من الصعب التحكم بها.. كيف تكشفنا لغة الجسد؟

في الثلاثاء ١٢ - مارس - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

ما أُخفيه من لغتي، ينطقه جسدي. أستطيع أن أُعيد صياغة رسالتي عبر صوتي، ولكن الصوت الحقيقي سينفثُه جسدي. مهما كان ما أقوله من خلال صوتي، فإن الآخر سيكتشف بأن هناك خطبا بي إن كُنت أتعمد إخفاءه وراء صوتي. جسدي كطفل عنيد، بينما لغتي كبالغ مُتحضّر"

(رولان بارث، خطاب عاشق: شظايا)

   

تشارلي تشابلن، لوريل وهاردي، وتوم وجيري، ما الذي يربط هؤلاء الثلاثة -وغيرهم- غير أنهم سبب ضحكات الزمن الأبيض والأسود؛ والقديم عموما، بل يربطهم أيضا غياب الصوت. لقد كانت رسائل صامتة تصل لشرائح واسعة تختلف بها اللغات، والثقافات، والأعمار. الفن الصامت الذي بدأ قديما ولكنه استطاع أن يخترق مشاعر القلب ليُدمع العين، أو يرسم بسمة على شفاه المُسن الذي لا يسمع، أو يُضحك سن طفل يُحيي ذكاء جيري الماكر دون حرف يُقال أو يُسمع. وحتى في الزمن الذي أصبح به دمج الصوت أسهل في السينما أو التلفاز، وباتت الألوان على اتساع حلقة درجاتها مُتاحة في الصورة أمامك، فإنك ما زلت تضحك مع مستر بيين، أو تستمتع باسترجاع بعض شقاوة الشاشة التي تكشف بصمت غباء القط توم.

   

وبعيدا عن الشاشات، تُمسك سماعة هاتفك لتُحادث من على الطرف الآخر منها؛ وبالرغم من أنه لا يراك، فإنك ترفع يديك وتُميل رأسك وتستخدم كل تعابير وجهك التي عبّرت عنها أساسا في الحديث. إن كنا قادرين على الكلام -الذي تطور نسبيا في التواصل البشري- فلماذا نستخدم لغة الجسد هذه؟ وما فائدتها عموما -إن كانت هناك فائدة-؟ لا توجد إجابة مُحددة عن هذه التساؤلات نظرا لسببين: الأول، أن هناك تعابير وُلدت معك، والثاني، أن البعض منها مُكتسب، فلطالما كان المشي باستقامة والابتسامة المرسومة هي الصورة الجيدة التي يجب أن تنعكس من مرآتك للغير. فهل يُمكن للمرآة المُتمثلة بلغة الجسد أن تعكس شخصيتك دون أن تدري؟

   

  

إنها تساؤلات تشغل بال الكثيرين، فأي محاولة منك للبحث عن أبعاد هذا الموضوع ستجد حلقات ومقابلات مُسجلة تُحلل شخصية دونالد ترامب، وتكشف أكاذيبه وأبعاد شخصيته وسوء معاملته لزوجته مقارنة بأوباما وزوجته، أو غضب مايكل جاكسون الذي أخفاه خلف ابتسامته الباردة لحظة استعراض حفل من طفولته السمراء؛ إلا أن ارتفاع حاجبه في تلك اللحظة فضح مشاعره الحقيقية، لطالما كانت مصيدة المشاهير التي لا يفلت منها أحد. يؤكد الباحثون (1) أيضا أن 7% فقط من التواصل يكون عبر الكلام، و93% من التواصل مع الآخرين يكون صامتا غير لفظي. وهذا يقول لنا بطريقة أو بأخرى إن هذه الـ93% التي تقف خلف الكلمات هي عالم مستقل بذاته يتحتم علينا الالتفات له قليلا.

