كيف رأى الفلاسفة الزواج والزوجات؟

في الأحد ٢٤ - مارس - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

كان مكسيم جوركي وتشيخوف يتجولان بجانب شاطئ القرم، حتى أقبلا على تولستوي وقد جلس مائلًا برأسه يتأمل، حتى مست لحيته الرمال، فجلسا معه وتحدثا على النساء. ظل تولستوي ينصت لهما في صمت، وبعد مرور ساعة قال فجأة: «أما أنا فلن أحدثكم عن حقيقة المرأة إلا حين أضع قدمي في القبر. سأعلنها صريحة، ثم أقفز في التابوت، وأغطي نفسي وأقول: افعلوا ما شئتم بي الآن». وحين دعا الفيلسوف كيسرلنج برنارد شو للمساهمة في كتابة فصل في «كتاب الأزواج»، رفض شو قائلًا: «لا يجرؤ أي رجل أن يكتب شيئًا عن حقيقة الزواج حين تكون زوجته على قيد الحياة».

اعتقد الفلاسفة قرونًا طويلة في ما بينهم أنه لا يقدم على الكتابة عن الزواج إلا محارب مهزوم؛ لأنه إذا أحب رجل امرأة وتزوجها فسيصمت صمت الحكيم، وإذا خسر فإنه يؤلف كتابًا، وربما يعد سقراط حالة خاصة بين الفلاسفة، فهو لم يصمت ولم يؤلف كتابًا، بل وكانت زوجته دافعًا له في الفلسفة، عكس الفلاسفة الذين لم يبدأ مشوارهم إلا بعد الطلاق.

عندما نتكلم عن الزواج باعتباره مؤسسة، والزوجة أحد طرفي العلاقة، فكل ما نقصده هو القول بأننا يجب أن نفرق بين الحب من جهة، والزواج من جهة أخرى؛ ويجب أن نفرق بين الصداقة والمشاركة والتآلف من جهة، والزواج بمعناه الحسي من جهة أخرى، فالحب الذي يسعى نحو الجمال المطلق، وحب الجسم أو الجسد، وربما الخلط بين هذه الأنواع تسبب كثيرًا في توجيه الفلاسفة اللوم لـ«الزوجة» باعتباره دورًا اجتماعيًّا تقوم به المرأة.

ما هي «الزوجة» عند الفلاسفة؟

على المستوى التاريخي والثقافي والفلسفي لم يثر الحديث عن «الزواج» أو «الزوج» اهتمامًا، مثل ما أثاره الحديث عن «الزوجة». فقبل الوصول إلى عصر تساوت فيه المرأة بالرجل، كان يمكن تلخيص تعريفنا للزوج على أنه شريك مهيمن في مؤسسة الزواج، سيد ومعيل، ويملك الكثير بما في ذلك زوجته. ففي بعض الثقافات كان مقر الزوجة هو البيت، محاصرة فيه، وليس لها خيار فيمن تتزوج، على عكس الزوجة المعاصرة.

 

 

وقد نظر بعض الفلاسفة إلى العلاقة بين الزوجين نظرة مجردة؛ فقصروا وظيفة الزوجة في خدمة النوع، ووظيفة الرجل هي خدمة المرأة والبنين. وقد تكون لهما وظائف أخرى، ولكنها تتبع بحكمة هاتين الوظيفتين.

ويمكن القول بأن تغير النظرة إلى الزوجة والمرأة عمومًا في الربع الأول من القرن العشرين؛ كان أبرز ملامح الأحداث الإنسانية في هذه الفترة؛ فبعدما كانت الزوجة مجرد جارية في البيت، أو زينة اجتماعية، أو متعة جنسية، جاءت المرأة المصنعة في المدن الحديثة، وحصلت على امتيازات نادى بها أفلاطون قديمًا، عندما طالب بجرأة بفتح باب كل عمل، والمساواة في جميع الفرص، دون النظر إلى اختلاف الجنسين، في مقابل أرسطو الذي كان أكثر موافقة لميول عصره؛ فوضع المرأة في مرتبة متأخرة من النمو، وفسر وجودها على أنها إخفاق الطبيعة في أن تنتج رجلًا، فهي تتعلق بطبقة العبيد، من حيث تبعيتها الطبيعية، وعدم جدارتها بالمشاركة في الأمور العامة.

