إجبار اللاجئين السوريين في لبنان على تدمير منازلهم للضغط عليهم كي يعودوا لبلدهم

في الأحد ٣٠ - يونيو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

يُجبَر اللاجئون السوريون في لبنان على هدم منازلهم، في حملةٍ عدوانية جديدة من جانب السلطات اللبنانية للضغط على اللاجئين من أجل العودة إلى بلادهم.

وفي بلدة عرسال الحدودية، كانت المخيمات غير الرسمية التي يسكنها 55 ألف لاجئ، مسرحاً لنشاطٍ محموم تحت شمس الصيف الحارة، أمس الأول الجمعة 28 يونيو/حزيران، إذ كان الشبَّان يهدمون المنازل المبنية من الطوب الإسمنتي الخفيف باستخدام المعاول والمطارق والحفَّارات، ما أدَّى إلى تغطية الأرض بالحطام والغبار.

خوف من الجيش اللبناني

وقالت سميرة رعد (84 عاماً) وهي تجهش بالبكاء أثناء جلوسها مع ابنتيها البالغتين المعاقتين في مسجدٍ مؤقت قرب موقع منزلهن القديم: «ليس لدينا أي مكان نعيش فيه، ولا يوجد أي أحد ليساعدنا»، بحسب ما ذكرته صحيفة The Guardianالبريطانية، اليوم الأحد 30 يونيو/حزيران 2019. 

وقرَّر المسؤولون المحليون تطبيق مرسومٍ عسكري يقضي بهدم المباني الخرسانية السورية التي يزيد ارتفاعها عن متر واحد، قبل موعدٍ أقصاه الأول من يوليو/تموز المقبل. 

وقالت الصحيفة، لهذا السبب وخشية قدوم الجيش مصحوباً بالجرَّافات لهدم المخيمات عن بكرة أبيها، قرَّرت الأسر القيام بالمهمة بنفسها، بغرض إنقاذ الممتلكات القليلة التي تملكها.

وفي الموقع، توجد «جمعية إدنبرة لتقديم العون المباشر Edinburgh Direct Aid» الخيرية البريطانية، إلى جانب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، للمساعدة في البناء ونقل الأسر إلى ملاجئ جديدة من الخشب والقماش المشمع، لكنَّ الوقت ينفد قبل انقضاء المهلة التي تنتهي غداً الإثنين، بالإضافة إلى أنَّ عمليات الإجلاء تستنزف الموارد المالية لمجموعات الإغاثة.

وقال محمد القاسم (47 عاماً)، وهو أب لخمسة أبناء فَقَد ساقه بعد قصفٍ في سوريا: «بكيتُ حين بَلَغَنا الأمر بهدم منزلنا. إنَّ الجدران المبنية من الطوب الإسمنتي الخفيف تحمينا من الأسوأ حين تأتي عواصف الشتاء. ولم يكن بإمكاني القيام بالأمر (بناء منزل جديد) برجلٍ واحدة، لكن لم يكن أمامي خيار، حتى لو استغرق الأمر مني ستة أشهر على عكازين. الآن بإمكاننا الراحة؛ فقد انتهينا من بناء منزلنا وامتثلنا لقواعد الجيش، لكن ماذا عن المرة القادمة التي يأمروننا فيها بفعل شيءٍ ما؟ مَن يدري ما سيحدث!».

اللاجئون السوريون يخشون دخول الجيش اللبناني إلى مخيماتهم – رويترز

باسيل ضد اللاجئين السوريين

وأصبح لبنان موطناً لمليون ونصف المليون سوري منذ اندلاع الاحتاجات في بلدهم، التي تحولت لمعارك في العام 2011، لكنَّ الحكومة اللبنانية، التي كانت تخشى استقرار القادمين الجدد بصورةٍ دائمة في البلاد كما حدث من قبل مع الفلسطينيين لم تسمح بإقامة مخيمات لاجئين دائمة، وجرَّمت إنشاء «المساكن الدائمة» باستخدام الخرسانة.

