مترجم: كيف تتفاوض مع طفلك وتقنعه برأيك دون أن يغضب؟ تكتيكات ينصح بها خبراء

في الثلاثاء ٠٩ - يوليو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

كثيرًا ما يلجأ الآباء والأمهات إلى الصراخ والإكراه، وأحيانًا العقاب البدني، عندما يتقاعس الأطفال عن تنفيذ توجيهاتهم أو يرفضونها، مما يؤثر سلبًا على الطفل ويجعل مهمة التربية والتواصل معه أصعب على الوالدين.

وبناء عليه، نشرت مجلة «ذي أتلانتك» الأمريكية بعض تكتيكات التفاوض مع أطفالك، الذين يعتبروا شركاء تفاوض مُتقلِّبين وأحيانًا غير منطقيين.

أشارت المجلة إلى أنَّ سمةً مشتركة واحدة للمفاوضات تتمثَّل في أنَّ كلَّ طرفٍ يمتلك القدرة على الانسحاب. فإذا لم يعجبك العرض الذي يُقدِّمه لك مندوب مبيعات السيارات، يمكنك الذهاب إلى معرض سيارات آخر على بعد خمس دقائق بالسيارة.

وإذا لم تعجبك الشروط المطروحة عليك من جانب شريك عمل تجاري، تستطيع التواصل مع مُورِّد آخر. لكن عندما يكون شريك التفاوض، الذي يجلس أمامك على الطاولة، هو طفلك، لا يُمكن حينها تركه أو استبداله.

إذاً، كيف يستطيع الوالدان إدارة هذه المحادثات المشحونة والمزعجة في كثيرٍ من الأحيان، والتي يبدو فيها نظيرهما، الذي يفتقر إلى الوعي بالذات، وكأنه يظن أحياناً أنَّه من الإستراتيجية أن يستجيب بردودٍ غير منطقية تماماً؟

طرح جو بينسكر، الكاتب الصحفي الذي يغطي قضايا التعليم والأسرة بمجلة «ذي أتلانتيك»، هذا السؤال على مايكل ويلر، الذي كان يُدرِّس مبادئ التفاوض في كلية هارفارد للأعمال على مدار أكثر من 25 عاماً، والذي على الرغم من أنَّه لم ير قط أحد المدراء التنفيذيين يدخل في نوبة غضب في منتصف عملية التفاوض.

لكنَّه يتمتَّع ببعض الخبرة في التحاور مع الأطراف غير المُلتزمة لأنَّه أبٌ وجَد. وفيما يلي، يستعرض الكاتب جو بينسكر بعض تكتيكات التفاوض التي اقترحها ويلر وعدد من خبراء التفاوض الآخرين:

تنظيم الخيارات المُطروحة على الأطفال بعناية

تخيَّل ويلر موقفًا، حيث يرفض الطفل مغادرة المنزل، مشيرًا إلى أنَّه بدلًا من استمرار محاولات إقناع الطفل باستقلال السيارة، قد يقول أحد الوالدين شيئًا مثل: «لقد حان وقت المغادرة، لكن عندما نصل إلى هناك، أخبرني بما تريد فعله، ويمكننا فعل شيء مُمَيَّز لمدة 5 دقائق».

وأوضح ويلر أنَّ وسيلة التحفيز قد تتغيَّر، لكن المفتاح هو السماح للطفل (أو أي شريك تفاوض آخر) بالشعور بقدرٍ من السيطرة على بعض عناصر القرار وحفظ ماء الوجه. يقول ويلر: «إنَّهم، بهذه الطريقة، لا يشعرون كما لو أنَّهم تعرَّضوا للإكراه».

المساومة المباشرة «سأعطيك هذا إذا فعلت ذلك»

في هذا الصدد، نقل تقرير المجلة الأمريكية عن ويلر قوله إنَّ هذا التكتيك قد يكون مفيدًا في التفاوض، لكنَّ في الوقت نفسه يجب الحذر منه. وروى ويلر واقعةً ربما تكون مُختَلَقة حول ريتشارد نيكسون الرئيس الأمريكي الأسبق وهنري كيسنجر وزير خارجيته ومستشاره الأمني، حيث شاهد كيسنجر نيكسون يستخدم قطعة حلوى لمساومة كلب من نوع سيتر الأيرلندي للتحرُّك بعيدًا عن أحد المقاعد في المكتب البيضاوي.

