عاش حياة طبيعية وظل 7 سنوات عميلاً نائماً.. قصة الرجل الذي زرعه حزب الله لتنفيذ عمليات سرية بأمريكا

في الثلاثاء ٠٧ - مايو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

عاش حياة طبيعية وظل 7 سنوات عميلاً نائماً.. قصة الرجل الذي زرعه حزب الله لتنفيذ عمليات سرية بأمريكا

تعمل نعومي رودريغيز في طب الطوارئ لنوباتٍ مدتها 12 ساعة في شوارع مدينة ذا برونكس بولاية نيويورك الأمريكية، وما إن علمت أن الرجل الذي كان يعيش فوق شقتها بطابق واحد كان عميلاً نائماً لحزب الله حتى علَّقت أمام مدخل شقتها التي تقع في شارع West 238 في منطقة كينغزبريدج هايتس قائلة: «أنا أُنقذ أرواح الناس، وهنا شخص يحاول أن يقتلهم».

تقرير لموقع The Daily Beast الأمريكي استعرض بشيء من التفصيل قصة الرجل الذي بدأت محاكمته الإثنين 6 مايو/أيار.

جند ضمن خطة الانتقام لمقتل عماد مغنية 

يقول كوراني انه جُنِّد كجزءٍ من خطةٍ للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة حزب الله رفيعة المستوى بسيارة مفخخة، الذي قال عنه عميلٌ سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إنه «ربما يكون أكثر العملاء السريين الذين صادفناهم ذكاءً وقدرة على الإطلاق، بما في ذلك عملاء الاستخبارات السوفيتية أو أي شخص آخر».

دُرِّب كوراني، وفقاً لاعترافاته، على صنع المتفجرات، واستخدام الأسلحة الخفيفة، وإجراء الاتصالات، والالتزام عند الاستجواب بأنه عضو في «منظمة الأمن الخارجي لحزب الله» المعروفة أيضاً باسم منظمة الجهاد الإسلامي أو ببساطة «الوحدة 910″، وهي وحدة العمليات الخارجية لحزب الله.

ويُطلق عليها مكتب التحقيقات الفيدرالي في أوراق القضية «العمليات السرية لحزب الله».

وُلِدَ كوراني في لبنان في يونيو/حزيران 1984 لعائلةٍ يُزعَم أن لها صلاتٍ بحزب الله. وأخبر مكتب التحقيقات الفيدرالي أن عائلته تعد بمثابة «عائلة بن لادن في لبنان». كان عمره 16 عاماً عندما مكنته مكانة عائلته الاجتماعية من الانضمام لمعسكر تدريب لمدة 45 يوماً.

وورد في شكوى جنائية لاحقة أنه «تعلَّم أثناء التدريب إطلاق الرصاص ببندقية إيه كيه-47 (كلاشينكوف) وقاذفات الصواريخ، بالإضافة إلى التكتيكات العسكرية الأساسية، على يد عناصر من حزب الله يرتدون زياً عسكرياً».

تغير مسار حياته تماماً عند مقتل عماد مغنية

في عام 2003 عندما كان كوراني يبلغ من العمر 19 عاماً، هاجر إلى الولايات المتحدة. وعاش في منزل مشترك بين عائلتين في حي كوينز بنيويورك، ودرس الهندسة الطبية البيولوجية في جامعة مدينة نيويورك. ولكن مسار حياته تغيَّر عندما قُتِلَ عماد مغنية -الرجل الثاني في حزب الله ومؤسس جناحه العسكري والاستخباراتي والأمني- في دمشق عام 2008.

بحسب الصحيفة الأمريكية كان مغنية العقل المدبر لكثير من العمليات التي كان من بينها حادث تفجير شاحنة قرب السفارة الأمريكية في بيروت عام 1983، الذي أسفر عن مقتل سبعة من عملاء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، بالإضافة إلى 10 أمريكيين آخرين، وتفجير شاحنة أمام ثكنات قوات المارينز الأمريكية هناك في وقتٍ لاحق من ذلك العام، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً. 