   

أُحجية التأثير، عقلك يؤثر على جسدك أم العكس؟

"عندما تعجز عن الكلام، أوكِل المهمة لجسدك"

(توبا بيتا/ سيد الغباء)

   

كتبت الكاتبة الأميركية ليا توماس مقالا بعنوان "8 محاضرات على منصة تيد تُعادل ماجستير في إدارة الأعمال" (2)، إحدى هذه المحاضرات كانت بعنوان "لغة جسدك تُشكل شخصيتك" والتي كانت من نصيب عالمة النفس الاجتماعي إيمي كودي المُهتمة بديناميكية السُّلطة (قابلية تغيير السُّلطة) (3). هذا المفهوم الذي يعني أن السلطة الأساسية هي بيد الدماغ، فالدماغ وما يجري به من أفكار هو المسؤول عن أجسادنا وتعبيرها، ولكن هل يمكننا عكس هذه المُعادلة لنجعل القوة والسيطرة بيد الجسد ولغته وعلى أساسه نُغير أفكارنا وهرموناتنا وما بأدمغتنا؟ هذا ما ناقشته كودي باستفاضة حيثُ استشهدت بداية بدراسة قامت بها جيسيكا سترايسي على الأطفال، ووجدت أن الأطفال المبصرين والمكفوفين يفعلون الشيء ذاته من علامات النصر والفخر لحظة الفوز، والحزن لحظة الاستياء! وهذا مَدخل يدلنا على أن للجسد لغة يتحدث بها مع نفسه، ويعبر عن نفسه بغض النظر إن كان يستطيع الشخص رؤية من حوله أو عكس صورة معينة لهم.

     

   

وتُوضح كودي أن حديثها عن تأثير لغة الجسد على العقل، وما يتعلق بالمشاعر والأفكار، جميعها فسيولوجيًّا ترتبط بالهرمونات -لذا هي تعني بالعقل الهرمونات-، ولتبسيط ذلك كانت تُقارن بين مُعدل هرمون التستوستيرون (الهرمون المسؤول عن السيطرة) وهرمون الكورتيزول (الهرمون المسؤول عن التوتر والقلق). إذ وُجد أن هرمون التستوستيرون يرتفع عند الأقوياء، بتناسب عكسي مع هرمون الكورتيزول الذي ينخفض لا إراديا، والنقيض تماما هو ما يحدث مع الضعفاء. واستنادا إلى تجربة معملية قامت بها كودي بعد ملاحظتها لبعض الطلاب الذين تتأثر درجاتهم بسبب قلة المشاركة، حيث أوعزت بعض الفروق بأنها جندرية، فالنساء عموما يشعرن بقوة أقل بحضور الرجال، وهذا يظهر تماما على لغات أجسادهم. في التجربة؛ قامت كودي بالطلب من بعض المشاركين أن يتخذوا وضعيات تعبر عن القوة، ومن مشاركين آخرين أن يتخذوا وضعيات تُمثّل الضعف، وذلك لمدة دقيقتين، ثم بصقوا في زجاجات صغيرة لتحليلها. والنتيجة: ازداد مستوى هرمون التستوستيرون عند من اتخذوا وضعية القوة 20% وانخفض عند من اتخذوا وضعيات الضعف 10%. وحدث النقيض للكورتيزول؛ حيث انخفض الهرمون 25%عند اتخاذ وضعيات القوة، وارتفع 15% عند إظهار الضعف. (5)

    

