الإمارات ومصر تديران حربا إلكترونية لدعم الأنظمة الاستبدادية

في السبت ٠٧ - سبتمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

بعد أيام من قيام الجنود السودانيين بقتل المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في الخرطوم في يونيو/حزيران، بدأت شركة تسويق رقمي غامضة في القاهرة في نشر محاربيها الإلكترونيين على جبهة ثانية في عملية سرية هدفت لمدح الجيش السوداني وتحسين صورته على مواقع التواصل الاجتماعي.

قامت الشركة المصرية التي يديرها ضابط سابق في الجيش يوصف بأنه خبير في حروب الإنترنت بدفع مبلغ يعادل 180 دولارا شهريا لموظفيها مقابل كتابة رسائل مؤيدة للجيش السوداني باستخدام حسابات مزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر وإنستغرام، إضافة إلى تطبيق التواصل تليغرام، في حين تولى المدربون اختيار الوسوم وتحديد العناصر الرئيسية للحملة الترويجية.

وأخبرت الشركة موظفيها أنه منذ الإطاحة بالرئيس "عمر البشير" في السودان في أبريل/ نيسان، قام المحتجون بنشر الفوضى في البلاد. كما زعمت الشركة إن مطالبات المحتجين بالديمقراطية كانت خطيرة وسابقة لأوانها وأنه لا بد من استعادة النظام أولا.

وقال أحد المدربين لموظفيه: "نحن في حالة حرب. الأمن متدهور ولابد للجيش أن يتولى الحكم".

وتعد حملات التأثير السري في الرأي العام أحد الأدوات المفضلة للقادة الاستبداديين في دول مثل الصين وروسيا وغيرها، حيث تتكامل تكتيكات التلاعب في وسائل التواصل الاجتماعي مع القبضة الحديدية في الشوارع. لكن في الشرق الأوسط، يتم تنسيق هذه الحملات بشكل عابر للحدود بهدف التعزيز الجماعي للحكم الاستبدادي ومنع تكرار احتجاجات الربيع العربي لعام 2011.

وكان الجهد المصري السري لدعم الجيش السوداني على وسائل التواصل الاجتماعي هذا الصيف من قبل الشركة المسماة "نيو ويفز" مجرد جزء من عملية أكبر بكثير امتدت في الشرق الأوسط واستهدفت أشخاصا في تسع دول على الأقل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفقا لبيانات "فيسبوك".

حملة منسقة

تم الكشف عن تفاصيل الحملة في 1 أغسطس/آب حين أعلن "فيسبوك" قيامه بإغلاق مئات الحسابات التي تديرها شركة "نيو ويفز" وشركة إماراتية أخرى تحمل اسما شبيها وهو "ني ويف". وقد عملت الشركتان معا باستخدام الأموال وتكتيكات الخداع والحسابات المميزة للتأثير على جمهور يقدر بـ14 مليون متابع على فيسبوك إضافة إلى آلاف آخرين على إنستغرام.

ورغم أن متحدثا باسم "فيسبوك" قال إن الشركة لم تعثر على أدلة كافية لربط العملية بحكومات مصر أو الإمارات العربية المتحدة، فإن هناك العديد من الإشارات على وجود مثل هذا الرابط.

وقد تقاعد "عمرو حسين" صاحب شركة "نيو ويفز" من الجيش المصري في عام 2001، ويصف نفسه على صفحته على فيسبوك أنه "باحث في حروب الإنترنت". ويعد "حسين" مؤيدا قويا للزعيم المصري الاستبدادي "عبد الفتاح السيسي" وسبق أن أبدى علنا تأييده لحملة "السيسي" الصارمة لتقييد حرية الإنترنت.

كما تعمل شركة مملوكة لـ"حسين" في أحد مشروعات الإسكان المملوكة للجيش في شرق القاهرة، حيث يتم تحذير الموظفين من التحدث إلى الغرباء حول عملهم.

وتعد الرسائل التي تمررها "نيو ويفز" انعكاسا واضحا لأهداف السياسة الخارجية لكل من مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وتشكل الدول الثلاث معا محورا استبداديا قويا يتمتع بنفوذ هائل في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وتعمل هذه الدول معا من أجل تعزيز سلطة الحكام المستبدين في جميع أنحاء المنطقة، كما يقومون بالتدخل في العديد من الحروب الإقليمية.

وقد حصلت "نيويورك تايمز" على تفاصيل تخص الأعمال الداخلية لـ"نيو ويفز" من قبل أربعة أشخاص على دراية بأنشطتها تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم بسبب حساسية الأمر مع السلطات المصرية.