أضف إلى ذلك قتل مئات الإسرائيليين. ولا غرابة في أن حزب الله أشار بأصابع الاتهام إلى أمريكا وإسرائيل بالوقوف وراء قتل عقلها المدبر وتعهد بالانتقام.

عاش كوراني حياة طبيعية ظاهرياً

وأخبر كوراني مكتب التحقيقات الفيدرالي أن حزب الله سعى للانتقام من خلال تقليد التكتيك الإسرائيلي الذي استخدمه الروس منذ فترة طويلة، وصُوِّر لاحقاً في المسلسل التلفزيوني The Americans.

ووفقاً لتقرير لمكتب التحقيقات الفيدرالي: «قال كوراني إن منظمة الأمن الخارجي لحزب الله أرادت تقليد الموساد الإسرائيلي وسعت لتجنيد (العناصر النائمة). وكانت تُكلِّف هؤلاء العناصر بعيش حياة طبيعية ظاهرياً في جميع أنحاء العالم. ويمكن تكليفهم بنشاطٍ تنفيذي إذا قرَّرَت منظمة الأمن الخارجي تنفيذ عملية».

كان كوراني في لبنان يزور عائلته عندما جنَّدَه رجل دين في قريته للمهمة الجديدة، بسبب تعليمه وتجذُّره بالفعل في الولايات المتحدة، كان المرشح المثالي لـ»العنصر النائم»: شخصٌ يبدو عادياً ويعيش حياة طبيعية ويمكن تنشيطه لتنفيذ عمليات عند الاتصال به.

أُمِرَ المجند الجديد بارتداء خوذة وقناع معتم، واقتيد لمقابلة الرجل الذي يُقال إنه المسؤول عنه، «الذي عرفه كوراني باسم فادي»، كما ورد في الشكوى الجنائية، و»كان فادي يرتدي قناعاً بالطبع أثناء اجتماعاتهم».

وتوضح الشكوى أول تكليفات فادي وهي: «الحصول على جنسية الولايات المتحدة وجواز سفر أمريكي في أقرب وقتٍ ممكن».

أنجز كوراني الجزء الأول من هذه المهمة في أبريل/نيسان 2009. وتقدَّم بطلبٍ للحصول على جواز سفر في الأسبوع التالي، وعلى تأشيرة إلى الصين بعد أسبوع آخر. وقيل إنه سافر إلى مدينة غوانزو الصينية، حيث توجد شركة لتصنيع قوالب ثلج تستخدم في الإسعافات الأولية تحتوي على نترات الأمونيوم، وهو عنصر نشط في المتفجرات. وعُثِرَ بعد ذلك على عددٍ كبير من «قوالب الثلج» هذه في مصانع المتفجرات التابعة لحزب الله في تايلاند وقبرص. وتعد غوانزو أيضاً مركزاً رئيسياً للملابس المقلدة، ما وُصِفَ بأنه مصدرٌ رئيسي للدخل لحزب الله.

استدعى فادي كوراني إلى لبنان للتدريب العسكري عام 2011

وفي الشهر نفسه، حصل كوراني على درجة البكالوريوس في نيويورك. واستكمل دراسته للحصول على ماجستير في إدارة الأعمال من كلية كيلر للدراسات العليا، ما يجعل تخفيه أكثر إقناعاً.

في عام 2011، استدعى فادي كوراني إلى لبنان للتدريب العسكري. ثم عاد إلى الولايات المتحدة وقيل إنه نفَّذَ تكليفات فادي لتحديد المصادر المحتملة للأسلحة والبحث عن كيفية فتح مشاريع تجارية في نيويورك يمكن لحزب الله استخدامها.

وأوضح تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي: «كان ذلك غطاءً لتخزين الأسلحة المستخدمة في عمليات القتل والهجمات التي تنفذها منظمة الأمن الخارجي لحزب الله في الولايات المتحدة».

ووفقاً لتقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كُلِّفَ كوراني بعد ذلك باستطلاع الوضع الأمني حول القنصلية الإسرائيلية في نيويورك وتحديد رجال الأعمال اليهود في المدينة الذين كانوا أفراداً سابقين أو حاليين في الجيش الإسرائيلي بغرض «الاغتيال أو التجنيد».

