4 إصلاحات ينبغي للجزائريين المطالبة بها لإنقاذ الاقتصاد

في الأربعاء ١٣ - مارس - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

المشهد الجزائري لا يقتصر على الجانب السياسي فقط، ولكن للاقتصاد نصيبًا كبيرًا في اشتعال الأوضاع في البلاد وسط توتر متصاعد، كان آخر فصوله إعلان الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، تأجيل الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 أبريل (نيسان) المقبل، وعدم ترشحه لعهدة خامسة، عقب عودته من جنيف بعد رحلة علاج في المستشفى الجامعي السويسري، امتدت 15 يومًا.

وتتركز أزمة الاقتصاد الجزائري في هبوط أسعار النفط منذ منتصف 2014، فمنذ ذلك الوقت تقريبًا لم يجد اقتصاد البلاد طريقه نحو الاستقرار، إذ أن نحو 95% من الإيرادات في الجزائر تأتي بشكل مباشر أو غير مباشر من قطاع الطاقة، وهو ما جعل البلاد تفقد أكثر من نصف إيراداتها من النقد الأجنبي، إذ هوت من 60 مليار دولار في 2014 إلى 27.5 مليار في 2016.

وعلى الجانب الأخر فأن القطاع الإنتاجي بالجزائر يبقى هامشيًا، ويمثل أقل من 5% من الناتج الداخلي، وهو ما يقوّض فرص البلاد في التنوع الاقتصادي الحقيقي، والفشل في الخروج من التبعيّة للنفط بشكل شبه كامل لتغطية مصروفات البلاد. وخلال السطور القادمة سنتحدث عن عدة إصلاحات اقتصادية محددة على الانتفاضة الجزائرية المطالبة بها الآن، للوصول بالاقتصاد الجزائري إلى بر الأمان.

1- فصل المال عن السياسة

يمكن القول إن أكبر مشاكل الاقتصاد الجزائري، والتي تحتاج إلى حل سريع، هي مشكلة حكم الأوليغارشية المالية، ويقصد بها السلطة السياسية المحصورة بيد فئة صغيرة من رجال الأعمال، إذ إن واقعة الوزير الأول الجزائري عبد المجيد تبون، الذي أقيل بعد 83 يومًا فقط من تنصيبه، قد أوضحت مدى سيطرة رجال الأعمال على الحكم في الجزائر، لذلك فإن أول ما يجب أن ينتبه إليه المحتجون في الجزائر هو تأكيد فصل المال عن السياسة إلى الأبد.

ويشير المراقبون إلى أن هناك نفوذًا كبيرًا، وشبكة مصالح واسعة أنشأها رجال الأعمال بقيادة علي حدّاد في عهد الوزير الأول السابق عبد المالك سلّال، وذهب البعض إلى حد وصف هذا النفوذ بـ«الحكومة الموازية»، كما أن هذه الإمبراطورية هي السبب في إقالة تبون الذي كانت محاربة الفساد أبرز أولوياته.

فتبون اعتمد على خطة لإيجاد بدائل للموارد المالية المتراجعة بحدّة بسبب السقوط المدوي لأسعار النفط، كان الفصل الأول فيها هو فصل المال والسياسة إذ قال: «من حق أي مواطن أن يخوض في الأعمال أو في السياسة، أو يمارس الاثنين دون الجمع بينهما في وقت واحد، وسنفرّق بين المال والسلطة، وليسبح كلّ في فلكه»، لكن هذا الفصل قد انتهى قبل أن يبدأ، وذلك بفوز تيار رجال الأعمال على اتجاه الإصلاح، لذلك من الصعب الحديث عن أي إصلاح حقيقي بدون القضاء على زواج المال والسلطة في الجزائر.

هذا الأمر يرتبط كذلك مباشرة بمواجهة الفساد الذي تضخم في البلاد مؤخرًا، فبحسب دراسة صدرت عن «منظمة الشفافية الدولية» في 2016 فإن 69% من الجزائريين يرون أن جهود حكومتهم في محاربة الفساد سيئة، ووفقًا لمؤشر مدركات الفساد لعام 2017 الصادر عن «منظمة الشفافية الدولية»، احتلت الجزائر المرتبة 112 من أصل 180 دولة، وفي تقرير التنافسية العالمية 2017- 2018، احتلت المرتبة 92 من بين 137 دولة في مؤشر «المدفوعات غير النظامية والرشاوى»، وهكذا يساهم الفساد في تشويه مناخ الأعمال في البلاد كل مرة وينفر المستثمرين.

