كواليس الإطاحة بأسامة كمال: خريجو «البرنامج الرئاسي» يديرون فضائيات المخابرات

في الثلاثاء ٠٣ - سبتمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

في السادس من أغسطس الماضي، كان الإعلامي أسامة كمال يستعد كالمعتاد للتوجه إلى مقر قناة «دي إم سي» بمدينة الإنتاج الإعلامي، لتقديم حلقة الثلاثاء من برنامج «مساء دي إم سي»، قبل أن يخبره أحد أفراد فريق إعداد البرنامج عبر الهاتف أن الإعلامي رامي رضوان متواجد في مقر القناة بصحبة فريق الإعداد الخاص به، ويستعد لتقديم الحلقة بدلًا منه.

اعتقد كمال أن خطأً ما حدث في جدولة المذيعين، فأجرى اتصالًا هاتفيًا بقيادة أمنية كبيرة تتولى شؤون القناة وتفاصيلها اليومية؛ للاستعلام عما يحدث، فجاءت الإجابة الصادمة: «ليس هناك خطأ، رامي سيقدم الحلقة بدلًا منك اليوم والأيام المقبلة لحين ورود تعليمات جديدة». 

قبل هذه المكالمة، كان كمال يقدم حلقات البرنامج من الثلاثاء إلى الجمعة أسبوعيًا، وفي نهاية حلقة الجمعة 2 أغسطس، شكر المتابعين، على وعد باللقاء يوم الثلاثاء، وهو ما لم يحدث، ليستمر رضوان في تقديم البرنامج، دون إعلان رسمي -حتى اﻵن- عن إيقاف أو رحيل أسامة كمال، أو سبب استبداله برامي رضوان، أو حتى نفي ما تداولته مواقع صحفية عن رحيل كمال عن القناة.

 

على كل حال، كان خروج أسامة كمال من «دي إم سي» متوقعًا، خاصة بعدما شهدت الفترة الأخيرة توترات كثيرة بينه وبين القائمين على القناة، بسبب عدم رضائهم عن أدائه، وعدم رضائه أيضًا عن قرار تخفيض راتبه بنسبة 50% والذي تم اتخاذه في ديسمبر 2018، وهو ما يمكن ملاحظته في رد كمال في مايو الماضي على سؤال عن حقيقة رحيله من القناة؛ «لن أتركها، ولكن ما أعرفش ممكن أترفد ولا لأ، الله أعلم»، أما غير المتوقع فكان الطريقة التي تم بها هذا الخروج وسببه.

مصدر مطلع داخل القناة أكد لـ «مدى مصر» أن إدارة «دي إم سي» أنهت بالفعل تعاقدها مع كمال، موضحًا أن سبب هذه الخطوة هو تغيير أجراه كمال في فقرات آخر حلقة ظهر فيها كمقدم لـ «مساء دي إم سي»، إذ طلب من فريق الإعداد تأجيل إحدى الفقرات للحلقة المقبلة، حتى تأخذ حقها في المناقشة، نظرًا لازدحام الفقرات قياسًا لوقت الحلقة، وهو ما تم بالفعل.

هذا التغيير الذي جرى في الدقائق اﻷخيرة قبل بدء تصوير الحلقة هو أمر معتاد في البرامج التليفزيونية، غير أنه كتب نهاية مشوار أسامة كمال مع القناة، وربما مع قنوات أخرى، في المستقبل القريب على اﻷقل، والسبب هو ما كشف عنه المصدر، من أن فريق الإعداد كان قد تلقى بريدًا إلكترونيًا يحمل قائمة بالموضوعات التي سيتم مناقشتها في ذلك اليوم، وقائمة الضيوف الذين سيتحدثون في كل موضوع، وهو ما أصبح معتادًا بالنسبة لهم طوال شهرين.

بحسب المصدر، كان معدو البرامج يتلقون طوال الشهرين السابقين على تلك الواقعة إيميلات يومية من خريجي البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب PLP، تحوي تلك الإيميلات قائمة موضوعات وضيوف كل برنامج.

ويضيف المصدر أن خريجي PLP أصبحوا -منذ شهرين- هم فريق التحرير الفعلي لسلسلة القنوات المملوكة لجهاز المخابرات العامة، بموجب تكليف حصلوا عليه من القيادات اﻷمنية المتولية مسؤولية تلك القنوات، والذين يحظى هؤلاء الخريجين بثقتهم الكاملة بحكم طريقة اختيارهم، والتدريبات التي حصلوا عليها، وفي القلب منها تدريبات أمنية منها ما يتعلق بالأمن القومي، ما يجعلهم البديل الذي يراه صناع القرار أكثر وعيًا وأكثر تأهيلًا لتولي ملف الإعلام في الفترة المقبلة.