قائمة أهدافه تضمَّنَت أيضاً المبنى الفيدرالي في مانهاتن

وقيل إن قائمة أهداف الاستطلاع تضمَّنَت أيضاً المبنى الفيدرالي في مانهاتن حيث يوجد مقر مكتب التحقيقات الفيدرالي ومقر جهاز الخدمة السرية في بروكلين. وقيل أيضاً إن كوراني التقط مقاطع فيديو لمخزن أسلحة للجيش الأمريكي في مانهاتن ومطار جون كينيدي الدولي.

في الوقت نفسه، كان له هو وزوجته طفلان، وقد قام أحد الطفلين بقطع التواصل الإلكتروني بينه وبين مديره عبر حاسوب توشيبا محمول، إذ «سكبت ابنته شيئاً على الحاسوب»، بحسب تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي. 

دُمِّرَ الحاسوب، ولكن كوراني اشترى حاسوباً محمولاً من آبل واستمر في حياته المزدوجة. ربما كان ليصبح عميلاً نائماً بارعاً إن لم يكن منخرطاً في تجارة الملابس المقلدة. فقد قُبِضَ عليه وبحوزته 190 زوجاً من أحذية Ugg الطويلة بعد أن تخطى إشارة المرور الحمراء في كوينز، في نوفمبر/تشرين الثاني 2013. 

وورد في تقرير الشرطة النهائي اقتباسٌ له، إذ قال: «أكسب نحو دولارين في الزوج الواحد في حين اشتريتها جميعاً مقابل 20 دولاراً». 

دفع الاعتقال شعبة المخابرات في إدارة شرطة نيويورك إلى استجواب كوراني في عدة مناسبات. وقد استرعى انتباه جهات إنفاذ القانون في سبتمبر/أيلول 2015، عندما وصل من رحلة إلى لبنان في المطار نفسه الذي خضع فيه للتفتيش بشكل مُكثَّف مُسبَّقاً.

وتفيد الشكوى أن موظفي إنفاذ القانون «قالوا إن هاتف كوراني الخلوي لم تكن به شريحة ذاكرة، ولكنهم وجدوا شريحة ذاكرة مخبأة تحت ملصق سفر في جواز سفره الأمريكي».

أمضى سبع سنوات عميلاً نائماً دون أن يُكلَّف بأي مهمات تنفيذية

والسبب الأكثر ترجيحاً لذلك هو اكتشاف حزب الله في عام 2015 أن محمد شواربة، الذي كان مسؤولاً عن العمليات الخارجية ومهمة الانتقام نفسها، كان مخبراً لإسرائيل. وقيل إن الشواربة قد خرَّب خطط هجوم عديدة في حين كان العملاء النائمون يتباطأون.

في يوم 1 أبريل/نيسان –أو كما يقول كوراني «يوم كذبة أبريل/نيسان»- توقَّف عند مقهى ستاربكس الذي كان يزوره بانتظام في كوين، وتقدَّم رجلٌ نحوه وأظهر شارة مكتب التحقيقات الفيدرالي، وقال له: «نحن نعلم أنك تنتمي إلى حزب الله».

رد عليه كوراني: «أنت على الأرجح تتحدَّث إلى الشخص الخطأ».

وعند مطعم ماكدونالدز المجاور، أعطاه العميل ملفاً يحتوي على خط هاتف محمول، وقال له: «سأتصل بك على هذا الرقم، وتأكَّد ألا يعرف أيُّ شخص بشأن هذا الرقم. تأكَّد ألا يعرف أيُّ شخصٍ بشأن هذا الهاتف».

وقد اتصل مكتب التحقيقات الفيدرالي مراتٍ عديدة بكوراني لتنسيق الاجتماعات التي كانوا يحثونه فيها على أن يصبح مخبراً لصالحهم.

ثم جاء يومٌ احتفظ فيه محامي كوراني برسالة بريد صوتي مع مكتب التحقيقات الفيدرالي.