2- منع أجندة النقد الدولي من التغول في الجزائر

ارتبط اسم «صندوق النقد الدولي» مع كل دول الربيع العربي خاصة في مصر وتونس، إذ إن الحكومات سريعًا ما تلجأ لمساعدة الصندوق في ما تراه إجراءً سهلًا لمعالجة المشاكل الاقتصادية، لكن وفق التجربة المصرية والتونسية فقد تضرر المواطنون تضررًا كبيرًا من تحرير قيمة العملة المحلية، وخفض الدعم، وغيرها من «الإصلاحات» التي تعتمد على التقشف اعتمادًا مباشرًا، لذلك يجب على المحتجين في الجزائر الإدراك مبكرًا أن الاعتماد على الصندوق سيجعلهم في معاناة كبيرة، ومن المنطقي الآن المطالبة بعدم اعتماد الحكومة أو النظام القادم باعتماد أجندة الصندوق طريقًا وحيدًا للإصلاح.

خلال السنوات القليلة الماضية وجد «صندوق النقد الدولي» في الجزائر بشكل ملحوظ، ففي 12 مارس (آذار) 2018، اختتمت بعثة الصندوق، زيارتها إلى الجزائر، في زيادة استمرت نحو أسبوعين، بهدف الاطلاع على التطورات المالية والاقتصادية في البلاد، هذه الزيارة جاءت محاولة لمساعدة البلاد في علاج الأزمة الاقتصادية والمالية الأصعب التي تمر بها الجزائر منذ أزمة ثمانينيات القرن الماضي، وتحديدًا في عامي 1988 و1989، عندما كانت الجزائر على بعد خطوة من إعلان حالة الإفلاس التام متأثرة بالهبوط الكبير في أسعار النفط الذي بدأ منذ عام 1986.

 

 

مدير صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد

ولجأت الجزائر في التسعينيات لصندوق النقد الدولي للخروج من الأزمة، إذ اعتمدت البلاد على ثلاثة برامج استقرار وتصحيح هيكلي لصندوق، في أعوام 1989 و1991 و1994، وكان الإجراء الأبرز من جانب الصندوق هو خفض قيمة الدينار الذي فقد آنذاك أكثر من 40% من قيمته، في وقت كان القطاع الصناعي قد تراجع فيه تراجعًا حادًا، وعلى الأغلب فإن العودة للصندوق اليوم ستكون من خلال الطريق نفسه، إذ طالب الصندوق في العام الماضي بتعويم العملة والعودة إلى الاقتراض الخارجي.

ويرى «النقد الدولي» أن لجوء الجزائر إلى خفضٍ تدريجي في سعر الصرف، بوصفه إحدى أدوات تحقيق التوازن بين الإصلاح الاقتصادي والمالي، قد يقضي على سوق الصرف الموازية (السوق السوداء)، التي تعدّ أحد العوائق أمام الاستثمارات الأجنبية، كما يرى أن الاستدانة من الخارج ستؤدّي إلى توفير السيولة اللازمة للنفقات الاستثمارية، إلا أن نتائج هذه الإصلاحات ستكون صعبة على المواطن الذي لا تحميه الحكومة في الغالب من نتائج صدمة فقدان العملة لنسبة كبيرة من قيمتها، لذلك يمكن وصف مطلب عدم اللجوء إلى النقد الدولي أنه بمثابة حماية للجزائريين من دوامة كبيرة من التضخم والتقشف.

3- «أوقفوا طبع النقود».. السيناريو الفنزويلي يطارد الجزائر

بالرغم من أن الجزائر حديثة العهد بالتوسع في طبع النقود، إذ اتجهت الحكومة إلى طبع النقود بكثرة خلال الفترة الأخيرة ومنذ الربع الأخير من 2017، وذلك في محاولة لعلاج عجز الموازنة دون اللجوء إلى الاقتراض الخارجي، فإن المبالغة في الطباعة دفعت معدلات التضخم إلى الزيادة بسبب زيادة المعروض من النقود، فبحسب رئيس الحكومة المستقيل أحمد أويحيى، فإن الحجم الإجمالي للتمويل غير التقليدي (طبع النقود) بلغ 6556 مليار دينار أي نحو 65 مليار دولار، حتى نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي.

