الإعدامات الجماعية في السعودية.. ماذا يريد بن سلمان؟

في السبت ١٨ - مايو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

أعدمت المملكة العربية السعودية مؤخرا 37 شخصا، من بينهم 33 من أفراد الأقلية الشيعية، بتهمة القيام بأنشطة مرتبطة بالإرهاب.

وكان هذا أكبر إعدام جماعي في المملكة منذ يناير/كانون الثاني 2016، عندما قطعت الرياض رأس 47 شخصا بسبب جرائم مماثلة، بما في ذلك رجل الدين الشيعي المعارض "نمر النمر"، مما دفع المتظاهرين الإيرانيين المدعومين من الدولة إلى إشعال النار في السفارة السعودية في طهران، ومهد الطريق لقطع العلاقات الدبلوماسية بين الخصمين الإقليميين. وتمت إدانة 11 من الذين تم إعدامهم مؤخرا بالتورط في التجسس لصالح إيران.

وبالنظر إلى سعي إدارة "ترامب" الحثيث لتطبيق سياسة "الضغط الأقصى" ضد إيران ذات الأغلبية الشيعية، بعد أن انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي متعدد الأطراف في مايو/أيار من العام الماضي، وأعادت فرض عقوبات شاملة على طهران، كان المقصود بالإعدام الجماعي في المملكة نقل رسالة سياسية وإشارة إلى استعداد ولي العهد "محمد بن سلمان" لركوب الموجة المتصاعدة المناهضة لإيران في المنطقة.

لكن الأهم من ذلك، تهدف هذه الخطوة إلى توطيد السلطة في الداخل، وطمأنة قاعدة دعم الدولة بأن ولي العهد سوف ينفذ "الإجراءات" التي يراها مناسبة، بغض النظر عن مقدار تعرض المملكة لضغوط أو انتقادات دولية بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان.

ومن المفارقات رغم ذلك أن الثقة والإفلات من العقاب اللذين يحاول بهما "محمد بن سلمان" إعادة بناء صورته كقائد قوي و"مصلح" ناجح عبر اللجوء إلى التدابير الاستبدادية، هما في حد ذاتهما دليل على محاولته اليائسة للفرار من تبعات اغتيال "جمال خاشقجي".

ولولا دعم الولايات المتحدة الثابت له، والذي اتضح في بيان الرئيس "ترامب" في 20 نوفمبر/تشرين الثاني، لكان الأمير الذي يبلغ من العمر 33 عاما قد فقد منصبه، وربما استبداله بعضو أكثر حداثة من العائلة المالكة . لكن حتى الآن، استطاع "بن سلمان" البقاء، ويحضر للعمل بنفس قواعد اللعبة القديمة.

وأحرق "بن سلمان" بالفعل كل جسوره. وقال الناشط "إياد البغدادي": "لا عودة إلى الوراء بالنسبة له، لأن التراجع يعني مواجهة المساءلة، ولن يخضع بن سلمان نفسه أبدا لذلك. بطريقة ما، سوف يبقى في السلطة. وسوف يواصل المزيد من القمع لأنه لا توجد وسيلة للعودة بالنسبة إليه في هذه المرحلة".

وقبل أقل من 3 أسابيع من عمليات الإعدام، ألقت الحكومة السعودية القبض على 8 كتاب ومؤيدين لناشطات حقوق المرأة المسجونات، بما يشمل اثنين من حملة الجنسية الأمريكية، في جولة أخرى من الحملات ضد منتقدي ولي العهد.

ووفقا لأحد الباحثين في "هيومن رايتس ووتش": "من الواضح أن السعوديين يشعرون بأن إدارة ترامب في جيبهم الخلفي، وأنهم لن يفقدوا الدعم".

وبصرف النظر عن العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين الرياض وواشنطن، والتي ساعدت في الحفاظ على هيمنة الدولار الأمريكي في التجارة العالمية، فإن الترابط السعودي الأمريكي الراسخ مدفوع أيضا بالمعارضة المتبادلة لإيران، والتحريض المشترك على تغيير النظام في إيران.

