تحقيق يكشف دور وزارة العدل الأمريكية في تأجيج مشاعر «العنصرية» لدى الموظفين

في السبت ٢٤ - أغسطس - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

كشف تحقيق أجراه موقع BuzzFeed News الأمريكي أن أحد هيئات وزارة العدل كانت ترسل بانتظام تقارير مختصرة وروابط لمقالات من مواقع القوميين البيض على الإنترنت خلال العام الماضي. وبالإضافة إلى ذلك، شملت النشرات الإخبارية المماثلة التي تلقّتها وزارة العمل، وإدارة الهجرة والجمارك الأمريكية، ووزارة الإسكان والتنمية الحضرية، ووزارة الأمن الداخلي، روابط ومحتويات من ناشرين شديدي التحيّز والتأثّر بنظريات المؤامرة. 

وكالات فيدرالية ترسل للعاملين في مؤسسات أمريكية مقالات تدعم نظرية المؤامرة 

وحسب التحقيق المنشور في الموقع الأمريكي، ففي النشرات اليومية حول التغطية الإعلامية لأعمال المكتب التنفيذي لمراجعة شؤون الهجرة التابع لوزارة العدل، والذي يدير محاكم الهجرة في البلاد، كان المتعاقد الحكومي يُقحِم أحياناً روابط من موقع VDare، وهو موقع عنصري معاد للسامية يزعم رئيس تحريره أن الشعوب غير البيضاء يُهددون الثقافة الأمريكية.

وتُعدّ جهة التعاقد وهي شركة تدعى TechMIS- ومقرها في فلوريدا،  نشرات إخبارية لوكالات أخرى، من بينها وزارة العمل، ووكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك، ووزارة الإسكان والتنمية الحضرية.

في حين أن هذه النشرات الإخبارية عادة ما تتضمّن مقالات من منصّات إخبارية محلية ووطنية واسعة الانتشار -بما في ذلك موقع BuzzFeed- فإنها كانت تتضمن بانتظام كذلك محتويات صادرة عن ناشرين ذوي تحيّزات واضحة يروّجون للخطاب المناهض للهجرة ونظريات المؤامرة.

وكان من بين أولئك الناشرين صحيفة The Western Journal، التي تتصّف بالتحيّز السياسي الشديد، وتساءل مؤسسها ذات مرة عما إذا كان المرشح الرئاسي -آنذاك- باراك أوباما مسلماً، وهناك أيضاً صحيفة Epoch Times، وهي صحيفة مرتبطة بحركة فالون غونغ الصينية التي تدعم منصّاتها الإعلامية نظرية المؤامرة QAnon، وهي نظرية تدّعي أن مجموعة من كبار المسؤولين يُعرفون باسم «الدولة العميقة» يعملون على تدمير أهداف الرئيس دونالد ترامب.

بالإضافة إلى إيميلات تتضمن تقارير عن قيمة العرق الأبيض

ففي يوم الخميس 22 أغسطس/آب، ذكر موقع BuzzFeed News أن أحد اتحادات قضاة الهجرة أرسل خطاب شكوى إلى المكتب التنفيذي لمراجعة شؤون الهجرة التابع لوزارة العدل الأمريكية (EOIR) على إثر تضمين منشور من مدونة VDare التي هاجمت أعضاء الوزارة بافتراءات معادية للسامية في إحدى النشرات الإخبارية خلال شهر أغسطس/آب.

وبعد نشر هذه القصة، قال سكرتير صحفي للمكتب إن وزارة العدل «تدين معاداة السامية بأشدّ لهجةٍ»، وأنه لم يكن ينبغي تضمين هذا المنشور في التقرير الإعلامي، وقال مسؤول بارز سابق في وزارة العدل إن البريد الإلكتروني المذكور قد «أعدّه وكيل من جهة خارجية يستخدم كلمات البحث الرئيسية للخروج باقتباسات إخبارية من أجل فريق العاملين، وأن تقاريرهم لا تخضع للمراجعة ولا تنال موافقة الموظّفين قبل إرسالها».

وعلى الجانب الآخر، قال ستيفن ماينز، الرئيس التنفيذي لشركة TechMIS إن «هذا غير صحيح على الإطلاق»، مضيفاً أن المكتب التنفيذي لمراجعة شؤون الهجرة كان أكثر عملاء الشركة دقّة، وأضاف أن موظفي الوكالة كانوا يراجعون عمل الشركة «وصولاً إلى الأخطاء الإملائية» تحسّباً لوجود أي خطأ قبل إرسال النشرات.

وأظهرت مراجعة سريعة أجراها موقع BuzzFeed News للنشرات الإخبارية الموجهة إلى المكتب التنفيذي لمراجعة شؤون الهجرة أنه قد أشير مرّتين مجدداً إلى مقالات من موقع VDare؛ وأكد ماينز هذا الأمر، وأشار إلى وجود أربعة مقالات أخرى، قائلاً إن النشرات الإخبارية قد تضمّنت محتويات من موقع VDare في سبع مناسبات من بين حوالي 20.000 رابط ومقالة أُشيرَ إليهم منذ أن بدأ تعاقد المؤسسة مع شركة TechMIS، في سبتمبر/أيلول 2018.

