شركات وهمية في جزر العذراء واستغلال حلاقين وعاملات نظافة.. كيف تتم عمليات غسيل الأموال؟

في الثلاثاء ٠٥ - مارس - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

نسمع كثيراً عن عمليات أو جرائم غسيل الأموال، ولا يعرف بعضنا ماهية تلك الجريمة، وكيف تتم تلك العملية المجرمة دولياً، صحيفة The Guardianالبريطانية ألقت الضوء في تقرير لها على واحدة من أهم شبكات تبييض الأموال في أوروبا، وهي «مغسلة الترويكا».

وغسيل أو تبييض الأموال جريمة اقتصادية تهدف إلى إضفاء شرعية قانونية على أموال محرمة، لغرض حيازتها أو التصرف فيها أو إدارتها أو حفظها أو استبدالها أو إيداعها أو استثمارها أو تحويلها أو نقلها أو التلاعب في قيمتها، إذا كانت محصَّلة من جرائم مثل زراعة وتصنيع النباتات المخدرة أو الجواهر والمواد المخدرة وجلبها وتصديرها والاتجار فيها.

ما هي «مغسلة الترويكا»؟

هذا هو بالأساس الاسم الذي أُطلِق على مجموعة من 70 شركة وهمية في الخارج، استخدمها المتحكمون فيها لنقل مليارات الدولارات من الثروات الخاصة من روسياإلى الغرب.

شُغِّلَت تلك الشركات عن طريق موظفين في ذراعٍ مستقلة لمصرف الاستثمار الروسي «Troika Dialog» (ترويكا ديالوغ)، الذي اندمج الآن مع أحد أكبر مصرفين مملوكين للحكومة في روسيا. تعود معظم الأموال إلى عملائه وعائلاتٍ ساهم المصرف في إدارة ثرواتها.

كيف كانت تعمل؟

كانت الشبكة تعمل كالمغسلة: فكان المال يصل من عدة مصادر ثُمَّ «يُدوَّر» بين شركات الشبكة، وأحياناً بين حساباتٍ مصرفية متعددة تعود لشركة واحدة. مَزَجَت هذه المعاملات المعقدة الأموال وخلطتها، لذا بات من المستحيل فصل الثروات الخاصة التي جُنيَت بطريقة شرعية عن المال الذي يبدو أنَّه جاء من عمليات احتيال كبرى. حدثت معظم التحويلات في مصرف «Ukio Bank» الليتواني، الذي أغلقته السلطات في عام 2013، ويخضع للتحقيق الآن.

ما حجم الأموال التي تضمَّنتها تلك العملية؟

ضُخَّ نحو 4.6 مليار دولار في شبكة الترويكا، وخرج منها مبلغ مماثل، لكنَّ قيمة التعاملات بين الشركات التي أدارها مصرف الترويكا كانت تُقدَّر بـ8.8 مليار دولار، ما يشير إلى أنَّه جرى تدوير المال لعددٍ من الدورات قبل أن يخرج.

كيف نُقِلت الأموال؟

سجَّل موظفو مصرف Ukio Bank غرض كل مبلغ مدفوع. وكان السبب الذي سُجِّل في كثيرٍ من الأحيان هو عقد لشراء وبيع سلع مادية، تضمَّنت الأغذية، وأجهزة التلفزيون، وحتى الأدوات الصحية.

لكن يبدو الآن أنَّ هذه العقود كانت وهمية، فلم تكن هناك بضائع فعلية مقابل الأموال، لأنَّ الشركات التي كانت تشتريها وتبيعها كانت وهمية. ولم يكن في تلك الشركات موظفون، ولا مكاتب يعملون منها، ولم يكن هناك وجود مرئي على شبكة الإنترنت أو في عالم الأعمال.

فعلى سبيل المثال، حوَّل مصرف Ukio في مايو/أيار 2004 مبلغ 204 آلاف دولار لحسابٍ في لاتفيا للدفع مقابل «قطع غيار سيارات». جاءت الأموال من شركة «Industrial Trade Corp»، التي تأسَّست قبل ذلك بعام في بنما.

