مئات الأطباء الباكستانيين يستعدون للترحيل المفاجئ من السعودية بسبب شهاداتهم الجامعية

في الإثنين ٠٢ - سبتمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

كشف موقع Middle East Eye البريطاني أن مئات الأطباء الباكستانيين في المملكة العربية السعودية يستعدون لفقدان وظائفهم وترحيلهم؛ بعد قرار المملكة الخليجية المفاجئ، في وقتٍ سابق من الشهر الجاري (سبتمبر/أيلول)، عدم اعتماد الشهادات العُليا الباكستانية بالتخصصات الطبية.

مئات الأطباء الباكستانيين يستعدون للترحيل من السعودية 

حسبما قال الموقع البريطاني، فوفقاً لخطابات إنهاء الخدمة التي صدرت عن الهيئة السعودية للتخصصات الصحية ونقلتها صحيفة Dawn الباكستانية في 7 أغسطس/آب، لم تعد السلطات السعودية تعترف بشهادة الماجستير الباكستانية في الجراحة وشهادة الدكتوراه الباكستانية بالطب ضِمن المؤهلات المقبولة للحصول على ترخيص مزاولة مهنة الطب.

وتقول الهيئة في أحد الخطابات إلى أحد الأطباء: «لقد رُفِض طلبك للحصول على ترخيص مزاولة المهنة. والسبب هو أنَّ شهادة الماجستير الباكستانية غير مقبولة وفقاً لمعايير أنظمة الهيئة».  

وذكرت الصحيفة الباكستانية أنَّ غالبية الذين تلقوا الرسالة طُلبِ منهم مغادرة البلاد أو الاستعداد للترحيل الوشيك.

هذا وادَّعت الهيئة السعودية أنَّ هذه الدرجات العلمية تفتقر إلى التدريب الطبي الأساسي اللازم لشغل الوظائف العليا.

ومثَّلت هذه الأخبار صدمة لكثير من الأطباء الباكستانيين في السعودية، والذين يعمل كثير منهم في المملكة منذ عقود.

وذلك بسبب عدم اعتراف المملكة بشهادات الماجستير والدكتوراه الباكستانية

وفي هذا الصدد، تحدَّث زاهد، الذي طلب ذكر اسمه الأول فقط، إلى موقع Middle East Eye البريطاني. وهو طبيبٌ من بين نحو ألف طبيب باكستاني يعيشون في المملكة العربية السعودية وأُلغيت رخصتهم الطبية نتيجةً للقرار الأخير.

وقال زاهد من منزله في مدينة جدة الساحلية السعودية: «يحاكمني زملائي في المستشفى، إذ يعتقدون أنني أتيت إلى هنا بشهادةٍ مزورة».

وأضاف: «كل شيء فعلته صار موضع شك. أنا في حالة صدمة تامة، ومصدر رزقي أصبح في خطر». 

وأردف: «غيَّرت الهيئة السعودية للتخصصات الصحية المعايير المهنية بين عشية وضحاها دون أي إخطار سابق. ليست لدينا أي فكرة عمَّا سيحدث بعد ذلك».

جديرٌ بالذكر أنَّ عملية الحصول على ترخيص في المملكة العربية السعودية تستغرق عدة أشهر، وكثيراً ما يمارس الأطباء عملهم حتى يصدر الترخيص.

ولكن في ظل الظروف الحالية، قال عديد من الأطباء الذين اتصل بهم موقع Middle East Eyeـ إنَّهم لم يتلقوا أي ردود بنَّاءة على طلباتهم من الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، لذا كانوا يعملون دون ترخيص معتمد حتى يجري ترحيلهم.

وذكر زاهد أنَّ ما دفعه إلى الانتقال إلى المملكة العربية السعودية هو تحسين ظروف معيشته هو وأسرته.

