هل تنجح السعودية والإمارات في قتل الموجة الثانية من الربيع العربي؟

في السبت ٠١ - يونيو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

هل يمكن أن تشير أحداث النصف الأول من عام 2019 إلى بداية ربيع عربي آخر على الأقل في شمال أفريقيا؟ حسنا، بالنظر إلى الدماء التي نزفت بالفعل في السودان، والتشاؤم بشأن نقل القوات المسلحة السلطة إلى المدنيين، قد يكون هناك سبب وجيه للطعن في فكرة أن "النسخة الثانية من الربيع العربي" قد اندلعت هذا العام. ومع ذلك، يبدو هناك رغبة واسعة في التغيير الديمقراطي مثل تلك التي أخرجت العديد من الشباب من شمال أفريقيا إلى الشوارع قبل 8 أعوام.

سرقة ثورة السودان

وكان الرئيس السوداني السابق "عمر حسن البشير"، البالغ من العمر 75 عاما، قد أعلن استقالته في 11 أبريل/نيسان، منهيا رئاسته التي استمرت 30 عاما. وكانت الإطاحة به إلى حد كبير بسبب الضغط الشعبي إثر الاحتجاجات المناهضة للحكومة في مختلف المدن السودانية في أواخر عام 2018. ولم يختبر معظم المواطنين السودانيين سوى الحياة تحت حكم "البشير" الذي وصل إلى السلطة في انقلاب مدعوم من الإسلاميين عام 1989. وكانت القضايا التي أشعلت مظاهرات 2018 مثل تلك التي غذت ثورات الربيع العربي لعام 2011، وهي ارتفاع أسعار الوقود والخبز، والفساد، والتضخم، والبطالة.

ومن الصعب التنبؤ بكيفية تطور الأحداث في الخرطوم مع استمرار هشاشة التحول. ومع ذلك، على الأقل في الوقت الحالي، يكمن مصير السودان السياسي في يد المجلس العسكري الانتقالي. وقد بدأ المجلس في تقييم المرشحين المحتملين لدور الرئيس، دون توضيح دوره في هذه المرحلة الانتقالية، أو حتى الحكومة التي ستقود تلك المرحلة. ومع ذلك، من غير المرجح أن يتخلى المجلس عن السلطة، ومن الواضح أن سيستمر في ممارسة النفوذ بشكل مباشر أو غير مباشر.

وتواجه التطلعات الديمقراطية للشعب السوداني خطر الانقلاب عليها لصالح شكل آخر من أشكال الحكم العسكري الاستبدادي. وقد أعلن الجيش السوداني بالفعل أنه سيعلق الدستور، ويقيم حكما عسكريا انتقاليا حتى عام 2021 على الأقل. علاوة على ذلك، لايزال العديد من رجال النظام القديم منخرطون بشكل متزايد في المشهد، في حين تحاول الأحزاب السودانية التوصل إلى حلول وسط بشأن الإصلاحات الدستورية من خلال "قوى الحرية والتغيير"، وهو ائتلاف جامع يعمل كمظلة لجماعات المعارضة.

وفي الواقع، فإن التدخل الأحنبي في الانتقال السياسي يجعل فرص نجاح التحول أكثر صعوبة. ودعم الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" على الفور الطغمة العسكرية "المؤقتة" في السودان، في حين لم يكن من قبيل الصدفة أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قد وعدتا بالفعل بتقديم نحو 3 مليارات دولار من المساعدات الاقتصادية للسودان في ظل النظام العسكري الحالي. ومن جانبه، دعا "إعلان الحرية والتغيير" إلى العصيان المدني، بعد أن فهم أن الجنرالات لن يتراجعوا عن المشهد. وفي الواقع، تبرز الاحتجاجات ضد المساعدات المالية التي تعهدت بها الرياض وأبوظبي الشهر الماضي أن السودانيين تعلموا الدرس من انقلاب مصر قبل 6 أعوام، وأنهم حريصون على تجنب مصير جارتهم الشمالية، ويخشون من التداعيات السياسية لقبول الخرطوم لهذه الأموال من القوى المضادة للثورة في الخليج.

وتركت حكومة "البشير" ومؤسساتها الاستبدادية الكثيرين في البلاد مع شعور عميق بعدم الثقة في المؤسسات السودانية. وبالتالي، من المرجح أن يستمر إرث حكم "البشير"، الذي دام 3 عقود، في التأثير على الدولة والمجتمع السوداني في المستقبل، وتشكيل وجهات نظر المواطنين حول الحاجة إلى إزالة "الدولة العميقة" من السلطة خاصةع دعم العديد من العواصم العربية للجيش السوداني كحارس للانتقال في فترة ما بعد "البشير".

