أهل الكهف».. أسر مغربية اختارت العيش مع ماشيتها داخل كهوف الجبال بدل حياة الترحال

في الإثنين ٠٤ - فبراير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

قبل أن يكمل الديك صيحته الأولى، استيقظت فاضمة، الطفلة البالغة من العمر حوالي 14 سنة، توجهت نحو قنينة ماء وملأت إناء غسلت منه يديها ووجهها، فيما شرع والدها في إيقاظ الأطفال.

دخلت الطفلة كهفاً صغيراً، ثم أشعلت النار في الموقد، فتراقصت ألسنة اللهب كاشفة بضوئها الشاحب عن وجه صغير ذي ملامح صارمة، كما بدد الضوء ظلمة الكهف ليكشف عن مطبخ صغير بدائي يضم مواقد طينية وضعت فوقها أوان اسودت بفعل الدخان، وكومة من الحطب، وجدران سوداء.

هنا يعيش إبراهيم، الرجل الأربعيني، وأسرته.. في كهوف بجبال الأطلس الكبير ضواحي مدينة بومالن دادس (جنوب شرق المغرب) على ارتفاع نحو 1500 متر من سطح البحر، وعلى بعد ساعة سيراً على الأقدام من أقرب قرية صغيرة، إنه الوحيد بين قبائل الرحل في هذه المنطقة الذي اختار الاستقرار في الكهوف بدل حياة الترحال.

مساكن في الكهوف.. هندستها الطبيعة

مسكن إبراهيم الذي يقع في منتصف الجبل، يتكون من حجيرات منفصلة نحتت في الجبل، تشكل مجتمعة نصف دائرة؛ حجرة خصصت للجلوس والأكل، فيما خصصت أخرى للنوم، وثالثة عبارة عن مطبخ صغير، فيما جمعت بعض المؤن والأفرشة البسيطة في حجرة رابعة، وعلى بعد مترين توجد حظيرة الأغنام والماعز، التي تتشكل من غيران صغيرة في جدار الجبل يحيط بها سور قصير بني بالحجارة والطين، ثم غار خصص للحمار وآخر عبارة عن خم للدجاج.

يحكي إبراهيم بأمازيغية سريعة، و»الرابوز» (الكير) في يده ينفخ به على مجمر فوقه إبريق شاي، إنه يعيش في هذه الكهوف رفقة زوجته وأبنائه الأحد عشر، جلهم دون العاشرة. وأضاف مستدركاً أن زوجته سافرت لزيارة أقاربها رفقة خمسة من أبنائها، ويشرح مزايا مسكنه: «إفران (الغار/الكهف) يكون بارداً في الصيف دافئاً في الشتاء».

في الصباح الباكر التهمت عائشة والزهراء (أكبرهما بالكاد تبلغ من العمر 12 سنة) فطورهما على عجل، وانتعلتا أحذية بلاستيكية، وحملت إحداهما حقيبة وضعت بها قنينة ماء وبعض الخبز وإبريق وشاي وسكر، قبل أن يساعدهما والدهما في إخراج القطيع الذي يضم حوالي مائة رأس، وانطلقوا في خطوات وئيدة على تضاريس المنطقة الوعرة إلى أن ابتعدوا عن مسكنهم بكيلومترات حيث يرعى القطيع.

 
 
يعيشون في كهوف بجبال الأطلس الكبير على ارتفاع نحو 1500 متر

أما فاضمة فإنها تولت مسؤولية المطبخ والصغار، في ظل غياب والدتها.. فتحت خم الدجاج، وبعد خروج الديك والدجاجات، بحثت في العشب لتخرج بعض البيض، فتوجهت نحو المطبخ، حيث وضعت البيض ليسلق في قدر أسود، بينما شرعت في إعداد الخبز.. وما هي إلا ساعة حتى أصبحت مائدة الإفطار جاهزة؛ خبز وبيض وزيت الزيتون، وشاي تكلف الأب بإعداده.

