كيف يمكن إقامة سلام مستقر بين إيران ودول الخليج؟

في الإثنين ٠٣ - يونيو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

خلال الأسابيع القليلة الماضية، مع تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة، أصبحت الدبلوماسية الإيرانية في حالة تأهب قصوى، لا سيما على المستوى الإقليمي. وفي الشهر الماضي قام وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" بزيارة الهند وباكستان وتركمانستان والعراق واليابان. وفي هذه الأثناء، زار نائبه "عباس عراقجي" الكويت وعمان وقطر. وكانت رحلاتهما إلى دول الخليج أهم هذه الزيارات.

في هذه الزيارات لدول الخليج، قدمت إيران بعض المقترحات المهمة فيما يتعلق بالتدابير التي يمكن أن تساعد في تخفيف التوترات العربية الإيرانية وتضييق الخلافات عبر الخليج وربما حتى إرساء أساس بنية أمنية إقليمية. ويعد المقترح الأكثر إثارة من بين هذه المقترحات هو توقيع معاهدة عدم اعتداء بين إيران ودول الخليج العربية. وقد كانت المقترحات الأخرى هي إعادة صياغة لمقترحات إيران السابقة فيما يتعلق بإنشاء ما تسميه المجمعات الأمنية الإقليمية. لكن ما مدى واقعية هذه المقترحات وما هي فرص نجاحها؟ إن نظرة على تاريخ اتفاقيات عدم الاعتداء وديناميات العلاقات العربية الإيرانية، وخاصة في الخليج، يمكن أن تساعد في تقييم ما إذا كانت الجهود الدبلوماسية الإيرانية الأخيرة ستنجح أم لا.

تاريخ متقلب

تاريخيا، لم تكن اتفاقيات عدم الاعتداء فعالة في منع نشوب النزاعات بين الدول عندما دفعتها الظروف والاعتبارات الأخرى إلى تجاهل التزاماتها بموجب المعاهدات. وكانت أكثر المعاهدات شمولية هي معاهدة "كيلوغ - بريان" لعام 1928 في أعقاب الحرب العالمية الأولى. وكان من المفترض أن يجرم الاتفاق الحرب كأداة لحل النزاعات الدولية، لكنه فشل في ذلك. وهناك مثال آخر هو الاتفاق بين ألمانيا النازية والاتحاد السوفيتي في عام 1939؛ والذي انتهى عندما هاجم "هتلر" الاتحاد السوفيتي في عام 1941.

والسبب في فشل مثل هذه الاتفاقات التعاقدية هو أن المجتمع الدولي لا يزال يحكمه بشكل أكبر حسابات القوة وتصورات التهديدات الأمنية. ولا يوجد نظام دولي قانوني حقيقي يتمتع بسلطة إنفاذ القانون ضد الدول، لا سيما الدول القوية، التي تنتهكه. في الواقع وكما يتضح من السجل التاريخي، فإن الحرب بين الدول تفقد أهميتها كأداة للسياسة ليس من خلال معاهدات عدم الاعتداء ولكن عندما تتلاقى المصالح الأمنية والمصالح الوطنية الأخرى. ويعد أفضل مثال على هذا الموقف هو أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية. وبدلا من التوقيع على اتفاقيات عدم الاعتداء، طورت الدول الأوروبية شبكات من التعاون الاقتصادي والسياسي واستحدثت أطر تعاونية بديلة للحرب. لذلك، من غير المرجح أن يكون مجرد توقيع اتفاق عدم اعتداء بين إيران ودول الخليج العربية كافيا لإحلال السلام على ضفتي الخليج.

التعاون الأمني ​​كبديل

بالإضافة إلى اقتراح اتفاقية عدم الاعتداء، قدمت إيران أيضا اقتراحات لتدابير بناء الثقة وإنشاء مؤسسات للتعاون الاقتصادي والسياسي بين دول الخليج العربية وإيران. على المدى الطويل، ومع تغير الظروف، قد تساعد هذه التدابير في تحسين الأمن في الخليج. لكن ديناميات العلاقات العربية الإيرانية بالإضافة إلى ديناميات السياسة البينية العربية والعلاقات العربية الإسرائيلية تجعل من غير المحتمل إكمال ترتيبات التعاون بين دول الخليج وإيران.