وفي سلسلة من اللقاءات في مكتب محامي كوراني، قيل إن الثاني أخبر العملاء عن حياته كعميل نائم، ولكن مكتب التحقيقات الفيدرالي ظلَّ مقتنعاً بأنه لم يكن يخبرهم بكل ما يعرفه، وبالتالي سعى العملاء للحصول على مزيد من المعلومات منه.

وفي 1 يونيو/حزيران، قبض عليه العملاء بهدوء في برونكس حيث كان يعيش مع أقارب له بعد انفصاله عن زوجه.

احتُجِزَ على ذمة ثماني تهم بارتكاب جرائم تتعلَّق بالإرهاب في المبنى الفيدرالي

وقد احتُجِزَ على ذمة ثماني تهم بارتكاب جرائم تتعلَّق بالإرهاب في المبنى الفيدرالي نفسه الذي حُقِّقَ معه فيه بشأن حزب الله، ولكن تم التنازل عن مثوله أمام المحكمة وأُغلِقَت الشكوى الجنائية. واحتُجِزَ خلال الليل في فندق ماريوت قريب.

يقول العميل: «فكَّرنا في أن التحفُّظ عليه في ذلك المكان بدلاً من السجن يُعزِّز من إمكانية التعاون».

وفي اليوم التالي، استنتج العملاء والمدعون بالحق العام أن كوراني لا يزال متمسِّكاً بموقفه وأنه لن يعطيهم معلومات يُعتَمَد عليها. وهكذا، أُحضِرَ إلى المحكمة وفُتِحَت الدعوى الجنائية ضده مرة أخرى، وتم التحفظ عليه بدون كفالة.

صدرت التعليمات بالبحث في رسائله الإلكترونية وتاريخ تصفُّحه للإنترنت، وكذلك تفتيش شقته التي تعلو شقة نعومي رودريغيز. ووجد العملاء هناك ورقةً من دفتر الملاحظات يبدو أن كوراني كتب عليها بخط اليد باللغة الإنكليزية أشياء تتعلَّق بما أراده من مكتب التحقيقات الفيدرالي، بما فيها أموال نقدية وشقة في حي مانهاتن في مبنى له حارس.

عيَّن كوراني محامياً آخر اسمه أليكسي شاكت حاول إيقاف ما كان يبدو اعترافاً متعدد الأقسام. وقد حكم القاضي بأن التصريحات التي أدلى بها أمام مكتب التحقيقات الفيدرالي مقبولة، وإنه من المتوقع أن تُستخدم ضده في المحاكمة التي من المقرر أن تبدأ يوم الإثنين.

وفي منزلها ببرونكس، قالت رودريغيز لموقع The Daily Beast الأمريكي إن كوراني كان يسكن فوقها مباشرةً بصحبة ابن عمه وولده -أي ابن ابن عمه- المراهق.

وصفت رودريغز الفتى بأنه «ولدٌ صالح.. صالح جداً»، وأضافت: «ليس لدينا مصعد، وكان يساعدني عندما أشتري الطعام، ويحمل بعض الحقائب، ويساعدني في تحريك عربة التسوق». 

واستطاعت أن تتذكَّر كوراني في مرةٍ واحدة فقط لأنها نادراً ما تكون في المنزل. فهي تخرج باكراً للعمل في نوبات لمدة 12 ساعة بوصفها تقنية بطب الطوارئ، وتعود في وقتٍ متأخر بعد الذهاب إلى مدرسة حيث تعمل مُسعِفة. وهي أيضاً أمٌ لولدين أحدهما في العاشرة والثاني في الرابعة من العمر. 

وقالت عن العميل النائم المتهم الذي كان يسكن فوقها: «كان في نهاية المطاف لا يزال مستعداً للرد على تلك المكالمة التليفونية وفعل ما يطلبونه منه. وكان يقول: حسناً، اتصلوا بي وقتما تحتاجون إليّ». 

وأضافت: «الاستعداد لفعل شيء يجعله مداناً بفعل ذلك الشيء».

اجمالي القراءات 959