الفصح الدامي في سريلانكا.. عرف المنفذ فمن المستفيد؟

في الأربعاء ٠١ - مايو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 

انتُخب هشام سهيل العام الماضي (2018) لعضوية مجلس مديرية "كالوتارا" في مقاطعة "كاندي" وسط سريلانكا، التي يشكل المسلمون فيها أقلية كما هو الحال في جميع أنحاء سريلانكا، حيث يتوزع المسلمون الذين تقدر نسبتهم بنحو 10% من مجموع السكان البالغ نحو 22 مليونا.

ومن المفارقات أن نسبة تمثيل الأقلية المسلمة في الانتخابات المحلية والبلدية لم تتأثر على الرغم من تحقيق أحزاب محسوبة على القوميين السنهاليين (البوذيين) تقدما على حساب المعتدلين، لكن الشعبية التي يحظى بها سهيل تحولت بعد تفجيرات عيد الفصح في كولومبو إلى توجس.

ويقول سهيل إن السنهاليين الذين يشكلون غالبية السكان أصبحوا يشيرون بأصابع الاتهام إلى الأقلية المسلمة ويحملونها مسؤولية الهجمات، ويعتقد أن هذا التطور ينذر بضرب السلم المجتمعي بين أبناء الديانات والأعراق المختلفة، وتدمير اقتصاد البلاد المنهك أصلا.

جانب من الدمار الذي تعرضت له كنيسة سانت سيباستيان جراء الهجوم (الأناضول)

هجمات وضحايا
وقد أصبح معلوما بعد أيام من الهجمات من المتضرر الرئيس منها، وهو ما يمكن استقراؤه من التصريحات العلنية والأحاديث المتداولة بين السياسيين، فلا شك عند قادة الطائفة الكاثوليكية بـأنها هي المستهدَفة نظرا لأن الهجمات وقعت في ذروة الاحتفال بعيد الفصح سواء في الكنائس أو الفنادق.

ولا شك عند عامة مسلمي سريلانكا بأنهم المتضرر الأكبر على المدى البعيد، لما قد يترتب عليه من كراهية مجتمعية لهم، ووضعهم تحت المجهر من قِبَل السلطات الأمنية، كما أن السلطات السريلانكية تعتبر أن البلاد مستهدفة بأمنها واقتصادها ووحدتها وسيادتها، ولا يمكن أن يكون الأمر حدثا منفصلا دون أبعاد مستقبلية.

ورغم التعرف إلى هوية منفذي التفجيرات وأنهم جميعا سريلانكيون وتبني تنظيم الدولة الإسلامية المسؤولية، فإن الأسئلة لم تنتهِ بشأن المستفيد من هذه الهجمات والسياق الذي وقعت فيه، بغض النظر عن نية المنفذين.

جنازة جماعية لضحايا التفجيرات (الأناضول)

صلات ربط
وحاول البعض الربط بين الهجمات على الكنائس والهجمات التي تعرضت لها الأقلية المسلمة من قبل متطرفين سنهاليين العام الماضي خاصة في مقاطعة كاندي وسط البلاد، لكن هذا الربط يبدو مستبعدا، لأنه لو كان كذلك لكان الهدف معابد بوذية وليست مسيحية كاثوليكية.

وبالنظر إلى أفكار تنظيم الدولة في إقامة دولة الخلافة، فإن سريلانكا لا تبدو مكانا مناسبا لتنفيذ أفكاره بإقامة الخلافة حيث إن نسبة المسلمين لا تتجاوز 10%، وإذا كان التنظيم هزم بالفعل في سوريا والعراق فليس منطقيا أن ينقل صراعه إلى دولة لا يمكنه صنع حاضنة له فيها مثل سريلانكا، خاصة إذا أخذنا في الحسبان صدق توقعات السلطات السريلانكية بأن عدد المتعاطفين مع تنظيم الدولة في البلاد يقدر بنحو 140 شخصا.

وقد استبعد خبراء عسكريون وأمنيون أن تكون هجمات 21 أبريل/ نيسان في كولومبو ردا على مذبحة المسجدين في كرايست تشيرتش بنيوزيلاندا التي وقعت قبلها بخمسة أسابيع فقط، ويقدرون بأن التخطيط والتجهيز لهجمات عيد الفصح لا بد أن يكون استغرق أشهرا إن لم يكن سنوات.

ولا يوجد رابط فكري بين جماعة التوحيد الوطنية ومنظمة نمور التاميل التي حسمت المعركة معها قبل عشر سنوات، والمنطلقات بينهما متباينة جدا، فالدافع وراء حركة نمور التاميل الانفصالية هو اللغة والعرق خلافا للدافع الديني لدى منفذي الهجمات الأخيرة.

لكن تأكيد السلطات السريلانكية أن المنفذين ينتمون إلى جماعة محلية هي "جماعة التوحيد الوطنية" لها ارتباطات خارجية يجد قبولا واسعا، سواء كانت هذه الصلات بتنظيم دولي مثل تنظيم الدولة كما يعتقد أو غيره مثل قوة إقليمية أو دولية لا يفضل المسؤولون التطرق إليها.

