المهاجرون «لا يستولون» على خيرات البلاد.. دراسة تثبت أنهم الأكثر مهارة وخبرة

في الثلاثاء ٠٥ - فبراير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

أجرت منظمة «التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD دراسة حديثة، كشفت أن نسبة الأجانب في الدول المتقدمة المؤهلين تأهيلًا مُفرطًا، أعلى من الوظائف التي يشغلونها (Overqualified)، أكبر من نظرائهم من السكان المحليين، وهي نتيجة تطرح تساؤلات حول مؤهلات المهاجرين، ونظرة المحليين إليهم، ومدى تأثير ذلك في عبارة «المهاجرون أخذوا خير البلد ووظائفها»!

أن تكون «Overqualified»

تُعرف «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» تصنيف كلمة «Overqualified» على أنهم الأشخاص ذوو المهارات الكبيرة والتعليم المرتفع، ولكنهم يعملون في وظائف تتطلب مؤهلات ومهارات مُنخفضة ومتوسطة، وبكلمات أخرى، أن يعمل الشخص في وظيفة أقل من المؤهلات العالية التي يمتلكها.

وقد أصبح ذلك الأمر شائعًا شيوعًا متزايدًا في السنوات الأخيرة؛ إذ يميل الأشخاص إلى تنمية مؤهلاتهم ومهاراتهم بشكل مرتفع، لمواكبة التنافسية الشديدة في سوق الوظائف من أجل التقاط الوظيفة التي يريدونها، ويُعد ذلك التأهيل المفرط للوظيفة سلاحًا ذا حدين؛ فمن ناحية يحمل ذلك التأهيل تأثيرات إيجابية، من خلال أداء الموظف المهمة على أعلى مستوى.

ولكنه على الجانب الآخر، يؤدي إلى توقعات أعلى للراتب، وانخفاض مستويات الرضا الوظيفي، وقد يؤدي في النهاية إلى مغادرة الشخص المؤسسة بحثًا عن مؤسسة أعلى تستطيع أن ترضيه وظيفيًا براتب يُعطي إمكاناته حقها.

المهاجرون أكثر مهارة من السكان الأصليين

على ضوء هذا التعريف، أجرت المنظمة مقارنة في معدلات التأهيل المُفرط، بين المنضمين للقوى العاملة من الأجانب المولودين في الخارج، والسكان الأصليين لعدد من الدول المتقدمة في العالم المنضمة لـ«منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» في مختلف قارات العالم.

وخلصت نتائج الدراسة إجمالًا إلى ارتفاع معدلات التأهيل المفرط لدى الأجانب عن نظرائهم من السكان المحليين، خلال جل الدول التي شملتهم الدراسة، فيما عدا ثلاث دول، وهم: المكسيك، وتركيا، والبرازيل، أما بقية الدول البالغ عددهم 12 فقد تفوقت نسبة التأهيل المفرط لدى الأجانب عن السكان الأصليين، من بينها دول غربية كُبرى، مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، ويدل ذلك على زيادة نسبة المهاجرين الذين يعملون في وظيفة أقل من مؤهلاتهم، عن نظرائهم من السكان المحليين.

وقد وصلت نسبة التأهيل المفرط لدى الأجانب ذروتها في كوريا الجنوبية الشهيرة بتقدمها التكنولوجي، بنسبة بلغت 74.5%، وتلتها اليونان بنسبة 60.7%، ثم إسبانيا بنسبة 53.6%، وفي أمريكا كان هناك تقارب في النسب مع تفوق طفيف للأجانب، بفارق 1%، واتسع هذا الفارق في بريطانيا ليصل إلى 8.2%، واستمر في الارتفاع في فرنسا ليصل إلى 9.6%، وفي ألمانيا وصل الفارق إلى 15.2% لصالح الأجانب، وهذا رسم يُلخص نسب التأهيل المفرط في الدول محل الدراسة، ومقارنة تلك النسب بين المهاجرين (باللون السماوي)، والسكان الأصليين (باللون البرتقالي):

المصدر«statista»

دلالات النتائج وعلاقتها بالعنصرية تجاه الأجانب

طرحت نتائج تلك الدراسة العديد من التساؤلات حول، أسباب ذلك التفوق للمهاجرين عن السكان المحليين، ودلالات ذلك، وإلى أي مدى تدعم تلك النتائج المهاجرين في الدول المتقدمة؟ وعلى جانب آخر، هل هناك تأثير سلبي لتلك النتائج، بأن يتخذ اليمينيون منها حجة لهم لزيادة النظرة العنصرية تجاه الأجانب، وتعزيز مقولة: «أن الأجانب استولوا على خير البلاد ووظائفها»؟