حسنا، بعيدا عن التجارب المعملية، والمختبرات والأبحاث الاجتماعية، كيف نستفيد من كل هذا؟ تقول إيمي في كتابها "الوجود" (Presence)، والتي تستمر فيه بالدفاع عن أفكارها التي شاركتها في محاضرتها، بأن بعض الذكاء منك كفيل بتغيير كيمياء جسدك بشكل حرفي وتجعلك تشعر بمزيد من الثقة في المواقف المثيرة للقلق مثل: مقابلات العمل، إلقاء بعض المحاضرات أمام جمهور، الوجود في أماكن تستدعي التفاعل وإثبات النفس، حيث لن تضطر أن تُهمهم بينك وبين نفسك "ليتني قلتُ هذا، ليتني أثبتُ من أنا"، فتقول كودي بأن التظاهر بالثقة والقوة سيجعلانك بالفعل واثقا وقويا، وليس مجرد ادعاء فحسب! قالت عالمة النفس الأميركية في نهاية كلمتها: "تظاهر ليس من أجل أن تنجح، لكن حتى تصبح كذلك فعلا.. التعديلات الصغيرة بإمكانها أن تقود لتغييرات عظيمة". الأمر يحتاج فقط إلى دقيقتين، قم بذلك في الحمام، في المصعد، أو في مكتبك خلف الأبواب المغلقة، هيئ عقلك لتواجه الموقف بشكل أفضل، اجعل -فعل أمر- مستوى التستوستيرون يرتفع، الكورتيزول ينخفض!

     

الوجود - إيمي كودي (مواقع التواصل)

     

حقائق في عالم لغة الجسد

"أنت لا تملك فرصة ثانية لترك انطباع أول"

(بيل روجر)

  

هل مررت بتلك المواقف التي تأخذ بها انطباعات أولية عن أشخاص جُدد قبل أن تتفاعلوا بكلمة واحدة؟ لا تقلق؛ إذ يبدو أنك على حق. هذه بعض الحقائق المُثيرة في هذا العالم: (6)

  

* لغة الجسد تُشير إلى النيّات، وليس إلى معنى محدد: تُظهر أبحاث الدماغ أن كل ما نشعر به لأول مرة يظهر في أجسادنا، وفقط في وقت لاحق (في وقت لاحق nanoseconds) في عقولنا الواعية. لذا، إذا كنا جائعين، صبورين، غاضبين، أو سعداء، فإن أجسادنا تعرف أولا، وستكون إشارة واضحة إلى هذه المشاعر. بالتالي فإن تعلم قراءة لغة الجسد هي مسألة تعلم لفهم نيّات الآخرين وليس أفكارهم الواعية المحددة. وفي حين أن معظمنا جيد بشكل معقول في إخفاء المشاعر في الوجه، فنحن لسنا بارعين في تمويه شعورنا في جميع أنحاء أجسامنا. هذا لأن أجسادنا تعرف أولا، ففي الوقت الذي يدرك العقل الواعي الغضب أو الفرح، يكون قد ظهر بالفعل على أجسامنا قبل أن يدركه العقل.

 

* أنت بارع في قراءة لغة أجساد من تعرفهم أكثر من خبير في هذا المجال: هذا صحيح، أنت بالفعل أكثر خبرة من الخبراء في قراءة نيّات من تعرفهم، الزوجة قادرة على كشف الإحساس عندما يكون زوجها في وضع حرج، أو عندما يشعر طفلها بالملل، والموظف قادر على قراءة ما يريد رئيسه القيام به.

  

   

* مرايا الدماغ: باعتبارنا بشرا، نحن متحمسون لقراءة مشاعر الآخرين وأهدافهم. نملك مرايا في أدمغتنا تلمع عندما تسجل عقولنا اللاواعية انفعالا لدى شخص آخر. نحن نعكس انفعال الشخص الآخر حتى نتمكن من مشاركته وفهمه. تطورت هذه الخبرة على نطاق زمني تطوري وهي جزء مهم من قدرتنا على البقاء كأنواع. عندما نرى الخوف، نتفاعل على الفور ودون وعي، حتى نكون مستعدين لاتخاذ إجراءات سريعة إذا لزم الأمر. تُعتبر هذه الخبرة غير الواعية أفضل حليف لك في قراءة لغة الجسد الخاصة بالأشخاص الآخرين، لأنك تعرف بالفعل ما يحدث. إنها مجرد مسألة جلب هذه المعرفة من عقلك اللاواعي إلى عقلك الواعي من أجل التصرف في المعلومات بشكل واعٍ.