في قلب الحملة

وردا على اتهامات فيسبوك، قام "عمرو حسين" بنفي جميع ادعاءات الشركة ونفي أي صلة له بدولة الإمارات.

في المقابل، قال النشطاء السودانيون الذين لاحظوا زيادة في نشاط وسائل التواصل الاجتماعي المؤيدة للجيش خلال الصيف إنهم لم يفاجأوا بالتعرف على الحملة.

وقال "محمد سليمان"، وهو مهندس مقيم في بوسطن ومؤيد لحركة الاحتجاج السودانية: "كانت هناك الكثير من الروايات المزيفة". وأضاف: "الأخبار المزيفة هي مصدر خطر حقيقي على السودان. إذا كان هناك أي ثورة مضادة على الإطلاق ، فإن إحدى وسائل النظام الرئيسية ستكون وسائل الإعلام الاجتماعية".

وقال فيسبوك إن الشركات المصرية والإماراتية عملت سويًا لإدارة 361 حسابًا وصفحة، بإجمالي عدد متابعين يبلغ حوالي 13.7 ملايين شخص. وأنفقت الدولتان 167 ألف دولار على الإعلانات الممولة، واستخدم النشطاء الموظفين من البلدين هويات زائفة لإخفاء طبيعة أنشطتهم.

وشملت الحملة الدعائية منشورات مؤيدة لأمير الحرب الليبي "خليفة حفتر" المتحالف مع كل من مصر والإمارات، كما بثت الحملة موادا مؤيدة لدولة الإمارات العربية المتحدة ومنتقدة لقطر، الذي تعد خصما للسعودية والإمارات ومصر.

وقامت منشورات أخرى بالترويج للحرب التي تقودها السعودية والإمارات في اليمن، كما دعمت استقلال أرض الصومال، وهو إقليم انفصالي يتمتع بالحكم الذاتي في الدولة الصومالي، وتمتلك الإمارات نفوذا كبيرا فيه ضمن مساعيها لتعزيز وجودها في القرن الأفريقي.

وأدرج الموقع الإلكتروني للشركة الإماراتية، "ني ويف" التي قامت بإغلاق صفحتها على فيسبوك بعد إعلان تورطها في الحملة الدعائية المشبوهة في الأول من أغسطس/آب، أدرج وصفا للشركة باعتبارها مجمعا إعلاميا مملوكا للحكومة في أبوظبي.

ووفقا للمصادر، لدى "ني ويف" 10 موظفين فقط مسجلين بشكل رسمي، ويديرها "محمد حمدان الزعابي" وهو أحد المسؤولين في وزارة التجارة الخارجية الإماراتية.

وفي القاهرة، تم إخبار المتطوعين في عمليات "نيو ويفز" التي تستهدف السودان إن مهمتهم هي خلق "توازن" بين الجيش والمتظاهرين على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقال أحد المدربين: " نحن نفعل شيئًا كبيرًا جد ومهما جدا. في الماضي كانت الحروب تدار بالأسلحة، والآن تدار من خلال مواقع التواصل الاجتماعي".

وكانت مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة من الداعمين الرئيسيين للجنرالات السودانيين الذين استولوا على السلطة في أبريل/نيسان. وعرض السعوديون والإماراتيون 3 مليارات دولار كمساعدات للخرطوم بينما قدمت مصر الدعم الدبلوماسي.

رغم ذلك، كان من الصعب السيطرة على مساحة وسائل التواصل الاجتماعي النابضة بالحياة في السودان.

ومنذ الاحتجاجات الأولى ضد حكم "البشير" في ديسمبر/كانون الأول 2018، استخدم قادة الاحتجاجات الإنترنت لتعبئة الحشود، والتحايل على الرقابة الرسمية وجذب الدعم من المشاهير العالميين مثل نجمة البوب ​​"ريهانا".

وخلال ساعات من مذبحة المتظاهرين في الخرطوم في 3 يونيو/حزيران ، كان أول عمل للجيش هو حجب الإنترنت في السودان. ولاحقا، تحول الجيش إلى وسائل التواصل الاجتماعي في محاولة لتحسين صورته.

وبثت الحسابات الإلكترونية التي تديرها فرق الدعم السريع، وهي الكتائب العسكرية النافذة التي يديرها الجنرال "محمد حمدان دوغلو" المشهور باسم "حميدتي"، بثت صورا ومقاطع فيديو لـ"حميدتي" نفسه وهو يطهو الطعام ويلقي خطابات حماسية في المسيرات مطالبا برفع أجور المعلمين. وقد قام الناشطون الثوريون بتقديم التماس إلى فيسبوك لإغلاق هذه الحسابات محتجين بأن موقع التواصل الشهير يقوم بتوفير منصة دعائية لأحد مجرمي الحرب.

