بين التهدئة والتصعيد.. هل تندلع حرب أمريكية إيرانية؟

في السبت ٢٥ - مايو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

ما بين تصريحات تؤكد عدم رغبة الطرفين في الحرب، وخطوات تصعيدية تنذر باحتمال اندلاع شرارة تفجر الأوضاع التي تزداد تأزما.. يبدو مستقبل الشرق الأوسط غامضا وهو يعيش على وقع مخاوف وتطمينات اشتعال حرب إيرانية أمريكية.

الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" قال مرارا إنه لا يرغب في الحرب، وإنه يأمل عدم اللجوء إليها. كذلك استبعد المرشد الأعلى للثورة الإيرانية "علي خامنئي" نشوب الحرب. لكن المرجحين لاحتمالات الحرب طرحوا في المقابل تساؤلا منطقيا: "من قال إن الحروب تشتعل بتصريحات السياسيين؟.. إنها تستعر برصاص العسكريين".

في المقابل، فإن الترتيبات العسكرية المتسارعة، والانتشار العسكري المحموم، وإرسال المدمرات والسفن وإطلاق التهديدات لم تكن كافية برأي المعارضين لآراء قرب اندلاع المعارك: "أليست المصالح هي الغاية والهدف من وراء كل ذلك؟.. من قال إن مصالح إيران المحاصرة وترامب المقبل على الانتخابات تكمن في حرب يحرق فيها كل من الطرفين أصابع الآخر؟".

وما بين تصريحات التهدئة وشواهدها، ومخاوف المعركة وتصعيداتها.. لا يبدو الواقع محسوما لصالح الحرب أو التهدئة، خياران يرى فريق ثالث أنهما ربما لا يكونان بيد طرفي الأزمة نفسيهما إذا فجرت شرارة عفوية الأوضاع ودفعتهما للحرب كرها.. أو تدخلت أوضاع دولية وإقليمية وجرتهما إلى التهدئة قسرا، على عكس رغبتيهما أيا كانت.

وبينما يعدد أنصار كل رأي من الرأيين شواهد تعزيز وجهة نظره، ففي ما يلي شواهد التصعيد والمعركة، ومرجحات التخفيض والتهدئة.

شواهد التصعيد

1- ترتيبات الساحة العراقية: أمرت وزارة الخارجية الأمريكية موظفي الحكومة غير الضروريين بمغادرة العراق في أسرع وقت ممكن. فيما أعلن الجيش الألماني تعليق عمليات التدريب العسكري في العراق بسبب تصاعد التوتر في المنطقة.

2- إرسال القوات الأمريكية وحاملات الطائرات: أرسلت القيادة المركزية الأمريكة حاملة الطائرات الأمريكية "أبراهام لينكولن" والقوة الضاربة المرافقة لها إلى منطقة الخليج، إضافة إلى قاذفات "بي 52".

3- موافقة دول خليجية (بينها السعودية) على انتشار عسكري أمريكي ليس في مياهها الإقليمية فحسب بل داخل أراضيها.

4- تحذير أمير الكويت "صباح الأحمد" ووزير خارجية عمان "يوسف بن علوي" في مناسبتين منفصلتين من أن "هناك خطرا من وقوع حرب" بين الطرفين الأمريكي والإيراني، وأن "المنطقة تقف على فوهة بركان إن انفجر سيؤدي الى عواقب وخيمة في المنطقة".

5- ارتفاع حدة التصريحات والتهديدات بين المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين، التي وصلت إلى مستوى الرئيس الأمريكي والمرشد الأعلى للثورة الإيرانية.

6- حادثة الفجيرة والهجوم على أرامكو، تصب باتجاه إشعال مزيد من التوتر في مياه الخليج، وأمريكا تريد ضمان استمرار تدفق النفط الخليجي على السوق العالمية لتوفير الدعم اللازم لعقوباتها على طهران، ولن يتأتى ذلك دون عقاب رادع لنظام الملالي في إيران.

