أيد عاطلة فوق بحر ذهب.. لماذا لا تنخفض البطالة في السعودية رغم قرارت التوطين؟

في الثلاثاء ١٩ - فبراير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

كثر الحديث خلال السنوات الفائتة عن الضرورة المُلحة لـ«سعودة» الوظائف، وتوطين السعوديين محل الوافدين في معظم المجالات والقطاعات، إن لم يكن جميعها. فبين الفينة والأخرى؛ يطالعنا المغردون السعوديون على موقع التواصل الاجتماعي، «تويتر»، بهاشتاجات وحملات تطالب المسؤولين بتفعيل مبادرة التوطين والسعودة، تحت دعوى البطالة التي يعيشون فيها ويعانون منها، وأن السعوديين أولى بثروات بلادهم التي ينهل منها «الأجنبي».

وبحسب الإحصاءات الرسمية، يوجد حوالي 2 مليون عاطل عن العمل في المملكة، في مقابل ما يزيد عن 12 مليون وافد أجنبي، يمثلون حوالي 37% من إجمالي عدد السكان، بالرغم من وجود برامج اقتصادية للاستغناء عن أكبر عدد ممكن من الوافدين تماشيًا مع «رؤية 2030»، و الإعلان عن بعض المشاريع الجديدة العملاقة مثل مشروع «نيوم»، والتي ستتيح عددًا كبيرًا من الوظائف لأبناء البلد، علاوة على فرض ضرائب ورسوم مرتفعة على العمالة الوافدة.

وفي ظل هذه السياسات والقرارات الاقتصادية الجديدة؛ كانت النتائج خروج آلاف الوافدين، إذ بدأ خروج الوافدين منذ منتصف 2016 حتى وصل بنهاية النصف الأول من 2018 إلى نحو 1.5 مليون عامل وافد. وبرغم ذلك، ارتفعت نسبة البطالة بين السعوديين في النصف الثاني من عام 2018، حتى وصلت 12.9%، و التي تعد نسبة البطالة الأكبر منذ عام 1999، بحسب إحصاءات رسمية معلنة.

السطور التالية تحاول معرفة قصة البطالة في مملكة تسبح فوق بحر من الذهب.

خرج الوافدون.. فأين «ذهبت» الوظائف؟

يعاني سوق العمل السعودي من انخفاض معدل تشغيل المواطنين، إذ توضح البيانات الإحصائية أن معدل تشغيل المواطنين لا يتجاوز 51.3%. فيما تنحصر البطالة بالمملكة في أربعة عناصر: ارتفاع المعدل العام للبطالة، وتباطؤ تشغيل النساء، وازدياد عدد الخريجين بما لا يتناسب مع متطالبات سوق العمل، وارتفاع نسبة البطالة بين فئة الشباب.

وبمراجعة نشرات سوق العمل، الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء السعودية، يتضح أن نسبة البطالة ارتفعت خلال أقل 20 عامًا، من 8.0% في عام 1999 إلى 12.9% في الربع الثاني من عام 2018. وتُظهر البيانات أيضًا أن هذا الارتفاع المطرد ناتج عن ارتفاع عدد العاطلين بنسبة تفوق نسبة زيادة قوة العمل. إذ ارتفع عدد العاطلين السعوديين بنسبة بلغت حوالي 245%، في حين لم ترتفع قوة العمل إلا بنسبة 115%، خلال الفترة من 1999 إلى 2018.

يأتي ذلك في الوقت ذاته الذي بدأ فيه تسريح الوافدين الأجانب من وظائفهم، وإقرار رسوم مرتفعة عليهم، أدت إلى رحيل 1.5 مليون وافد، علاوة على نصف مليون آخرين من أسر بعض الوافدين الباقين في أعمالهم.