وقام فيسبوك برفض هذه الالتماسات بحجمة أن قوات الدعم السريع صارت جزءا من هيكل الدولة، وأن "حميدتي" نفسه يشغل موقعا بارزا في هيكل السلطة الجديد الذي يدير البلاد.

في الوقت نفسه، لاحظ نشطاء الديمقراطية السودانيون شيئًا غريبًا: مجموعة من الحسابات على موقع تويتر تحمل أسماء مزيفة، وغالبًا ما تستخدم صورًا لممثلين أو موسيقيين بارزين. وقد تأكد النشطاء من كون هذه الحسابات مزيفة من خلال الأخطاء الواضحة في استخدام اللغة العربية التي تشير أن مستخدمي الحسابات ربما يكونون غير سودانيين.

على سبيل المثال، يشير هؤلاء المغردون الوهميون إلى السودان بصيغة "المؤنث"، بينما يكتبها السودانيون بصيغة "المذكر".

حملة ضد حرية الإنترنت

تعد عمليات "نيو ويفز" أحد تجليات نهج الدولة المصرية الهادف للتحكم في النقاش العام عبر الإنترنت. وفي عهد "السيسي"، حظرت مصر أكثر من 500 موقع على شبكة الإنترنت وأدخلت قوانين تجرِّم انتقاد الحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي التي وصفها "السيسي" بأنها "تهديد للأمن القومي".

وكثيراً ما يتم سجن المنتقدين عبر الإنترنت في مصر. وفي 7 يوليو/تموز ، تم القبص على "ريم محمد دسوقي"، وهي مواطنة مصرية أمريكية، لدى وصولها إلى مطار القاهرة مع ابنها البالغ من العمر 13 عامًا، حيث قام المسؤولون بمصادرة هاتف السيدة "ريم" ومطالعة منشوراتها الخاصة على فيسبوك بك قبل أن يقوموا باتهامها باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتقويض مصر

وتقبع "ريم الدسوقي" الآن في سجن القناطر خارج القاهرة، فيما عاد ابنها إلى الولايات المتحدة.

وبين عامي 2015 و2017، كان "عمرو حسين" مالك "نيو ويفز" يكتب عمودا في جريدة البوابة المؤيدة للجيش. وفي الخريف الماضي، قام ببث حملة توعية تحذر المصريين من مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي.

وقال "حسين" في مقابلة تلفزيونية مع قناة مؤيدة للدولة: "منذ عام 2011، انتقلت الحرب إلى مواقع التواصل الاجتماعي". وأشار في المقابلة إلى الحكمة النازية الشهيرة: "كلما كانت الكذبة أكبر، كلما زاد عدد مصدقيها".

وقال "فيسبوك" إن المديرين في "نيو ويفز" وشقيقتها الإماراتية بذلوا قصارى جهدهم لإخفاء دورهم في حملة التأثير في الشرق الأوسط حيث سجلوا حسابات مزيفة لإدارة صفحات فيسبوك زعمت أنها منصات إخبارية في تسع دول مختلفة بما في ذلك السودان والصومال والكويت وليبيا.

وغالبا ما كانت الصحفات تبث أخبارا حقيقية أو عناصر ترفيهية خفيفة مثل الرسوم المتحركة ، تتخللها الأخبار المزيفة التي تحوي الرسائل المقصود تمريرها.

على سبيل المثال، ترتبط صفحة "السودان اليوم" على فيسبوك بموقع على الإنترنت يحمل نفس الاسم. وقد نشر الموقع 17 مقالة في الفترة من مايو/أيار إلى أغسطس/آب الماضيين اتهمت جماعة الإخوان المسلمين بالتآمر للإطاحة بالمجلس العسكري الانتقالي في السودان، إضافة إلى 60 مقالة أخرى تمحورت حول دعم "حميدتي" والترويج له.

وشارك فيسبوك النتائج التي توصل إليها مع موقع تويتر الذي قام هو الآخر بحذف حسابات "نيو ويفز" والعديد من الحسابات السودانية الأخرى.

في مقابلة تلفزيونية في يوليو/تموز، زعم "حسين" أن شركته لا تدير سوى عملا وحدا في الوقت الراهن وهو عرض مسرحي تديره الدولة باسم "أوبرا بنت عربي". وقال إنه يتحدث كثيرا عن وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها بسبب قناعته بالخصوصية التي تمتلكها المجتمعات في الشرق الأوسط.

وقال: "أنا أتحدث عن مخاطر هذه الوسائل ليس فقط في مصر ولكن في عالمنا بأسره".

اجمالي القراءات 504