الفلاسفة ينصفون الزوجة.. أحيانًا

كان للفيلسوف الرواقي موسونيوس روفوس، الذي عد الفلسفة دليلًا للحياة، وجهات نظر أكثر عقلانية وإنسانية في النساء، وأكثر إيجابية عما كان منتشرًا في عصر ما قبل الميلاد، وعلى الرغم من أن معظم الأفكار التي آمن بها أمكن العثور عليها في كتب رواقيين وثنيين، فإن موسونيوس قد أعرب عنها بوضوح كبير وقوة. فيرى موسونيوس، أنه على المرأة أيضًا تعلم الفلسفة لتدير شؤون منزلها؛ لأن الفلسفة ليست سوى علم الحياة، وأن الزوجة المثلى هي الزوجة العفيفة القادرة على حفظ قلبها من مشاعر الحب غير الشرعية، فلا تتساهل، ولا تتمتع بالمشاجرات، ولا تنشغل بمظهرها، كما يجب عليها التغلب على مشاعر الحزن والغضب، فمن يفعل ذلك تحكم في العلاقة سواء كان رجلًا أم امرأة.

 

 

وعن مؤسسة الزواج قال موسونيوس إنه على الزوج والزوجة أن يجتمعا من أجل عيش حياة مشتركة، وأن يعدا ممتلكاتهما شائعة بينهما ولا شيء خاص، ولا حتى أجسادهم. وبالنسبة للإنجاب فهو حدث مهم، ولكن ليس كافيًا لأن يكون سببًا للزواج؛ لأنه يمكن أن يحدث بدون زواج، كما هو الحال في الحيوانات؛ ففي الزواج يجب أن توجد الرفقة والقلق بعضهما على بعض، في الصحة والمرض، فالزواج اتحاد نبيل، ويظل نبيلًا، ما دام لا يفكر أحد في مصلحته الخاصة.

ديورانت وكسرلنج والمرأة الحديثة

رغم أن زوجة ويل ديورانت، أرئيل ديورانت، هي مشاركته في تأليف موسوعته الأعظم «قصة الحضارة» وتنقيحها، ولكن يُذكر للزوج انتقاده المرأة الحديثة التي تركت منزلها للعمل وتعلقت بالسعي خلف حقوقها؛ حتى إنه رصد – من وجهة نظره- فسادًا جسمانيًّا بسبب هجرة المرأة بيتها وإقبالها على المصنع، فتقل قوتها، وتتدهور صحتها، وتصبح بشرتها أقل نضارة.

في هذه الرؤية يشارك ديورانت، الكونت كسرلنج، الفيلسوف الاجتماعي الأستوني، وهو يقول: «لقد أصبح الزوج في أمريكا مستبدًا كما كانت الزوجة في الشرق القديم، مع ما يصحب ذلك من انتكاسات نفسانية تتزايد. فبعد خروجهن للعمل، أصبحت نساء أمريكا ضامرات الثدي مسترجلات، حتى ليطبعن المرء بطابع من البرودة والخشونة وانعدام الروح». ويتبع الخراب الذي تصوره كسرلنج في خروج المرأة للعمل ظنه بأن المرأة في المستقبل ستعدد أزواجها، وسيجمع النساء ذوات السلطان حريمًا من الرجال العاملين، يحرسهم الإناث، وأن أكبر الظن سيكون للإنسان ثلاثة أجناس كما حال النمل والنحل، فبعض النساء يلدن الجنس، وسيهب البعض الآخر نفسه هبة كاملة للنشاط الاقتصادي.

سلاح الزوجة والأخطاء البديعة

برر ديورانت ما أسماه «الأخطاء البديعة» للمرأة في تعاملها مع زوجها، بأنها في مركز ضعيف، وتحتاج إلى هذه الفنون لتوازن بها امتياز الذكر الجسماني، ورغبتها في حماية نفسها بأي ثمن؛ لأن الجنس يعول عليها في استمراره وقوته، وأنها تدفع ثمنًا غاليًا لنصيبها الصغير من الحب، وتخاف من زواله.

وبأخطائها اختارت المرأة ألا تنتصر بالقتال والشجاعة، فهي لا تقاتل إلا من أجل صغارها، ولكنها تنتصر على زوجها بالمثابرة والثبات؛ فقد يزمجر الرجل في وجه زوجته أو يضربها، ولكنها تنتصر في النهاية بالتكرار والإلحاح.