شواهد التهدئة

1- انكفاء لا توسع: سياسة ترامب العامة هي سياسة انكفاء وليست سياسة توسع على مستوى منطقة الشرق الأوسط، وذلك منذ خروج أمريكا من العراق بخسائر كبيرة.

2- فاتورتان للحرب: اندلاع حرب عسكرية بمنطقة الخليج يعني تجاوز أسعار النفط بسهولة حاجز الـ100 دولار للبرميل، وهو ما لن تقبل به واشنطن؛ لأن الولايات المتحدة هي أكبر مستهلك وأكبر مستورد للنفط على مستوى العالم، وهو ما يعني أن الحرب مع إيران ستكون لها فاتورتان، الأولى عسكرية باهظة والثانية نفطية واقتصادية باهظة أيضا.

3- قوة الجانب الإيراني: يدرك الجانب الأمريكي وحلفاؤه أن إيران تمتلك ترسانة أسلحة متطورة، ولذلك فإن المواجهة العسكرية المباشرة والمفتوحة مع طهران تعني بالضرورة تهديد العديد من دول المنطقة، بينها دول في الحلف الأمريكي تعتمد على حالة الاستقرار في مواردها الاقتصادية مثل الإمارات، إضافة إلى المعارضين صراحة للحرب مثل عمان وقطر والكويت.

4- دول عالمية من خارج منطقة الخليج تعارض اندلاع أي حرب هناك، مثل روسيا ودول أوروبا وحتى باكستان والهند؛ ما يعني أن أمريكا تمضي إلى الحرب وحدها، بينما تحرص واشنطن تقليديا على الدخول دوما لأي حرب ضمن حلف دولي يوفر صورة ملائمة لها بإنسانية قرارها بالحرب.

5- التحركات العسكرية الأمريكية في الخليج ليست معتادة، لكنها في الوقت ذاته ليست بأعداد تفوق كثيرا الأعداد الطبيعية، خاصة في ظل النفي الأمريكي لجميع الأخبار المتداولة حول زيادة عدد جنودها هناك.

6- يستعد النظام الإيراني إلى تحمل التبعات الاقتصادية لعقوبات طويلة المدى، وليس من مصلحة النظام الإيراني استنزاف موارده في حرب تعجل باستنزاف تلك الموارد.

الخيار الثالث

ما بين الفريقين، يقول رأي بعض الخبراء إن القرار الأمريكي والإيراني أيا كان، ربما لا يكون العامل الوحيد في اندلاع المعركة.

ويعني المراقبون بذلك أن القرار إذا كان بعدم اندلاع الحرب، فإن شرارة غير محسوبة قد تفجر الأوضاع بشكل غير متوقع.

ويشير أصحاب ذلك الرأي إلى الأذرع الإيرانية المتعددة غير النظامية في المنطقة؛ فالمليشيات المدعومة إيرانيا في اليمن (الحوثيين) وفي العراق (الحشد الشعبي) ولبنان (حزب الله) وسوريا (ألوية من باكستان وأفغانستان) لا تكون خطواتها كتلك التي تعمدها الجيوش النظامية.

ويكفي أن تغامر تلك المليشيا أو تلك بعملية غير محسوبة لتفجير الأوضاع مع أمريكا وحلفائها، فضلا عن أن يكون الحادث في مياه الخليج بين الحرس الثوري أو الجيش الإيراني، وهو ما سبق أن حدث قبل ذلك في الخليج الذي يعج بالمدمرات العسكرية والسفن التجارية.

كما أنه في المقابل إذا كانت رغبة الطرفين بتصعيد الأوضاع عسكريا، فإن الأوضاع الدولية والإقليمية ربما تنجح في إطفاء نيران الحرب وخفض وقع طبول المعركة التي لا يرغب فيها أحد.

الخلاصة.. أن احتمالات الحرب غير محسومة بين أمريكا وإيران، وأن نذرها قائمة، ومخاطرها موجودة، لكنها ليست أكيدة كما يروج بعض الكتاب والوسائل الإعلامية في الدول الداخلة ضمن الحلف الأمريكي المعادي لإيران.

اجمالي القراءات 957