لماذا أصبح التعليم عبئا على المصريين؟

في الخميس ٢٩ - أغسطس - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

لم يكن في مخيلة الشاب مصطفى فاروق أن ماضيه التعليمي سيتحكم في المستقبل الدراسي لأبنائه، فجميع المدارس الخاصة التي رغب في إلحاق ابنته بها رفضت طلبه بدعوى أن الأب صاحب مؤهل متوسط واشترطت حصوله على مؤهل جامعي.

معاناة مصطفى لا تقتصر عليه وحده داخل المنظومة التعليمية في مصر، فمع بداية كل عام دراسي يلجأ كثير من أولياء الأمور إلى مواقع التواصل الاجتماعي لطرح مخاوفهم من الموسم الدراسي والمشاكل التي يواجهونها.

وتتعدد المشكلات التي يواجهها الطلبة وأولياء الأمور بين اختبارات القبول في المدارس الخاصة ونفقاتها المرتفعة، وسوء المناهج التعليمية التي لا تواكب المناهج العالمية، إلى جانب قلة عدد الفصول في المدارس الحكومية وغياب الرقابة عليها.

وبحسب آخر تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مارس/آذار الماضي، يوجد في مصر 52 ألفًا و664 مدرسة، منها 45 ألفًا و279 مدرسة حكومية و7358 مدرسة خاصة.


جودة التعليم بمصر في مرتبة متأخرة دوليا وفق مؤشرات عالمية (الجزيرة)
جودة التعليم بمصر في مرتبة متأخرة دوليا وفق مؤشرات عالمية (الجزيرة)

التعليم الخاص
مع بداية كل عام دراسي تسيطر حالة من القلق على أولياء الأمور الراغبين في إلحاق أبنائهم بالمدارس الخاصة التي يُقبل عليها المواطنون خلال الأعوام الأخيرة مع تدني الخدمة التي تقدمها المؤسسات التعليمية الحكومية.

مبعث القلق هو الشروط التي تضعها المدارس لإلحاق التلاميذ بها تحت مسمى اختبار القبول، فضلا عن ارتفاع المصروفات الدراسية التي تصل في أقصى حالاتها جنونا إلى 450 ألف جنيه في العام الواحد (نحو 27 ألف دولار).

وتتضمن اختبارات قبول التلاميذ أسئلة لا تتناسب مع أطفال لا تتجاوز أعمارهم الثلاث سنوات، مثل سؤال الطفل عن الألوان باللغة الإنجليزية.

وإذا ما نجح الطفل في اختبار القبول فربما يقف والداه عقبة أمام إلحاقه بالمدرسة دون قصد منهما، فنجد مثلا بعض المدارس ترفض طالبا بدعوى أن والديه منفصلان، أو لكون الأب والأم غير حاصلين على مؤهل جامعي، أو لأن الوالدين لا يتحدثان الإنجليزية أو الفرنسية.

رحلة المعاناة مع المدارس الخاصة لا تنتهي عند اجتياز التلميذ ووالديه اختبارات القبول ودفع المصروفات، بل تمتد إلى استنزافهم ماليا عبر قائمة المتطلبات المدرسية.

تقول نجلاء جمال -وهي أم لثلاثة أطفال ملتحقين بمدارس خاصة- أن المدرسة مع بداية كل عام تشترط عليها شراء كتب وكراسات وأقلام من أنواع ومحلات بعينها قد تصل سعرها نحو 2000 جنيه للطفل الواحد.

إلى جانب ذلك تشتري نجلاء المنظفات والمناديل الجافة والمبللة التي سيحتاجها أبناؤها داخل المدرسة بكميات كبيرة وتسلمها للمشرفة، فضلا عن تكاليف الرحلات التي تُجبر على إشراك أطفالها فيها.

وهذا كله لا يمنع من الدروس الخصوصية التي ينتظم فيها التلاميذ الثلاثة، وتقول الأم للجزيرة نت "رغم النفقات الدراسية المرتفعة فإنني أضطر للدروس الخصوصية لتحسين مستوى أبنائي".


التكدس الطلابي بسبب قلة عدد الفصول إحدى مشكلات المنظومة التعليمية في مصر (الجزيرة)
التكدس الطلابي بسبب قلة عدد الفصول إحدى مشكلات المنظومة التعليمية في مصر (الجزيرة)

المدارس الحكومية
قلق أولياء الأمور يختلف مع المدارس الحكومية، فالحصول على مقعد داخل الفصل المدرسي يشكل تحديا كبيرا لديهم، وهو ما يؤدي إلى مشاهد المشاجرات في أول يوم دراسي.