ويشبهها ديورانت هنا بالأنواع والشعوب الضعيفة الغنية بالصبر والخداع، ويضرب مثالًا بنابليون الذي تحكم في قارة ولم يستطع حكم زوجته، ولم تجد قوته في ضعف جوزفين البدني وجبنها الهدف الذي تتجه إليه، ولم يكن معه سلاح يقاوم به أسلحتها، وفي ذلك يقول نابليون: «كثيرًا ما كانوا يمتدحون قوة خلقي، ومع ذلك فلم أكن في نظر أسرتي إلا رجلًا ضعيفًا، وكانوا يعرفون عني ذلك، وكانوا يتغلبون على غضبي بالمثابرة والعناد، ويفعلون ما يريدون مني لمجرد السأم».

 

 

مارجريت تاتشر تغسل الأواني خلال حملتها الانتخابية عام 1974

وقد فسر ديورانت مقولة نابليون، بأنه في تلك الأيام المترفة، كان هذا الكلام هو الأنشودة اليومية في كل منزل، فالزوجة من الطبقة المتوسطة كانت تعيش وتزدهر عاطلة في بيتها الخالي من العمل، فالرجل يعود إلى منزله منهوك القوى بعد عمل اليوم ومتاعبه ليجد «عدوه القديم» في انتظاره بنشاط جم متجدد، فينهزم قبل أن تبدأ المعركة، أما إذا حالفه الحظ وانتصر، فليس على المرأة إلا أن تبكي فينهزم أمامها.

وكانت الملكة ماريا لويزا جونزاجا، زوجة ملكين بولنديين، تفخر بأنها تحصل دائمًا على ما تطلب إذا بكت مرتين، وعدت البكاء قاعدتها الأساسية في الحرب: «إذا لم تنجحي أول مرة، فعليك بالبكاء مرة أخرى».

ويعترف ديورانت بأن حب الرجل للطعام أقوى من حب المرأة، ويمكن بسهولة إخضاعه عن طريقه، فيقول مترودوس: «إن كافة الأشياء الجميلة ذات صلة بالبطن»، وهذا حقيقي في ذكور النوع الإنساني، فمنذ أن قدمت حواء التفاحة لآدم، والمرأة تحكم الرجل عن طريق معدته، «مفسدة هضمه وأخلاقه في آن واحد».

راسل والزوجة الحرة

كان برتراند راسل أحد أهم فلاسفة القرن العشرين، وأشهر الفلاسفة المتزوجين، فقد أحب براين مور حبًّا عذريًّا، وتزوجها خلافًا لرغبة جدته التي تولت تربيته، وتزوجها في عام 1894، وبدأ زواجهما بالانهيار عام 1901، عندما خطر لراسل أثناء ركوبه الدراجة أنه لم يعد يحب زوجته، وعندما سألته إن كان يحبها، وأجابها بالنفي، وتطلقا بعد فترة طويلة من الانفصال وصلت إلى 20 عامًا، وخلال هذه الفترة خاض راسل علاقات عاطفية عديدة، جمع بينهم أحيانًا في الوقت نفسه. حتى تزوج دورا بلاك بعدما أنهى إجراءات زواجه الأول، ولكن حتى دورا لم يكن مخلصًا لها، وتزوج بعدها مرتين حتى وفاته.

ويرى راسل أن الزواج «عادة» مدفوعة بثلاثة عوامل: غريزية، واقتصادية، ودينية، على التوالي، وكما الحال مع القوانين والعادات التي تتعلق بالجنس، تبقى عادات مفيدة ذات أصل ديني على قيد الحياة، بسبب فائدتها، حتى لو قوضنا الأسس الدينية؛ لأن التمييز بين ما هو ديني وغريزي صعب على الإنسان.

وقد انتقد راسل فكرة المجتمعات الحديثة المتحضرة عن الفضيلة النسائية، وهي نظرة بطريركية كلاسيكية تجعل الأسرة أبوية، والمرأة فيها فقط مصدر الشرف. ويسأل هنا راسل عن تفسير لمشاعر الأبوة؛ فشعور الأم نحو ابنها جاء لوجود علاقة جسدية مقربة، لكن علاقة الأب بالابن غير مباشرة، وافتراضية واستقصائية، ترتبط مع المعتقدات المنادية بفضيلة الزوجة.

