يرأسها أحد المقرّبين من رئيس الوزراء البريطاني آنذاك اللورد ساليزبوري. وقد كان لهذا القرار انعكاسات كارثيّة على عشرات الآلاف من الإيرانيين، إذ إن التبغ آنذاك أحد أهمّ السلع التي يقوم عليها الاقتصاد الإيراني، إذ يشتغل في قطاع التبغ نحو 20% من الإيرانيين.

 

 

امرأة إيرانيّة

وقد أدّى القرار إلى غضب شعبيّ كبير انفجر على شكل مسيرات ومظاهرات في عدّة مدن إيرانيّة مطالبة بإلغاء القرار وسحب الامتيازات من بريطانيا فيما عُرف بـ«ثورة التنباك» أو ثورة التبغ.

لكن أثر هذه الاحتجاجات كان أكثر من مجرّد حالة غضب من القرار الملكيّ نفسه، إذ شهدت بروز قوّة مضادة لنظام الشاه متمثّلة في الحوزة الشيعية بقيادة زعيمها ميرزا حسن الشيرازي، والذي راسل الشاه مطالبًا إياه بإلغاء قرار منح الامتياز للبريطانيّين، ليتطوّر الصراع بين الشاه ورجال الحوزة، بعد إصدار الشيرازي فتوى بتحريم استهلاك التبغ، والذي لقي استجابة واسعة من الشارع الإيراني. ويرى الباحثون في التاريخ أنّ «ثورة التبغ» كان لها دور محوريّ في تبلور الوعي السياسي في إيران والذي أدّى إلى الثورة الدستوريّة التي حدّت من صلاحيات الشاه سنة 1905.

اجمالي القراءات 488