حكاية «النووي الإيراني» من الألف إلى الياء.. بدأ قبل 27 عاماً وصنع أزمة عالمية، فأين وصل اليوم؟

في الثلاثاء ٠٢ - يوليو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

ظلت القدرات النووية لإيران مصدر قلق وإثارة أزمات على الساحة العالمية لأكثر من عقدين من الزمان. ففي حين كان القادة الإيرانيون مصرّين على أن بلادهم لا تبني أسلحة نووية، ساعد سعيهم في تخصيب اليورانيوم، وتاريخهم الطويل في الخداع في تكوين شعور عميق بانعدام الثقة إزاءهم. 

التحول الكبير: وبعد عامين من المفاوضات والتهديد بتفجير مؤسسات الدولة، أبرمت إيران اتفاقاً مع القوى العالمية في عام 2015 لتسوية النزاع. وضع الاتفاق حدوداً للنشاط النووي للجمهورية الإسلامية في مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية التي أثرت سلباً على صادراتها النفطية وتسببت في تدهور الاقتصاد الإيراني. 

النكسة: وبعد ذلك في شهر مايو/أيار من عام 2018، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنَّ الولايات المتحدة ستنسحب من الاتفاق الذي أُبرم في عهد سلفه باراك أوباما وإعادة فرض العقوبات على طهران، وترك الموقعين الآخرين في حالة من التخبط لإنقاذ الاتفاق النووي. فما خلفية البرنامج النووي الإيراني؟ وما هو وضعه الحالي بعد العقوبات التي فرضها ترامب؟

ما الوضع الحالي للبرنامج النووي الإيراني؟

  • المهلة أوشك على الانتهاء: بعد عام واحد بالتحديد من انسحاب الولايات المتحدة، وضعت إيران في يوم 8 مايو/أيار مهلة قدرها 60 يوماً للموقعين الأوروبيين لإنقاذ الاتفاق، وهددت بخرق حدود تخصيب اليورانيوم. وبعد أقل من شهرين بعد هذا، أكدت إيران أنها تجاوزت الحد المتفق عليه من مخزون اليورانيوم منخفض التخصيب. 
  • المطلوب من الأوروبيين: تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية إن إيران تريد أن تساعدها الدول الأوروبية في تسهيل تصدير النفط والتجارة، بعد انتهاء فترة الاستثناءات من العقوبات الأمريكية على النفط الإيراني التي سمحت لبعض الدول بشراء النفط الإيراني. كانت إيران تتوقع أن يحفز هذا الاتفاق إنعاشاً اقتصادياً، لكن العقوبات الأمريكية تسببت في المزيد من الكساد بدلاً من ذلك. 
  • تحتفظ إيران بحقها في تخصيب اليورانيوم لاستخدامه في الأغراض السلمية بموجب الاتفاق الذي توصلت له مع الولايات المتحدة والصين، وفرنسا، وروسيا، وألمانيا، وبريطانيا، والاتحاد الأوروبي. 
  • القدرات الإيرانية: تمتلك إيران حوالي 5 آلاف جهاز طرد مركزي قادر على فصل نظير اليورانيوم المعروف باسم «يورانيوم 235» عن خام اليورانيوم. وافقت إيران على عدم تكرير المعدن لأكثر من 3.7% من التخصيب لمدة 15 عاماً، وهو المستوى المطلوب من أجل محطات توليد الطاقة النووية، وتعهدت بتقليل اليورانيوم المخصب لديها إلى 300 كيلوغرام، أي 3% من مخزونها في مايو/أيار من عام 2015. 
  • صدقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أنَّ إيران تخلصت من 20% من مخزونها من اليورانيوم المخصب، الذي يمكن أن يستخدم في إنتاج النظائر الطبية، وفي تشغيل المفاعلات البحثية، لكن يمكن أيضاً تنقيته ليصل إلى المستوى المطلوب في الأسلحة في وقت قصير. وأكد مفتشو الوكالة أيضاً أنَّ إيران دمرت مفاعلاً قادراً على إنتاج البلوتونيوم. ووجدت التقييمات التالية منذ إبرام الاتفاق أنَّ إيران ملتزمة بما فُرض عليها.

الخلفية التاريخية للبرنامج النووي الإيراني

  • البداية كانت قبل 27 عاماً: دفعت تصريحات إيران واتصالاتها الدولية بعلماء باكستانيين وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لإطلاق تحذير في عام 1992 بأنَّ هناك دولة في الخليج العربي ربما تعمل على تطوير سلاحاً نووياً. 
  • وفي حين أكدت إيران التزامها بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لعام 1968، أرادت من المجتمع الدولي الاعتراف «بحق» الدولة في تخصيب اليورانيوم قبل أن تُقدم تنازلاتها. 