 

* تملك ثلاثة عقول؛ الواعي، واللاواعي، والثالث يختبئ في أمعائك! في الواقع، تحتوي أمعاؤك على الكثير من الخلايا العصبية التي تزيد على الخلايا العصبية الموجودة في رأس القط! ويتواصل هذا مع العقل اللاواعي في رأسك، بحيث عندما تدرك أنك عصبي، فهذا الإدراك نتاج عملية طويلة تمتد من عقلك اللاواعي للقناة الهضمية عن طريق إرسال إشارات حول هذا التوتر. ستشعر بألم في معدتك، وبشكل عام؛ فالمعدة جيدة في إخبارك إذا كان هناك خطر ما؛ لأنها جزء من نظام حساس معقد في عقلك اللاواعي (الشخص الموجود في رأسك) الذي يقوم بمسح محيطك بشكل مستمر، وخاصة بمسح الأشخاص الآخرين من حولك.

     

  

ترجمة لغة الجسد

"كان وجهها يبحث عن إجابة، تلك الإجابة التي يتم إخفاؤها دوما باللغة"

(جون شتاينبك/ عناقيد الغضب)

 

* العين: يرمش الناس عادة من ست إلى ثماني مرات في الدقيقة، ولكن تحت الضغط يزداد المعدل بشكل أكبر. بالإضافة إلى ذلك فإن فرك العين أو إغماضها لفترة هي طريقة دماغك في حماية نفسه من المنبهات السمعية أو البصرية.

 

* الفم: هل تعلم أن بعض أجزاء وجهك يمكن أن تكشف عن ما يسميه علماء النفس "بالعلامات الصغرى"؟ يمكن لهذه الحركات الدقيقة أن تكشف بالضبط كيف تشعر، الأكثر دلالة هي العضلات حول فمك. على سبيل المثال، حتى إن كنت تحاول جاهدا إخفاء الخوف أو القلق في وضع مرهق، فإذا كانت العضلات حول فمك تتراجع لتجعل من شكل وجهك مشدودا مُتشنجا، فهذا يشير إلى أنك غير مستقر في تلك اللحظة.

  

  

* الجسم: معظم الناس يُوجهون أجسادهم دون وعي تجاه الشخص الذي استحوذ على تركيزهم. لذا إن كنت ضمن مجموعة، فانتبه لذلك.

 

* الأرجل: من الغريب أن تعلم أن الأبحاث (8) تُشير إلى أن الأرجل هي الأكثر كشفا للنيّات! على غرار موضع الجزء العلوي من جسمك، تميل أطرافك السفلية للإشارة إلى الاتجاه الذي ترغب في الذهاب إليه، أو نحو أكثر ما يهمك. تُشير الأرجل المتقاطعة إلى أن أحدهم غير مهتم بما تتم مناقشته، ويمكن أن تكون علامة سيئة خلال مفاوضات العمل.

  

في المرة القادمة التي تتساءل بها عن اللغات التي تُحب أن تتعلمها أو تتقنها، رُبما عليك التفكير بتعلم لغة الجسد التي تُسهل عليك فهم الآخرين والتفاعل معهم، إلى جانب أنها أيضا كفيلة بتغيير ما أنت عليه. والأمر لا يبدو صعبا على الإطلاق، فهناك الكثير من الكتب والأفلام الوثائقية والدورات المجانية التي تخدم هذه المساحة، حيث يُقدم موقع Psychologist World مساقات متعددة تضمن لك فهم اللغة وقراءتها والتفاعل بما يتناسب معها. ورُبما علينا التركيز أكثر على ترك انطباع جيد تجاه أنفسنا قبل أن "نُمثّل" على الآخرين لترك انطباعات جيدة عنا. وطالما أن 93% من التواصل بيننا غير لفظي فهذا كفيل ببذل جهد لفهمه، ولمس بعض الأعذار التي قد تُساء ترجمتها. وتذكّر بأن جسدك سيكشف حقيقة كلماتك، إذ يبدو أن صمت لغة جسدك أقوى من صوت كلماتك!

اجمالي القراءات 945