تقول بيكا لويس، الباحثة لدى معهد Data & Society، والتي تدرس التطرف عبر الإنترنت: «إن هذه الاكتشافات مقلقة للغاية، ولسوء الحظ، إنها تعبّر عن استمرار تاريخ طويل روّجت خلاله الوكالات الحكومية، وخاصة وكالات إنفاذ القانون، لأجندات العنصرية وتفوّق العرق الأبيض. وللأسف، هذا يُظهِر أيضاً أن العديد من الإصدارات التي تروّج لتفوق العرق الأبيض واليمين المتطرف -والتي تبدو وكأنها على «هامش» المجتمع- لها تأثير ونفوذ هائل في الواقع».

ما تسبب في ضجة كبيرة ودفع المؤسسات الأمريكية للمراجعة 

فبعد ظهر يوم الجمعة 23 أغسطس/آب، أُخطِرَ موظفو محكمة الهجرة بأنهم لن يتلقوا التقارير الإعلامية الموجزة بعد الآن وطُلِب منهم الاشتراك في خدمة موجز الأخبار التابعة لوزارة العدل إذا كانوا مهتمين. وأُرسِلَت هذه التعليمات بعد ساعات من تواصل موقع BuzzFeed News مع مسؤولي وزارة العدل للتعليق على اكتشاف المزيد من روابط موقع VDare.

وقالت المتحدثة باسم المكتب التنفيذي لمراجعة شؤون الهجرة، كاثرين ماتينغلي، في بيان: «بعد مراجعة رسائل البريد الإلكتروني اليومية لموجز الأخبار، تبيّن لنا أن المحتويات المتضمّنة كانت تشمل أكثر مما ينبغي وتحتوي على مصادر غير إخبارية، لذلك لن يقوم المكتب، من الآن فلاحقاً، بإرسال موجز إخباري يومي لموظفيه، كما يدين المكتب بشدة معاداة السامية والقومية البيضاء. وهذه المعتقدات البغيضة لا تعكس آراء موظفي المكتب التنفيذي لمراجعة شؤون الهجرة ووزارة العدل».

وأضافت كاثرين أن المكتب التنفيذي لمراجعة شؤون الهجرة لن يُجدد تعاقده مع شركة TechMIS.

قال أحد موظفي محكمة الهجرة لـ BuzzFeed News إنهم لاحظوا تغيراً في مصادر الأخبار التي تشملها النشرات الإعلامية المّرسلة إلى بريدهم الإلكتروني بعد تولي ترامب منصبه.

وقال الموظف الذي لم يُصرّح له بالتحدث في هذا الأمر علناً: «هذا يبيّن بذل جهود متزايدة لإخضاع منظور قضاة الهجرة المُكلَّفين بأن يكونوا قضاة محايدين يقومون بتطبيق القانون للتوجيه السياسي، وقد اتخذت الوزارة خطوات لجعل المحكمة سلاحاً سياسياً بطرق مختلفة، بعضها كبير وبعضها صغير، وهذا ليس أكثر من مثال واحد على تلك الخطوات».

وكشف موقع BuzzFeed News أن إحدى النشرات الإخبارية لوزارة العمل في فبراير/شباط 2017 قد تضمّنت محتوى من موقع VDare، كما تضمنت النشرات اليومية للمكتب التنفيذي لمراجعة شؤون الهجرة، ووزارة العمل، وإدارة الهجرة والجمارك الأمريكية، ووزارة الإسكان والتنمية الحضرية الأمريكية، ووزارة الأمن الداخلي روابط من صحيفتي Western Journal، وEpoch Times. وكانت هناك كذلك في بعض النشرات الإخبارية روابط من موقع مجلّة John Birch Society التابعة لجماعة يمينية متطرفة روّجت لنظريات المؤامرة القائلة إن أوباما لم يولد في الولايات المتحدة.

خاصة ان النشرات الاخبارية تضمنت أيضاً هجوماً غير مبرر على المهاجرين 

وقال ستيفن ماينز إن شركة TechMIS تستخدم مجموعة من الأنظمة الآلية والمحررين البشريين للعثور على قصص متعلّقة ببعض كلمات البحث ذات الصلة بكل وكالة. وأشار إلى أن شركته «لم يوكل إليها بأي شكل من الأشكال مهمّة الرقابة على الأخبار»، وقال إنه لم يسمع عن VDare حتى يوم الخميس عندما طلب منه المكتب التنفيذي لمراجعة شؤون الهجرة عدم تضمين موقع القوميين البيض في تقارير المتابعات الإعلامية.

وقال لموقع BuzzFeed News يوم الجمعة 23 أغسطس/آب: «لقد قدمنا ​​الأخبار.. عالم الأخبار بأكمله، وتضمين أحد الروابط لا يعني بأي حال من الأحوال تأييد أي شيء وارد بداخله، فقد كانت هناك روابط لمحتويات من اليسار واليسار المتطرّف، واليمين، واليمين المتطرّف».