ويُفتَرَض –وفقاً للواقعة- أنَّ كيسنجر أخبر نيكسون أنَّ الدرس، الذي تعلَّمه الكلب، لم يكن أنَّه يتعيَّن عليه البقاء بعيداً عن المقعد، بل أنَّه إذا جلس على المقعد، سوف يحصل على حلوى للنهوض من عليه (وقيل في رواياتٍ أخرى أنَّ السلوك السلبي للكلب كان مضغ السجادة).

بغض النظر عمَّا إذا كان هذا الموقف قد حدث بالفعل، يقول ويلر إنَّ وجهة نظره بشأن المفاوضات هي إنَّه «يجب على الآباء والأمهات توخي الحذر إزاء إرساء سابقة، حيث يخلقون عن غير قصد حافزًا للسلوك الذي يريدون ردعه».

إيجاد حلول تناسب جميع الأطراف

وأشار الكاتب إلى أنَّ هذه الفكرة لاقت تأييدًا أيضًا من ويندي توماس راسل، المؤلفة المشاركة لكتاب «ParentShift: Ten Universal Truths That Will Change the Way You Raise Your Kids». إذ كتبت له في رسالة عبر البريد الإلكتروني إنَّ «المساومة بهذه الطريقة تُعلِّم الأطفال التعاون فقط عندما يكون هناك شيءٌ ما سيحصلون عليه في المقابل، وليس لأنَّ إيجاد حلول تناسب جميع الأطراف هو أمرٌ جيد في حدِّ ذاته».

مع وضع ذلك في الاعتبار، اقترحت راسل تعديلًا طفيفًا على اقتراح ويلر، مشيرةً إلى أنَّه يمكن تقديم عنصر الاختيار كوسيلةٍ لتغيير ما يحدث أثناء النشاط المعني، بدلًا من تغيير ما يتبعه. وذكرت راسل أن ذلك ربما يتحقّق من خلال استخدام أحد الوالدين الصيغة الآتية:

«حان وقت الذهاب. هل تريد أن تصل إلى السيارة محمولًا على الظهر أم تريد التسابق؟»، أو إذا رفض الطفل ارتداء ملابسه، يمكن أن يسأله أحد الوالدين ما إذا كان يريد اختيار ملابسه بنفسه.

وفي السياق ذاته، ينصح ويلر أيضًا بضرورة أن يأخذ الآباء والأمهات خطوةً إلى الوراء ويفكروا جيدًا في الأسلوب بغض النظرعن تفاصيل المفاوضة. وقال ويلر إنَّ أطراف التفاوض تُعرّف شروط تواصلهم ويعيدون تحديدها باستمرار، مضيفًا إنَّ «هذا كثيرًا ما يحدث بصورة ضمنية، في إشارات كلامية أو تعبيرات جسدية، لكن يجب مناقشته في كثيرٍ من الأحيان بصورة أوضح».

 

على سبيل المثال، وفقًا لما نقله التقرير عن ويلر، عندما يرفض الطفل فعل شيء ما رفضًا تامًا، ربما يكون من الجيد إجراء محادثة تفاعلية تعريفية للاتفاق على آلية للحوار والمناقشة (meta-conversation) بدلاً من الانخراط في مواجهة الرفض.

وفيما يتعلَّق بعبارات التهديد الصادرة عن الطفل، يشير ويلر إلى نصيحة زميله في كلية هارفارد للأعمال، ديباك مالهوترا، الذي أسدى المشورة بشأن التوسُّط في إبرام اتفاق سلام بين الحكومة الكولومبية ومتمرِّدي القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك)، بأنَّه ينبغي تجاهل هذه العبارات وعدم التركيز عليها لأنَّ ذلك يجعل الطفل أكثر عنادًا.

الافتقار إلى الاهتمام

في المقابل، يقول ويلر إن الرد من الأفضل أن يكون: «ربما هذا هو ما تشعر به الآن، لكن دعنا نتحدث عن ما قمنا به بالفعل معًا».