ما بعد "بوتفليقة" في الجزائر

وكان الرئيس الجزائري السابق "عبد العزيز بوتفليقة" قد أعلن استقالته في الأول من أبريل/نيسان. ومن المحتمل أن يحدد الجيش من سيشغل المنصب الشاغر بعد "بوتفليقة" على المدى الطويل، بغض النظر عن طموحات التغيير لجى عشرات الآلاف من المواطنين.

ومثلما حدث عام 1999 حين تدخل الجيش لتسمية شخصية مقبولة نسبيا ما لملء الفراغ في قصر "المرادية" الرئاسي في الجزائر العاصمة، تدخل وزير الدفاع "أحمد قايد صالح" لتثبيت رئيس مجلس الأمة "عبد القادر بن صالح" كرئيس مؤقت. ويتمثل دوره في قيادة البلاد إلى الانتخابات في يوليو/تموز 2019. لكن بصفته عضوا في الدائرة الداخلية لـ "بوتفليقة"، فهو يمثل المؤسسة المتحجرة التي امتلكت خيوط اللعبة السياسية، التي يسميها الجزائريون "البوفوار". ويتوقع عدد قليل من الخبراء أن تؤدي الانتخابات إلى تغيير جوهري. ويخشى الجزائريون من أن تبقي الانتخابات فقط على نفس الأشخاص والمصالح في السلطة دون إحداث أي تغيير.

ويطالب الجزائريون بحل المشاكل المزمنة، خاصة الاقتصادية. ولكن، مثل العديد من الدول المنتجة للنفط والغاز داخل وخارج العالم العربي، تعاني الجزائر من مخاطر الاعتماد على مورد واحد للدخا. وكانت القدرة على استخدام الثروة النفطية مصدرا رئيسيا لشرعية الحكومات الجزائرية المتعاقبة. وشهدت الأعوام الخمسة الماضية انخفاضا في أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها منذ عقود، ما تسبب في تزايد غضب الكثير من الجزائريين ​​بسبب تردي أخوالهم الاقتصادية.

ولقد حاول "عبد القادر بن صالح" استرضاء الجماهير الغاضبة من خلال إلقاء القبض على شخصيات قيادية من المحيطين بـ "بوتفليقة"، متهما إياهم بالفساد. ومن بين هؤلاء قادة جهاز المخابرات، ورجال أعمال كبار مثل "علي حداد"، عضو الدائرة الداخلية للرئيس السابق، و"سعيد بوتفليقة"، الشقيق الأصغر للرئيس ومستشاره غير الرسمي. لكن الحشود لا تزال غير راضية. فهم يريدون تفكيك هيكل السلطة الكامل، في حين أنهم يرون أن "بن صالح" والجيش يطبقون فقط تغييرات "تجميلية" من أجل الحفاظ على بنية النظام سليمة. وهم يريدون توقيف "عشيرة" "بوتفليقة" بأكملها أو طردهم من مناصبهم، وعلى وجه الخصوص ما يسمى بـ "الأربع باءات". ورغم أن "بوتفليقة" و"الطيب بلعيز"، رئيس المجلس الدستوري قد استقالا، لا يزال رئيس الوزراء "نور الدين بدوي" يشغل منصبه. وأما الـ "باء" الرابعة فتتمثل في "بن صالح" نفسه.

ومن المؤكد أن الجزائريين يتوقون إلى تغيير كبير يتجاوز صلاحيات "بن صالح" في مكافحة الفساد. وتدور الاحتجاجات المستمرة في الجزائر وغيرها من المدن، التي تجذب الآلاف، حول إرسال رسالة إلى المؤسسة الحاكمة مفادها أن الجمهور يطالب بتغيير جذري من خلال إزالة "البوفوار" من السلطة بشكل كامل، وليس مجرد مشاهدة شخصية أخرى من الحرس القديم تحل محل "بوتفليقة" كرئيس للدولة.

معركة خليفة حفتر في ليبيا

ومن شأن تحول شمال أفريقيا نحو الديمقراطية أن يخلق مشاكل للأوتوقراطيين العرب، خاصة بالنسبة للنظام في مصر. وهو ما يفسر إلى حد كبير دعم "السيسي" لهجوم الجنرال "خليفة حفتر" على طرابلس، الذي بدأ في 4 أبريل/نيسان. ويقود "حفتر" الجيش الوطني الليبي، الذي يتمتع أيضا بدعم من الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية. ودعمت فرنسا "حفتر" والجيش الوطني الليبي أيضا، بينما يبدو أن الإدارة الأمريكية و"دونالد ترامب" يميلان في نفس الاتجاه.