 

 

وتوزعت طباعة النقود بين 2185 مليار دينار (20 مليار دولار) في 2017، ونحو 3471 مليار دينار (34 مليار دولار) في 2018، بالإضافة إلى 1000 مليار دينار (10 مليارات دولار) في يناير 2019، وهذه الأرقام دفعت مراقبين للقول إن هذه السياسة تقود البلاد نحو تكرار السيناريو الفنزويلي واليوغوسلافي، إذ إن الكتلة المالية المطبوعة ليس لها أي مقابل في الخزينة، وبالتالي لا يمكن تسديدها بوصفها دينًا داخليًّا، بالإضافة إلى أن هذه الطبع لا يقابله أي إنتاج حقيقي على أرض الواقع.

ويؤكد المحللون أن طبع النقود مؤشر خطير ينذر بمشاكل اقتصادية متفاقمة، لذا فمن الضروري أن تطالب الانتفاضة الحالية بتخلي الحكومة عن هذه السياسة فورًا، إذ طالب النائب عن حزب «جبهة التحرير الوطني»، الهواري تيغريسي، الحكومة ومحافظ بنك الجزائر في وقت سابق، بالتوقف فورًا عن عملية طبع النقود التي بلغت أكثر من 55 مليار دولار على حد تقديره، موضحًا أن هذا الرقم مؤشر خطير ينذر بارتفاع ضخم في رقم التضخم سيرافق الجزائر والخزينة العمومية لـ10 سنوات كاملة.

4- وقف الاعتماد الحصري على السياسة النقدية لتنويع الاقتصاد

المطالب الثلاثة المذكورة من المفترض أن تكون نتيجتها المباشرة هي اعتماد البلاد على حلول اقتصادية حقيقية للوصول في النهاية إلى التنوع المأمول، فكما ذكرنا فالتنوع الاقتصادي هو الحل للأزمة الحالية، لكن لا يمكن تحقيق المطالب السابقة بالاعتماد فقط على السياسة النقدية دون التعامل مع الاقتصاد الحقيقي، لذلك فعلى الجزائريين إرسال رسالة واضحة للحكومة الجديدة مفادها أن السياسة النقدية فقط لا تحقق التنوع الاقتصادي.

الاعتماد الجزائري على السياسة النقدية لعلاج مشاكل هيكلية في الاقتصاد ليس جديدًا، لكن الدولة ما زالت مصرة على النهج نفسه رغم اتفاق الاقتصاديين على أن المشاكل الهيكلية لا يمكن حلها فقط من خلال السياسة النقدية، فمنذ بداية الألفية الثالثة ظهرت المحاولات الجزائرية الحثيثة جليّة من أجل تعميق الدور الذي تقوم به السياسة النقدية في البلاد، فإن دراسة صدرت في 2014، من جامعة محمد خيضر بكلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير، خلصت إلى أن السياسة النقدية فشلت في السيطرة على معدلات التضخم في الجزائر في الفترة ما بين 2003 إلى 2008، بل جاءت النتائج عكسية، وكانت المحصلة هي ارتفاع التضخم بصورة أكبر.

كما أنه وخلال السنوات القليلة الماضية لم تنجح السياسة النقدية في علاج أيّ من المشاكل المزمنة، سواء من العجز التجاري أو التضخم، بل فشل المركزي في الحفاظ على مستوى الاحتياطي النقدي، الذي وصل في 2013 إلى نحو 194 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل إلى قرابة الـ 76.2 مليار دولار أواخر 2020، وهو ما يوضح أن السياسة النقدية لم تنجح في إيجاد حالة استقرار حقيقة، وحل المشكلة الأساسية التي تتلخص في الاعتماد على النفط دون غيره.

يشار إلى أن سياسة طبع النقود أحد الحلول النقدية، التي تعتمد عليها البلاد حاليًا، ومن المهم الإشارة إلى أن المقصود بالتحذير من السياسة النقدية هنا هو الاعتماد عليها وحدها لحل المشاكل، لكن يجب أن يرافقها إنتاج حقيقي يوجد فرص عمل، ويقدم قيمة مضافة للاقتصاد الجزائري.

اجمالي القراءات 888