العام الماضي لقي تلميذ بالصف الثالث الابتدائي مصرعه في أول يوم دراسي بمدرسة في محافظة الدقهلية شمالي مصر بسبب الصراع على مقعد في الصف الأول بالفصل المدرسي، كما فقأ طالب عين زميله خلال مشاجرة حول الجلوس في "التختة" الأولى.

إلى ذلك فالمدارس الحكومية تعاني من تدني الخدمة التعليمية المقدمة للطلاب، وهو ما تُظهره المؤشرات الدولية.

ووفقا للمؤشر الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي للعام 2017-2018، حصلت مصر على مراكز متأخرة في جودة التعليم الأساسي والعالي.

ومن أصل 137 دولة، نالت مصر المركز 129 في جودة التعليم، والمركز 130 في جودة تعليم العلوم والرياضيات، و124 في جودة إدارة المدارس، و119 في توصيل المدارس بالإنترنت.

كما حصلت على المركز 134 من إجمالي 139 في مؤشر جودة التعليم الابتدائي خلال العام 2016-2017.


ارتفاع النفقات التعليمية حمل الأسر المصرية أعباء فوق ما تعانيه بسبب الأوضاع الاقتصادية (الجزيرة)
ارتفاع النفقات التعليمية حمل الأسر المصرية أعباء فوق ما تعانيه بسبب الأوضاع الاقتصادية (الجزيرة)

موسم القلق
من جانبه قال الخبير التعليمي الدكتور محمد فتح الله إن بدء العام الدراسي تحول من موسم بهجة داخل الأسرة المصرية إلى موسم قلق وتوتر وإرهاق.

وأوضح فتح الله للجزيرة نت أن ارتفاع النفقات التعليمية حمل الأسر المصرية من الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي لا تزيد دخولها بمقدار زيادة تكاليف المعيشة، أعباء فوق ما تعانيه بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد، مضيفا أنه رغم مجانية التعليم الحكومي فإن الطالب يحتاج إلى أدوات مدرسية وملابس ووسيلة مواصلات يومية ودروس خصوصية تشكل عبئا على أكتاف المواطنين.

وأمام هذه الأعباء لا تقدم المدارس خدمة تعليمية جيدة كما أكد فتح الله، مشيرا إلى كثافة الفصول الدراسية وقلة عدد المعلمين وافتقار المناهج لمواكبة التطورات العالمية. وتابع أن "وزارة التربية والتعليم فشلت العام الماضي في تنظيم امتحان إلكتروني للطلاب".

تلك الأوضاع حذر الخبير التعليمي من تداعياتها، وقال إن الأسر الفقيرة لن تتحمل هذه الأعباء، وربما تلجأ بعضها إلى عدم تعليم أبنائها أو إجبارهم على العمل لتغطية مصاريف دراستهم بما يتنافى مع حقوق الطفل.

يشار إلى أنميزانية التعليم للعام "2018-2019" بلغت 115.7 مليار جنيه (نحو 7 مليارات دولار)، منهم 89.5 مليار جنيه مخصصة لأجور وتعويضات العاملين بقطاع التعليم.

واختتم فتح الله حديثه قائلا إن "التعليم في مصر أصبح ينطوي على هدر للطاقات ووجع للنفس".

وفي نفس الإطار علق أستاذ التربية بجامعة عين شمس الدكتور سعيد إسماعيل علي عبر صفحته على موقع فيسبوك على حال التعليم المصري، معتبرا أنه وصل مرحلة من سوء الحال لم يبلغها على مدى مئة عام.

وقال إسماعيل علي إن الدولة تهتم ببناء مشروعات سماها "اقتصاد المقاولات" مثل الكباري والطرق، في حين يتم تجاهل اقتصاد التنمية الإنسانية القائم على تقديم خدمة تعليمية جيدة.

وتابع "اقترضوا ما شئتم أن تقترضوه.. املؤوا المخازن بأقوى الأسلحة والمعدات.. أصدروا ما شئتم من القوانين التي تتصورون أنها توفر الأمن للدولة.. فلن يشكل هذا حجرا متينا في بناء الوطن"

اجمالي القراءات 589