وقرر العديد من اللاعبين الدوليين أن الاستقرار أفضل من الشرعية. وبدأ تقدم "حفتر" بعد فترة وجيزة من اجتماعه مع العاهل السعودي الملك "سلمان" في الرياض، في 27 مارس/آذار. وضغط الملك السعودي على "حفتر" لأجل الهجوم على طرابلس، مما قوض مؤتمر "غدامس" الوطني الذي ترعاه الأمم المتحدة، والذي كان مقررا عقده في الفترة من 14 إلى 16 أبريل/نيسان. وكان من المفترض أن يمهد المؤتمر الطريق للمصالحة الليبية، إلا أن هجمات حفتر على طرابلس أضعفت أي احتمالات للمصالحة.

وقد اتصل الرئيس "ترامب" هاتفيا بـ "حفتر" مشيدا بدوره في محاربة الإرهابيين وحماية الموارد النفطية الليبية، دون تقديم حتى مجاملة مماثلة لرئيس الوزراء في حكومة الوفاق الوطني "فايز السراج"، الذي لا يزال - على الأقل رسميا - زعيما للحكومة الليبية المعترف بها من قبل واشنطن. وتعيد فرنسا، من جانبها، إحياء "مجدها الاستعماري" السابق، بنشر قوات في جنوب الصحراء. وتفضل باريس أيضا أن يحصل "حفتر" على السلطة والنفوذ في ليبيا، وقد عمل المستشارون العسكريون الفرنسيون مع الجيش الوطني الليبي، وقدموا خدمات الاستخبارات والتدريب، حتى وإن كانت موثوقية "حفتر" لا تزال مشكوكا فيها.

المخاوف والإخفاقات والأوهام

وبناء على كيفية تطور الأحداث المتشابكة سوف يتحدد مصير التغيير السياسي في الجزائر والسودان. وقد هزت الاحتجاجات واسعة النطاق كلا البلدين، لكنها لم ترسخ بعد أي تحولات سياسية. ويخشى الجزائريون والليبيون من أن يصبح "صالح" و"حفتر" امتدادا لنمط القادة الاستبداديين العسكريين الذي يحكمون بدعم من دول الخليج العربية الغنية، وعلى رأسها السعودية والإمارات.

وفي الجزائر والسودان، يوضح المتظاهرون الذين يواصلون احتجاجاتهم للسلطات أنهم لا يثقون الجيوش وبقايا الأنظمة السابقة لقيادة فترة التحول. وعلى عكس الشعب المصري عام 2013، الذي رحب بالانقلاب الذي أطاح بـ "مرسي"، فإن أولئك الذين ما زالوا في شوارع الجزائر والسودان يستمرون في الاحتجاج لأجل تسليم السلطة للمدنيين.

وأصبحت تجربة مصر بعد الانقلاب العسكري عام 2013 درسا علم المنطقة الكثير من العبر. وظهر ذلك في الاحتجاجات ضد السعودية والإمارات في السودان، حيث اتهم المتظاهرون الدولتين بالتدخل في شؤون الخرطوم، بعد أن تعهدا بتقديم 3 مليارات دولار للحكومة السودانية المؤقتة. وربما كانت هناك درجة من السذاجة لدى المصريين الذين رأوا في انقلاب عام 2013، المدعوم من الخليج، فرصة لتصحيح الثورة الديمقراطية، وليس شهادة وفاة لها. وفي السودان، يدرك العديد من المواطنين أن سيطرة الجيش على العملية السياسية ستمنع أي تحول ديمقراطي من الاكتمال.

ولا ينبغي أن يكون مفاجئا أن بعض دول الخليج تشعر بقلق بالغ إزاء تأثير التطلعات الديمقراطية في شمال أفريقيا، ومما لا شك فيه أن الإصلاحات التي ينادي بها المتظاهرون في الشوارع ستغير بشكل أساسي طبيعة الحكم في العالم العربي الأوسع. وترى دول الخليج، التي تؤيد الاستقرار على المدى القصير على أي تغيير ثوري، أن الجزائر والسودان تمران بمرحلة انتقالية حساسة يمكن أن تتحول إلى حالة من الفوضى إذا لم تتم إدارتها بطريقة تمكن الجيش من البقاء في مقعد الربان. 

ولكن مع استمرار حشود الجزائريين والسودانيين وتصميمهم على منع الأنظمة العسكرية الجديدة من حكم بلادهم، يبدو أنهم قد يكونون على طريق التصادم مع دول الخليج الغنية بالنفط، التي تنظر إلى تطلعاتهم الديمقراطية باعتبارها تهديدا لمستقبل الاستقرار في الشرق الأوسط.

اجمالي القراءات 784