مفاعل بوشهر النووي جنوب طهران، 2010/ رويترز
 
مفاعل بوشهر النووي جنوب طهران، 2010/ رويترز

  • كان هناك بضع دول مستعدة لفعل هذا خلال الفترة الرئاسية لمحمود أحمدي نجاد التي دامت 8 سنوات، والذي هدد بتدمير إسرائيل. 
  • التحول الكبير: جاء التطور المفاجئ في العلاقات بعد انتخاب رئيس أكثر وسطية واعتدلاً في عام 2013 وهو حسن روحاني. قدر المسؤولون الأمريكيون تحت قيادة باراك أوباما وقتها أنَّ هذا الاتفاق من شأنه مد الوقت الذي تستغرقه إيران لإنتاج مواد انشطارية كافية لصنع قنبلة من أشهر قليلة إلى عام. 
  • لكن مسؤولي ترامب عارضوا ذلك بأن هذا الاتفاق جرّأ إيران على الاستمرار في نشاطاتها المزعزعة لاستقرار الشرق الأوسط، ولم يتعامل بما يكفي مع برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني.

الخلاف والشقاق.. ومن ثم الطلاق

  • انتقدت قوى الشرق الأوسط أيضاً مثل السعودية وإسرائيل هذا الاتفاق، قائلين إنَّه يُمكن هذا النظام الديني للتحكم في أمن المنطقة. 
  • ماذا يقول المنتقدون: يقول منتقدو الاتفاق في الكونغرس الأمريكي إنَّ إيران لا يمكن الوثوق بها في صنع أي مواد انشطارية، سواء كانت بغرض توليد الطاقة أو لأغراض طبية أو لصناعة قنابل. ولم تكن تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية كافية للمشككين، الذين أشاروا إلى أنَّ إيران اعترفت بوجود محطتي تخصيب اليورانيوم الأكبر فقط بعدما كشف أشخاص خارج البلاد وجودهما. 
  • ماذا يقول الداعمون: يقول داعمو الاتفاق إنَّ إيران لن تهجر أبداً التخصيب تماماً، وإنَّ عقوبات العقد الماضي كلها لم تنجح في إيقاف برنامجها النووي. كان الحفاظ على قدرات التخصيب مهماً بالنسبة لإيران، ومن المحتمل أنَّ هذا لأسباب متعلقة بالفخر الوطني. 
  • ومثل الدول الأخرى التي يمكنها تخصيب اليورانيوم مثل الأرجنتين، والبرازيل، واليابان، وجنوب إفريقيا، فإن هذه التكنولوجيا تمنح إيران الخيار بصنع أسلحة نووية إذا قررت التخلي عن التزاماتها. 
  • وقال أوباما دفاعاً عن الاتفاق إنَّه منع حرباً أخرى في الشرق الأوسط. ويوضح الداعمون أنَّه بدون الاتفاق كانت إيران ستُترك حرة في سعيها في طموحاتها النووية بلا رقابة من القوى العالمية، ودون التفتيشات الشاقة التي ينص عليها الاتفاق.

هل يفتح خرق الاتفاق النووي باب العقوبات الدولية على إيران؟

  • الإجابة نعم: بعد ما أعلنت طهران يوم الاثنين الماضي أنها تجاوزت الحد المسموح لها بالاحتفاظ به من مخزون اليورانيوم المخصب المنصوص عليه في الاتفاق النووي لعام 2015 مع القوى العالمية. ربما يؤدي تجاوزها هذا إلى عودة العقوبات الدولية كلها على طهران، كما تقول رويترز.
  • ومن جانبها قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن مفتشيها يتحققون مما إذا كانت إيران تحتفظ بأكبر من المسموح به من اليورانيوم المخصب.
  • متى يمكن أن تعود العقوبات الدولية: إذا اعتقد أي طرف من الأطراف الأوروبية الموقعة على الاتفاق، أن إيران انتهكت الاتفاق فمن الممكن أن يبدأ عملية تنتهي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خلال فترة قد تصل إلى 65 يوماً فقط بإعادة فرض عقوبات المنظمة الدولية على إيران.
  • والطرفان الآخران الموقعان على الاتفاق، روسيا والصين، هما حليفا إيران ومن المستبعد أن يأخذ أي منهما تلك الخطوة.
  • وقال دبلوماسي أوروبي كبير لرويترز مشترطاً عدم الكشف عن هويته: «كلما أتى الإيرانيون تصرفات تنطوي على خرق الاتفاق قل ميلنا لبذل الجهود لمساعدتهم». وأضاف: «هي دائرة مفرغة. فإذا عادوا لهذا الاتجاه فسيصبحون وحدهم بالكامل ويواجهون العودة للعقوبات وينبذهم الجميع».