ولم يكن لتلك الشركة ارتباط واضح بصناعة السيارات، وراحت طوال ست سنوات تتاجر في كل شيء، بدءاً من «معدات صناعة الأغذية» وحتى «الحواسيب» و «مواد البناء».

سمحت تلك المعاملات، جنباً إلى جنب مع القروض وصفقات الاستحواذ على الأسهم، لشركة Industrial Trade Corp، بأن تصبح واحدة من أكبر خطوط المال في المغسلة، وحوَّلت المئات إلى الملايين.

مَن كان يملك تلك الشركات الخارجية؟

جرى إخفاء ملكية الشركات التي أدارتها الترويكا عن طريق استخدام «الوكلاء»، وهم الأفراد الذين يقومون مقام الأشخاص الممسكين بزمام الأمور فعلاً. وتظهر أسماء هؤلاء وتوقيعاتهم على العقود واتفاقيات القروض.

كان الكثيرون منهم من إثنية الأرمن الذين يعيشون ويعملون في موسكو: مالك صالون تجميل صغير، وسيدة تعمل بالتنظيف، والعديد من عمال البناء.

لا نعلم إن كانت الشركات الخارجية تأسَّست بناءً على تعليمات من داخل الترويكا، لكنَّ رسائل بريد إلكتروني مُسرَّبة تُظهِر أنَّ موظفين صغاراً في المصرف الروسي أرسلوا عقوداً أو فواتير لتبرير المدفوعات.

هل هناك أمثلة؟

هناك الكثير من الأمثلة، أحدها كان أرمن أوستيان، الذي يعيش مع زوجته ووالديه في شقة دون نظام تدفئة في مدينة وانادزور بأرمينيا. ويسافر أوستيان إلى موسكو للعمل بنَّاءً يُرمِّم الشقق. وكان من بين العقود التي يُوجَد عليها توقيعه قرض بقيمة 40 مليون دولار لشركة Dino Capital، وهي شركة مُسجَّلة في بنما.

لكنَّ أوستيان لا يتذكَّر شيئاً يتعلَّق بتوقيعه أي شيء لتلك الشركة، وبعدما جرت مواجهته بالوثائق قال للصحفيين إنَّ توقيعه ربما زُوِّر.

وتُظهِر رسائل بريد إلكترونية مُسرَّبة أنَّ تنسيق المعاملات لم يكن يتم عن طريق الوكلاء، بل من موظفين في الترويكا، قدَّموا أسماءهم باعتبارهم جهات اتصال لموظفي مصرف Ukio.

ويُعَد استخدام الشركات الوكيلة المُؤسَّسة في المناطق منخفضة الضرائب أمراً قانونياً، وكان شائعاً في المجال المصرفي الأوروبي في ذلك الوقت. لكنَّ هذه الممارسة تعرَّضت لانتقاداتٍ واسعة، لأنَّها يمكن أن تُحبِط جهود جهات إنفاذ القانون للتحقَّق من هُوية المُتحكِّم الفعلي في حسابٍ مصرفي ما.

ماذا تقول المصارف؟

أُعلِن إفلاس مصرف Ukio في فبراير/شباط 2013، وأغلقته الحكومة. ولم يرد مالِكه السابق على طلباتٍ من أجل التعليق على المسألة بحلول وقت نشر هذا الموضوع. وقال مصرف Troika Dialog إنَّه يعرف عملاءه، وتحقَّق من خلفياتهم. وأشار إلى أنَّه ل ينتهك أي أنظمة مطلقاً، وعَمِلَ دائماً وفقاً للمعايير. والأهم أنَّه اعتمد على مصارف مثل Ukio للقيام بإجراءات توخّي الدقة والاستقصاء الخاصة بهم.