إذ قال: «أتيت إلى المملكة العربية السعودية لجني أموال كثيرة، فأنا أجني هنا عشرة أضعاف (نحو 6 آلاف دولار شهرياً) ما كنت سأجنيه في باكستان (ما يزيد قليلاً على 600 دولار في الشهر)، لكنني قلقٌ للغاية، لأنَّ ذلك أصبح مهدَّداً بالزوال».

ورغم إغراءات العمل في السعودية فإن مشكلة ترحيل الباكستانيين باتت مؤرقة 

من جانبه قال الطبيب تيبو سلطان، وهو عضوٌ في الجمعية الطبية الباكستانية، إنَّ هناك عديداً من الأسباب التي تُغري الأطباء الباكستانيين بالعمل في السعودية. فبالإضافة إلى المزايا المالية، يختار عديد من الأطباء في جنوبي آسيا السفر إلى المملكة، لأنَّها تضم أقدس أماكن العبادة الإسلامية بمكة والمدينة، حيث يمكنهم أداء فريضة الحج، التي تكون مُكلِّفة بالطرق الأخرى.  

وأضاف سلطان أنَّ من الأسباب الأخرى لارتفاع عدد الأطباء المهاجرين، العنف الطائفي في بعض المدن الباكستانية مثل كراتشي وبلوشستان، لا سيما في أوائل العقد الأول من القرن الحالي. إذ شهدت هذه الفترة مقتل كثير من الأطباء والموظفين المسلمين، ومعظمهم من الشيعة؛ وهو ما دفع أكثر من 2000 طبيب إلى مغادرة البلاد؛ خوفاً على حياتهم.

وفي السياق نفسه، اتهم بعض الأطباء المتضررين كلية الأطباء والجراحين في باكستان بأنَّها المسؤولة عن محنتهم الحالية.

إذ قال طبيبٌ من مستشفى خاص في جدة، لموقع Middle East Eye، طالباً عدم الكشف عن هويته، إنَّ أحد مسؤولي الهيئة السعودية للتخصصات الصحية أخبره بأنَّ كلية الأطباء والجرَّاحين الباكستانية نفسها أبلغت السلطات الصحية السعودية أنَّ معظم الشهادات التي حصل عليها الأطباء الباكستانيون تستند إلى أبحاثٍ فقط، وليست سريرية.

وأضاف الطبيب أنَّ هناك وفداً من كلية الأطباء والجرَّاحين الباكستانية زار المملكة العربية السعودية في يوليو/تموز الماضي، وأنَّ هذا الوفد زعم آنذاك أنَّ كلية الأطباء والجرَّاحين هي الجامعة الوحيدة بباكستان التي تجري ممارسات سريرية في برامج شهاداتها، وأنَّ الجامعات الباكستانية الأخرى تقدم شهادات طبية تُركِّز على الجانب الأكاديمي فقط.

بيد أنَّ الطبيب وحيد أحمد، وهو جراح في المملكة منذ عشر سنوات، أنكر هذا الادعاء.

وقال إنَّ المشكلة الرئيسية هي أنَّ عديداً من مسؤولي الاعتماد الصحي السعودي «لا يفهمون نظام التصنيف في أثناء تعيين الأطباء الأجانب».

وأضاف أنَّ معظم الأطباء حصلوا على شهاداتهم من أفضل الجامعات الباكستانية، وضمن ذلك جامعة القائد الأعظم بالعاصمة الباكستانية إسلام آباد، وجامعة الملك إدوارد الطبية في لاهور، وجامعة لياقت للصحة والعلوم الطبية بكراتشي، وهي شهادات تعترف بها المملكة العربية السعودية منذ عام 1962.

وقال وحيد: «السعوديون يحاولون جعل الوظائف الطبية حكراً على الأطباء السعوديين، وهذا لن يضر المرضى في المملكة فحسب، بل سيؤثر كذلك في التحويلات المالية الكبيرة بين البلدين».

في حين تحقق وزارة الصحة الباكستانية بالأمر

من جانبه لم يردَّ رئيس كلية الأطباء والجرَّاحين الباكستانية، ظفر الله تشودري، على طلب موقع Middle East Eye التعليق على هذا الأمر. 

