الإخفاء القسري... مأزق يورّط الدولة في مصر

في الخميس ٢٩ - أغسطس - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

في الخامس عشر من أغسطس/ آب الجاري، كان عيد ميلاد إسلام الشافعي، ذلك الشاب المصري العشريني المختفي قسرياً. وعلى الرغم من الغياب، فقد حرص كثيرون على معايدته على صفحته الخاصة على موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي، متمنّين أن يكون بخير حيثما هو وأن يعود قريباً. والشافعي طبيب بيطري مختفٍ قسرياً منذ أكثر من عام في مصر، تحديداً منذ 30 يوليو/ تموز 2018. وقد انقطعت كلّ أخباره منذ ذلك الحين، باستثناء معلومة واحدة حصلت عليها عائلته بطريقة غير رسمية تشير إلى وجوده في مقرّ الأمن الوطني بمدينة نصر. عندها سارعت العائلة إلى إرسال برقية إلى النائب العام المصري من دون جدوى، ولم يبقَ أمامها إلا خيط أمل وحيد هو ظهوره سليماً معافى. 
ومصير الشافعي يتشابه ومصير آخرين مختفين قسرياً في البلاد، ما زال البحث عنهم قائماً على قدم وساق، فيما تعمد منظمات حقوقية مصرية ودولية إلى إحداث ضجيج واسع من أجل حثّ السلطات على الكشف عن مصائرهم وأماكن وجودهم. من هؤلاء المختفين قسرياً الباحث في المفوضية المصرية للحقوق والحريات، إبراهيم عز الدين، المختفي قسرياً منذ ألقي القبض عليه في الحادي عشر من يونيو/ حزيران 2019. يُذكر أنّه بعد اختفائه، أطلقت المفوضية وسم #إبراهيم_عز_الدين_فين، فيما قدّم محامو المفوضية بلاغات إلى النائب العام للمطالبة بالكشف عن مكان احتجازه فوراً والسماح له بالتواصل مع محاميه وأسرته. من جهتها، أرسلت والدته تلغرافاً إلى النائب العام لتوثيق واقعة القبض عليه من أمام منزله من دون الكشف عن إذن من النيابة أو إبلاغه بأسباب توقيفه. يُذكر أنّ إبراهيم عز الدين هو باحث عمراني في المفوضية المصرية للحقوق والحريات، حاصل على بكالوريوس في الهندسة - قسم التخطيط العمراني من جامعة الأزهر. 
في السياق، يُذكر البرلماني السابق والسياسي المصري المعروف مصطفى النجار المختفي قسرياً منذ 13 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2018. ففي ذلك التاريخ، نشر موقع صحيفة "الدستور" المصرية الخاصة خبراً يفيد بأنّ وحدة تنفيذ الأحكام في مديرية أمن القاهرة ألقت القبض على النجار الصادر في حقّه حكم بالحبس في قضية إهانة القضاء. وفي اليوم نفسه، نشرت صفحة النجار على موقع "فيسبوك" أنّه ألقي القبض عليه بعد مكالمة هاتفية بينه وبين أسرته. وانتشر على الأثر وسم #مصطفى_النجار_فين، فيما استُحدثت صفحة على "فيسبوك" عنوانها هو الوسم نفسه، تضمّنت مطالبات ونداءات وشهادات من زوجته وأخواته وأصدقائه موجّهة إلى المجتمع المحلي وكذلك الدولي. وفي 18 من الشهر نفسه، أصدرت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، وهي منظمة إعلامية رسمية متحدثة باسم الحكومة، بياناً حمل عنوان "مصطفى النجار ليس محبوساً ولا علم للسلطات بمكان هروبه حتى الآن". يُذكر أنّه قبل النفي الرسمي، كانت وسائل إعلام أجنبية قد تحدّثت عن احتجاز النجار في معسكر الشلال الواقع في جنوب أسوان، علماً أنّه يتبع إلى جهاز الاستخبارات الحربية. 