ووفقًا لويلر، يمكن أن يعقب ذلك حديث عن التقدُّم المُحرَز في المفاوضة حتى الآن أو ملخصًا موجزًا للاتفاقيات السابقة الناجحة، أو شيء مثل: «لقد رأيت العائلة في الشارع المقابل يجرِّبون هذا الحل. هل تعتقد أنَّه ينبغي لنا تجربة ذلك؟» أو ربما عبارة مثل: «لقد استطعنا تسوية هذا الأمر بالأمس. ما الذي نجح في ذلك الوقت؟». ويشرح ويلر أنَّه بهذه الطريقة تكون قد ابتعدت عن المشكلة المطروحة وانتقلت إلى عملية معالجة المشكلة.

 

في سياقٍ متصل، توصي راسل بمحاولة تقييم سبب عدم التزام الطفل في المقام الأول. وقد سردت راسل قائمةً من الاحتمالات، قائلة إنَّ الطفل ربما رفض الطلب لأنَّه غير منطقي (إذ لا يُتوقَّع مشاركة الأطفال في عمر العامين).

أو لأنَّ احتياجات الطفل العاطفية لم تلق اهتمامًا بشكلٍ كامل (إذ ربما يفتقر الطفل إلى الاهتمام أو التواصل أو اللعب أو القوة)، أو لأنَّ الأطفال في سنِّ يحتاجون فيه إلى تأكيد سلطتهم (جميع الأطفال في عمر 4 أعوام ينخرطون في صراعاتٍ على تأكيد سلطتهم وقوتهم).

وأوضحت راسل أنَّ «الأطفال يكون لديهم أحيانًا شكاوى مشروعة من الحدود والتوقُّعات التي يفرضها الآباء والأمهات عليهم.

في هذه الحالات، يكون التفاوض على اتفاقٍ مُتبادَل هو ورقتنا الرابحة». وقالت إنَّ أحد الجوانب المهمة في تلك المفاوضات (أو أية مفاوضة) هو التعاطف من خلال السماح لأنفسنا بمشاركة أطفالنا في مشاعرهم دون الموافقة أو الرفض أو تطبيق المنطق أو محاولة رفع روحهم المعنوية. وأشارت راسل إلى أنَّ «الاطفال لا يستطيعون التفاوض بشكل حقيقي إلا من من منطلق الهدوء فقط».

سماع الأساس المنطقي

ومن جانبها، أكَّدت شارنا أولفمان، أستاذة علم النفس بجامعة «بوينت بارك» في مدينة بيتسبرج الأمريكية، أنَّ المشاركة في صنع القرار قد تساعد الطفل ليصبح طفلًا مستقلًا، بدلًا من مجرد طفل مطيع. وقالت:

«يستطيع الأطفال الصغار، على سبيل المثال، اتخاذ قرار ما إذا كانوا يُفضِّلون تناول الكمثرى أم التفاح للتحلية. كذلك، الطفل في المرحلة الابتدائية يكون لديه استعداد للمشاركة في اختيار الأنشطة غير الدراسية».

 

وبمجرد أن يستطيع الطفل الاستماع والحديث، يستفيد من سماع الأساس المنطقي وراء ما يعتقد الآباء أنَّه مهم. قالت أولفمان: «على سبيل المثال، إذا قال الوالدان (أغسل أسنانك)، وسأل الطفل (لماذا؟)، فإن الاجابة بـ(لأنني أقول ذلك) تبعث رسالةً تعريفيةً بأنَّه طلبٌ تعسُّفي والامتثال هو النتيجة المرجوة».

ويختتم تقرير «ذي أتلانتيك» بعبارات ويلر إنَّه عندما يتعلَّق الأمر ببلوغ النتائج المرجوة، يُفضَّل التفاوض مع شخصٍ لديه «رؤية واسعة لاهتماماته ومصالحه ويمتلك درجة عالية من الوعي بالذات.

لكن هذه قدراتٌ يفتقر إليها معظم الأطفال»، مضيفًا أنَّه «من المدهش إلى أي مدى يكون الأطفال أذكياء حتى في المراحل الأولى من أعمارهم. ومع ذلك، ثمة أشياء كثيرة لا يفهموها. وعلى الرغم من أنَّ الأطفال قد لا يكونوا شركاء تفاوض مثاليين، لكن مرة أخرى، العديد من البالغين ليسوا كذلك أيضًا».

اجمالي القراءات 1155