خلال عقد الاتفاق النووي الإيراني في يوليو 2015 في فيينا/ رويترز
 
خلال عقد الاتفاق النووي الإيراني في يوليو 2015 في فيينا/ رويترز

ما الذي يمكن أن تفعله إيران إذا أعيد فرض العقوبات الدولية عليها؟

  • يمكن لإيران بموجب عملية فضّ النزاع المنصوص عليها في الاتفاق أن تجادل بأن الانسحاب الأمريكي وحملة العقوبات التي فرضتها واشنطن تمثل «امتناعاً مؤثراً عن أداء الواجبات» الواردة في الاتفاق «وتعتبر المشكلة غير المحسومة مبرراً للامتناع عن أداء التزاماتها».
  • ومن الممكن أيضاً أن تجادل إيران بأن تقليص التزاماتها لا يمثل انتهاكاً للاتفاق؛ لأن الاتفاق ينص في بند آخر على أن «إيران أوضحت أنها ستعتبر هذه العودة لتطبيق العقوبات أو إعادة فرضها.. أو فرض عقوبات جديدة تتصل بالمسألة النووية مبرراً للامتناع عن أداء التزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة هذه كلياً أو جزئياً».

خطوات فضّ النزاع: فيما يلي الخطوات التي تسير بها عملية فضّ المنازعات والتي قد تستغرق 65 يوماً ما لم يتم التوافق على تمديدها:

1- الخطوة الأولى

إذا اعتقد أي طرف من أطراف الاتفاق النووي أن طرفاً آخر لا ينفذ التزاماته فله أن يحيل الأمر إلى لجنة مشتركة يتكون أعضاؤها من إيران وروسيا والصين وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي (كانت الولايات المتحدة عضواً في اللجنة قبل انسحابها من الاتفاق).

ويكون أمام اللجنة المشتركة 15 يوماً لتسوية المشكلة ما لم يتوافق أعضاؤها على تمديد تلك الفترة الزمنية.

2- الخطوة الثانية

إذا اعتقد أي طرف أن المشكلة لم تحل بعد تلك الخطوة الأولى فله أن يحيل الأمر إلى وزراء خارجية الدول الموقعة على الاتفاق. وسيكون أمام الوزراء 15 يوماً لتسوية الخلاف ما لم يتوافقوا على تمديد تلك الفترة الزمنية.

وبالتوازي مع نظر وزراء الخارجية في الأمر، أو بدلاً منه، يمكن للطرف صاحب الشكوى أو الطرف المتهم بعدم الالتزام أن يطلب أن تبحث لجنة استشارية ثلاثية المشكلة. ويعين كل طرف من طرفي النزاع حينئذ عضواً لهذه الجنة ويكون العضو الثالث مستقلاً. ويتعيّن على اللجنة الاستشارية أن تقدم رأيها غير الملزم في غضون 15 يوماً.

3- الخطوة الثالثة

إذا لم تتم تسوية المشكلة خلال العملية الأولية التي تستغرق 30 يوماً، فأمام اللجنة المشتركة 5 أيام للنظر في رأي اللجنة الاستشارية في محاولة لتسوية النزاع.

4- الخطوة الرابعة

إذا لم يكن الطرف صاحب الشكوى راضياً بعد ذلك ويعتبر أن الأمر «يشكل امتناعاً مؤثراً عن أداء الواجبات»، فبوسعه «أن يعتبر المشكلة غير المحسومة مبرراً للامتناع عن أداء التزاماته بمقتضى خطة العمل الشاملة المشتركة كلياً أو جزئياً».

كذلك يمكنه أن يخطر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والمؤلف من 15 عضواً بأن المشكلة تشكل «امتناعاً مؤثراً عن أداء الواجبات». ويتعين على هذا الطرف أن يصف في الإخطار المساعي حسنة النية التي بذلت لاستنفاد عملية حل النزاع من خلال اللجنة المشتركة.

5- الخطوة الخامسة

بمجرد أن يخطر الطرف صاحب الشكوى مجلس الأمن يتعين على المجلس أن يصوت خلال 30 يوماً على مشروع قرار بشأن الاستمرار في تخفيف العقوبات عن إيران. ويصدر القرار بموافقة 9 أعضاء وعدم استخدام أي من الدول الدائمة العضوية الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا حق النقض (الفيتو).

6- الخطوة السادسة

إذا لم يصدر قرار في غضون 30 يوماً يُعاد فرض العقوبات المنصوص عليها في كل قرارات الأمم المتحدة ما لم يقرر المجلس غير ذلك. وإذا أعيد فرض العقوبات فلن تسري بأثر رجعي على العقود التي وقعتها إيران.

اجمالي القراءات 1495