في سطور قليلة، يمكن تلخيص قصص اختفاء قسري طاولت مصريين، غير أنّه من غير الممكن، في آلاف من السطور، وصف حجم المعاناة واللوعة والفقد والرعب التي تعيشها أسرهم وأصدقاؤهم ومحبّوهم في كلّ يوم يمضي من دون ورود أيّ معلومة تخصّهم. يُذكر أنّ هؤلاء المختفين قسرياً يُقدّرون بالآلاف، وثمّة من حظي من بينهم بقدر من الشهرة والضجيج فيما تئنّ أسر عدد منهم بصمت، وذلك في خلال السنوات الستّ الماضية، منذ الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر الحديث. ويرى مراقبون أنّ عدد المختفين قسرياً في مصر يرتفع بشكل مرعب في كل عام، بل تحوّل الأمر إلى جريمة ممنهجة يمارسها النظام المصري منذ الثالث من يوليو/ تموز 2013 في حقّ معارضيه السياسيين وغيرهم من المواطنين العاديين. 
وكانت حملة "أوقفوا الاختفاء القسري"، وهي مبادرة حقوقية مصرية، قد وثّقت في تقرير أخير لها، تعرّض 179 شخصاً للاختفاء القسري في خلال الفترة الممتدة ما بين الأوّل من سبتمبر/ أيلول 2018 وحتى 28 فبراير/ شباط 2019. وبحسب الحملة نفسها، فقد رُصدت حالات الاختفاء القسري في الفترات الممتدة ما بين 30 يونيو/ حزيران 2013 وحتى الأوّل من أغسطس/ آب 2018، بإجمالي 1520 حالة. 
في السياق، في الفترة الزمنية الممتدة ما بين أغسطس/ آب 2017 وحتى الشهر نفسه من عام 2018، بلغ عدد حالات الاختفاء القسري في مصر نحو 1989 حالة ظهرت منها 1830 حالة، بحسب ما تفيد منظمات حقوقية مصرية وفق رصد وتوثيق فريق منظمة "كوميتي فور جستس". وكانت "كوميتي فور جستس" قد أوضحت في أواخر سبتمبر/ أيلول 2018، أنّ التقرير السنوي الصادر عن الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي في الأمم المتحدة وثّق استمرار جريمة الاختفاء القسري في مصر بشكل ممنهج في حقّ الناشطين والحقوقيين وعدد من المواطنين، فيما سُجّل عدم تعاون من قبل السلطات المصرية معه في "الإجراءات" بشكل كبير، وذلك بالتزامن مع تقلّص مساحة المجتمع المدني في مصر واستهداف الناشطين الحقوقيين الذين يعملون علي توثيق جرائم الاختفاء القسري من قبل قوات الأمن المصرية. 
تجدر الإشارة إلى أنّ الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري تُلزم في المادتَين 18 و24 منها الدول الموقّعة عليها باعتبار أهالي المختفين قسرياً ضحايا وبالتالي يتوجّب على الدولة أن تلتزم بتقديم كل المعلومات المتاحة لديها حولهم ومعاقبة المجرمين في حقهم والتعويض وجبر الضرر. 
وكان الرأي العام الدولي قد بدأ يشعر بفداحة جريمة الاختفاء القسري في عام 2010، عندما عبّرت عنه الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرار حمل رقم 65/209 صادر في 21 ديسمبر/ كانون الثاني 2010. وقد أعربت الجمعية عن قلقها إزاء ازدياد حالات الاختفاء القسري وخصّصت لجنة معنيّة بذلك ورحّبت بالاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري التي اعتُمدت ونُشرت على الملأ وفُتح مجال التوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 61/177 الصادر في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2006. واليوم، في 30 أغسطس/ آب 2019، يحلّ اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري للعام التاسع على التوالي، وسط فُجْر السلطات المصرية في التوسّع في تلك الجريمة ومناشدات أممية لا تملك آليات للضغط من أجل الكشف عن مصائر كل الضحايا.
اجمالي القراءات 1150