الإيكونوميست»: السيسي يقود مصر إلى الانهيار.. وهذا ما قد يحدث بعده

في الأحد ٠٧ - يوليو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

إذا انهارت مصر؛ سيجتاح الملايين من أعضاء «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)» العالم. جاء هذا التنبؤ على لسان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2015، لكن مجلة «الإيكونوميست» البريطانية لا تعتقد أنَّ السيسي هو الرجل الأنسب للاضطلاع بالمهمة التي تحدَّث عنها، وذلك بحسب التقرير الذي نشرته مُؤخرًا.

وترى المجلة البريطانية أنَّ الأسباب التي دفعت السيسي للحديث بهذه الصورة الكابوسية هي أسبابٌ مثيرةٌ للسخرية. إذ تتكوَّن خلطته للبقاء في السلطة من جزأين رئيسين: القمع في الداخل، والتحذير المستمر للزعماء الأجانب من أنَّ مصر ستدخل مرحلةً من الفوضى في حال توقَّفوا عن دعمه.

والمدهش من وجهة نظر المجلة هو أنَّ الأمر نجح بالفعل. فدول الخليج تُموِّله خوفًا من أن يكون البديل نظامًا تقوده جماعة الإخوان المسلمين. وليس هذا خوفًا لا داعي له. إذ فاز الإخوان بالانتخابات عامي 2011 و2012، وحكموا مصر على نحوٍ غير كفء، حتى أطاح بهم السيسي في انقلاب عام 2013. وتدعم أمريكا السيسي لنفس الأسباب؛ نظرًا لأنَّ البعض في إدارة الرئيس دونالد ترامب يعتبرون جماعة الإخوان المسلمين منظمةً إرهابية، ولأنَّ السيسي بارعٌ في إغراء ترامب نفسه.

وتغُضُّ أوروبا الطرف عن الأشياء الفظيعة التي تحدث في سجون شرطة السيسي، لأنَّها تخشى من ملايين اللاجئين الذين قد يتدفقون عبر البحر المتوسط​​ في حال سقوط مصر. لذا فإنَّ تحذير السيسي يأتي خدمةً لمصالح ذاتية. ولكن هل هو تحذيرٌ خاطئ؟

حادثة المنيا

وتعتقد المجلة أنَّ انهيار مصر ليس مستحيلًا. فصحيحٌ أنَّ البلد ليس مثل لبنان أو العراق، وهي بلدانٌ تُمزِّقها الخلافات طائفية. وليس مثل ليبيا أو اليمن، حيث تُغذِّي الانقسامات الإقليمية والقبلية الحروبَ الأهلية. ولدى المصريين حس وطني كبير، لكنهم يتعرضون لضغوط كبيرة؛ إذ يحكمهم نظامٌ عسكري يتَّسم بالوحشية والهشاشة في آنٍ واحد، والسخطُ متفشٍ في كل مكان.

والإسلاميون الذين فازوا في الانتخابات النزيهة الوحيدة على الإطلاق في تاريخ مصر غاضبون جدًا لإقصائهم عن السلطة تحت تهديد السلاح. وما تزال بطالة الشباب مرتفعة ارتفاعًا يدعو للقلق، على الرغم من ارتفاع النمو الاقتصادي. وفي أبريل (نيسان) عام 2019 فاز السيسي في استفتاءٍ غير نزيه بشكل صارخ، ليسمح لنفسه بالبقاء في السلطة حتى عام 2030. إذ إنَّ أي مُستبدٍ بخلطة دجل، ويسعى ليحكم إلى الأبد، لا يُمثِّل وصفةً لاستقرار طويل الأمد.

أزمة المياه

ترى «الإيكونوميست» أنَّ السبب الأقوى للانهيار الاجتماعي هو الماء، أو بالأحرى عدم وجوده. إذ تشغل الصحراء غالبية المساحة. ويتكدَّس غالبية سكانها تقريبًا فوق شريطٍ خصب ضيق على جانبي النيل. وقد شجعتهم الحكومات المتعاقبة على هدر المياه بتقليل الرسوم عليها، لتصير مجانيةً تقريبًا. وفي الوقت ذاته تُخطِّط دول المنبع لسحب المزيد من مياه نهر النيل.

وتبني إثيوبيا سدًا ضخمًا لتوليد الكهرباء ومساعدة سكانها على الخروج من براثن الفقر. ويُريد السودان تحويل المياه إلى مشاريع الري، على أمل أن تصبح سلة الخبز الإقليمية من جديد. وينظُر الكثير من المصريين، الذين اعتادوا على أخذ حصة الفرعون من مياه النيل، إلى كل هذا على أنَّه تهديدٌ وجودي.