وكان من بين المنشورات الأخرى المُدرجة في النشرات الإخبارية، محتويات بصحف Washington Post، وNew York Times، وHuffPost، وIntercept، وFox News، وBreitbart News، وDaily Caller، وDaily Wire. أمّا عن المواقع الهامشية والمواقع المّروّجة لنظريات المؤامرة، فقد نال موقع Epoch Times نصيب الأسد من حيث عدد مرات الإشارة إليه. وعثر موقع BuzzFeed News على اقتباسات منه في أكثر من 120 نشرة إخبارية للمكتب التنفيذي لمراجعة شؤون الهجرة. 

وفي أحد المنشورات التي أُرسلت إلى المكتب التنفيذي لمراجعة شؤون الهجرة من موقع VDare في يوليو/تموز، كتب أحد المدونين أن «الدولة العميقة» قد أعاقت الجهود السابقة لفرض عمليات الترحيل السريعة، وتضمَّن المنشور وصف المهاجرين الوافدين عبر الحدود بالزحف المدمّر.

وكانت خاتمة المنشور تقول: «سوف نرى ما إذا كان كيفن ماكالينان، وهو وزير الأمن الداخلي، سينفذ هذا التوسع. لا أعتقد ذلك. التخريب هو اختصاصه»، وكانت العبارة مرفقة برابط لمقالات بشأن ماكالينان تضمّنت تعليقات معادية للمتحوّلين جنسياً طالت القائم بأعمال سكرتير وزارة الأمن الداخلي، حيث وصفته بأنه رجل مخنّث يخدم الدولة العميقة، ونسخة متحوّلة من كيرستين نيلسن، في إشارة انتقادية لوزيرة الداخلية التي غادرت منصبها مؤخراً.

حيث وصفت التقارير «المهاجرين» بالغزو المدمر للبلاد

ففي قصة نشرت على موقع New American وأُرسِلت لموظّفي إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية في وقت سابق من هذا الشهر، أشار المؤلف إلى «غزو» المهاجرين للحدود، وكان جزء من نصّها يقول: «لقد قال مسؤولو دوريات الحدود كل هذا على مدار أشهر، لكن الديمقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ -الذين يأملون في استمرار وصول المهاجرين غير الشرعيين لتضخيم صفوف الحزب- قد تجاهلوها».

وقال شون نيودور، المتحدث باسم إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية، إن الوكالة ترسل المقالات المأخوذة من الناشرين إلى مجموعة فرعية من موظفيها، ويُرسَل موجز الأخبار للموظّفين من خلال خدمة البريد الإلكتروني بعد أن تتلقى الوكالة هذا الموجز من الشركة المُتعاقدة. وقال إن الوكالة تقوم بقراءة الملخّصات الإعلامية، والتي تتضمن أيضاً روابط لمنصات الأخبار ذات الصيت الواسع، كوسيلة لفهم ما يُكتب حولها على الإنترنت.

وقال في رسالة البريد الإلكتروني إن «معظم الوكالات الفيدرالية ترصد أن خدمات الأخبار والمقالات المٌختارة من المنصّات الإعلامية تقتبس العناوين من القصص المنشورة على الإنترنت، وهذا لا يقول شيئاً على الإطلاق عن قيمة المواد التي يجري تلقّيها -فقط بالإشارة إلى أي شيء يقوله أي مصدر- والتي تعد مفيدة إلى حد ما في مكافحة الروايات الكاذبة حول العمل الحاسم الذي يقوم به الوكلاء والموظفون كل يوم».

وعندما سُئل عن الناشرين مثل Epoch Times، وNew American، وWestern Journal، قال ميانز إنه لم يسمع عنهم أو يقرأهم. وقال إن شركة TechMIS تعمل مع الوكالات الحكومية منذ عام 2012، وعلى الرغم من أن معظم النشرات الإخبارية تُرسَل إلى الوكالات دون مراجعة، فإن موظفي المكتب التنفيذي لمراجعة شؤون الهجرة «يشاركون في العمل» أكثر من البقية.

وأضاف ماينز قائلاً 
موظفون أمريكيون ضحايا العنصرية.. وزارة العدل متهمة بتأجيج التفرقة بين المواطنين على أساس «اللون» : «نحن هنا لتلبية احتياجات الحكومة».

وفي أبريل/نيسان، نُشر مقال من موقع VDare حول «أزمة اللجوء على الحدود» ضمن النشرة الإخبارية الموجهة للمكتب التنفيذي لمراجعة شؤون الهجرة، وبينما يتطرّق إلى الوضع الحالي لممارسة اللجوء في الولايات المتحدة، اقتبس أيضاً جزءاً من مقال آخر ذكر «الدولة العميقة» في سياق الحدود المفتوحة.

وكتب المؤلّف: «كما قلت، آمل أن يقرأ شخص ما في الوزارة هذا».

اجمالي القراءات 808