وعلى الرغم من أن الدول الخليجية لديها تصورات مختلفة عن إيران، ولا تنظر إليها جميعا كقوة عدائية، إلا أنها تشعر جميعها بعدم الارتياح بسبب التباين الهائل في الحجم والقوى البشرية بينها وبين إيران. ولا يوجد ما تستطيع إيران فعله لتخفيف هذا الانزعاج الوجودي. حتى قبل الثورة الإسلامية، عندما كانت إيران حريصة على سلامة وبقاء المشيخات الخليجية، كان هذا الشعور بعدم الارتياح تجاه إيران قائما. ومنذ عام 1979، عمّق النظام الثوري الإيراني مخاوف عرب الخليج بشأن طهران.

ثم هناك الانقسامات العربية الفارسية والسنية الشيعية. وفي حين أن هذه العوامل لم تحدد حالة العلاقات العربية الإيرانية، فإنها تميل إلى مفاقمة الخلافات الأخرى، ومنذ الثورة الإسلامية، أصبح تأثير الخلافات الطائفية قويا بشكل خاص.

وتسببت ديناميات السياسة البينية العربية تاريخيا في تقييد وإعاقة التعاون بين إيران ودول الخليج العربية. واستخدم اللاعبون العرب الكبار مثل مصر وسوريا في الماضي والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في الآونة الأخيرة التهديد الإيراني الحقيقي أو المتخيل لاستخراج تنازلات من غيرهم من الدول وبسط نفوذهم في المنطقة ولم يتغير الوضع كثيرا منذ الستينيات، مع اختلاف القوى المستفيدة منه.

وفي ظل ظروف اليوم، قد تعتقد بعض دول الخليج العربي أن تخفيف التوتر في منطقة الخليج قد يمكّن إيران من التركيز أكثر على بلاد الشام، بطرق لا تخدم مصالحها. وقد تقلق دول مثل مصر من أن القضاء على التهديد الإيراني سيؤدي إلى تجفيف الدعم المالي الخليجي. ولكن يبقى العامل الأهم اليوم هو (إسرائيل) حيث تم تسهيل التقارب بين الخليج و(إسرائيل) من خلال التلاعب بصورة إيران وتهديدها المزعوم لدول الخليج. وفي حين العداء المشترك تجاه إيران هو المحرك الرئيسي لهذا التقارب، فإن أي تحسن في علاقات دول الخليج مع طهران يمكن أن يبرد إلى حد ما رغبتها في إقامة علاقات وثيقة مع (إسرائيل).

وأخيرا وليس آخرا، هناك تصورات مختلفة لدى إيران ودول الخليج حول مصادر التهديدات التي تهدد أمنهم. وتعتبر إيران الولايات المتحدة و(إسرائيل) تهديداتها الرئيسية، في حين يرى عرب الخليج أن طهران وأيديولوجيتها الثورية هما الشاغل الأمني ​​الرئيسي لهم. وهكذا يعتبرون الولايات المتحدة والغرب عموما ضروريين لحماية مصالحهم الأمنية. لذلك طالما ظلت العلاقات الأمريكية الإيرانية في خانة العداء، فمن غير المرجح أن يقوم عرب الخليج بتحسين العلاقات مع إيران. بشكل عام، في مناطق مثل الخليج، والتي تحظى باهتمام كبير من اللاعبين الدوليين الرئيسيين، تتأثر العلاقات المحلية بشدة بالسياسة الدولية. وهذا يعني أن التحسن الحقيقي في العلاقات بين إيران والخليج العربي لا يمكن أن يحدث إلا بعد نوع من المصالحة بين إيران والولايات المتحدة.

منذ التسعينيات من القرن الماضي، جربت إيران استراتيجيات مختلفة للسياسة الخارجية مكنتها من تجنب الاضطرار إلى المصالحة مع الولايات المتحدة. وقد سعت إلى إقامة علاقات استراتيجية مع روسيا والصين، وطورت ما يسمى باستراتيجية "التطلع إلى الشرق" ، وهي الآن تركز على استراتيجية أكثرر إقليمية. لكن لم تسفر أي من هذه البدائل عن أية نتائج حقيقية، إلى حد كبير لأنها تجاهلت حقائق النظام السياسي الدولي وتأثر الأنظمة الإقليمية بديناميات السياسة الدولية. باختصار، لا يمكن لإيران أن تعمل خارج حدود النظام القائم وتأمل في نفس الوقت في أن تظل آمنة ومزدهرة.

باختصار، يعد تواصل إيران مع دول الخليج خطوة إيجابية ينبغي تشجيعها. ومع ذلك، فإن نجاحها أمر مشكوك فيه إذا رفضت طهران حل مشاكلها مع اللاعب الدولي الرئيسي، أي الولايات المتحدة الأمريكية.

اجمالي القراءات 1065