وبسؤال باحثة تعمل في إحدى الجامعات السعودية، عن توافر فرص عمل مؤخرًا تتماشى مع خلو 1.5 مليون وظيفة (عدد الوافدين الذين رحلوا عن الممكلة بدءًا من النصف الثاني لعام 2016 وحتى 2018)، تقول (ز.أ): «لم ألمس أي فرص عمل تُذكر خلال العامين الماضيين، في محيطي الاجتماعي أو العملي البحثي، بل زاد معدل البطالة بحسب الأرقام الرسمية، بالرغم من أن التوظيف في مشروع «نيوم» قد بدأ بالفعل، بحسب ما علمت. لكننا في الواقع لم نلمس توظيف آلاف السعوديين كما قيل في وسائل الإعلام، إبان الإعلان عن إطلاق المشروع».

وأضافت الباحثة السعودية خلال حديثها لـ«ساسة بوست»، أن سبب زيادة معدل البطالة رغم خروج الكثير من الوافدين؛ يعود إلى «خروج الوافدين»، وأوضحت (ز.أ) ذلك بالقول: «حملة السعودة والتوطين وما ترتب عليها من إقرار رسوم وضرائب جديدة، أضرت بالشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة، التي لم تستطع تغطية هذه الرسوم، فاضطرت إلى الإغلاق، في حين دفعت الشركات العملاقة التي تُشغل أجانب، الرسوم المقررة، واحتفظت بهم» وأردفت أن: «سوق العمل ما بقي للسعودي.. السوق انهار على السعودي، أو بالأدق؛ الأجنبي راح وراحت وظيفته معه، بعكس ما يروجون في وسائل الإعلام الموالية للنظام».

وبسؤالها عن تأثير خروج الوافدين من المملكة على الحالة الاقتصادية للمواطن السعودي، أشارت (ز.أ) إلى أن خروج الأجانب، تسبب في إغلاق العديد من المحال والمطاعم التي كانت «ترتزق» من البيع لهذه العمالة، وكذلك أثر خروج أُسر الوافدين الذين بقوا، على الحالة الاقتصادية العامة، فليست البطالة وحدها التي زادت مؤخرًا، بل الفقر أيضًا، بحسب ما أدلت الباحثة السعودية لـ«ساسة بوست».

وكان مجلس الوزراء السعودي قد أصدر قرارًا يقضي بإلغاء «هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة» في مارس (آذار) الماضي، وقد أشاد الأمير خالد آل سعود عضو مجلس الشورى بذلك آنذاك، مؤكًدا أن المملكة لا تعاني من البطالة بقدر ما تعاني من عدم توطين الوظائف.  وقال: «هناك ما يقارب 12 مليون وافد يعملون في المملكة في كافة الوظائف والتخصصات، وكل وظيفة يشغلها وافد فهي تعتبر وظيفة لسعودي وهناك فرصة لتوطينها. مبينًا أن عدد العاطلين عن العمل في المملكة يبلغ مليوني مواطن ومواطنة، ما يعني أنه في حال توطين وظائف الأجانب، فإن البطالة ستكون في حكم الماضي». 

وفي سياق متصل؛ ذكر تقرير مصرفي صادر عن البنك السعودي الفرنسي، إنّ عدد العمالة الأجنبية التي من المتوقع أن تغادر السعودية مع بدء تطبيق رسوم المرافقين وحتى عام 2010، يقدر بنحو 670 ألفًا، إذ سيكون معدل مغادرة العمالة الأجنبية في حدود 165 ألف عامل سنويًّا، لكن وعطفًا على ما ذكرته الباحثة السعودية لـ«ساسة بوست»، فإن هذه الوظائف لن تصبح فُرصًا للسعوديين، بل ستذهب مع الوافدين عند مغادرتهم.

