عاصمة مصر الجديدة.. مدينة بلا سكان لإرضاء غرور السيسي

في الجمعة ٢٥ - يناير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

تُعرف القاهرة بأنها مدينة الألف مئذنة، لكن استبدالها بدأ بأربعة مآذن بيضاء عالية فقط لمسجد "الفتاح العليم"، وهو نموذج مشروع بديع في العاصمة الجديدة، التي تمتد في الصحراء على بعد 49 كلم شرق القاهرة.

كشف الرئيس "عبد الفتاح السيسي" النقاب عن المسجد هذا الشهر، لكن لا أحد يعيش في المدينة بعد، لهذا تم نقل طلاب من جامعة القاهرة -بعد فحصهم من قبل الأمن- بالحافلات لأداء صلاة الجمعة الأولى فيه يوم 18 يناير/كانون الثاني الجاري، وعلى غرار المسجد، فإن العاصمة المصرية الجديدة التي لا تزال بدون اسم كبيرة وفارغة من السكان ومسيطر عليها بإحكام.

السيسي يرضي غروره

و"السيسي" ليس أول حاكم مصري ينقل العاصمة؛ فقد فعلها الفراعنة مع طيبة وممفيس على سبيل المثال لا الحصر. وكانت الإسكندرية قلب مصر اليونانية الرومانية. بينما يعود تاريخ القاهرة، العاصمة الحالية، إلى 969 ميلادية، عندما قام الغزاة الفاطميون بتأسيس مدينة مسورة للاحتفال بانتصارهم. وبعد أكثر من ألف عام أصبحت القاهرة مدينة صاخبة تزدحم بـ23 مليون شخص، بينما فضل الرئيس المخلوع "حسني مبارك" في سنواته الأخيرة أن يحكم من منتجع شرم الشيخ الهادئ.

بعد 5 سنوات من تولي "السيسي" للسلطة إثر انقلاب، يستعد للانتقال لعاصمة جديدة. وعندما ينتهي من المدينة الجديدة -إذا أنهاها- فإنها ستمتد على مساحة 700 كم مربع، أي ما يعادل حجم سنغافورة تقريبا. وبدلا من الأحياء الفقيرة في القاهرة والأزقة الضيقة؛ فالعاصمة الجديدة تتميز بشوارع واسعة وصفوف منتظمة من المباني الشاهقة. وإلى جانب المسجد الضخم الذي جرى افتتاحه بها، توجد بها أكبر كاتدرائية في المنطقة. كما تقوم شركة صينية تديرها الدولة ببناء منطقة تجارية في المدينة تضم أطول ناطحة سحاب في أفريقيا. وتهدف المدينة، حسبما تقول الحكومة، إلى تخفيف الضغط على القاهرة، بينما يقول البعض إنها لتعزيز غرور "السيسي".

لا أحد يعرف كم سيكلف كل هذا (كان التقدير الأولي 45 مليار دولار) أو كيف ستدفع مصر مقابل ذلك. وعانى المشروع من مشاكل مالية منذ بدايته في عام 2015، وتعثرت محادثات التعاقد مع شركة "إعمار"، عملاق العقارات في دبي، ومع شركة صينية أخرى تهدف إلى بناء مرافق بقيمة 20 مليار دولار. وكما يحدث دائما في مصر، تدخل الجيش ليكون هو البديل، وهو يمتلك 51% من الشركة المشرفة على المشروع، مع سيطرة وزارة الإسكان على الباقي.

هل سينتقل الناس؟

تبدأ مرحلة أولى متواضعة من الانتقال إلى العاصمة الجديدة هذا العام، ويأمل البرلمان في تبكير انتقال العاصمة ليكون هذا الصيف، وسيتبعها بقليل نقل حوالي 50 ألف بيروقراطي (أقل من 1% من العاملين في القطاع العام). لكن السفارات الأجنبية تتردد في الانتقال بينما لا تزال المدينة مهجورة، كما أنهم يخشون من أن يقتصروا على مدينة ذات مركز قيادة للجيش، وأن يتم عزلهم عما تبقى من المجتمع المدني، في الوقت الذي تحذر فيه حكومة "السيسي" من أنها لن تستطيع (أو لن تقوم) بتأمين السفارات في القاهرة.

السؤال الأهم هو ما إذا كان المصريون أنفسهم سينتقلون. فمنذ السبعينيات من القرن الماضي، نثرت الحكومة في الصحراء مدنا مخططا لها تهدف إلى تخفيف الازدحام. وكان من المفترض أن تجذب مدينة "القاهرة الجديدة"، التي تعد أحدها وتقع شرق القاهرة القديمة، ما يصل إلى خمسة ملايين ساكن، لكن لديها الآن أقل من عُشر ذلك، فالمدن الجديدة غالباً ما تفتقر إلى فرص العمل لجذب السكان، وأصبح العديد منها ملاذاً للمصريين الأثرياء الفارين من حركة المرور والتلوث في القاهرة.

ستوفر العاصمة الجديدة وظائف، لكن قلة من موظفي الحكومة يمكنهم تحمل تكاليف العيش هناك؛ فهم يكسبون في المتوسط ​​حوالي 1.247 جنيها مصريا (70 دولارا) في الأسبوع. وفي العام الماضي، طرحت وزارة الإسكان أسعار الشقق في العاصمة الجديدة بأكثر من 11 ألف جنيه مصري للمتر المربع (718 دولارا).

سيحصل موظفو الدولة على خصم. ويشمل المخطط طرح 285 ألف وحدة سكنية للبيع بأسعار منخفضة التكلفة، ولكن لن يوفر أي منهما السكن الكافي للبيروقراطيين البالغ عددهم 2.1 مليون في القاهرة أو العمال الآخرين اللازمين لإدارة المدينة.

يحيي المصريون في 25 يناير/كانون الثاني، ذكرى الثورة التي أطاحت بـ"مبارك"، وكان وزير خارجيته "أحمد أبو الغيط"، يتذكر من قبل كيف كان يشاهد الاضطرابات من نافذة مكتبه، لكن القاهريين سيضطرون قريبا للسفر أكثر إذا ما أرادوا مواجهة الحكومة، كان هذا بلا شك جزءا من الخطة.

اجمالي القراءات 1202