ووفقاً لمنظمة «أنقذوا الأطفال»، تركت عمليات الهدم 5 آلاف أسرة ونحو 15 ألف طفل بلا مأوى من جديد، واضطروا مجدداً لمعايشة تجربة النوم في العراء أو في خيامٍ مكتظة.

وظلَّت المشاعر المناوئة للاجئين تتنامى وتتراجع في لبنان على مرّ السنوات، لكنَّها في ازدياد مجدداً نتيجةً لتدهور الاقتصاد والمكانة المتنامية لوزير الخارجية جبران باسيل، الذي تزعَّم حملةً جديدة لإعادة السوريين إلى بلادهم.

ويقود باسيل أكبر الأحزاب المسيحية في لبنان، وهو حزب «التيار الوطني الحر». ويُصوِّر نفسه باعتباره حامي مسيحيّي البلاد، المتراجعة أعدادهم، من خلال الإشارة إلى ما يقول إنَّها «الجينات المتميزة»، والشعارات القومية مثل «لبنان فوق الجميع». ويُعتَقَد أنَّ لديه طموحات لتولِّي منصب الرئاسة من صهره الكبير في السن ميشال عون.

وبدأ حلفاء حكومته الائتلافية تطبيق قوانين نادراً ما كانت تُطبَّق في السابق، فأغلقوا المتاجر التي تُوظِّف السوريين دون تراخيص، وأمروا بهدوم مباني اللاجئين الدائمة.

وتصاعد هذا الخطاب العدائي وتحوَّل إلى حوادث عنف، كما حدث في هجوم الحريق المتعمَّد على مخيم للسوريين قرب بلدة دير القمر، هذا الشهر يونيو/حزيران، والذي تسبَّب في تشريد 400 شخص.

حوادث عنصرية متزايدة يتعرض لها اللاجئون السوريون في لبنان – رويترز

دمار كبير في سوريا

وبعد ثماني سنوات قضوها في المنفى في ظروفٍ بائسة، يُعبِّر الكثير من السوريين عن رغبتهم في العودة إلى بلادهم. لكنَّ الوكالات الإغاثية والمجموعات الحقوقية تقول إنَّه دون التوصل إلى حلٍّ سياسي للحرب، أو ضمانات لسلامة العائدين، ستظلّ البلاد خطرة للغاية لأي برامج عودة واسعة النطاق.

وقالت جويل باسول، مديرة الإعلام الإقليمية لدى منظمة «أنقذوا الأطفال»: «في حين لم تعد الكثير من مناطق سوريا تشهد صراعاتٍ نشطة، فإنَّ مناطق واسعة من البلاد لا تزال تواجه دماراً غير مسبوق. وهذا يعني أنَّ الكثير من اللاجئين ليس لديهم منازل يعودون إليها، ولن يجدوا خدماتٍ عند عودتهم».

وأضافت: «بالإضافة إلى ذلك، يخشى الرجال التجنيد الإجباري في القوات المسلحة السورية، وتشعر الكثير من الأسر بالقلق حيال التعرُّض للاعتقال والاحتجاز والسجن في حال عودتها».

وتسبَّبت زيارة من جانب الجيش إلى عرسال، يوم الجمعة، لتفقُّد عمليات الهدم، في إثارة التوتُّرات في المخيم بصورةٍ كبيرة وسريعة.

وقالت ماغي توكي، مديرة المشروعات الخارجية لدى «جمعية إدنبرة لتقديم العون المباشر»، من موقع الهدم: «إنَّنا مستمرون في الكفاح، وسنلتزم بالموعد النهائي، لكنَّ المستقبل قاتم بالنسبة للاجئين السوريين في لبنان».

وأضافت: «رأيتُ اليأس في عيني المُعلِّمة الشابة فاطمة زهوري. وقد سألتني: أهكذا ستكون حياتنا دائماً؟».

اجمالي القراءات 701