في أفكاره التي سجلها راسل في كتابه «الزواج والأخلاق» عام 1929، طرح راسل مفهوم الحب الحديث، مثل حب المثليين، ما كان فاضحًا تمامًا في وقت مبكر مثل هذا. كما أنه كتب عن ارتباط الزواج التقليدي بالمعايير الفيكتورية، وربما يعود ذلك لمعاناته مع زواجه الأول وتحمله مسؤوليات الانفصال، إلا أنه ما زال يرى الزواج مؤسسة مثالية، ينقصها الحرية، وطرق مبتكرة للتفكير، وكتب في «الزواج والأخلاق: «الخوف من الحب والارتباط هو خوف من الحياة، وأولئك الذين يخشون الحياة هم بالفعل ميتون».

الغيرة بين الزوجين

في غيرة الزوجة كتب ويل ديورانت أنها لا تغار فقط ممن يحب زوجها، بل من أصدقائه، وغليونه، وصحيفته، وكتبه. ثم تسعى شيئًا فشيئًا للفصل بينه وبين أصدقائه، فإذا لم تستطع غازلتهم، فتجمع بين المكر والخطيئة. أما رأيه في غيرة الزوج على زوجته من المعجبين بها، فهو يرى أن ذلك لا يزعجها، بل يلذ لها، وتشجعه فيه؛ لأنها تعلم أنها لا تكون مطلوبة إلا حين يجد امتلاكه إياها مزعزعًا، لأنه كما عرف ديورانت حب الرجل: «يؤلف الامتلاك نصف حبه، فليس الحب مجرد نكران الذات فقط، بل هو على ما في ذلك من تناقض، توسيع للنفس وانتصار لها».

ربما أعاد راسل غيرة الزوج لسيطرة مفاهيم مثل الشرف والفضيلة؛ فالعنصر الغريزي البحت في غيرة الأزواج ليس قويًّا، ولكن الغيرة بسبب الخوف من تزوير النسب هي الأقوى، فالطفل الشرعي هو استمرار لأنانية الإنسان، ومحبته له شكل من أشكال الأنانية. ومن ناحية أخرى فإذا كان الطفل غير شرعي، يتم خداع الأب المفترض برعاية طفل لا تربطه به علاقة بيولوجية، ومن ثم أدى اكتشاف الأبوة لإخضاع الزوجات لأزواجهن كوسيلة وحيدة لضمان فضيلتهن، خضوعًا بدنيًّا ثم خضوعًا عقليًّا.

وعلى عكس ويل ديورانت يرى راسل أن الرجل يتبع غريزته بشكل كامل، ولو كان بإمكانه حب جميع النساء لفعل، وإن واحدة مهملة منهن أحبت رجلًا آخر سيكون له الحق في إدانتها أخلاقيًّا أمام نفسه، وهذه الحالة خصوصًا عندما تكون المرأة زوجته. فعلى سبيل المثال يرى شكسبير أن الرجال لا يرغبون في أن تكون زوجاتهم شغوفات، ولكن يريدونهن فاضلات؛ فعلى المرأة أن تشعر نحو زوجها بالواجب والمسؤولية، ولا تفكر في أن تتخذ زوجها عشيقًا لها.

أعداء رفضوا خوض المعركة

استمتع الكثير من مثقفي عصره، فور صدور كتاب شوبنهاور «مقال عن النساء» الذي يقول: «هذا الجنس القميء، ضيق الكتفين، عريض الحقوتين، قصير الرجلين». ولكنهم لم يلتفتوا إلى أنه جزء من الحرب الأزلية بين الجنسين، في الوقت نفسه الذي ادعى فيه أوتو فايننجر أن المرأة لا روح لها، ونصح نيتشه الرجال قائلًا: «إذا أقبلت على امرأة، فلا تنس أن تحمل سوطك».

ويمكن القول بأن هذه المقولات في تاريخ الفلسفة؛ تُعد حكمة المنهزمين من الرجال؛ لأنهم يتشاركون تقريبًا في تحيزهم ومأساتهم العاطفية؛ فشوبنهاور هجرته عشيقته البديعة وآثرت عليه لقب بيرون وحسن مظهره، ونيتشه هجرته عشيقته سالومي بعد أن تتبعها في نصف ممالك القارة، وفايننجر هجرته امرأة في إحدى حانات فيينا، وفي ساعة يأس قتل نفسه رميًا بالرصاص في بيت بيتهوفن.

اجمالي القراءات 2150