وتجلى التعاون الاستراتيجي في الآونة الأخيرة في تطمينات السعودية لإدارة "ترامب" بأنها ستنتج ما يكفي من النفط للتعويض عن منع الخام الإيراني عن أسواق الطاقة الدولية، وتعد هذه الخطوة أحد أعمدة سياسة "الضغط الأقصى" للولايات المتحدة ضد طهران.

وعلى غرار ذلك، استخدم الرئيس "ترامب" حق النقض "الفيتو" ضد قرار سلطات الحرب في الكونغرس، والذي سعى إلى وقف دعم الولايات المتحدة للتدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن.

وفي حين أن السبب الاستراتيجي للعلاقات الحميمية - والذي يستند للرغبة في التصدي لعدو مشترك - يعد منطقيا من منظور واقعي، فإن دعم الإدارة الأمريكية غير المشروط لـ"بن سلمان" يجعل البيت الأبيض شريكا في الأعمال الوحشية التي تم ارتكابها تحت نظره، وأدى ذلك إلى تآكل السلطة المعنوية للولايات المتحدة في عهد "ترامب".

وتم تنفيذ عمليات الإعدام الأخيرة بعد ما وصفته منظمة العفو الدولية بأنها "محاكمات زائفة" جائرة انتهكت المعايير القانونية الدولية، مما رفع عدد عمليات الإعدام في المملكة إلى 105 في الربع الأول من العام.

ومن بين الأشخاص الذين قطعت المملكة رؤوسهم "عبدالكريم الحواج"، وهو حدث شيعي تم الحكم عليه بعقوبة الإعدام لمشاركته في المظاهرات المناهضة للحكومة والساعية للديمقراطية وهو في سن الـ 16. وكان شاب آخر، وهو "مجتبى السويكت"، قد تم إعدامه بعد اعتقاله بسبب "جرائم مماثلة" عام 2012 في سن الـ 17 عاما، حين كان في طريقه إلى الولايات المتحدة لبدء دراساته في جامعة "ويست ميشيغان".

وبالنسبة لبعض الإيرانيين الذين يراقبون عمليات الإعدام ذات الدوافع السياسية في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية، كان إعدام "القصّر"، على وجه الخصوص، تذكيرا بإعدام "أرش رحماني بور" في يناير/كانون الثاني 2010، وهو إيراني شاب عمره 17 عاما تم احتجازه لتورطه المزعوم في تفجير مسجد عام 2008 في مدينة شيراز جنوب إيران. وتم إعدامه في يناير/كانون الثاني 2010 كجزء من حملات القمع التي شنتها الدولة الإيرانية في مواجهة الاحتجاجات على الانتخابات الرئاسية المزورة لعام 2009.

وبعد يومين فقط من عمليات القتل الجماعي في المملكة، شنقت إيران سرا شابان يبلغان من العمر 17 عاما بزعم ارتكابهما عمليات اغتصاب متعددة.

وبينما تحاول السلطات الإيرانية إخفاء عمليات إعدام القُصّر والأحداث بسبب التداعيات حول سمعتها في المجتمع الدولي، تهدف التدابير الوحشية المماثلة في السعودية إلى إرسال إشارات حول القوة والسيطرة اللذان يملكهما "بن سلمان".

ويبدو أن عمليات الإعدام تشير إلى تغيير استراتيجية العلاقات العامة السعودية. وقال "البغدادي": "إنها واحدة من عدة علامات تدل على أن بن سلمان ألقى تلك الصورة الإصلاحية في المرحاض. لقد خدمته (تلك الصورة) لفترة من الوقت، لكنها استراتيجية خاسرة. ويبدو أن الاستراتيجية الجديدة هي القمع المعلن".

واتضحت حقيقة كلام "البغدادي" بشكل علمي سريعا. وبعد بضعة أيام من مقابلته مع "إنسايد أرابيا"، ذكرت صحيفة "الغارديان" أن "البغدادي"، الذي يعيش في النرويج، قد تم احتجازه في الحجز الوقائي من قبل الحكومة النرويجية، بعد بلاغ من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بأن حياته قد تكون في خطر بسبب تهديدات سعودية.

ويتوافق هذا النهج من القمع الاستبدادي "اللاعقلاني" التي تميز الحكم السعودي تحت "بن سلمان".

اجمالي القراءات 949