وتزداد احتمالية نشوب الصراع نتيجة تغيُّر المناخ الذي يُؤدِّي إلى جفاف المنطقة، بحسب التقرير، والزيادة المُتوقَّعة في عدد سكان مصر من 100 مليون اليوم، إلى ما يُقدَّر بنحو 130 مليون بحلول عام 2030. واقترح بعض الضباط العسكريين المصريين أنَّ مصر ستخوض حربًا لحماية حقوقها في مياه النيل.

وفي الوقت ذاته، تُعاني مصر أيضًا تهديدًا جهاديًا كبيرًا في منطقة سيناء، حيث يذبح فرع تنظيم الدولة الإسلامية المسيحيين والصوفيين (وهم أقليةٌ مسلمة). إلى جانب جيرانها غير المستقرين أيضًا في ليبيا التي مزقتها الحرب من الغرب، والسودان الثائر من الجنوب.

ومع وجود العديد من المصادر المحتملة لعدم الاستقرار، سيكون من الحماقة أن نتجاهل العواقب المُحتملة في حال غرقت مصر في نوعٍ من الفوضى، على غرار ما شهدناه في سوريا أو ليبيا.

 

 

وأوضح التقرير أنَّ تدفقات اللاجئين السوريين ستتضاءل للغاية عند مُقارنتها باللاجئين الذين سيتدفقون من مصر، إذ كان عدد سكان سوريا قبل الحرب يبلغ خُمس عدد سكان مصر فقط. وربما يتوجَّه عددٌ قليل من النازحين إلى المساحات المفتوحة غير المحمية في ليبيا. لكن الغالبية العُظمى ستتكدَّس في القوارب لعبور البحر المتوسط، أو تجربة حظهم في الخليج.

وستحاول السفن الإيطالية واليونانية إعادتهم، قبل أن يغرق كثيرٌ منهم. وستكون تركيا والأردن أكثر ترحيبًا إلى حدٍ ما. وربما تصل نسبةٌ صغيرة فقط من اللاجئين إلى أوروبا، لكن الأحزاب المناهضة للمهاجرين سوف تضخم مسألة «الغزو المصري» بشكلٍ هستيري. وسيفوز الشعبويون في الانتخابات، بدءًا من فرنسا. وسوف تُغلق الرئيسة ماريون ماريشال لوبان الحدود مع إيطاليا، ثم تحظِرُ جزاري اللحم الحلال.

تأثير الدومينو

أوضحت مجلة «الإيكونوميست» أنَّه في حال فقدت الحكومة المصرية السيطرة؛ فستتدخل القوى الأجنبية للحفاظ على فتح قناة السويس أمام عمليات الشحن العالمية. أما الولايات المتحدة، التي تستخدم القناة لنقل قواتها البحرية من البحر المتوسط إلى الخليج والشرق الأقصى، فسوف تتولَّى المسؤولية سريعًا مع تحالفٍ رمزي من السعوديين والإماراتيين إلى جانبها. في حين ستُحجم بريطانيا وفرنسا عن المشاركة لأسباب مفهومة، نظرًا للإهانة التي تعرَّضوا لها إبان أزمة السويس عام 1956.

وستُوفِّر بعض الأراضي الشاسعة غير المحكومة في مصر ملاذًا آمنًا للقتلة، بحسب التقرير. إذ سيستخدم متمردو ليبيا الأراضي الحدودية باعتبارها قاعدةً خلفية. وربما يُنشئ الجهاديون خلافةً جديدة على الأراضي المصرية. ولن تستطيع إسرائيل السكوت على هذا الأمر، لأنَّ مصر ستتحول من شريك سلام إلى تهديد قاتل.

وستقصف الطائرات الإسرائيلية أهداف الدولة الإسلامية في مصر بشراسة، على غرار قصفها وحدات الصواريخ الإيرانية في سوريا. ولكن حتى مع ذلك، فستكون إسرائيل أكثر عرضةً للخطر، بعد أن فقدت وسيطها الرئيس مع حماس في غزة.

واختتمت المجلة البريطانية تقريرها بأنَّه سيكون من الصعب للغاية إعادة توحيد مصر، وأنَّ الأمر قد يستغرق عقودًا من الزمن، بحسب ما كشفته الفوضى في سوريا وليبيا. لذا فمن الأفضل إيقاف هذا الانهيار قبل حدوثه، غير أن «الإيكونوميست» تستبعد أن يكون السيسي هو الرجل الأنسب لهذه المهمة

اجمالي القراءات 875