«وظائف الوافدين لا ترقى لنا»

وبسؤال السعودية تهاني الناصر، والتي سبق وأن عملت بالصحافة الإلكترونية في عدة مواقع عربية، عن فرص العمل المتاحة للسعوديين الآن، تقول تهاني: «الأمر جد عسير. الفرص تكاد تكون منعدمة، فما أشبه اليوم بالبارحة. الوظائف التي صارت متاحة بعد قرار «السعودة» لا تناسب السعودي. على سبيل المثال، توفرت مؤخرًا وظيفة «كاشير» للمرأة السعودية، بعد أن كانت ممنوعة عليها، حتى صارت كل «الكاشير» في المحلات نساء. بالرغم من أن الرواتب مرة ضعيفة». وأردفت تهاني التي درست الإعلام، أن مثل هذه الوظيفة لا تلائمها بالطبع ولا تلائم العديد من خريجات الجامعة الحاصلات على شهادات عليا.

وأوضحت أيضًا أن الأمر ذاته بالنسبة للرجال، فمعظم العمالة الوافدة التي خرجت من المملكة، أغلبها من العمال في المطاعم والمولات التجارية وشركات الأمن والنظافة، وهي وظائف يترفع الكثير من السعوديين عن العمل بها. «الكل يبغى يكون مدير» بحد قولها لـ«ساسة بوست».

الأمر نفسه الذي أكد عليه صالح ذياب والذي صار يعمل في مشروع خاص بعائلته، بعد أن أغلقت الشركة التي الناشئة التي كان يعمل بها في مجال الـ (IT) أبوابها، بعد رحيل معظم موظفيها الوافدين، إذ قال: «يصعب على أي سعودي أن يعمل في توصيل الطلبات أو في النظافة، فهذه المهن متدنية للغاية ولا تقبل العائلات السعودية أن يلتحق أبناؤهم بها. كما أن رواتبها ضعيفة لا تتماشى مع غلو المعيشة في المملكة»، وأردف ذياب: «الشركات أغلقت لأن ما عندها تدفع للسعوديين، كانوا يستقدمون الآسيويين ويعطونهم رواتب هزيلة. فوظائف الأجانب لا تناسب إلا الأجانب».

البطالة في المملكة.. فشل حكومي أم ثقافة مجتمع؟

بالنظر إلى المعطيات والأرقام المطروحة، يمكن القول بإن أزمة البطالة في السعودية ليست أزمة موارد مالية على إطلاق؛ فالموارد متاحة وبمليارات الدولارات سواء نفطية أو غيرها، فالسعودية تعد الدولة العربية الأولى في حجم احتياطي النقد الأجنبي، إذ تمتلك احتياطيات تبلغ حوالي 500 مليار دولار، وهو مبلغ يكفي لإقامة مشروعات عملاقة في كل القطاعات. وتعد السعودية أيضًا أكبر منتج للنفط في العالم بطاقة إنتاجية تفوق 10 مليون برميل يوميًا.

ويمكن إرجاع الزيادة في معدل البطالة إلى فشل الحكومة في تطبيق سياسة التوطين وإقناع القطاع الخاص بتوظيف المواطنين رغم محاولات «السعودة» منذ سنوات طويلة، وعدم استغلال الموارد المالية المتاحة في صالح المواطن، والاكتفاء بوضع الاحتياطي النقدي في البنوك الأمريكية والغربية. علاوة على استمرار الاعتماد شبه الكلي على الأجانب في إدارة العمل في المؤسسات الحكومية والإنتاجية والخدمية؛ فحسب الأرقام الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء السعودية، فإن عدد الأجانب المشتغلين بلغ حوالي 76.4% من إجمالي المشتغلين في السعودية، فيما بلغ عدد المشتغلين السعوديين ما يمثل 23.6% من الإجمالي.

ويُرجع بعض المراقبين تفشي البطالة إلى رفض السعوديين العمل في المهن والحرف اليدوية والعمالة المتوسط واعتبارها مهنًا دنيا لا تليق بمواطن دولة تسبح على بحر من الذهب، الأمر الذي سيجعل القضاء على البطالة في المملكة الأكثر ثراءً، أمرًا بعيدًا.

 

اجمالي القراءات 1473