وعندما سأل «عربي بوست» إبراهيم عن طفلتيه اللتين خرجتا للمرعى باكراً، قال إنهما ترعيان القطيع في منطقة تبعد عن المسكن بحوالي خمسة كيلومترات، وسيعودان مع المغيب، مشيراً إلى أن زادهما الخبز والشاي فقط، وعند سؤاله: «ألا تخاف عليهما من التيه أو من أية مخاطر؟»، قال ضاحكاً: «إنهما يخبران تضاريس المنطقة وشعابها جيداً، ولا يوجد شيء يشكل خطراً عليهما هنا..  حتى الكلاب الضالة تهاجم القطيع ولا تهاجم الإنسان».

تحاصرهم الثلوج في كهوفهم طوال أشهر

وبداية من شهر أكتوبر/تشرين الأول سيشرع إبراهيم وغيره من سكان جبال الأطلس الكبير التحضير لبرد فصل الشتاء القارص والثلوج التي ستغطي أبواب الكهف حابسة إياهم طوال أسابيع.

يخزنون ما يكفيهم من القمح والمواد الغذائية الأخرى، ويجهزون حطب التدفئة الأساسي للبقاء على قيد الحياة، وتحتاج الأسرة الواحدة لطنين من الحطب بقيمة 2000 درهم (حوالي 200 دولار).

 
 
يخزنون كل مستلزمات البقاء على قيد الحياة في الشتاء

غير أن ما يشغل بال سكان الكهوف هو توفير علف لقطيع الماشية الذي يظل طيلة فترة تساقط الثلوج محبوساً في كهفه، حيث يرتفع ثمن كيس الشعير ليتجاوز مبلغ 200 درهم (نحو 20 دولاراً).

في المساء شرعت فاضمة في إعداد الكسكس (أكلة مغربية شعبية عبارة عن سميد ولحم وخضار) للعشاء، بينما أحدث إخوتها الصغار جلبة حولها وهم يلعبون وتتعالى ضحكاتهم. أما إبراهيم الذي يرتدي جلباباً أصفر بالياً، ويعتمر عمامة لفّها كيفما اتفق، فقد وضع البردعة على ظهر الحمار، وتوجه إلى أقرب مدشر، يبعد بمسيرة ساعة على الأقدام، ويدعى «نايت مراو»، قبل أن يعود والحمار أمامه محملاً بعبوات المياه.

ولا حظَّ لهم في ولوج المدارس

عادت الزهراء وعائشة مع مغيب الشمس يتقدمهما القطيع، استقبلهما الأب وتبادلا كلمات سريعة، قبل أن يتوجه إلى الحظيرة ويفتح بابها، فاسحاً منفذاً صغيراً بالكاد يسمح لشاة واحدة بالعبور، وبينما القطيع يتسرب إلى داخل الحظيرة، استغرق إبراهيم في إحصائه، وبعد دخول كل القطيع اطمأن إلى أن عدده مكتمل، فالتفت إلى بنتيه وكافأهما بابتسامة وبقوله «أكي حفظ ربي» (حفظكما الله).

 
 
في الجبال لا مدارس ورعي المواشي هي المهنة المتاحة

الليل هو الفرصة الوحيدة للعائلة للجلوس مجتمعة، لذلك فقد افترشوا في العراء حصيراً بلاستيكياً وفوقه زربية صغيرة صنعت من الصوف. جلس إبراهيم وتحلق حوله أبناؤه، بينما وضعت صينية الشاي أمامه، وبجانبه مجمر وضع عليه إبريق الشاي، وبينما ألسنتهم تلوك أمازيغية سريعة وهم يتحدثون عن يومهم الذي انقضى في شبه تقييم لأعمالهم، ينفخ إبراهيم بالرابوز على المجمر فتتألق الجمرات.

لا أحد من أبناء إبراهيم ارتاد المدارس، رغم أن جلهم تجاوز سن التمدرس (سبع سنوات)، وفي هذا الصدد قال الرجل الأربعيني، بعدما أعاد تثبيت عمامته على رأسه، «المدرسة بعيدة، توجد بمدشر نايت مراو، لذلك تهاونت عن تدريس أبنائي»، واستدرك قائلاً: «لقد سجلت أبنائي الصغار في المدرسة هذه السنة ربما سيكون حظهم أفضل..»، ليعود بعدها متفقداً إبريق الشاي.

اجمالي القراءات 820