واختتم المصدر بأن أسامة كمال لم يغادر القناة وحده، بل غادر معه فريق إعداد البرنامج بالكامل؛ عقابًا لهم على عدم تنفيذ الأوامر، وذلك رغم توسط أكثر من قيادة واسم مهم في القناة للإبقاء عليهم أو على بعضهم، لكن الوسيط وجد إصرارًا على مغادرة الفريق بأكمله، لتكون رسالة واضحة لباقي العاملين في مختلف القنوات.

تمتلك المخابرات العامة شبكة «دي إم سي»، ومجموعة قنوات «أون»، وتليفزيون «الحياة»، وتليفزيون «النهار»، وحصة حاكمة في قنوات «سي بي سي»، فضلًا عن راديو «9090»، وعدد من المواقع الصحفية.

ما قاله المصدر العامل في «دي إم سي» أكده مصدر آخر يعمل في قناة «الحياة»، والذي أضاف أن ما ترسله «فرق الإعداد الموازية» من شباب صيغة نهائية غير مسموح بتغيير حرف واحد فيها أو حتى مناقشته، وهو الأمر الذي يصفه بأنه يثير استياء جميع العاملين بمن فيهم مقدمي البرامج ورؤساء التحرير الذين شعروا بتهميش دورهم وتحويلهم إلى مجرد منفذين لسياسات وأفكار شباب ليست لديهم خبرة بالعمل الإعلامي، وهو ما يظهر في اختياراتهم للموضوعات والضيوف.

وأضاف مصدر «الحياة» أنه في الأسبوع الأول من تطبيق هذه التجربة حدثت محاولات من جانب بعض المذيعين ورؤساء التحرير لإجراء بعض التعديلات على الصيغ والموضوعات المرسلة، وأجروا اتصالات عديدة بالقيادات الأمنية التي اعتادوا على التعامل معها في تسيير أمور العمل اليومية، وكانت الإجابة دومًا الرفض القاطع والإصرار على تنفيذ القائمة كما وردت، حتى الزاوية التي يجب تناول الموضوع منها، فرضخوا في النهاية للأمر الواقع لأن البديل الوحيد لذلك قد يتعدى الإقالة من مواقعهم، وصولًا للخروج نهائيًا من المشهد الإعلامي.

مقدم برامج في «النهار» زاد على الروايتين السابقتين بقوله إن هذا النظام الجديد هو السبب في حملات التسريح التي شهدتها معظم الفضائيات المصرية في الفترة الأخيرة، حيث لم تعد فرق الإعداد أكثر من منفذين للأفكار، يتابعونها فقط وقت الهواء ويتابعون حضور الضيوف الذين يكون شباب PLP اتفقوا معهم أصلًا، وتوقع المصدر تسريح المزيد من العاملين في الأيام المقبلة، على أن يقتصر الأمر في النهاية على مُعد واحد أو اثنين في كل برنامج للقيام بهذه المهمة.

وأضاف أن دور خريجي PLP لا يقتصر على إدارة المحتوى الإعلامي في الفضائيات، وبنسبة أقل حتى الآن في الصحف، لكنه لمس دورهم بشدة في مؤتمر الشباب الأخير، حيث كانوا هم الآمر الناهي في كل ما يخص المؤتمر، والمتحدثين والمذيعين المشاركين فيه، وأنهم هم من كانوا يرتبون المحاور والأسئلة ويحذرون المذيعين من الخروج عنها، مشيرًا إلى أنه من الواضح حصولهم على ضوء أخضر لتولي كل ما يخص ملف الإعلام وتسيير أموره اليومية لأن هذا ينعكس بشدة على تعاملهم الصارم مع قيادات إعلامية لها أسماء كبيرة وباع طويل في المجال.

كان البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة قد انطلق في سبتمبر 2015، بمبادرة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، بهدف «إنشاء قاعدة قوية وغنية من الكفاءات الشبابية كي تكون مؤهلة للعمل السياسي، والإداري، والمجتمعي بالدولة، من خلال اطلاعها على أحدث نظريات الإدارة والتخطيط العلمي والعملي، وزيادة قدرتها على تطبيق الأساليب الحديثة لمواجهة المشكلات التي تحيط بالدولة المصرية».

وبحسب الموقع الرسمي للبرنامج فإن فترة الالتحاق به تصل إلى ثمانية شهور، ويشترط أن يكون المتقدم حاصل على مؤهل جامعي، وأن يكون عمره بين 20 و30 عامًا عند التقديم، وأن يكون المتقدم مصري الجنسية، وحسن السير والسلوك.

اجمالي القراءات 2227