هل تحقق أي جهة في هذه القضية؟

يبحث المحققون الليتوانيون فيما حدث بمصرف Ukio. وأثار تقريرٌ للمصرف الليتواني المركزي، نُشِر قبل فترة وجيزة من إغلاق Ukio في فبراير/شباط 2013، عدداً من المخاوف، إذ لم يُرفَض إلا عددٌ قليل فقط من العملاء لأسباب تتعلَّق بخطر غسل أموال، وكانت المعلومات المتعلقة بالمُودِعين ومصادر أموالهم غير كافية في حالات معينة.

 وعلى نحوٍ منفصل، بدأ محققو الحكومة في أواخر عام 2012 التحقيق فيما إن كان تم غسل أموال مصدرها قضية «احتيال ماغنيتسكي» -وهي سرقة بقيمة 230 مليون دولار من دائرة الضرائب في موسكو- عبر مصرف Ukio. ولا يزال هذا الملف مفتوحاً.

هل Ukio هو أول مصرف في منطقة بحر البلطيق يخضع لعملية تدقيق؟

لا، بل العكس؛ إذ فوَّض مصرف Danske Bank الدنماركي بإجراء تحقيقٍ وجد أنَّ فرعه في إستونيا سهَّل ما يُقدَّر بـ200 مليار يورو (226.7 مليار دولار تقريباً) من المعاملات المشبوهة على مدار فترة تبلغ تسع سنوات. وأقدم مصرف ABLV Bank اللاتفي على التصفية الطوعية العام الماضي، بعد اتهاماتٍ بغسيل أموال من وزارة الخزانة الأمريكية، مُعلِناً أنَّه يدعم كافة الإجراءات الرامية للكشف عن المخالفات.

يوجد قاسمٌ مشترك بين القضايا الثلاث، وهو وجود آلاف الحسابات لمُودِعين «غير مقيمين». لم يكن هؤلاء أفراداً من الخارج يفتحون حساباتٍ بأسمائهم، بل كانت شركات وهمية مُسجَّلة في أماكن مثل جزر العذراء البريطانية، وكذلك في بريطانيا ذاتها، تُعَد الضوابط المتعلقة بالشركات الجديدة فيها ضعيفة.

قال توم كيتنغ، الخبير المالي بمركز أبحاث المعهد الملكي للخدمات المتحدة في بريطانيا: «تيار الفضائح القادم من دول البلطيق لا يتوقف. هذا ضعفٌ ممنهج في النظام المالي العالمي، جرى استغلاله في المقام الأول عبر دول الاتحاد السوفييتي السابق».

مراحل غسيل الأموال

وعادة ما تمر عمليات غسيل الأموال بعدة مراحل، تبدأ بمرحلة الإيداع، يتم خلالها التخلص من كمية كبيرة من النقود غير الشرعية (الأموال القذرة) بأساليب مختلفة، إما بإيداعها في أحد المصارف أو المؤسسات المالية، أو عن طريق تحويل هذه النقود إلى عملات أجنبية، أو عن طريق شراء سيارات فارهة ويخوت وعقارات مرتفعة الثمن، يسهل بيعها والتصرف فيها بعد ذلك.

ثم تاتي مرحلة التمويه، وهي مرحلة التجميع أو التعتيم، حيث تبدأ بعد دخول الأموال في قنوات النظام المصرفي الشرعي، ويقوم غاسل الأموال باتخاذ الخطوة التالية، والتي تتمثل في الفصل أو التفريق بين الأموال المراد غسلها، عن مصدرها غير الشرعي، عن طريق مجموعة معقدة من العمليات المصرفية التي تتخذ نمط العمليات المصرفية المشروعة

ثم تأتي مرحلة الإدماج، وهذه المرحلة هي الختامية، يترتب عليها إضفاء طابع الشرعية على الأموال، لذلك يطلق عليها «مرحلة التجفيف»، ومن خلال هذه المرحلة يتم دمج الأموال المغسولة في الدورة الاقتصادية والنظام المصرفي، لكى تبدو وكأنها عوائد أو مكتسبات طبيعية لصفقات تجارية، مثل الشركات الوهمية والقروض المصطنعة.

اجمالي القراءات 1443