وعلى صعيدٍ آخر، ورَد أنَّ وزارة الصحة الباكستانية تحقق في الأمر، وفقاً لبيان صادر عن هيئة الإذاعة الباكستانية. وأصدر وزير الصحة الباكستاني، ظفر ميزرا، تعليماتٍ لوزارته بالتواصل مع الحكومة السعودية، للتحقيق في الأمر.

ومن جانبها لم تردَّ وزارة الصحة الباكستانية على طلبات موقع Middle East Eye المتعددة للتعليق على الموضوع.

لكنَّ سلطان قال إنَّ تدخُّل وزارة الصحة الباكستانية لن يكون له تأثيرٌ على الأرجح، لأنَّها «ليست على درايةٍ بالممارسات المطبقة في معايير الأهلية السعودية، ولذلك فهي غير قادرة على مساعدة الأطباء المتضريين بطريقةٍ مجدية».

في حين حذَّر زاهد من أنَّ ترحيل الأطباء الباكستانيين سيخلق عجزاً في الأطباء المحترفين الماهرين ذوي الخبرة المتخصصة في المملكة العربية السعودية.

وقال: «المجلس الصحي السعودي يؤذي المرضى في المملكة».

لكن الحكومة الباكستانية لم تعلق على قرارات الترحيل حتى الآن

قال عديد من الأطباء الذين تركوا وظائفهم، إنَّهم فوجئوا بعدم وجود ردٍّ رسمي من الحكومة الباكستانية.

لكنَّ عدم جرأة رئيس الوزراء الباكستاني على انتقاد القرار السعودي يرجع على الأرجح إلى اقتصاد باكستان غير المستقر، إذ قبلت باكستان عدة قروضٍ من المملكة العربية السعودية، وهي تعلم أنَّ القروض مشروطةٌ ببعض القيود. 

ومع اقتراب الاقتصاد الباكستاني من حافة الانهيار، فقد لا تكون البلاد في وضع يُمكِّنها من تعريض القروض التي هي في أمسِّ الحاجة إليها للخطر.

وقال مايكل كوجلمان، نائب مدير برنامج Asia وزميل بارز لقسم جنوبي آسيا بمركز أبحاث Wilson Centre الذي يتخذ واشنطن مقراً له، إن النفوذ السعودي في هذه الدولة المتعثرة مالياً قد يُثني باكستان عن إدانة الإجراءات الأخيرة.

وصرَّح لموقع Middle East Eye البريطاني: «لا أعتقد أن علينا المبالغة في تقدير تأثير قرار واحد بترحيل مجموعة من الأطباء الباكستانيين، رغم عددهم الكبير، على العلاقات بين باكستان والسعودية». 

وتابع: «وعلى الرغم من ذلك، أعتقد أن السعوديين قد يكونون يعتقدون أن حزمة الإنقاذ الأخيرة التي أرسلوها إلى إسلام آباد ستشتري لهم بعض النفوذ الإضافي؛ ومن ثم ستوفر لهم تفويضاً مطلقاً لاتخاذ خطوات، واثقين بأن إسلام آباد لن تشكو بصوت عالٍ حتى وإن كانت مستاءة». 

وهذا ليس بخبر جيد للأطباء المعرَّضين لخطر الترحيل.

يقول زاهد إنه يعيش في طي النسيان، ولم يتلقَّ رداً من اللجنة السعودية التي تقدّم بطلبه إليها منذ عشرة أشهر.

ويوضح: «أصبح مستقبلي في المملكة مشكوكاً فيه. لديَّ عائلة، وطفلي مسجَّل في مدرسة هنا، وسيعاني الجميع إذا خسرت عملي».

وأضاف: «إذا رُحِّلت، فلن يكون هناك أي ضمان يمكنني توفيره لعائلتي في باكستان، لأن الوضع هناك متزعزع».

اجمالي القراءات 1329