كل هذه الأسئلة وأكثر طرحها « ساسة بوست» على أمين صوصي علوي، أستاذ الإعلام والأيديولوجيا في معهد «إيمكا» للسينما، والباحث المغربي في الرأي العام والبروباجاندا التطبيقية، الذي أجاب عنها في الحوار التالي:

ما تعليقك على نتائج الدراسة؟ ولماذا زادت نسبة التأهيل المُفرط للأجانب والمهاجرين على السكان الأصليين في دول متقدمة، ومنها: أمريكا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا؟

بطبيعة الحال عادة ما يكون المهاجرون أقل حظًا في الحصول على وظائف تليق بمستوياتهم الدراسية، أولًا: لأن ظاهرة عدم التناسب بين مستوى التأهيل العلمي العالي، وبين الوظائف التي تطلب مهارات منخفضة ومتوسطة، قد تسببت فيها الأزمات الاقتصادية في هذه البلدان، والتي زادت من نسب البطالة لدى كل الشرائح، بما فيها السكان الأصليون.

 

 

أما السبب الثاني فيكمُن في التمييز في الوظائف؛ إذ يجري تقديم سكان البلدان الأصليين أولًا في الوظائف الشاغرة، ولا يُقبل الأجنبي فيها، إلا إذا لم يجدوا من المواطنين الأصليين أحدًا مناسبًا يتقدم لطلبها. ذلك بالإضافة إلى مشكلات سياسية وأيديولوجية، مثل: ارتفاع نسب العنصرية التي تؤثر في اختيارات بعض المشغلين الذين يرفضون تشغيل الأجانب. وهذا التمييز قد يطال الموظف الأجنبي ذا الشهادة العالية، في التدرج لمستويات أعلى إذا ما جرى توظيفه، بالمقارنة مع زملائه من المواطنين الأصليين.

حسنًا، إلى أي مدى تدعم تلك النتائج المهاجرين والأجانب في الدول المتقدمة؟

في الحقيقة تلك النتائج لا يمكنها أن تدعم المهاجرين، إلا إذا كان هناك قرار جاد في إلغاء التمييز بينهم وبين السكان الأصليين، وهذا ما لا يمكن لتلك الدول أن تفعله، رغم إدعائها باستمرار محاولتها عبر القوانين منع التمييز.

وهذا لأن سياساتها العمومية ترسخ التمييز وتشرعنه بشكل أو بآخر؛ فمجرد الحديث عن الأفضلية الوطنية هو تمييز ينافي تلك الادعاءات. بالإضافة إلى أن وسائل الإعلام، بما فيها الرسمية، ترسخ العنصرية، وتزيد من حدتها بالتشكيك المستمر في الأجانب، وتبث الخوف من وجودهم، وهو ما يؤثر في مزاج الرأي العام، ويشكل ضغطًا على المُشغلين.

في المقابل، هل تعزز تلك النتائج حجة بعض الآراء اليمينة أو «العنصرية» أحيانًا بأن الأجانب «أخذوا خير البلد ووظائفها»؟

بالعكس تمامًا؛ النتائج تؤكد أن التمييز تجاه الأجانب قائم، وتحرمهم من الاستدلال بكذبة استيلاء الأجانب على الوظائف التي تستغلها الأحزاب والتيارات اليمينية لتأليب الرأي العام ضد الأجانب.

أخيرًا، في ضوء نتائج تلك الدراسة، هل خطط استبدال الأجانب بالسكان المحليين في القوى العاملة، تكون أنفع للبلد التي تتخذ ذلك المجرى؟

لا يمكن الاعتماد على دراسة مثل هذه لتحديد الأفضلية في هذا الأمر؛ لأنها تختلف من بلد لآخر، ومن ظروف الهجرة ونوعيتها وكيفية تعامل الدول المستقبلة للأجانب، وسياسات الدمج المهني التي تخصصها لهم؛ فهناك بلدان تترك الكثير من القطاعات، وعلى رأسها القطاعات الخاصة، الحرية في تهميش طاقاتها الوطنية؛ لأن تكلفتها عالية، وتفضل جلب الأجانب المؤهلين تأهيلًا علميًّا عاليًا؛ لأن أجورهم تكون أدنى، وهو تنافس غير متوازن.

وعلى جانب آخر، هناك بلدان أخرى تختلف تمامًا في سياساتها وتختار تمييز المواطنين الأصليين، وهو حال تلك الدول المذكورة في الدراسة، وبالتالي فاستبدال الأجانب بالمحليين غير مطروح؛ لأنها تعاني من نقص القوى العاملة، وليس لديها ما يكفي لسد احتياجاتها من العمالة، وهي دول مضطرة لاستجلاب العمالة الأجنبية.

اجمالي القراءات 816