ويرى خبراء في الجغرافيا الإستراتيجية أن مصادر النزاعات التي تقع بين الجيران تتمثل عادة في ثلاثة عوامل رئيسة هي: النزاعات الحدودية ومصادر المياه والمصادر الطبيعية، وسريلانكا جزيرة أقرب جار لها الهند التي تبعد أربعين كيلومترا عند أقرب مسافة بحرية، والخلاف البحري معها هامشي، والمصادر الطبيعية كذلك لا تمثل سببا للتنافس والصراع حيث لا يوجد فيها غاز أو نفط أو معادن نادرة.

حراسة مشددة أمام إحدى الكنائس عقب وقوع الهجمات (غيتي)

موقع إستراتيجي
لم يبق سوى الموقع الإستراتيجي الذي تتنافس عليه القوى الإقليمية والدول الكبرى غالبا، وهنا تبدو سريلانكا مهمة للغاية بالنسبة لقوتين إقليميتين هما الهند والصين وقوة عالمية هي الولايات المتحدة الأميركية.

فالإستراتيجية الصينية المعروفة باسم "الحزام والطريق" تتعارض بشكل كبير مع إستراتيجية الهند التي ترى في الصين منافسا حقيقيا في حديقتها الخلفية ومحيطها، وكان ذلك واضحا في أزمة جمهورية المالديف العام الماضي التي بدأت بمحاولة انقلاب على حكومة عبد الله يامين السابقة المتحالفة مع الصين، ثم الإطاحة بها عن طريق الانتخابات لتحل الهند محل الصين في المشاريع والأمن وحتى القواعد العسكرية.

وقد ظهر في السنوات الأخيرة تناغم كبير بين الهند والولايات المتحدة ومعهما إسرائيل في مواجهة التوسع الصيني الذي يأخذ طابعا اقتصاديا لكنه في المحصلة النهائية يجعل من الدول الواقعة في نطاق إستراتيجية الحزام والطريق تابعة للصين، خاصة من خلال المديونيات الضخمة التي تتحملها هذه الدول لإقامة مشاريع البنية الأساسية، أو القواعد العسكرية التي تقام للحفاظ على المصالح الصينية ومساعدة الدول المستضيفة لها.

الرئيس سيريسينا برفقة بعض ضحايا هجمات عيد الفصح الدامي (الأناضول)

انقسام السلطة
كشفت هجمات الأحد الدامي عن عمق الانقسام السياسي الذي تعيشه سريلانكا، خاصة بين الرئيس مايثريبالا سيريسينا ورئيس الوزراء رانيل ويكريميسينغها، اللذين لم يتحدثا معا منذ محاولة الرئيس عزل رئيس الوزراء ، ما يطلق عليه بالانقلاب الذي وقع في 24 أكتوبر/تشرين أول الماضي.

ويعتقد كثيرون أن الانقسام بين معسكري الحكومة والرئيس ليس غير امتداد لتنافس ثلاثي صامت على سريلانكا، تشكل واشنطن ونيودلهي وبكين رؤوس زواياه، ويعود إلى انتخابات 2015 عندما انشق الرئيس الحالي على رئيسه السابق ماهيندرا راجابنغسا وتحالف مع المعارضة لإسقاطه.

وتشكلت توليفة الخصمين السابقين الرئيس ورئيس الوزراء على أمل جلب استثمارات غربية وهندية بديلة للاستثمارات الصينية الضخمة في مجال البنية الأساسية والعمران، لكن بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات دخل الشقاق بينهما بسبب عجز رئيس الوزراء في جلب الاستثمارات الموعودة.

ولوقف التراجع الاقتصادي كان على الرئيس سريسينا أن يرجع إلى حليفه السابق راجابنكسا عراب الصين في سريلانكا الذي يعتقد أنها ساعدته بشكل كبير للتخلص من منظمة نمور التاميل الانفصالية في عام 2009.

ويناط بالرئيس مسؤولية قيادة الأجهزة الأمنية والجيش، وهي التي تسرب أنها حذرته بالفعل من هجمات وشيكة، لكنه لم يتخذ أي قرار أو تحذير علني من خطر داهم، ومن المفارقات أن مصدر التحذيرات كانت الاستخبارات العسكرية الهندية (راو) التي قالت مصادر إعلامية هندية إن المعلومات التي قدمتها للسلطات السريلانكية كانت دقيقة إلى درجة عالية.

وهنا يبرز تساؤل مشروع عما إذا كان قد سمح لهذه الهجمات أن تحدث، وهل كان الفارق في تقدير حجمها فقط، أو أن تنظيم الدولة اخترق سريلانكا مجتمعا وأجهزة أمنية وقادة سياسيين

اجمالي القراءات 727